السعودية: تحذيرات من مخاطر تحيط بتصنيع «مياه الشرب»

أمانة جدة لـ «الشرق الأوسط»: إيقاف 29 مصنعا مخالفا في الشهرين الماضيين * خبير بيئي يؤكد عدم صلاحية المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية

تحذيرات من مخاطر صحية تحدق بتصنيع المياه في السعودية (تصوير: ثامر الفرج)
TT

فتحت تحذيرات أطلقها خبراء بيئيون وأطباء في السعودية الباب على مصراعيه للشكوك في صلاحية المياه التي تصدرها بعض مصانع المياه التي تنتشر في شوارع المدن، خاصة بعد أن أعلنت أمانة جدة إيقاف 29 مصنع مياه مخالفا خلال الشهرين الماضيين نتيجة مخالفة في الاشتراطات.

وبينما أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور علي عشقي، الخبير البيئي، أن المياه المعبأة في عبوات بلاستيكية جميعها غير صالحة للشرب، لافتا إلى أن مكونات البلاستيك قد تتفاعل مع درجات الحرارة المرتفعة وتذوب في الماء. مشيرا إلى أن تلك المواد البلاستيكية معروفة كونها مسببة لمرض السرطان، عدا عن الفشل الكلوي وأمراض الدم وغيرها، أكدت مصادر مسؤولة في أمانة محافظة جدة لـ«الشرق الأوسط» تراجع أعداد مصانع مياه الشرب في محافظة جدة إلى نحو 165 مصنعا خلال عام 2009، بعد توقف 35 مصنعا في العام 2008، مرجعة سبب ذلك التناقص إلى عدم قدرة بعض المصانع على تطبيق الاشتراطات المطلوبة منها وفق لائحة مصانع المياه الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية، مما أدى إلى تحول بعض منها لنقاط لتوزيع المياه.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور بشير أبو نجم، مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة، أن أبرز المخالفات التي يتم رصدها في مصانع تعبئة مياه الشرب تتضمن نقص بعض الأقسام بها مثل القسم الإداري والتعبئة والمختبر والمستودعات، والمراجعة «منتجات نهائية ومواد أولية»، إضافة إلى عدم وجود دورات مياه للعاملين وعدم توافر الاشتراطات التشغيلية من حيث التعبئة والتداول ونتائج العينات.

وأكد وجود جولات تفتيشية تجوب جميع محلات المياه القائمة بمدينة جدة خلال الفترة المسائية وفق آلية محددة، وذلك بهدف ضبط المخالفات الموجودة في تلك المحلات ومعالجتها فورا، لافتا إلى وجود مختبر تابع لأمانة جدة يحتوي على أجهزة لفحص المياه كيميائيا وميكروبولوجيا.

يأتي ذلك في وقت كشفت فيه الإدارة العامة للتراخيص والرقابة التجارية في أمانة محافظة جدة أخيرا عن ضبط 29 مصنع مياه مخالفا، وذلك بعد أن أظهرت نتائج تحليل 97 عينة تم سحبها خلال الشهرين الأوليين من العام الهجري الحالي أن مياه المصانع المخالفة غير صالحة للشرب وفق بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه.

وفيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على المصانع المخالفة رد مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة قائلا: «يتم إيقاف نشاط أي محل لتعبئة مياه الشرب في حال عدم تطابق الاشتراطات الصحية عليه، أو لا يمتلك رخصة فتح سارية المفعول، أو لا تتناسب مساحته مع حجم العمل، إلى جانب عدم وقوعه على شارع تجاري».

ولفت إلى أنه في مثل تلك الحالات يتم إيقاف نشاطه ومنحه إنذارا نهائيا بالغلق خلال أسبوع واحد أو تحويل الموقع لمركز توزيع للمياه وليس كمصنع تعبئة، مشيرا إلى أن ذلك يتم بإزالة مكائن التعبئة والتغليف والخزانات وخلافه على أن يتم إصدار ترخيص جديد للموقع من البلدية الفرعية لنشاط مركز توزيع مياه معبأة.

وبيّن أن محلات تعبئة مياه الشرب التي لديها رخصة سارية المفعول ولا تنطبق عليها الاشتراطات الصحية، تمنح مهلة نهائية حتى تاريخ انتهاء الرخصة لتوفير الاشتراطات المطلوبة، على أن تتم متابعة سلامة المياه ومدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.

وأضاف: «يتم إيقاف نشاط المحلات غير الملتزمة بتطبيق وتوفير الاشتراطات الصحية المطلوبة حتى يتم توفير النواقص، والمتضمنة عدم توفير مختبر أو فني له، وتعبئة المياه يدويا وعدم التعقيم بالأوزون، إضافة إلى خلو العبوات من تواريخ الصلاحية».

وفيما يخص الإجراءات المتبعة في حال ورود عينات مياه غير صالحة للاستخدام أفاد مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة بأنه يتم إتلاف جميع الكميات المحجوزة وإغلاق المحل لحين قيامه بتنظيف وتعقيم الخزانات والمكائن والأدوات المستخدمة.

واستطرد في القول: «تتم فيما بعد إعادة رفع عينات جديدة للتأكد من صلاحية المياه المنتجة بعد تعقيم الخزانات، غير أنه لا يسمح بفتح المصنع قبل ورود نتائج تلك العينات للتثبت من صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، عدا عن تطبيق غرامة مالية بحدها الأعلى البالغ 5 آلاف ريال».

وذكر أنه في حال استمرارية عدم صلاحية مياه الشرب فإنه يستمر الغلق وإعادة عملية التعقيم والتطهير والتأكد من اكتمال الشروط الصحية في الموقع لمعرفة الخلل، موضحا أنه لا يتم فتح المصنع إلا بعد ورود نتائج عينات المرة الثالثة وتطابقها مع المواصفات القياسية السعودية.

وزاد: «إذا ما تمت إعادة فتح المصنع من قبل صاحبه دون إذن من البلدية فإنه يتم تطبيق غرامة مالية وإعادة غلقه مرة أخرى لحين تصحيح الوضع أو ورود نتيجة عينة المياه، والرفع رسميا وبشكل عاجل بطلب الغلق النهائي وسحب تراخيص المصنع الذي تتكرر مخالفته من ناحية تلوث المياه المنتجة لأكثر من ثلاث مرات في السنة مع إرفاق كامل الإثباتات الرسمية».

ويعيش الأهالي حالات من الخوف حيال إمكانية تلوث مياه الشرب الذي يفقدها صلاحيتها، لا سيما أن معظم سكان مدينة جدة يعتمدون على المياه المعبأة في كافة مناشطهم اليومية.

أبرار المحمدي إحدى ساكنات حي الصفا تؤكد أنها أصيبت ذات يوم بـ«صدمة» حينما زارتها إحدى مندوبات ترويج أجهزة تنقية المياه، والتي أخضعت عينة من مياه خزان المنزل إلى فحص عن طريق جهاز كهربائي، مما أدى إلى تحول لون الماء للبني الداكن.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ذهلت من المنظر، خاصة أن المندوبة فسرت لي ما حدث بوجود بكتيريا وفطريات في الماء، الأمر الذي يجعله غير صالح للاستخدام».

وأشارت إلى أنها امتنعت عن استخدام مياه الخزان للشرب، واعتمدت على مياه المصانع المعبأة لذلك، غير أن معلومات احتمالية تلوث تلك المياه أيضا جعلها تعيش حالة من الخوف على نفسها وأفراد عائلتها.

وأضافت: «نحن لا نعلم ما هو البديل، وكيف لنا أن نطمئن على وضع المياه في ظل انتشار تلك المعلومات التي لم نجد حتى الآن مصدرا مسؤولا يوضح لنا حقيقة الأمر»، مطالبة بضرورة الاهتمام «جديّا» بذلك كونه يعد كارثة حقيقية - بحسب قولها-.

فيما اكتفى العم عبد المقصود باويان أحد القاطنين في حي السليمانية بالرد على حديث «الشرق الأوسط» حول احتمالية تلوث مياه الشرب المعبأة في عبوات بلاستيكية والمستخدمة بكثرة في المدينة قائلا: «الله المستعان».

ولكنه استدرك في القول: «ما الذي تفعله الجهات المعنية وماذا تنتظر»، مشددا على ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لأصحاب مصانع تعبئة مياه الشرب ومراقبتها بصرامة، وخصوصا أن ذلك متعلق بأرواح بشر - على حد قوله.

وفي الوقت نفسه، أكد حسن الزهراني نائب رئيس المجلس البلدي في جدة، عدم ورود أي شكاوى حول تلوث مياه مصانع التعبئة حتى الآن، الأمر الذي يصعب الحكم عليه دون وجود دراسات علمية كونه يتعلق بصحة المجتمع.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «لم نستقبل أي شكاوى بخصوص هذا الموضوع، إلا أنه في حال ورود شكوى سنعمل على بحوث ودراسات مع جامعة الملك عبد العزيز في جدة ضمن إطار التعاون المشترك».

ولكنه استدرك قائلا: «إن لجنة البيئة والصحة التابعة للمجلس البلدي هي من تباشر تلك الشكاوى، إلى جانب مراجعة آلية العمل في أمانة محافظة جدة والتأكد من ضبط المسائل وتقوية الرقابة في حال تم التأكد من ضعفها».

وبالعودة للدكتور علي عشقي، الخبير البيئي، قال «تتعرض عبوات الماء إلى أشعة الشمس أثناء دوران المندوبين بها وتوزيعها على المنازل والمحلات التجارية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاعل البلاستيك مع الشمس ومن ثم تكوّن مواد خطرة».

وأشار إلى أن أخطار تلك المواد البلاستيكية معروفة كونها مسببة لمرض السرطان، عدا عن الفشل الكلوي وأمراض الدم وغيرها، ولكنه استدرك في القول: «لا يصاب الفرد بالمرض من المرة الأولى، وإنما تكرار شرب هذه المياه لفترات زمنية طويلة قد يؤدي إلى ذلك نتيجة تراكم كمية السمّيات في أنسجة الجسم».

وحذر عشقي من سوء التخزين الذي وصفه بـ«الخطير جدا»، مرجعا سبب خطورته إلى إمكانية نمو البكتيريا والفطريات في الماء إذا ما خزّن لفترات طويلة، الأمر الذي يحتم الالتزام بتاريخ صلاحية العبوة.

وطالب بضرورة انتهاج أمانة محافظة جدة نهج «الموضوعية» حيال هذا الأمر، وذلك بإخضاع جميع مياه الشرب في المصانع إلى التحليل البيولوجي والتأكد من عدم احتوائها على أي عناصر كيميائية أو ثقيلة أو غيرها.

وبالعودة إلى بيان أمانة جدة الذي أوضح فيه الدكتور بشير بن مصطفى أبو نجم مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة أن الأمر تطلب وضع آلية للرقابة على مصانع تعبئة مياه الشرب من خلال حملات التفتيش المستمرة بغرض التأكد من التزام القائمين عليها باللوائح والقوانين والأنظمة التي تهدف في المقام الأول إلى المحافظة على صحة وسلامة المستهلكين.

وأشار إلى أن أغلب المخالفات تتركز في عدم وجود فني مختبر ونقص في آلية المعالجة وعدم الالتزام بالتعبئة الآلية وافتقار المنشأة (المصنع) إلى عوامل الأمن والسلامة، عدا عن سوء تخزين المياه وعمليات التعبئة ومخالفة مواصفات المياه المعبأة، إضافة إلى مخالفة اشتراطات النظافة العامة ومنها المتعلقة بالعاملين كعدم وجود بطاقات صحية لهم وعدم الالتزام بالزى الرسمي وتدني مستوى النظافة العامة.

وأضاف: «إن فريق عمل المراقبين الصحيين المؤهلين لتلك المهمة خضعوا لدورات تدريبية مكثفة بهدف خوض هذا المجال وضبط المخالفين حفاظا على صحة المواطنين»، مشيرا إلى أن فريق العمل يعتمد على عنصر المفاجأة خلال عمليات التفتيش.

ولفت إلى وجود شروط عامة تمنح لمزاولة العمل والتشغيل طبقا للوائح والأنظمة الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية من ضمنها تناسب مساحة المصنع مع حجم العمل وكمية الإنتاج، إلى جانب الاشتراطات الخاصة بالمبنى، التي تشمل التهوية والأرضيات والأسقف ومغاسل الأيدي.

وزاد: «من ضمن تلك الاشتراطات أن تكون المياه المستخدمة صالحة للاستهلاك الآدمي ونقية ومطابقة للمواصفات القياسية المقررة، وخالية من العكارة والرواسب والطعم والرائحة الغريبة، مع ضرورة بعد الخزانات عن شبكة الصرف الصحي للمصنع أو عن أي مصدر آخر للتلوث».

وأفاد مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة بأن محلات تعبئة مياه الشرب التي تملك رخصة بلدية سارية المفعول ولا تنطبق عليها الاشتراطات الصحية أو تفتقد لشرط المساحة يتم منحها مهلة حتى تاريخ انتهاء الرخصة مع متابعة سلامة المياه ومدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، غير أنه يتم حجز الكميات وإيقاف النشاط إذا ما تم التأكد من عدم صلاحية العينة من الناحية الكيميائية والميكروبية.

وأشار إلى أنه في حال التأكد من تلوث العينة بالبكتيريا يتم إتلاف جميع الكميات التي تم حجزها وتطبيق الغرامة المالية المقررة بحدها الأعلى (5 آلاف ريال) واستمرار غلق المصنع إلى أن يقوم مالكه بتنظيف وتعقيم الخزانات والأدوات المستخدمة، كما يتم سحب عينات من المياه مرة أخرى للتأكد من صلاحيتها عقب عمليات التعقيم ولا تتم إعادة فتح المصنع قبل ورود نتائج العينات للمرة الثانية.

وشدد الدكتور بشير أبو نجم على أنه في حالة تكرار المخالفة وتعمد ارتكابها يتم الرفع وبشكل عاجل بضرورة الغلق النهائي وسحب ترخيص المصنع الذي تتكرر مخالفته لأكثر من ثلاث مرات في السنة مع إرفاق الإثباتات الرسمية الكاملة.

وهنا علّق الدكتور علي عشقي قائلا: «عادة ما تطبق أمانة جدة عقوبة إغلاق المصنع في حال المخالفة، إلا أنه من ناحية أخرى لا بد من وجود معامل لتحديد نوع التلوث الموجود في المياه بشكل أكثر دقة». بينما أكدت الدكتورة أمل النجار المدير التنفيذي لجمعية البيئة في مركز الأمير ماجد بن العزيز للتنمية على أن المشكلة الكبرى تتضمن تعبئة المياه في عبوات بلاستيكية، مطالبة في الوقت نفسه بضرورة إصدار قرار من الجهات المعنية يقضي بتغيير العبوات.

وقالت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «من أبرز السلبيات التي تم رصدها في مصانع تعبئة مياه الشرب هي غسيل العبوات بطريقة عادية وبدائية، غير أن هناك من يستخدم طريقة التعقيم بالأوزون، التي تعد الأفضل»، لافتة إلى أن الجمعية عادة ما تنظم حملات توعوية لأصحاب المصانع.

وأبانت بأن مياه التحلية جيدة ونقية جدا، إلا أنها تفقد صلاحيتها نتيجة الأخطاء التي تكون ما بعد وصولها، من ضمنها تعبئتها وتخزينها لفترات طويلة، عدا عن إهمال مسألة تعقيم الخزانات المنزلية، مشيرة إلى أن التلوث يتسبب في أمراض معوية تختلف باختلاف البكتيريا الموجودة في الماء. وأضافت: «لا توجد بدائل للحد من التلوث سوى تفريغ الماء في عبوات زجاجية فور وصوله إلى المنزل، وخاصة أن قرار تغيير العبوات البلاستيكية يحتاج إلى خطة مدروسة».

من جانبها، حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بمصنع مياه القصيم، الذي وعد أحد موظفيه بالرد على استفسارات الصحيفة فيما يتعلق بطرق تعقيم العبوات وتجهيزات المصنع وخطوات التعبئة، غير أنه لم يتم الرد حتى وقت النشر.