باحث عربي يوثق مسيرة 25 عاما من عمر الجنادرية.. باللغة التركية

قال لـ «الشرق الأوسط» إنها تشكل فرصة نادرة للتحاور وقبول الآخر

الباحث محمد العادل
TT

لم يكن مجيء سفير الثقافة العربية في تركيا، الدكتور محمد العادل، رئيس مجلس إدارة «الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون»، ومدير المعهد التركي العربي للدراسات، للمشاركة في مهرجان الجنادرية، وهو تركي ذو أصول عربية، لإقامة الأمسيات وبث الانطباعات فقط، وإنما جاء أيضا ليقوم بتفعيل عمل هذه الجمعية، من خلال العمل على توثيق تجربة مهرجان الجنادرية على مدى مسيرته خلال الـ25 سنة الماضية، باللغة التركية في شكل إصدار ضخم يخاطب الأتراك، من خلال رصد المحطات الفكرية والثقافية والفنية والتراثية كافة، التي مر بها مهرجان الجنادرية، ذلك أنه يوثق بالتالي مسيرة الحركة الثقافية السعودية، وإسهاماتها في الثقافة العربية والعالمية ككل، باعتباره مخزونا ثقافيا سعوديا عربيا أصيلا.

وقال العادل، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، إن هذا التوثيق، ليس خدمة للثقافة فقط، وإنما هو مبحث مقدر لاستبيان «خارطة طريق» للحوار الثقافي الحضاري الفكري بين الشعوب كافة، موضحا أن مهرجان الجنادرية في دورته الـ25، حقق إنجازات ونقلة نوعية كبيرة على مستوى الشكل والمضمون، موضحا أن قرية الجنادرية في الدورة الثامنة، كانت مجرد قرية صغيرة، «على الرغم من احتفاظها بالنكهة الأصلية للهوية الثقافية والتراثية العربية، وتطورت عبر السنين إلى تظاهرة وحالة ثقافية باهية وراقية»، مشيرا إلى أن شعار الجنادرية 25 «عالم واحد وثقافات متعددة»، عكس دلالات ورسالة مهمة للعالم أجمع.

ويعتقد العادل أن تجمع هذا الكم الكبير المتنوع من قادة الثقافة والفكر والفن في العالم، المشارك في مهرجان الجنادرية الـ25، بتعدد مشارب فكرها وثقافتها، لهو فرصة حقيقية نادرة للتحاور الحضاري والثقافي والفكري لقبول الآخر، ولجمع التشتت الفكري الثقافي العربي على الأقل.

وعلى مستوى العلاقات السعودية التركية، قال العادل: «نحن كمنظمة مدنية، نعمل كجسر ثقافي بين العرب والأتراك، وتعتبر السعودية هي المعبر الرئيسي الحقيقي لنيل هذا المرام وتحقيقه، مع تقديرنا لما وصلت له العلاقات السعودية التركية مؤخرا لمستوى كبير على المستويين السياسي والاقتصادي».

وأشار العادل إلى الأسبوع الثقافي السعودي، الذي أقيم مؤخرا في كل من أنقرة واستانبول، بتنظيم من وزارة الثقافة السعودية، مبينا أنه ترك بصمة واضحة في الشارع الثقافي التركي، منوها بأنه من الضروري ألا تكتفي السعودية بالحضور الثقافي الموسمي في تركيا، بل يجب أن يكون هذا الحضور دائما وفاعلا وإيجابيا، من خلال مؤسسات المراكز الثقافية في كل من أنقرة واستانبول.

ودعا العادل إلى إقامة مركز ثقافي سعودي، في كل من أنقرة واستانبول، كما دعا تأسيس أكاديمية للغة العربية والثقافة العربية، ترعاها السعودية في تركيا، خدمة للغة والثقافة العربية ككل، مشيرا إلى تهيئة الأرضية التشريعية لذلك، في ظل اتفاقيات كثيرة موقعة بين تركيا والسعودية بهذا الشأن، آخرها الاتفاقية التي وقعها وزير التعليم العالي السعودي مع نظيره التركي، بغرض تنمية التعاون بين المؤسسات والجامعات بين البلدين.

وعن المشهد الثقافي السعودي في تركيا، قال العادل: «للأسف، لا ترقى العلاقات الثقافية بين تركيا والسعودية لمستوى العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما»، مشيرا إلى أهمية دور المثقفين والمؤسسات الأكاديمية والثقافية والمدنية والإعلامية، إلى جانب دور حكومتي البلدين، مبينا أن الحكومات هيأت الطريق والأرضية التشريعية لبناء جسر ثقافي متين بين الشعبين.

وفي هذا السياق، قال العادل: «إننا ندرك أن السعودية تزخر بمؤسسات ثقافية وعلمية وفنية وأكاديمية ذات صيت عالمي، ولكن السؤال المطروح: هل صوت الثقافة السعودي يصل إلى العالم؟ وهل يصل إلى تركيا تحديدا؟ أعتقد أن السؤال يحتاج إلى دقة في الإجابة عنه».

ويعتقد العادل أنه بالنسبة إليهم في تركيا «بكل أسف، أن الحراك الثقافي والمؤسساتي والأدبي والشعري السعودي، غائب في الساحة الثقافية التركية»، ولذلك يرى العادل ضرورة تنشيط حركة الترجمة، مثلا ترجمة موسوعة الأدب السعودي، وترجمة الإنتاج الفكري والأدبي والثقافي، للغة التركية بجانب لغات العالم الحية الأخرى، لتسهم في عكس نتاج الأدباء والمثقفين والمفكرين السعوديين للعالم غير الناطق بالعربية، مشيرا إلى المشهد الثقافي السعودي الداخلي حي ومتحرك في حدوده الجغرافية، مؤكدا مبادرته، واستعداهم في الجمعية، لبذل المزيد من الجهد لجعل الحضور الثقافي السعودي خاصة، والعربي عامة، قويا في تركيا لخلق لوبي عربي في المنطقة، ينافس اللوبي الصهيوني الذي مكنته الحركة الثقافية النشطة بين تركيا وإسرائيل من أن يلعب أدوارا كبيرة لقضاياها غير العادلة.

وعلى صعيد «الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون»، قال العادل، إن هذه المؤسسة مدنية مسجلة في أنقرة، ذات صفة دولية، وتعنى بشكل رئيسي بتنمية التعاون الثقافي والفني والعلمي والإعلامي، وتعمل كجسر ثقافي بين العرب والأتراك، لإنهاء قطيعة دامت لـ80 سنة ماضية، لم تكن سياسية فقط، وإنما في عمقها ثقافية، بالدرجة الأولى، مبينا أنه منذ السنوات الـ10 الأخيرة، لا سيما في عهد حكومة العدالة والتنمية، بدأ مشهد ثقافي وليد يبرز بجانب السياسي والاقتصادي يؤطر العلاقات التركية العربية بصفة عامة، والتركية السعودية بصفة خاصة.

وعلى الرغم من انتعاش العلاقة السياسية العربية التركية، فإنه في رأي العادل، أن هذه العلاقة لا يمكن الدفع والتعويل عليها من دون بناء قاعدة ثقافية فكرية مشتركة، مما دفع بهم كمواطنين للمبادرة بتأسيس الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون، لإيمانه بأن التقارب الحقيقي بين الشعوب يقوم على الأساس الثقافي والإبداعي والفني بشتى ضروبه.

وقال العادل إن الجمعية تقوم إلى جانب تنمية التعاون الثقافي والفكري والفني بين العرب والأتراك، بتنشيط حركة الترجمة بين اللغتين العربية والتركية، لأنها عصب هذه الشريان الثقافي، بالإضافة إلى توأمة الجماعات العربية بالتركية، وتنشيط الأبحاث بينها، لتمكن شعوب هذه البلاد من الإطلاع على عمق الثقافتين، وتدفع بعجلة الحراك الثقافي الفكري الفني إلى الأمام.

وأضاف العادل، أن الجمعية تعمل أيضا على نشر اللغة العربية، باعتبار العمود الفقري للثقافة العربية، من خلال تخصيص أقسام لها في الجامعات التركية، إلى جانب الدورات، وتخصيص مناهج تعنى بذلك، ومشاركة الفرق الفنية والفلكلورية للمشاركة بين هذه البلاد.

وبحسب العادل، فمن أهم مشاريع الجمعية، كيفية توظيف الثقافة والفكر والأدب في خلق تقارب حقيقي بين الشعوب، مشيرا إلى طموحه إلى إقامة المنتدى الإعلامي العربي التركي الأول للإعلام والاتصال، لتقوية الروابط الإعلامية العربية التركية، وقطع الطريق أمام الإعلام الوسيط، بالإضافة إلى مشروع إنجاز قاعدة بيانات عن البلدان العربية والتركية حديثة، بدلا من المصادر القديمة التي تقوم على عهد الدولة العثمانية، ذلك لانعدام كتب حديثة توثق للسنوات الخمسين الماضية.