مؤتمر طيبة يجمع الأضداد ويذيب الفوارق القاسمة

الابتسامة.. عامل مشترك بين اليمين والوسط واليسار من كل الأقطاب

مؤتمر المدينة شهد حضورا لافتا من جميع أطياف التيارات والمذاهب والمفكرين والإعلاميين («الشرق الأوسط»)
TT

الابتسامة سجلت حضورا لافتا في مؤتمر «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف»، الذي احتضنته طيبة الطيبة على مدى الأيام القليلة الماضية، على الرغم من اختلاف التيارات والتوجهات.

فمكان إقامة ضيوف الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والذين فاق عددهم 500 مشارك، كان شاهدا على التبادل الفكري ما بين المشاركين، وإن وجدت اختلافات واضحة في الرؤى والتوجهات.

الضخامة في عدد المشاركين في المؤتمر ذاته قادت الجهة المنظمة لحجز أحد فنادق المدينة بالكامل، رغبة من تلك الجهة في استضافة كل من خاطبها راغبا في الحضور والمشاركة.

وأن يطلب أحد الضيوف، مرتديا بدلته الإفرنجية، نافخا بغليونه يمنة ويسرة بثقة كبيرة وهو يتابع شأنا خاصا مع أبرز منظمي المؤتمر والمسؤول عن الإسكان لضيوف الجامعة الإسلامية ممن تبدو عليه مظاهر التدين الشائعة، لم يكن أمرا مستغربا، فالاحترام وتقبل الآخر بلغ حدودا سامية في أيام المؤتمر الأربعة، ومن كان لينتظر من أحد مسؤولي الجامعة أن يكلف نفسه عناء استقبال وتوديع ضيوف المؤتمر، حتى إن هيئته المتدينة بثوبه القصير ولحيته الطويلة المهذبة لم تدخله في حرج من فتح الباب وإغلاقه لضيوف مؤتمر «تطرف الفكر وفكر التطرف» وبالأخص من النساء المشاركات؟! ومن سجل حضوره في مؤتمر الإرهاب الذي نظمته وأعدت له الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، لا بد أن يصاب بعدوى حمى التعايش الإنساني الفطري بين كل أطياف المشاركين في المؤتمر، الذين توافدوا من كل حدب وصوب، نساء ورجالا، وشيوخا وكتابا.

فالشيخ العالم، والإعلامي والمرأة، أضداد اجتمعت أخيرا بكل رقي وتحضر في مكان إقامة واحد، فلم يجد العالم صاحب الفضيلة حرجا من مشاركة النساء بكل تياراتهن (المنتقبة - وسافرة الوجه - أو السفور شبه الكلي) والوقوف جنبا إلى جنب، لاختيار أصناف الطعام في المكان ذاته.

ولم يشاهد من حضر أو يسمع اعتراضا على حركة النساء بصورة مختلطة أمام الضيوف الرجال، كما لم يتردد على مسامع الحضور زعيق الخلاف الفكري ما بين العالم والإعلامي أو الكاتب، أو حتى بين العالم والعالم ذاته، جميعا تشاركوا الطاولة ذاتها، والضحكات ذاتها، رغم قلة القواسم المشتركة.

وهنا وعلى سبيل الاستشهاد، من كان يتوقع أن يشاهد الدكتور محمد النجيمي مجاورا الشيخ عبد الله الشريف أو الشيخ الشيعي المعروف حسن الصفار؟.. بل ومن كان ينتظر أن يصادف رؤية كوكبة من الكتاب والإعلاميين، لطالما تطاحنوا مع فرقائهم بالقلم واللسان، واشتهروا بمعارضتهم لعدد من ممثلي الفكر الديني والإسلامي، كالكاتب قينان الغامدي، مجتمعا مع الكاتب الإسلامي محمد الهرفي وغيرهم كثير.

فتلك المشاهد تقود للتمني، فليت من حضر نقل العدوى بعد عودته إلى الرياض أو إلى مناطق السعودية الأخرى، من حيث أجواء لغة ورش تأسيس الخلاف والتنطع.

ذاك الوضع، دفع البعض للهمس تارة، والجهر تارة أخرى، بضرورة تبني منهج العقلاء وفريقه، راجيا أن تصيب عدواه كل الأرجاء، بالأخص الجهات التي ضاقت عباءتها حتى عن ضم منسوبيها فضلا عن معارضيها.

فتلون أطياف الحضور من مختلف الاتجاهات المتعاكسة والمتناحرة، كان سبيلا لتقبل الآخر بابتسامة حانية، حتى حين يشهر المدخنين سجائرهم مجالسين من تظهر عليهم علامات الاستقامة، وتواضع المسؤول كأن يكلف العقلاء، وأصحاب المعالي بمتابعة كل تفاصيل ضيوف جامعته، حتى ظن أحد الحضور أنه ممن خصص لنقل حقائب القادمين والمغادرين، إلى جانب استيعاب مفهوم الاختلاط الشرعي، الذي باتت طبول الحرب تدق من أجله من جانب كل التيارات، فاستيقاف الكاتبة أو الإعلامية لأصحاب الفضيلة والعلماء للإجابة عن سؤال أو إجراء حوار كان أمرا مقبولا دون أي حرج، وتنقل الكاتبة هنا وهناك مرحبة بضيوف الجامعة الإسلامية ومرحبين بها كان ذلك كله العجب العجاب.

40 سيارة خصصت لتوديع الضيوف إلى مطار المدينة المنورة، حملت داخلها على مدار 4 أيام صاحب الفضيلة من هيئة كبار العلماء، ووزراء ومرافقيهم، وسماحة الشيخ ووفده، والإعلامي ومصوره، ولا نغفل «نصف المجتمع الآخر» الذي ظهر هنا بعد غياب طويل وهو «المرأة» بكل ألقابها.

جميع تلك الفئات تمنت أن يعاد ذاك التجمع، بعد أن تجرعت ترياق أهداف المؤتمر ورسائله، ليس من خلال بحوثه ودراساته، وإنما من بين ردهات سكن إقامة ضيوف «الجامعة الإسلامية».