مكة المكرمة: «ارتفاع الأسعار» يدفع طالبي تملك المنازل إلى البحث في مدن أخرى

هجرة جماعية للمستثمرين الشباب بسبب ارتفاع أسعار عقارات مكة المكرمة

أعمال التطوير ترفع أسعار العقارات داخل مكة المكرمة وضواحيها («الشرق الأوسط»)
TT

عزا مختصون في العاصمة المقدسة انسحاب عدد كبير من المستثمرين العقاريين، من فئة الشباب، إلى مدن أخرى، إضافة إلى الراغبين في تملك المنازل، إلى تأثر القطاع بالحراك الناجم عن نزع الملكيات، وبرامج التعويضات، التي رفعت من قيمة الأراضي والمساكن في مكة المكرمة.

وأشاروا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تعويضات المشاريع التطويرية الضخمة، التي تشهدها مكة المكرمة، ألقت بظلالها على فئة المستثمرين الشباب، وقللت من فرص تملكهم المساكن، مشيرين إلى أن نسبة كبيرة من فئة الشباب تبحث عن فرص للتملك خارج العاصمة المقدسة، من أجل الحصول على فرص معقولة وداعمة لمشاريعهم.

وشكل ارتفاع الأسعار غير المعقول لعقارات العاصمة المقدسة ومساكنها، عنصرا طاردا لفئة الشباب، لأسباب عدة أتى في جوهرها عدم فسح المخططات الجديدة، واستمرار التعويضات التي تفرض طلبا أكبر وعرضا أقل، مطالبين بدراسة نوعية لعقارات مكة المكرمة، لتفرد خصوصيتها وانحسار جغرافيتها.

وفي رؤية واقعية لحل المشكلة، قال عبد المحسن آل الشيخ، رئيس المجلس البلدي في العاصمة المقدسة، إن مكة تزخر بأراض سوف تكون متاحة ومتوافرة لفئة الشباب في جهة «بوابة مكة»، حسبما أدلى به أمين العاصمة المقدسة في مناسبة سابقة، وزاد: «سيكون كذلك في جهة المنتزه الوطني، الذي ستتوافر فيه مساحات تفرض فرصا استثمارية لشريحة كبيرة راغبة في التملك في مكة المكرمة، ستكون مهيأة بكاملها وتدعم فرصا كبيرة في هذا الاتجاه».

وأردف آل الشيخ بالقول بأن «مكة المكرمة تعتبر سوقا ديناميكية للعقار، فهي قلب العالم الإسلامي، وتشهد تحولات جذرية تهيئها نحو التطور والتمدن والتنظيم، وبخاصة فيما يعرف بمنطقة الحرم، أي منطقتي الحل والحرم، وتشهد نموا سكانيا مطردا، إلى جانب زيادة أعداد المعتمرين والحجاج»، وقال «أنا أعتقد أنه شيء طبيعي، أن يكون هناك ارتفاع، كون الارتفاع وصل إلى حدود معينة، ويحكمه طبعا مفهوما العرض والطلب. وأعتقد أن احتمال الإنشاءات إذا تمت، فستكون جديرة باستقرار الأسعار، أو على الأقل أن تعود إلى مستويات مقبولة».

وحول رغبة شريحة كبيرة من فئة الشباب في الهجرة إلى مدن أخرى، بغية اللحاق بفرص استثمارية ممكنة، قال: «أنا أعتقد أن الهجرة ظاهرة صحية، لا أقصد الهجرة من مكة، لأن جوارها بلا شك مطلب عظيم، وكانت هناك هجرة كبيرة في معظم المدن الصغيرة، نحو المدن الكبرى فيما مضى من الأيام».

وأعرب عن اعتقاده أن «توافر الخدمات في تلك المدن الصغيرة، أحالها إلى مناطق جذب على غير العادة، وأصبحت الحقيقة تكمن في أن هناك قفزات هائلة ونموا واضحا للعيان بتوفير الكثير من الخدمات والمؤسسات العلمية أو الوظائف، وكلها تشجع على الهجرة العلمية، وهي ظاهرة صحية لا أعتقد أنها سلبية».

وأشار إلى وجوب تهيئة بيئة جاذبة لشباب المستثمرين، وبخاصة الذين في مقتبل العمر، حتى لا تكون الفرص منعدمة أمامهم، وقال: «هناك فرق بين المستثمر والراغب في السكن، والأخير يواجه مشكلات كبيرة في مكة، ونحن نسعى من خلال التعاون الكبير لحلها».

إلى ذلك، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور سلطان المبعوث، الأستاذ في جامعة أم القرى، بأن «الراغبين في حياة كريمة - إذا صح التعبير - يواجهون عقبات ضخمة جدا جراء ارتفاع الأسعار، الذي يحيل التملك في العاصمة المقدسة أمرا مخيفا جدا، بل يخلق حالة استثنائية، وظاهرة لها تأثير سلبي على مخططات مكة وعقاراتها».

مضيفا أن «البعض اشترى في جدة، وفي الطائف، بعد أن أرغموا على الخروج من مكة، بسبب عدم وجود فرص استثمارية»، وزاد: «الطفرة الاقتصادية لها آثار إيجابية وأخرى سلبية، والأولى تعود على أصحاب رؤوس الأموال وعلى الشريكات الكبيرة بالنفع والخير، بينما تعود سلبا على صغار المستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة، وهم المتضررون من هذه الطفرة».

وساق مثلا، موضوع الشباب، «فهم الذين يرغبون في الاستثمار في مكة، ويقيمون مشاريع صغيرة في ظل التطور الكبير الذي تشهده العاصمة المقدسة، وأصحاب تلك المشاريع لا يستطيعون الشروع فيها، لاعتبارات كثيرة، أولها ارتفاع الأسعار القديمة عشرات الأضعاف، وبشكل غير مسبوق وسع الفجوة بين إمكان استثمار الشباب وارتفاع الأسعار المهول»، مضيفا أنه «حتى في ارتفاع الأسعار، لا تغلق أبواب الحلول أبدا، حيث إنه مع انتهاء المشاريع، واستقرار الأوضاع في مكة، ستكون هناك حلول لهذه المشكلة».

واستدرك الدكتور المبعوث بقوله: «لكن، أنا لا أنصح الشباب بأن يغادروا مكة، لأنها مصدر رزق عال جدا، باعتبار أن مواسم العمرة والحج تمثل فرصا لتشغيل طاقات الشباب واستثمارها، ويجب عليهم أن لا يبحثوا عن الربح السريع، وبقدر ما يبحثون عن العمل والجد والاجتهاد، وأنا واثق بأن كل شخص عنده خطة ذات أهداف واضحة وعنده استراتيجية، ينبغي له أن لا يقحم نفسه في المشروع الأكبر، بل يذهب إلى المشروع الذي هو في حدود إمكاناته».

وأضاف: «أتصور أن الشباب الآن لا يستطيعون الاستثمار في مكة، ومن الممكن أن يذهبوا إلى ضواحيها، كمنطقة الشرايع، حيث إن جانب الاستثمار لا بأس به، إضافة إلى أحياء العمرة والتنعيم، ومنطقة ولي العهد. حاليا، يمكن للشباب أن ينشئوا هناك مشاريع استثمارية بتكاليف أقل، لأن هذه المناطق إلى الآن مناطق بكر، كذلك المناطق المركزية والمناطق التي أفرزت فيها التعويضات والتوسعات آثارا».

ونصح الدكتور المبعوث صغار المستثمرين والشباب بعدم مغادرة مكة، مبينا «فمجال الاستثمار فيها مجال قائم، ومجال مبني على أسس وأصول متينة، تدعمه مواسم الحج والعمرة، وما تصنعه من استثمارات بسيطة لهم في مداها القريب، لكنها تبعث نحو استثمارات أكبر وأرحب».

وأشار إلى أن فكرة الاستثمار في مكة على مدار العام واردة، ولها مضامين اقتصادية كبيرة، وينبغي لفئة الشباب البحث عن الربح المعقول، ولا يزيدون المشكلات الاقتصادية والعقارية بانتقالهم إلى أماكن ومدن أخرى، وقال: «المهم أن لا يقدم الشاب على مشروع غير مدروس. وأي مشروع يختاره يجب أن يكون قائما على استراتيجية ورؤية واضحة، وخطة، ودراسة جدواها الاقتصادية واضحة، حيث يجب أن يأتي بمشروع يكون فيه محافظا على رأس المال، وفي مجال مُرض لطموح الشاب، وتلك هي أسس النجاح».

وأضاف: «إذا كان الشاب يعجز عن أن يقيم مشروعا بمفرده، فيمكنه أن يقيم شراكات مع آخرين»، ناصحا الشباب المستثمر بأن لا يغادر إلى مناطق أخرى، في ظل إمكان قيام شراكات ومؤسسات صغيرة، مبنية على التعاون، وبخاصة في ظل إدارة جيدة لتلك المشاريع، على افتراض الاختيار الجيد وفق إمكان ومواقع استراتيجية، وأردف: «وهنا سيجنون ربحا كبيرا يعود على المنطقة بتنمية المكان وبناء الإنسان».

وأشار الدكتور سلطان المبعوث إلى «صعوبة احتواء الأزمة من منظور أكاديمي، بحجة أن الأسعار قائمة في السوق على أساس العرض والطلب، وأن كلما كان العرض أكثرا كان السعر أقل والعكس صحيح»، وزاد: «هذه قاعدة اقتصادية وجدت مكانها بشكل كبير في العاصمة المقدسة»، مبينا أن «تلك مسألة تحكمها سوق الأسهم، وجامعة أم القرى على سبيل المثال من خلال قسم الاقتصاد الإسلامي وخدمة المجتمع وقسم المحاسبة، تخدم شريحة من الطلاب والشباب لو أرادوا طلب استشارات من أساتذتهم أو من الأقسام التي ينتمون إليها، وبخاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية وتقديم مساعدات للخبرات الأكاديمية»، مفيدا بأن «قضية ارتفاع الأسعار جاءت نتيجة التعويضات للمشاريع الكبيرة في العاصمة المقدسة،، والدولة حرصت أن يعطى كل إنسان نزع ملكه تعويضا عادلا، وسنت في ذلك نظاما رائعا، وهو نظام نزع الملكيات للمصلحة العامة، روعي فيه أن يكون المشاركون من جهات عدة، من أمانة العاصمة ومن الجهة النازعة للملك، ومن أهل الخبرة من أهل العقار، ووزارة التجارة والعدل، ويأخذ المواطن حقه المقدر بشكل عادل، وهذه الترتيبات تعطي غبطة للناس حتى يعطوها بطيبة نفس، وهذا دليل على أن الدولة تسعى، بقدر استطاعتها، أن يكون المواطن راضيا عن تعويضه، حتى تطمئن نفسه عند تسليم عقاره للتوسعة».

وقال المبعوث: «إن هذا أحدث طفرة، لكن سببها أن مكة مدينة مقدسة ومركزية، وليس من السهولة أن يُخرجوا الناس من الحرم، فالدولة تعطيهم حتى ترضيهم من أجل مشروع توسعة الحرم، حتى تطيب خواطر الناس»، مشيرا إلى أن «هناك فرقا بين نزع ملكية إنسان، وإعطائه تعويضا عادلا، وهو ما يفرضه حال السوق اليوم. ويجب في السياق ذاته أن لا نقع الدولة بين فكي مصيبتين، فالتعويض حق مكتسب، يجب أن يكون عادلا، وفيه غبطة حتى يسلم عقاره للتوسعة وهو راض ومقتنع، وبالتالي تستطيع الدولة أن تقيم عليها مشاريعها التطويرية، وهي مطمئنة أن المواطن أعطى بطيب نفس، محملا المجتمع المسؤولية الذي أسهب في نقل الغلاء من المنطقة المركزية إلى المنطقة الأبعد. وهناك سؤال يجب أن يوجه إلى العقاريين بشكل خاص في نقل الغلاء، ولا يسأل فيه المواطن الذي نزع ملكه، ولا الشاب الذي يبحث عن قطعة أرض، بل أولئك الذين يمارسون دور السماسرة في العقار، والعقاريون هم وحدهم من يسأل عن هذا الارتفاع».

وأبان الدكتور المبعوث، أن «المناطق في خارج المركزية رفعت أسعارها إلى 5 أضعاف، وفي أماكن أخرى إلى أكثر من ذلك، وهذا الكلام لا يعقل، والعقلانية وصحة التأمل تفرضان نفسيهما في هذا الإطار، ويجب على الجميع الالتفات، من غرفة تجارية وعقاريين وأكاديميين، إلى هذا الأمر».

من جهته، عزا الدكتور محمد الجرف، أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، سبب ارتفاع العقار في مكة إلى سببين، أولهما سبب سوقي، والثاني مصطنع، فالسبب السوقي يتمثل في مشاريع مكة والتوسعات والمشاريع التطويرية، والطرق الجديدة والكباري والأنفاق، وتمت إزالة الكثير من المباني والعمائر السكنية، وهذه المباني كانت تحمل أناسا وعائلات، وهو ما أوجد نقصا في الإسكان، وفاقم من درجة الطلب، ومن أجل استحضار البديل، والتعويض فإن الأمر يأخذ وقتا زمنيا كبيرا.

ويواصل الدكتور الجرف تحليله للقضية بقوله: «انتقل الطلب على إثر ذلك إلى أماكن أبعد، أسهمت فيها جهات اتسمت بالجشع في زيادة الأسعار وبطريقة غير مبررة، وهذه الأزمة المتسبب الحقيقي فيها هو جشع بعض الناس، والأكاديميون أنفسهم ليسوا على دراية كاملة ووافية للمخططات الجاري العمل في تنفيذها، بغية الإسهام في إبداء الآراء الأكاديمية في الإشكاليات العقارية، وكان حريا بالجهات المعنية توفير البديل المناسب قبل الشروع في عمليات الهدم».

وزاد: «مثل هذه المشاريع ينبغي استحضار دراساتها قبل سنوات طويلة، ومعرفة الإشكاليات الزمنية التي قد تنتج جراءها، ولو كانت الدراسات مستفيضة في توخي الحذر في مشكلات الإسكان وفرص الاستثمار لأجيال قادمة، لما نشبت تلك المشكلات، التي اتضحت معالمها جلية في هذه الأيام».

وأشار الجرف إلى أن «الاتصال بالجامعات وبمراكز الدراسات الاستراتيجية من أهم الأشياء المطلوبة في تغيير واجهات المدن وتطويرها، لأن التكاليف الباهظة وسلبيات القادم من اللامدروس يتحملها المستهلك البسيط، ولا بد من وجود دراسات استراتيجية تعنى بإيجاد البديل السكني».

وأفاد بأن «المشاريع الكبيرة والتنموية التي تعيشها العاصمة المقدسة، كان بالأحرى أن تنفذ على دفعات متتالية، لا أن تنفذ جميعها مرة واحدة، لأن الناتج سيتمثل في أزمة إسكانية كبيرة على المقيم والوافد والزائر، فمشاريع كبيرة وضخمة مثل الخطوط الدائرية والموازية، تتطلب إزالات ضخمة وتشق المخططات، وهذه ميزة جميلة ونحن معها، حيث إنها كفيلة بالقضاء على العشوائيات، لكنها تحدث تراكمات ومشكلات إسكانية، ومكة المكرمة من دون غيرها من بقية مدن السعودية تحتم دراسات نوعية على مكامن العقار والأساليب الكفيلة بإنعاشه، وخروجه من مأزقه».

وأضاف أن «الحجاج والمعتمرين، ودخولهم إلى الأراضي المقدسة ضاعف بحث الشباب عن فرص عقارية خارج مكة المكرمة، بحجة رغبة ملاك العقارات توظيف السكن لموسمي الحج والعمرة، بحيث يعود عليهم بالريع الوفير، وفيه ضمانة لبقية عقاراتهم غير المستهلكة والجديدة. وحتى المهاجرون من مكة بحثا عن عقار، ستواجههم مشكلات حياتية يومية تتمركز في الحاجة الدءوبة إلى خلق توازن بين الإيرادات والتكاليف. ومن أجل أن يهاجر أي إنسان، فلا بد أن يتوافر لديه مصدر دخل بديل، من مدارس وسكن مطابق للمواصفات المطلوبة، ومن كانت لديه التزامات مباشرة في العمل، فيجب أن يضع في حسبانه أن تكاليف النقل في حال السكن في جدة، كمثال، توازي في المجمل السنوي بقاءه في مكة، وهذه إشكالية أخرى».

وأضاف الدكتور الجرف أن «انتقال فئة الشباب للاستثمار في مدن سعودية أخرى ما هو إلا نقل للمشكلات العقارية التي تشهدها العاصمة المقدسة، وترحيلها إلى مناطق أخرى، وبالتالي ستتفاقم المشكلة»، مذكرا بالمشكلة الكبيرة التي أحدثتها دبي مع بقية مدن الإمارات، «حيث أدى هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب على المساكن في الشارقة، وبالتالي ارتفاع الأسعار فيها عقاريا، وتم الانتقال بعد ذلك إلى عجمان، وصاحب هذا الانتقال نقل المشكلة من مكان إلى آخر، وأصبح الناس يستغرقون وقتا للمواصلات والتنقل بين جميع المدن، وبالتالي ارتفاع الأسعار في جميع المدن».

على الصعيد ذاته، أكد محمد عبد الرزاق عطار، وهو مسؤول في أحد المصارف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المساحات التي يمكن للشباب التحرك فيها واستثمارها تظل ضيقة وصغيرة جدا، مما يرفع الطلب عليها بشكل كبير جدا، وأن هناك مخططات جديدة لم يكتب لها الفسح إلى حد الآن، والمضاربات القائمة على الجشع من الدلالين، ومن يبيعون ويشترون لأنفسهم، وبالتالي يرفعون القيمة السوقية لعقار لا يستحق كل هذه المبالغ المرصودة، ولا تعكس واقعا حقيقيا للعقار، فأصبح المعدل المصطنع للمتر الطبيعي هو 2000 ريال، في مخططات مكة الخارجية، وأصبحت هناك سيولة جراء التعويضات الكبيرة التي تشهدها جراء المشاريع الكبيرة من أجل تطوير مكة المكرمة».وأضاف أن «الإيجارات قبل 30 عاما كان بقيمة 10 آلاف ريال، والآن قفزت إلى 35 ألف ريال فما فوق، وهو ما دفع بكثير من الآباء إلى حماية أبنائهم بإعطائهم جزءا من عقاراتهم، لأنهم لن يستطيعوا إنجاز شيء بأنفسهم»، مضيفا أن «نسبة تفوق 80 في المائة من الشباب لا تستطيع تملك مساكن وشراء عقارات في العاصمة المقدسة».

وبدوره، علّق إيهاب جمال عابد، رجل أعمال وخبير عقاري في مجموعة «نجد العقارية»، لـ«الشرق الأوسط»، بأن «ملاك العقارات المنزوعة تحتم عليهم شراء عقار بديل داخل مكة، ولا يسمح لهم بالشراء خارج العاصمة المقدسة، وهو ما فاقم من جذور المشكلة، ومد جسور الاستثمار للفئة الشبابية خارج مكة المكرمة إلى جدة والطائف بغية اللحاق بما يمكن اللحاق به».

واستطرد بالقول: «ما تشهده مكة المكرمة في هذه الثناء بعثر السوق العقارية، ولخبط كثيرا من الحسابات، وأصبح تحين الفرصة في المخططات والشوارع الرئيسية غير المنزوعة أمرا ملحا، وطريقا لا بد من المضي قدما فيه، وخلف ارتفاعا مهولا في الإيجارات، وأصبح هناك طلب على المباني السكنية، وشكل ارتفاعا مطردا من عام إلى آخر».

من جانبه، قال بندر الحميدة، الخبير العقاري: «إن مشكلة تأخر المخططات في العاصمة المقدسة أدى إلى ندرة المعروض، وزيادة الطلب ورفع الأسعار»، وأشار إلى أن «السعودية أضحت تعاني مشكلة انحسار الوحدات الاقتصادية لفئات الشباب، وهو ما يفرض الحاجة إلى وجود شركات تمويل كبيرة. وهنا أقترح أن تكون تلك الشركات شركات مساهمة عامة، تلبي السكن، وتكون بنظام الأقساط، ولا يستطيع رجال الأعمال وحدهم بناء تلك الوحدات، ولو استطاعوا فلن يقوموا بتوفير الأعداد الملائمة والمناسبة، وغالبية المستثمرين في العاصمة المقدسة تتجه أنظارهم نحو الاستثمار في قطاع الحج والعمرة، وما إلى ذلك، وهو ما سبب خللا في السوق جراء عدم توفير السكن الدائم في مكة، ولا بد من وجود شركات تمويلية مساهمة توفر ذلك السكن عن طريق فيلات الدوبليكس، حيث من الممكن توفير احتياجات المواطنين، وبخاصة الشباب».

وبيّن أن «مدينة مكة المكرمة تظل مدينة جاذبة للسكن، وليس العكس، لكن بعض الناس يذهبون إلى الضواحي بحكم أن أطراف المدينة أرخص من مركزها، على الرغم من أن الضواحي ارتفعت فيها الإيجارات وفرص العقار». وقال: «إن السعودية تشهد ارتفاعا كبيرا في نسبة العقارات فيها، وقطاع الاستثمار العقاري المتخصص في الإسكان والوحدات السكنية، والمشكلات الاقتصادية لا يشهد شركات مساهمة عملاقة، وبخاصة في المنطقة الغربية تستهدف متوسطي الدخل والدخل المحدود، واختفاء تلك الشركات يفقد السوق أسعارها الطبيعية، ويحرم السوق كذلك من جدواها الاقتصادية».

صوت الشباب في هذا الأمر جاء من فهد اليوسفي، الذي يعمل معلما في إحدى مدارس مكة المكرمة، حيث قال: «(إن الطيور طارت بأرزاقها) في مكة المكرمة، وأصبح من باب المعجزة التملك والحصول على عقار تمليك، أو حتى قطعة أرض بعيدة».

وبيّن أنه من خلال بحثه الدءوب والمتواصل، وجد أنه فقط يستطيع التملك في منطقة الشميسي على مشارف العاصمة المقدسة، في مخططات لا توجد فيها أي خدمات، لا كهرباء ولا ماء ولا صرفا صحيا، وقال: «ذلك يعني أنني سأعيش في القرون الأولى من التاريخ»، مستغربا التغاضي عن السماسرة، ومزكي ارتفاع الأسعار، وزاد: «هؤلاء المتلاعبون هم من يدفع الشباب إلى الخروج من مكة، ونحن لا نستطيع دفع الإيجارات، ولا التملك. لقد وجدنا أنفسنا بين فكين ضروسين، قضيا على أحلام الشاب السعودي في مكة المكرمة وآماله وطموحاته».