مدير الجامعة الإسلامية: سنستعين بغير المسلمين خارج حدود الحرم

العقلا يكشف لـ«الشرق الأوسط»: 3 كليات شرعية ستطلق الفرع النسائي.. والرحلات الترفيهية تحارب الفكر «المغالي»

د. محمد العقلا مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة («الشرق الأوسط»)
TT

على هامش فعاليات مؤتمر الإرهاب، بين «فكر التطرف، وتطرف الفكر»، أعلن مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الشيخ الدكتور محمد العقلا، عن توجه جامعته لافتتاح فرع نسائي جديد، بعد عقود من الهيمنة الذكورية على جميع مفاصل الجامعة الطلابية والإدارية.

وأكد العقلا في حوار مع «الشرق الأوسط» خلال انعقاد فعاليات المؤتمر في المدينة المنورة أن الجامعة توشك أن تبرهن على حداثتها وعهدها الجديد بإطلاق كليات علمية جديدة، ربما احتاجت معها إلى استقطاب مختصين من غير المسلمين، في جامعة عرفت بأنها وقف على المسلمين في جميع أرجاء المعمورة.

لكنه على هذا الصعيد، بدد المخاوف من إيجاد موطئ قدم لغير المسلمين في حرم ثوى فيه أطهر جسد، فنبه إلى أن أي استقطاب لغير المسلمين سيتم في مكان يستحدث خارج حدود الحرم الشرعية، وإن وقع في المدينة النبوية.

إلا أن العقلا الذي أوتي كما يعبر عنه «الإسلاميون» بسطة في السماحة والإدارة، نفى أن يسع أفق جامعته الجديد غير المسلمين، فيتعلمون العلوم الشرعية ويتفقهون في الدين، فإذا لم يؤمنوا به فعلى الأقل يكتشفون محاسنه وأسراره، فاستبعد أن يتوسع القبول في الجامعة لينال منه غير المسلمين قسطا.

في الحوار ناقشنا معه قضايا أخرى، اتصلت بالمدينة المنورة وتراثها وآثارها، وماضي جامعته وحاضرها، وهو الذي فاخر كثيرا بأنها «الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس»، مستندا في ذلك إلى شهرتها بحكم احتضانها أكثر من 165 جنسية. وفيما يلي نص الحوار:

* بداية، ما استراتيجيتكم وخططكم الخاصة للنهوض بالجامعة الإسلامية؟

- الخطة المستقبلية للجامعة تتضمن مسارين، الأول يكمن في استحداث فرع نسائي، والجامعة في صدد الإعداد والتحضير لهذا الأمر بإعداد دراسة متكاملة، والمساعي الحالية توفير مقر خاص مناسب.

* ما التخصصات التي ستوفرها الجامعة الإسلامية للفتيات؟

- سنبدأ بكليات الشريعة واللغة العربية وكلية القرآن الكريم، وبمجرد الموافقة على الكليات العلمية سنفتح مجال التخصص في الهندسة والحاسب والطب وغيرها من التخصصات.

* ماذا عن المسار الثاني؟

- نسعى إلى إنشاء كليات علمية، بحيث تسمح للمنتسب إلى هذه الكليات الحصول على شهادات في تخصصات العلوم التجريبية التطبيقية، بالإضافة إلى حصوله على دبلوم الدعوة، بحيث يعود الخريج إلى بلده يحمل مهنة إلى جانب رسالة الدعوة إلى الله.

* ماذا بشأن المنح المقدمة للطلاب غير السعوديين؟

- نسعى إلى توفير 4000 منحة لأبناء العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في أرجاء العالم كافة، فالجامعة الإسلامية تضم أكثر من 165 جنسية، ونطمح إلى استكمال حضور الدول الإسلامية المتبقية.

* ولكن هل تلبي الميزانية المقررة للجامعة طموحاتكم؟

- الميزانية المخصصة أتت ملبية لاحتياجات الجامعة في المرحلة الحالية، ولكن نتوقع مضاعفة الميزانية المخصصة مع إنشاء المزيد من الكليات بهدف التوسع وتحقيق التطوير.

* فيما يتعلق بالكليات العلمية.. هل ستسعون إلى قبول طلاب من غير المسلمين؟

- بالطبع لا، يتوجب على الملتحق بالجامعة الإسلامية أن يكون من الديانة الإسلامية، إلا أن الجامعة تضم عددا من الطلاب هم حديثي عهد بالإسلام.

* عانت بعض كليات الشريعة الإسلامية في الجامعات السعودية من ظهور الفكر المغالي والتنطع في المسائل والقضايا الدينية بين أفراد من طلابها، فما سياسة الجامعة في التعامل مع مثل هذه الحالات؟

- هناك لجان توجيه ومناصحة في الجامعة تقوم بمتابعة الطلاب كافة ومعالجة أوضاعهم، كما نعمل على ألا يكون هناك أي وقت فراغ للطلاب من خلال رحلات ترويحية ترفيهية ودينية.

* ولكن هل تعتمدون سياسة إلغاء المنح في مثل هذه الحالات؟

- آخر العلاج «الكي»، ولا نسعى مطلقا إلى إلغاء منحة أحد الطلاب بالأخص في مثل هذه القضايا، وذلك لحاجته إلى التوجيه والمناصحة في سبيل إصلاح الخلل الفكري، عوضا عن إخراجه متحولا إلى «قنبلة موقوتة» في المجتمعات الإسلامية.

* إذا سمحت لي.. أرغب في التحول بحواري معك إلى قضايا عامة، أبرزها قضية الزلازل في المدينة المنورة والاعتقاد الشعبي السائد بما يبعثه شهداء «أحد» من أمان لمن هم فوق الأرض؟

- من المفارقات اللطيفة بهذا الخصوص أننا أقمنا العام الماضي مؤتمرا خاصا بعنوان «الزلازل والبراكين في المدينة المنورة ما بين الحقيقة والشائعة» شارك فيه رئيس المساحة الجيولوجية في بعض المحافظات التابعة لمنطقة المدينة، والدكتور زغلول النجار، إلا أنه قبيل إقامته بيومين حدثت الزلازل في المدينة المنورة مصادفة.

* ماذا بشأن «شهداء أحد والأمان»؟

- الله تعالى خالق السموات والأرض متكفل بحفظ المدينة المنورة، كما أن لشهداء «أحد» منزلة عظيمة عند الله تعالى.

* بخصوص مقبرة البقيع وتوصية عدد كبير من الشخصيات الإسلامية بدفنهم في هذه المقبرة كان آخرهم الشيخ الدكتور الطنطاوي شيخ الأزهر.

- الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من شاء أن يمت في المدينة فليمت، فإني شفيع لمن مات في المدينة»، أما بشأن مقبرة البقيع فلها مكانة وفضل كبير، فأول من سيشفع لهم الرسول عليه الصلاة والسلام هم أهل «البقيع»، فهنيئا لمن وافاه الأجل في المدينة المنورة ودفن فيها.

* ألا ترى في التوصية بالدفن في مقبرة «البقيع» بدعة جديدة؟ وماذا عنكم - بعد عمر طويل - هل توصون بأن يكون مثواكم الأخير في مقبرة «البقيع» أيضا؟

- الوصية تلزم الآخرين في حال استطاعة تلبيتها لصاحبها، وهنيئا لمن يرزقه الله تعالى حسن الختام.

* الرسول عليه الصلاة والسلام قال «جبل أحد يحبنا ونحبه».. كيف لنا أن نعبر عن حبنا لهذا الجبل؟

- أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن «أحد» من جبال الجنة، ومن أتى على هذه المواطن العظيمة يتذكر الله عز وجل، وكل من في السموات والأرض يسبح بحمده ويشكر له، وهي شواهد كونية تدل على عظمة الخالق، ودورنا التدبر من خلالها في عظمته سبحانه وتعالى.

* ماذا بشأن المحبة.. كيف يمكن أن نعبر عنها للجبل؟

- إشارة الرسول فيما يتعلق بالمحبة إنما هي إشارة لمحبة اعتقادية، بحيث ندرك ونؤمن بمكانة جبل «أحد»، وقد يدرأ عنا جبل أحد شرورا لا نعلم عنها شيئا.

* ماذا بشأن التبرك به؟

- جميع هذه المشاهد معالم أثرية تاريخية، وإذا تحولت إلى معالم للتبرك والتقديس خرجت عن الدائرة الشرعية، وأنا أدعو من أجل ذلك إلى تخصيص مرشدين سياحيين لديهم التأهيل الشرعي الخاص، لتوعية الزوار القادمين أثناء اطلاعهم على المشاهد والمواقع الأثرية كافة، وأدعو إلى العودة في مثل هذه القضايا إلى الرجوع إلى هيئة كبار العلماء، فهي من تستطيع تقييم الجوانب الشرعية.

* ما رأيكم الخاص بشأن اعتراض العامة وعدد من المختصين على هدم المساجد الأثرية خوفا من تقديسها؟

- ما تم هدمه من المساجد تم إعادة بنائه، كما حدث مع إعادة بناء مسجد «قباء» ومسجد «القبلتين» والمساجد السبعة.

* ولكن الإشكالية لا تكمن في إعادة البناء وإنما في طمس معالم المساجد الأثرية وعدم الحرص على ترميمها للإبقاء على روحها التاريخية.

- هذه مسائل شرعية، لذلك أرجو توجيه مثل هذه الأسئلة إلى هيئة كبار العلماء.

* في مصر هناك «الأزهر» وفي تونس جامعة «الزيتونة» وفي إيران «قم» وغير ذلك من الجامعات الإسلامية في عدد من الدول العربية، فهل تطمحون من خلال الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في تأسيس «أزهر سعودي» على سبيل المثال؟

- الجامعة الإسلامية لها جهود كبيرة في نشر العقيدة السلفية وجميع جهود الجامعات متضافرة معا وليست متنافسة، ونطمح في أن يكون لنا دور كبير في الشأن الإسلامي.

* دكتور محمد، لقد أحييت الجامعة بعد ممات، كيف نفخت الروح فيها من جديد؟

- عراقة الجامعة الإسلامية منذ أكثر من 50 عاما، كما أن لها رسالتها الخاصة منذ إنشائها وتأسيسها.

* صحيح، ولكن بعد أن كان عدد الطلاب 3 آلاف طالب أصبحوا 13 ألفا؟

- ما نقوم به من جهود أنا وزملائي مكمل لمسيرة الرؤساء الآخرين ومن عاونهم، والعمل متكامل ولا يمكن فصل الجهود السابقة عن الحالية، وما تضمه الجامعة في الوقت الحالي من مواهب وقدرات سوف يساعدنا على إبراز الجامعة الإسلامية عالميا بشكل أكبر.

* وجود الجامعة الإسلامية في الحرم النبوي، هل حرمكم من الاستفادة من خبرات أجنبية غير مسلمة؟

- سيكون للجامعة مقر آخر خارج الحرم مستقبلا، ولن نتردد في دعم الجامعة بكل ما سيدفع إلى إكمال رسالتها بنجاح كبير.

* هل هذه إشارة إلى استقطاب كفاءات أكاديمية غير مسلمة؟

نعم، ففي حال إنشاء كلية طب ومستشفى جامعي، قد نحتاج إلى الاستفادة من خبرات وكفاءات أجنبية من غير الديانة الإسلامية.

* ماذا بشأن برامج الابتعاث للجامعة الإسلامية؟ وكم عدد الطلاب المتوقع ابتعاثهم؟

- أؤمن كثيرا بضرورة تنويع الثقافات والمدارس المتخصصة، وبدأت في الجامعة الإسلامية بعمليات الابتعاث في الكثير من التخصصات، سواء في داخل المملكة أو خارجها.

* ما التخصصات التي تشعرون أنكم بحاجة إلى الابتعاث من أجلها؟

- هناك تخصص الأنظمة (القانون)، بالإضافة إلى التربية واللغة العربية والتاريخ، إلى جانب الإعلام، كما ستكون هناك برامج ابتعاث داخلية لتخصص الفقه وأصوله والحديث والتفسير واللغة العربية والقضاء والسياسة الشرعية.

* وجهت اتهامات سابقة للجامعة الإسلامية باعتبارها منبرا والأب الروحي لـ«رجال الحديث»، ماذا تقول في ذلك؟

- الجامعة الإسلامية تضم كليات شرعية (حديث ودعوة وشريعة وقرآن ولغة عربية) فلا يمكن وصف الجامعة برسالة معينة، فلها رسالة محددة، والحكم عليها من خلال هذه الرسالة، ولا يمكن الحكم على الجامعة من خلال رجالها فقط، وإنما من خلال أهدافها ورسالتها، ولدينا أكثر من 30 ألف خريج من أنحاء المعمورة كافة، تولى عدد منهم أكبر المناصب.

* ظهرت انتقادات كثيرة من بعض الدول المجاورة بشأن فتح باب المنح السعودية لتعليم الشريعة الإسلامية خوفا من بث فكر واحد إلى خارج حدود السعودية، ماذا تقول في ذلك؟

- الجامعة الإسلامية لا تقبل أي طالب من خارج السعودية إلا بعد الموافقة من حكومته، والجامعة الإسلامية جامعة سنية تدرس وفق المذاهب الأربعة لا نتعصب لمذهب معين، ويندر أن تجدي جامعة تعكف على تدريس المذاهب الأربعة كافة.