المدينة المنورة: افتتاح مكتب لـ«السياحة والآثار» في محافظة العلا الأثرية

مرشدون سياحيون لـ «الشرق الأوسط»: الأجانب يزورون العلا أكثر من السعوديين

توقعات بزيادة عدد السياح بعد افتتاح مطار في المدينة المنورة («الشرق الأوسط»)
TT

تبحث إمارة منطقة المدينة المنورة استحداث مكتب للتنمية السياحية في محافظة العلا الأثرية التي يزورها الآلاف بشكل دوري من داخل البلاد وخارجها، وذلك بهدف تعزيز الجوانب الاقتصادية والسياحية فيها.

ويأتي ذلك في وقت تشير التوقعات إلى ارتفاع عدد الزوار خاصة الأجانب لمحافظة العلا بافتتاح مطار العلا الذي يجري العمل عليه منذ فترة وسط توقعات ببدء العمل عليه خلال الـ6 أشهر القادمة تقريبا.

وكانت فكرة استحداث المكتب بحسب بيان رسمي من إمارة المدينة محل نقاش في الجلسة الثانية لمجلس المنطقة من دورته الأولى، الذي عقد أول من أمس برئاسة الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة. وتعد محافظة العلا نقطة التقاء بين الماضي والحاضر في شمال غربي الجزيرة العربية، بآثارها الخالدة وتراثها العريق، التي توجت عام 2008 بإعلان «اليونسكو» مدائن صالح، وهي أهم موقع أثري في العلا، كموقع تراث عالمي، لتصبح بذلك أول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي.

وتجمع هذه المحافظة بآثارها المليئة بالعجائب الغريبة، وتاريخها الحافل بالممالك والدول والحضارات على مر العصور، بين الطبيعة الساحرة والإبداع الإنساني عبر التاريخ، لتعدد أوصافها في أعين زائريها بين واصف لها بأنها عالم من الخيال، وآخر بأنها نموذج لقدرة الإنسان.

وتقع محافظة العلا بعد نحو 370 كيلومترا شمال المدينة المنورة على الطريق المسمى بطريق المدينة القديم، أو على بعد نحو 300 كيلومتر على طريق المدينة المنورة الجديد، تحتضن سلسة جبال السروات الممتدة في الشمال الغربي لشبه الجزيرة العربية الآثار والتاريخ. وعرفت قديما باسم وادي القرى، وعاشت على أرضها مملكة ديدان، التي تعود تاريخيا إلى ما بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، كما أنها كانت مركزا من المراكز الحضارية والتجارية المهمة في الجزيرة العربية.

ومرت العلا بسلسلة من الحضارات التاريخية المتعاقبة، بسبب موقعها على الطريق التجاري الرابط بين جنوب الجزيرة العربية ومصر وبلاد الشام والعراق، وتضم أكثر من 17 موقعا سياحيا، أشهرها مدائن صالح الحجر، وأم درج، والخريبة، ومتحف العلا، والقرية التراثية، وغيرها من المواقع الأثرية والسياحية.

ولأنها المعلم الأثري الأشهر في العلا، فقد حظيت مدائن صالح الحجر باهتمام كبير من السياح والمهتمين بالتراث، خصوصا أن أهلها نحتوا تاريخهم في الصخر، وتركوه شاهدا خالدا على ممالكهم التي سادت لقرون ثم بادت.

وتقع مدائن صالح على بعد 22 كيلومترا شمال شرقي مدينة العلا، ويطلق اسم الحجر على هذا المكان منذ أقدم العصور، ويستمد شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام، وأصحابه المعروفون بقوم ثمود الذين جاء القرآن بذكرهم بأنهم لبوا دعوة نبي الله صالح، ثم ارتدوا عن دينهم، وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية.

ويشير علماء الآثار إلى أن مدينة الحجر سكنت من قبل المعينيين الثموديين في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومن بعدهم سكنها اللحيانيون في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي القرن الثاني قبل الميلاد احتل الأنباط مدينة الحجر، وأسقطوا دولة بني لحيان، واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لأنفسهم في النقوش التي عثر عليها، وتحتوي هذه مدينة على كمية هائلة من النقوش المعينية واللحيانية.

ويرجح أن أغلب الآثار الموجود في مناطق العلا وديدان والخريبة هي آثار لحيانية، وأقدمها ربما يعود إلى 2991 قبل الميلاد، وقد دمر جزء منها بسبب زلزال ضرب المنطقة قديما، وأما مدينة الحجر فتعود آثارها التاريخية إلى المعينيين التجار الثموديين الأوائل القادمين من جنوب الجزيرة العربية.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد سكان محافظة العلا يقدر بنحو 70 ألف نسمة، وتأتي في المرتبة الثالثة على مستوى منطقة المدينة المنورة من حيث عدد السكان، فيما يزيد عدد سكان مدينة العلا وحدها على 30 ألف نسمة.

وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في العلا التقت بالمرشد السياحي عبد العزيز عبد الدائم الحربي، الذي وصف العلا بـ«عروس الجبال»، بسبب موقعها المتوسط بين السلسلة الجبلية الممتدة على الأطراف الغربية للجزيرة العربية من جنوبها إلى شمالها.

عبد العزيز الحربي ذو الـ60 عاما، متقاعد من قطاع حكومي أمني ويتقن اللغة الإنجليزية بعد أن تعلمها في معاهد حكومية لطبيعة عمله، ويستخدمها الآن لمخاطبة السياح الأجانب، بعد أن اتجه إلى مزاولة العمل الحر في قطاع السياحة.

ويقول الحربي في حديثه عن العلا وآثارها لـ«الشرق الأوسط»: إن العلا ذكرت في كُتب ومعاجم كثيرة، واسم العلا هو جمع العليا، وهو اسم لموضع من ناحية وادي القرى بينها وبين الشام، نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك، وبني مكان مصلاه مسجدا.

وأضاف أن سبب تسمية العلا بهذا الاسم هو أنه كانت بها عينان مشهورتان بالماء العذب، هما المعلق وتدعل، وكان على منبع المعلق نخلات شاهقات العلو يطلق عليها اسم العلي، ويحيط بمدينة العلا جبلان كبيران بينهما واد خصب التربة تزرع فيه النخيل والفواكه.

وأشار المرشد السياحي إلى أن الجبال التي تحد العلا هي امتداد لسلسة جبال السروات الممتدة من جنوب السعودية إلى شمالها، فيما تقع خلف المدينة جبال رملية، حيث تقع حَرة عويرض التي ترتفع نحو ألفي قدم عن سطح البحر وتمتد طولا لنحو 80 كيلومترا، وقد عملت الجهات المختصة على فتح طريق يؤدي إلى قمة الحرة لإنشاء متنزه في المنطقة المطلة على العلا.

وأوضح الحربي أن العلا تسكنها قبائل عربية مختلفة تجمعت فيها منذ القدم، لخصوبة أرضها وكثرة عيونها وموقعها التجاري، حيث كانت بمثابة ملتقى بين تجار جزيرة العربية، كما يمر بها طريق الحج القديم القادم من الشام إلى مكة المكرمة.

وعن زوار العلا، قال المرشد السياحي: إن أكثر زوار المناطق الأثرية في محافظة العلا هم من السياح الأجانب، إضافة إلى بعض المهتمين بالآثار والساعين إلى التعرف عليها من السعوديين.

ونوه الحربي بأن العلا تضم مزارع كثيرة، وأهم ما يزرع التمور الحلوة والبرنية، وبرنية بنات سعد، وبنجانة وكثير من المسميات المعروفة، حيث يباع تمر برنية وحلوة العلا بأسعار مرتفعة لجودتهما، إضافة إلى أن العلا تشتهر بزراعة الحمضيات، إذ يزرع فيها البرتقال، والليمون الحلو، والليمون الحامض، والبنزهير، واليوسفي، والرمان، والعنب، كما تزرع فيها الحبوب كالقمح، والشعير، والذرة، والدخن.

وأشار المرشد السياحي إلى أن العلا مليئة بالآثار القديمة التي تعود عصورها إلى ما قبل الميلاد، منها قصر الفريد، وقصر البنت، وقصر العجوز، والديوان مجلس السلطان، ومحلب الناقة، ومقابر الأسود، والخريبة، ومقابر الأسود، وجبل عكمة، والمابيات، والمزحم، والحوارة، مضيفا: توجد في العلا أيضا مجموعة من الآثار الإسلامية التي نشأت بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم منها قلعة الحجر الإسلامية، وقلعة موسى بن نصير، والبلدة القديمة، وأخيرا محطة سكة الحديد.

في حين يقول عزام العنزي، وهو شاب في العقد الثاني من عمره يسكن العلا لـ«الشرق الأوسط»: نرى في كل عام تزايدا ملحوظا في أعداد السياح من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية الذين يحرصون على زيارة محافظة العلا التاريخية، وينبهرون بما يرونه من آثار ثرية في بلادنا.

وأضاف العنزي: لا يتوقع كثير من السعوديين قبل زيارتهم مواقع العلا الأثرية وجود مثل هذه المواقع الجميلة في بلادهم، لذلك يدهشون لوجود مثل تلك الآثار الجميلة. مشيرا إلى ازدياد أعداد زوار العلا في فترات الإجازات المدرسية والأعياد.

وأكد حرص أهالي العلا إرشاد كل زائر أو غريب عن المحافظة إلى المعالم الأثرية الموجودة فيها والمواقع السياحية الجميلة التي تمتاز بروعتها الطبيعة، وتعريفهم بها قدر المستطاع.

وقال العنزي: نحن لا نحرم أنفسنا من زيارة المواقع الأثرية التي يأتي إليها كثيرون من مسافات بعيدة، وبين وقت وآخر نزور معلما مختلفا منها، سواء مع مجموعة من الشباب، أو مع أفراد العائلة.

من جانبه، قال توفيق معالي المسؤول في إحدى الشقق المفروشة بالعلا: يقصدنا النزلاء بشكل مستمر طوال العام، وفي كل موسم يزداد عدد السياح عن الموسم السابق، ويكثرون في الأشهر الثلاثة الأول من السنة. مشيرا إلى وجود فندقين في العلا، إضافة إلى نحو 20 مبنى للشقق السكنية المفروشة.

وعن الجنسيات التي ينتمي إليها الزوار، أوضح أنهم ينتمون إلى مختلف الجنسيات العربية والأجنبية، إذ تفد إلى العلا المجموعات السياحية باستمرار، وخلال فصل الصيف، وإجازة نهاية الأسبوع، نجد إقبالا كبيرا من السعوديين القادمين للتعرف على المحافظة، والتجول بين آثارها.

ولفت معالي إلى اقتراب الانتهاء من أعمال التشييد في مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز في محافظة العلا، الذي يقع على بعد 25 كيلومترا جنوب شرقي المحافظة، وتحديدا على طريق المدينة السريع، ويبعد نحو 50 كيلومترا فقط عن آثار مدائن صالح، مشيرا إلى أن اختيار موقع المطار هدف إلى خدمة العلا والمحافظات المجاورة لها.

وأضاف: سيسهم مطار العلا في دعم القطاع السياحي في محافظة العلا بشكل كبير، وزيادة عدد الزوار والسياح في المحافظة، خصوصا بعد اختيار مدائن صالح من ضمن قائمة التراث العالمي من قبل لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، خلافا لخدمة أبناء المحافظة القاطنين في مناطق سعودية أخرى، ويرغبون في زيارتها.

وكانت الهيئة العامة للطيران المدني قبل عامين بدأت تنفيذ مطار العلا الذي يتوقع تسليمه إليها تمهيدا لتشغيله في الربع الثالث من العام الحالي 2010، وصمم ليستوعب 100 ألف راكب سنويا، بواقع أربع رحلات يوميا، وتبلغ مساحته الإجمالية 13.750 مليون متر مربع.

واختير موقع المطار ليخدم محافظة العلا والمحافظات المجاورة لها على قطر يصل إلى 250 كيلومترا، وينتظر أن تكون مساهمته واضحة في دعم القطاع السياحي، خصوصا بعد اختيار مدائن صالح من ضمن قائمة التراث العالمي من قبل لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو.