نجران: 80 مشاركا في الحوار الوطني يختمون أعمالهم بـ«حزمة» توصيات لإصلاح «القطاع الصحي»

قاض سابق لـ «الشرق الأوسط»: الحكم على قضايا الأخطاء الطبية اجتهادي.. ولدينا ضعف في ثقافة القانون

سواح أجانب يقفون في منطقة مدائن صالح الأسبوع الماضي (تصوير: مروان الجهني)
TT

خلص المشاركون في اللقاء الوطني الثامن للحوار الفكري المنعقد في نجران إلى «حزمة» من التوصيات التي يجب تحقيقها لرفع المستوى الصحي في السعودية ومعالجة كل السلبيات التي تعتري العمل الصحي في المستشفيات والمراكز الصحية في البلاد.

واتفق المشاركون على ضرورة أهمية الجودة في المجال الصحي لكونها مطلبا وطنيا وعمليا، مع اعتماد المعايير الدولية المرتبطة بالجودة والكفاءة، بما يشمل، جودة المعلومات الصحية، عبر إدارة قادرة وواعية للمعلومات الصحية، وتوفير المعلومات ذات العلاقة بتتبع دقيق وإحصاءات شاملة ودراسات تستشرف المستقبل في ضوء الماضي والحاضر، وجودة البنية التحتية من مبان وأجهزة، والعناية بالتجهيز الشامل للمراكز الصحية والمستشفيات، مع الاهتمام بجودة الصيانة الوقائية واللاحقة، وتأهيل الكوادر الصحية بالتنسيق مع المؤسسات المعنية، ووضع المعايير التي تضمن الارتقاء بمستويات العاملين وجودة أدائهم، وتفعيل أنظمة التحفيز، والتدريب المستمر للعاملين في المجال الصحي على كل المستويات والتخصصات.

واستطرد بيان حمل تلك التوصيات مشددا على ضرورة التوزيع العادل للخدمات الصحية بين المناطق كما ونوعا من خلال إنشاء مستشفيات تخصصية في كل منطقة، تخفيفا للأعباء المالية والاجتماعية على المستشفيات والمرضى وذويهم، ورفع عدد الأسرة في المستشفيات بما يحقق الوصول إلى المعايير الدولية، وتفعيل الوحدات المتخصصة المتنقلة لتوفير الخدمات الصحية في المناطق النائية والتعامل مع حالات الطوارئ.

وأكد المشاركون، من خلال البيان الختامي على أن معاناة المواطن من الأخطاء الطبية يتطلب توافر أنظمة وتشريعات تحفظ حق المواطن من خلال تحرير المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بـ«الأخطاء الطبية» وتثقيف المجتمع بذلك، والتفريق بين المضاعفة المحتملة، والخطأ المحتمل، والإهمال، والجناية المتعمدة، وضرورة التعامل مع الأخطاء الطبية بجدية والعمل على الحد منها مع العناية برصدها وتصنيفها ودراستها وتحديد عوامل وقوعها لضمان عدم تكرارها، واعتماد الأنظمة والإجراءات والتشريعات اللازمة، والمراجعة الشاملة لنظام المقاضاة في القضايا الطبية من النواحي الشرعية والإدارية والإجرائية.

ولم ينس المشاركون التطرق للحقوق والواجبات للعاملين في المجال الصحي حيث إنه أمر يقوم عليه عمل المؤسسات مما يقتضي المراجعة الشاملة لتدوين قواعد للحقوق والواجبات في الممارسة الطبية بما يشمل جميع المعنيين: الأصحاء، والمرضى، وذويهم، الأطباء، والعاملين في المجال الطبي وذويهم. والمجتمع، والمرافق الصحية، والجهات الممولة، ونظام التعليم الطبي، والإعلام.

وشدد المشاركون على ضرورة إشراك القطاع الخيري الصحي في منظومة مقدمي الخدمات الصحية من خلال تأسيس برامج مشتركة تسهم في تطوير المجال الصحي.

مؤكدين أن التوعية والتثقيف الصحي تعد أمرا رئيسا يجب الاهتمام به في كل القطاعات بما يسهم في رفع مستوى السلامة للمواطنين في مجال الغذاء والدواء والنظافة والبيئة، واستخدام الأدوية والعمل على تفعيل دور الأسرة وتعزيز التكامل بين القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والتخصصات ذات الصلة كالإعلام والصحة العامة والتمريض وصحة البيئة والعلوم الاجتماعية والتربية والتعليم والشؤون الإسلامية والشؤون البلدية والقروية لتسهم عمليا في مجال تعزيز الثقافة الصحية.

وكان مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني اللقاء الوطني الثامن للحوار الفكري تحت عنوان « الخدمات الصحية، حوار بين المجتمع والمؤسسات الصحية» وذلك خلال الفترة من 23 إلى 25 ربيع الآخر 1431هـ بمنطقة نجران وذلك بمشاركة 80 مشاركا ومشاركة يمثلون شرائح متنوعة من المجتمع مع حضور ممثلين عن الجهات التي تقدم الخدمات الصحية بهدف دفع حركة الحوار في المجتمع السعودي وتشخيص واقع الخدمات الصحية ودراسة السبل اللازمة لتطويرها من خلال قدرة المؤسسات الصحية على تلبية احتياجات المرضى ومستوى «جودة» الخدمات في القطاع الصحي والتوزيع الجغرافي للخدمات الصحية والأخطاء الطبية وحقوق المرضى وأخلاقيات العمل في القطاع الصحي ودور القطاع الخيري الصحي ومؤسسات المجتمع المدني في الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والتوعية والتثقيف الصحي.

وأعدت دراستان عن الخدمات الصحية تضمنت الأولى أهم المؤشرات الإحصائية ذات العلاقة بالخدمات الصحية، وكانت الثانية عن قياس الرأي العام عن الخدمات الصحية تم خلالها توزيع أربعة آلاف استمارة على جميع مناطق المملكة تضمنت نتائجها انخفاض مستوى قناعة المجتمع بأداء القطاع الصحي الحكومي، حيث يلجأ 71 في المائة من أفراد المجتمع إلى القطاع الصحي الخاص بسبب صعوبة توافر فرص علاج في المستشفيات الحكومية، في حين يرى 78 في المائة من أفراد المجتمع أن القطاع الصحي في المملكة يعاني من ظاهرة انتشار الأخطاء الطبية، وتؤيد 90 في المائه من العينة عمل المرأة السعودية في القطاع الصحي بشكل عام مع أهمية تطبيق الأنظمة التي تحافظ على حقوق المرأة، ويؤيد نصف المجتمع تطبيق التأمين الطبي الإلزامي، علما بأن نسبة 17 في المائة فقط من المواطنين تملك تأمينا طبيا مقدما من جهة العمل.

إلى ذلك عبر ممثلو الجهات الحكومية المقدمة للخدمات الصحية عبر البيان نفسه عن توافقهم مع ما قدمه المشاركون والمشاركات من آراء تهدف إلى تطوير الخدمات الصحية وشمولها كما ونوعا، حيث يرى مسؤولو تلك القطاعات أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال: دعم تنفيذ المشروع الوطني للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة الذي أعدته وزارة الصحة بما يتوافق مع الاستراتيجية الصحية التي تركز على تطوير المستشفيات والمراكز الصحية، وإيجاد توازن في توزيع الخدمات الصحية في مناطق المملكة، إضافة إلى توفير قواعد معلومات صحية شاملة وتوحيد الملف الطبي لكل فرد بما يحقق زيادة الكفاءة والإنتاجية.

واستطرد البيان مبينا «أهمية الاستمرار في برامج التأهيل والتدريب الصحي المتخصص في كل المجالات، ودعم بنود التدريب والابتعاث، ورفع مستويات الخريجين في التخصصات الفنية من الكليات الصحية الحكومية والخاصة، وإلزام جميع القطاعات الصحية برفع نسبة السعودة».

وأوضح أهمية «رفع مستوى مجلس الخدمات الصحية بما يضمن أن يكون مجلسا أعلى ليتمكن من متابعة تنفيذ الأهداف والسياسات الوطنية الصحية بما يضمن مشاركة جميع القطاعات الصحية، ودراسة جدوى تخصيص بعض الخدمات الصحية وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص ودعمه ومنحه أراضي وقروضا ميسرة لإقامة المشروعات الصحية خاصة في المدن الصغيرة، وإيجاد مصادر تمويل بديلة لإنشاء وتشغيل وصيانة المرافق الصحية وتفعيل مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والأوقاف وتشجيع العمل الخيري الصحي، لدعم جهود الدولة في الارتقاء بالخدمات الصحية».

إلى ذلك، أكد محمد بن صالح الدحيم، قاض سابق في وزارة العدل ومستشار ومفكر إسلامي والمشرف العام على مركز التجديد الثقافي لـ«الشرق الأوسط» أن ثقافة القانون لدينا ضعيفة ونظرا لعدم وجود أساس يبنى عليه الحكم تكون العملية اجتهادية، فاللجنة الطبية الشرعية تفصل في النزاعات فقط. وقال: «يجب أن تشكل هيئة تشريعية وليس تنفيذية ولا إدارية مكونة من محامين وقضاة وخبراء وأطباء في الشؤون الصحية، لا نريد لجانا فهي كثيرة جدا» مشيرا إلى أن الهيئة تقوم بالتشريع وهذا يسمى القانون. وأضاف: «ما ألمانع من أن يصدر قانون ثم يعدل حتى نصل إلى الصيغة النهائية وهذا ليس عيبا بل العيب أن نبقى دون قانون في قضايا الأخطاء الطبية». مشيرا إلى أن عدم تشريعه هو تشجيع للفوضى.

وتابع بأن «الناس عندما يقعون في أخطاء طبية ويطالبون بحقوقهم أو يطالبون بواجبات لا بد أن يكون ذلك في إطار قانوني يضمن للطرفين، المواطن ووزارة الصحة، كامل الحقوق دون أن يستجدي المواطن أحدا لأخذ حقوقه، وفي الجانب الآخر تستفيد وزارة الصحة من ذلك وتحارب الإهمال» وأكد في نهاية حديثة بأنه لا ضمانة للناس في أخذ حقوقهم إلا بوجود القانون وتحديد المهام ليأخذ كل ذي حق حقه.