تحذيرات من الاعتماد على كوادر التمريض غير السعودية.. ووزارة الصحة تنفي عزوف المواطنين

السعوديون يشكلون 30% فيه باعتباره عملا غير جاذب

نسبة انسحاب الكوادر التمريضية السعودية من القطاع بلغت 50 في المائة («الشرق الأوسط»)
TT

تفجرت قضية تدني نسبة السعوديين في قطاع التمريض مرة أخرى، عقب تحذيرات أطلقتها مصادر عاملة في القطاع من مغبة الاعتماد على غير السعوديين الذين وصلت نسبتهم إلى 70 في المائة، بحسب تلك المصادر التي أشارت إلى أن هؤلاء يمكن أن يغادروا إلى بلادهم تحت أي ظروف، في ظل تحول المهنة إلى طاردة للمواطنين.

يأتي ذلك، في وقت طالب فيه أكاديميون ومتخصصون في القطاع الصحي بإنشاء مجلس سعودي للتمريض، خلال ملتقى مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مؤخرا، حيث كشفت الدكتورة صباح أبو زنادة أن تلبية الحاجة في القطاع تحتاج إلى 50 في المائة من العدد الحالي، بنحو 170 ألف وظيفة تمريض، في الوقت الذي ستصل فيه حاجة البلاد بحلول 2025 إلى 300 ألف وظيفة. وأوضحت أن 97 في المائة فنيو تمريض و3 في المائة فقط إخصائيي تمريض.

ونفت الدكتورة منيرة العصيمي، مدير عام التمريض بوزارة الصحة، لـ«الشرق الأوسط»، وجود عزوف من المواطنين عن مهنة التمريض، وقالت «ليس هناك عزوف عن مهنة التمريض، والدليل على ذلك أن الأعداد التي تستقبلها الكليات والمعاهد أكبر من أن تدل على وجود قلة إقبال مقارنة مع الخدمات الصحية المقدمة، وأن سوق العمل المطلوب ليست التمريض بل المطلوب أطباء، وفنيو بصريين وإخصائيو أسنان».

غير أن الدكتور خالد مرغلاني، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، اقر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بوجود عزوف عن المهنة، بيد أنه خص بذلك الرجال بقوله «نسبة العزوف أعلى منها عند الذكور، وذلك لطبيعة حياة المرأة»، موضحا أن نسبة الممرضين السعوديين الرجال في القطاع الصحي في وزارة الصحة تحديدا وصلت إلى أكثر من 97 في المائة.

الدكتورة صباح أبو زنادة، رئيسة المجلس العلمي للتمريض، التابع للهيئة السعودية للتخصصات الطبية، حذرت من هذا الأمر بقولها «تبلغ نسبة الممرضين غير السعوديين 70 في المائة من إجمالي الكوادر التمريضية الموجودة في السعودية».

وعزت في حديث لـ«الشرق الأوسط» الخطورة إلى أن هؤلاء الممرضين والممرضات سيغادرون البلاد إذا ما انتشرت أي مشاكل وبائية أو مخاطر طبيعية، الأمر الذي من شأنه أن يتحول إلى قضية أمنية باعتبار أن التمريض يعد خط الدفاع الثاني للمملكة بعد الجيش - على حد قولها.

وأشارت إلى أن أي تغيير أو تحسين في مجال التمريض سيؤدي إلى إرباك القطاع الصحي في ظل اعتماده على الكادر التمريضي في القيام بما يقارب 80 في المائة من الخدمات الصحية.

وأرجعت أسباب عزوف الكثير من السعوديين والسعوديات عن مزاولة مهنة التمريض إلى تفضيلهم البحث عن الالتحاق بأي وظيفة بصرف النظر عن درجة اقتناعهم بها، مما يضطرهم إلى الانسحاب فور دخولهم مضمار التمريض إذا لم يتأقلموا مع بيئة العمل.

وأضافت «تعد طبيعة العمل في مجال التمريض صعبة نوعا ما، كونه يحتاج إلى مهارات معينة للاستمرار به، عدا عن نظرة القطاع الصحي لذلك المجال وتهميش دور قيادات تلك الكوادر في السعودية»، موضحة أن ذلك كان له تأثير سلبي على تقدير الرواتب والبدلات التي لا تتماشى مع طبيعة العمل.

ولفتت إلى أن بعض المسؤولين يعدون سببا في العزوف عن مهنة التمريض، لا سيما أنهم يعملون على توجيه الكوادر التمريضية إلى وظائف إدارية في المنشآت الصحية نفسها، مشيرة إلى أن تلك الكوادر عادة ما تمتلك خلفية جيدة عن المهام الإدارية الصحية وفق ما يدرسونه خلال مسيرتهم التعليمية.

وأضافت «بلغت نسبة انسحاب الكوادر التمريضية السعودية من مجال التمريض نحو 50 في المائة، وذلك نتيجة تشجيع المسؤولين لهم على العزوف عن وظائفهم كممرضين والاتجاه نحو وظائف إدارية في المنشأة الطبية نفسها»، مبينة أن تلك الكوادر عادة ما تمتلك خلفية جيدة عن المهام الإدارية الصحية وفق ما يدرسونه خلال مسيرتهم التعليمية.. حيث توجد حاليا بالمملكة جمعية للتمريض، وهى تعنى بنشاطات التعليم المستمرة فقط لا غير، كما يوجد المجلس العلمي للتمريض بالهيئة السعودية التي قيدت صلاحيات المجلس من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية لتقتصر على التدريب فقط، وما زال التمريض يمثل بغير المتخصصين.

كما لفتت الدكتورة صباح إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجه قطاع التمريض عدم وجود جهة معينة تهتم وتراعي وتتحدث باسم هذا القطاع: مثلا عندما ترسل الدوائر الحكومية بطلب استشارات عن موضوع التمريض يتم إرسال أناس غير متخصصين وذلك لأن الأمين العام والمساعد كلهم أطباء!! وأبانت أن هناك 20 ممرضا وممرضة على درجة بكالوريوس و50 ممرضا وممرضة على درجة ماجستير!.. متسائلة لماذا لا تستعين بهم الدولة وتأتي بهم إلى طاولة العمل عند صنع القرار بدلا من ترك هذا المجال يمثل من قبل من هم خارج المهنة؟!..

وزادت على ذلك بأنه في آخر اجتماع عقد لوضع اللائحة لم يحضر متخصصو تمريض، وكل الذين حضروا كانوا من الأطباء والصيادلة، لذلك كانت اللائحة قاصرة، ولم يقدموا أي شي لقطاع التمريض، وجل التركيز كان منصبا على الأطباء ثم الصيادلة.

وأشارت إلى أن المعايير العالمية توصي بأن تتكون القوى العاملة للتمريض من 70 في المائة إخصائيي تمريض (على مستوى بكالوريوس) و30 في المائة فنيي تمريض (مستوى معاهد وكليات متوسطة)، في حين أن القوى العاملة التمريضية السعودية تتكون من 97 في المائة فنيي تمريض، و3 في المائة فقط إخصائيي تمريض!! كما طالبت الدكتورة أبو زنادة بإنشاء مجلس للتمريض في المملكة العربية السعودية تحت مسمى (المجلس السعودي للتمريض) مثل مجالس الأردن وبريطانيا يكون معنيا بترقية المستوى الصحي للمجتمع من خلال إيجاد نظم تشريعية لمهنة التمريض تضمن جودة الخدمة والممارسة المهنية التمريضية وتضمن حماية المستفيدين والعاملين في المهنة.

وأضافت أن وجود مجلس يعنى بشؤون التمريض سوف يوفر للمواطنين والمواطنات أكثر من 170 ألف وظيفة في الحاضر، وأكثر من 300 ألف وظيفة في غضون العقدين القادمين.

وتعود الدكتورة منيرة العصيمي للقول إن قطاع التمريض ليس بالقطاع المهمش، وهناك مجلس علمي يمثل ويهتم بكل الأمور المتعلقة بالتمريض عن طريق المجلس الأمني في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية فيما يتعلق بالأمور الصحية، وإن المعنيين بالتمريض في المستشفيات هم ممرضون وليسوا أناسا من خارج المهن.

وعن نسبة السعودة قالت «العصيمي إنه لا يوجد أي قطاع تبلغ نسبة السعودة فيه مائة في المائة إلا القطاع العسكري. وإن نسبة السعودة العالية في قطاع الصحة تتمركز في وزارة الصحة نفسها». وزادت أن ضعف الرواتب والبدلات أحد الأسباب التي تدفع إلى عدم الإقبال على مهنة التمريض كون هذه المهنة تختلف عن غيرها من المهن مثل التدريس والتعليم أو حتى الإعلام، وعلى العاملين في هذا القطاع أن يسألوا الأجر قبل الربح المادي.

واستدركت قائلة إن هناك دراسات وتوجهات لتحسين وضع التمريض في السعودية، وأحد هذه التوجهات «باب تحسين الكوادر»، والذي يهتم بالمزايا المالية التي طُرحت من قبل.

وعن سبب وجود إخصائيين على مسمى فنيين قالت «إنه يتم تحديد عدد معين من الإخصائيين لنا كل عام، وعلى أساسه يتم التعيين، لكن إذا كانت رغبة الإخصائي في الالتحاق بالعمل ملحة وليست هناك وظيفة إخصائي يتم تعيينه على مرتبة فني، وتلقائيا يرتفع ويتحسن وضعه، وإن جميع العاملين في القطاع الصحي وضعهم يتحسن كل عام، وإن الأشخاص الذين يقدمون على وظيفة إخصائي ولا يجدون، يتوجهون إلى وظائف أخرى مؤقتا حتى بداية العام ويأتون بعدها لتسلم الوظيفة على رتبة إخصائي.

واختتمت حديثها بأن التمريض في طور البناء، والدليل على ذلك إنه اسم التمريض كان لا يذكر وألان أصبح حديثاَ للإعلام وأن كل شي سوف يأتي بوقته وبخطط مدروسة.

الدكتور خالد مرغلاني اعتبر أن العزوف عن مهنة التمريض ظاهرة عالمية، ورغم ذلك ما زال الإقبال على مهنة التمريض ودراستها مستمرا، والدليل على ذلك أن الالتحاق بهذا التخصص لا يتم إلا بعد المقابلة الشخصية.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة إن معظم المشتغلين في المستشفيات هم من السعوديين باستثناء الذين يعملون في أقسام تتطلب شهادات عالية - الطوارئ، العناية المركزة، القلب - هم من الممرضين الأجانب. وزاد على ذلك أن التمريض قطاع حيوي ذو أهمية كبيرة جدا له أخذ كل حقوقه، «ولا أعتقد أن هناك قطاعا وصلت فيه المرأة لمناصب مثل الصحة».

من ناحيته، قال الدكتور سامي أبو داود، مدير الشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن نسبة السعودة في المدن الكبيرة أعلى من المدن الصغيرة، مشيرا إلى أن نسبة السعودة في مستشفى العيون بلغت 100 بالمائة وفي إدارة الرعاية الصحية 95 بالمائة.

كما أرجع سبب عزوف السعوديين عن مهنة التمريض قائلا «من المتعارف أن عمل التمريض عمل مرهق ويحتاج إلى جهد كبير»، لافتا أن «غياب الحوافز في هذا المجال يعتبر أحد من الأسباب الرئيسية المنفرة للعمل».

وأضاف أبو داود قائلا «لدينا خطة جيدة للتحفيز حيث بدأنا في ابتعاث الطلاب والطالبات لتحضير الدكتوراه والماجستير والخطة التوعوية التحفيزية للطلاب سوف تبدأ العام المقبل»، وقال «من الصعب وضع تعليقات مباشرة على الهيكلة الجديدة ووضع التمريض فيها حيث لم يسلم لنا رسميا وقد تم الاطلاع عليه إعلانيا فقط». من جانبه، قال الدكتور عبد الرحمن مليباري مساعد مدير مشفى الملك فيصل بمكة لـ«الشرق الأوسط» إن السبب الرئيسي من وجهة نظره لعزوف السعوديات من قطاع التمريض يرجع إلى طبيعة المجتمع وطبيعة عمل بيئة التمريض خاصة بعد زواج الممرضات، وأما عن انسحاب الرجال من هذا المضار.

وقال «لا نستطيع أن نعتبر انسحاب الرجال من هذه الهنة نتيجة تحريض المسؤولين ظاهرة، ولكن معظمهم ينسحبون هربا من المناوبات الليلية».

فيما عزا الدكتور خالد عبد اللطيف، المدير الطبي بمستشفى الحمراء بجدة، أسباب عزوف السعوديين والسعوديات إلى ثلاثة أسباب رئيسية، وهي أن الكثيرين لا يفضلون القطاع الخاص لعدم إحساسهم بالأمان، كما أن ضعف الرواتب يعتبر أحد الأسباب واختلاف الدوامات بين القطاعات الخاصة والحكومية حيث الأغلبية يفضلون القطاع الحكومي. وأضاف أن أكثر ما نحتاج إليه في مجمعتنا هو التوعية وتقديمه بشكل مختلف عما يظهر في الإعلام وإبراز دوره بالشكل الصحيح.

إلى ذلك، قالت الدكتورة سناء عبد الكريم المحمود، أستاذ مساعد بجامعة الدمام كلية التمريض، إن من أكثر الأشياء التي تثير إزعاجها تحويل الطالبات اللاتي لم يقبلن في التخصصات الأخرى إلى كلية التمريض، مما يجعلنا في الأخير نخرج مخرجات ليست بالمعايير المطلوبة.

وترى الدكتورة سناء أنه ليس هناك عزوف عن التمريض بالمعني الظاهر بل بالعكس، هناك إقبال شديد، وأن المشكلة الأساسية تكمن في عمل الممرضة بعد التخرج، وفصلت أن التسرب في مهنة التمريض يكون من مرحلة التقدم إلى الدخول وغالبا ما يكون التسرب في السنة الثالثة بعد مواجهتهم للمجال العملي. وزادت أن نقطة التسرب الثالثة تكون بعد التخرج إذ لا تلتحق بتخصصها وتعمد إلى تخصصات إدارية أخرى.

وأرجعت سبب ذلك إلى ضعف الرواتب والحوافز وقالت «إن الديوان لم يطرح وظائف إخصائيات فيتم تعيينهن على رتبة فنية»، وإن مشكلة التمريض الحقيقة تكمن في تخطيط الأمور، وإن الممرض المختص هو القادر على معرفة هذا الخلل وكيفية علاجه وليس الطبيب الذي يمثل الممرض. ونوهت بأن جميع عمداء كليات التمريض والقياديين لمجال التمريض هم أطباء، مع العلم بوجود نحو سبعة عشر ممرضة في المملكة على درجة بكالوريوس.

وقالت لـ«لشرق الأوسط» إن الحل لهذه المشكلة لا بد أن يكون على مستوى كبير، مشيرة إلى ضرورة وجود مجلس للتمريض يحدد لنا احتياج البلد من الممرضات السعوديات، على أن يتم توزيع الخريجات على مستشفيات المملكة حسب حاجة المناطق وتحديد احتياج كل مستشفى مما سيقلل اعتمادنا على العمالة الخارجية.

وأشارت إلى ضرورة توفير مركز للمعلومات يجيب عن كل تساؤلات الطالب قبل وبعد التحاقه بالتمريض، وتعريفه بمدى أهمية التمريض ودوره في المجتمع حتى نستطيع تخطي النظرة القائلة بأن الطبيب درجة والممرض بالدرجة الثانية.

وطالبت الدكتورة سناء المحمود بضرورة وجود مجلس مستقل للتمريض يدار من قبل ممرضين متخصصين وأن ضرورة تمثيل المناصب القيادية من قبل ممرضين من هم على درجة الدكتوراه.