جدة: حملات تطوعية لاستعادة شعار «جدة غير» بعد «الأربعاء الأسود»

شملت أعمالهم تنظيف أجزاء متفرقة من المدينة

برنامج «حيّنا الأنظف» أحد البرامج التطوعية لتنظيف وجه عروس البحر الأحمر («الشرق الأوسط»)
TT

ما يقارب خمسة أشهر مرت على ذكرى سيل الأربعاء الأسود الذي ضرب عروس البحر الأحمر مخلفا وراءه جروحا لا تندمل، وخطف نحو 130 نفسا ودمر البيوت والشوارع وكل شيء، فضلا عن كونها باتت حديثا حتى لمن لا حديث له.

وعلى الرغم من عودة الحياة إلى طبيعتها، فإن جدة ما زالت تواجه انتقادات فيما يتعلق بانعدام البنية التحتية وغيرها من الأمور التي باتت تؤثر في نفسيات أهالي المدينة، مما جعلهم يشمرون عن سواعدهم ليغيروا تلك النظرة ويعيدوا الشعار الذي كان يلازمها منذ سنوات كثيرة، المتمثل في كونها «غير».

ومن هذا المنطلق، اتخذت مجموعات تطوعية من فعاليات اليوم العالمي الستين للأرصاد والأربعين للأرض التي انعقدت مؤخرا نقطة لانطلاق أعمالها بشكل فعال وقوي، وخاصة أنها تعد مناسبة رسمية من الممكن أن تسهل مهمات تلك الحملات.

أمين خفاجي المدير التنفيذي الميداني لإحدى الحملات التطوعية أرجع سبب اختيار «حي الروضة 3» إلى كونه شارعا سكنيا مليئا بالمباني، لافتا إلى أن ذلك النشاط التطوعي داخل ضمن فعاليات اليوم العالمي الستين للأرصاد والأربعين للأرض.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من ضمن تلك الفعاليات تنظيف كل من الكورنيش الجنوبي والشمالي في جدة، الذي استمر لمدة خمسة أيام متتالية»، مبينا أن تلك الفعاليات كانت فرصة للانطلاق بأنشطة برنامج «حيّنا الأنظف» الذي بدأ منذ نحو شهرين.

وأشار إلى أن بدايتهم في العمل التطوعي المتعلق بالمسح الميداني لأحياء جدة جاءت بعد كارثة جدة، في محاولة منهم لتعديل أكبر قدر ممكن من الأوضاع وإثبات أن جدة ما زالت «غير»، على حد قوله.

وأضاف: «نعمل على أنشطة بيئية وحملات توعوية وورش عمل، إلى جانب المسح الميداني للأحياء بهدف تحديد الأرصفة والإنارات التالفة لمخاطبة الجهات المسؤولة»، لافتا إلى أن بعض شركات إعادة تدوير النفايات شاركت معهم في برامجهم.

وأكد على بدء انتشارهم بقوة عقب كارثة جدة، ولا سيما أنهم يرغبون في تعديل أوضاع المدينة ونظرة الكثيرين لها بعد الأحداث التي شهدتها، مبينا أن مجموعات المتطوعين والمتطوعات البالغ عددها 8 تحاول التقرب من بعضها للعمل في إطار واحد.

وزاد: «في الفترة الماضية قمنا بمسح ميداني لتحديد الأخطاء الموجودة في الأحياء ورفعها ضمن تقرير إلى بلدية المنطقة، ونسعى الآن للنزول إلى المدارس والمجمعات التجارية وذلك بهدف تقديم عرض لجدة قبل وبعد العمل عليها».

بينما ترى العنود بابطين إحدى طالبات المرحلة الثانوية والمتطوعة مع فريق التنظيف، أن ما أثار حماسها للمشاركة هو الأجر وما يترتب على ذلك العمل من خير ومنفعة للجميع، لافتة إلى أن استغلال الوقت في مثل تلك الأنشطة يعد أفضل من إهداره على وسائل أخرى.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العمل يخدم البيئة قبل المدينة، وتعد تلك الحملات ناجحة جدا في ظل مشاركتي بأعمال تطوعية مثل كارثة جدة، ونأمل أن تكون مستمرة». ولم تقتصر المشاركة على فئة الشباب فقط، وإنما شهدت جولة تنظيف حي الروضة مشاركة الأطفال أيضا، وذلك في محاولة منهم لإثبات أن عروس البحر «غير» وستظل كذلك، بحسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» راكان سليمان ابن العشر سنوات.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت في هذه الحملة للتأكيد على أن العالم الإسلامي لا بد أن يكون كذلك، وجاء ذلك برغبة مني، إلى جانب مشاركة ابن عمي بعد أن دعوته، فضلا عن مجموعة من أصدقائي الذين رغبوا في الوجود غير أن معرفتهم بالحدث في وقت متأخر منعتهم من الحضور».

بينما أفاد لـ«الشرق الأوسط» تركي عدس أحد منظمي الحملة بأن المتطوعين متحمسون جدا، الأمر الذي جعلهم يعملون بذمة (على حد قوله)، لافتا إلى أنه يفضل المشاركة في مثل هذه الأعمال التطوعية، ومن ضمنها تلك المتعلقة بالأيتام ومرضى السرطان وغيرها.

من جهته أوضح محمد أبو ركبة مدير التسجيل والعهد في حملة تنظيف حي الروضة، أن الهدف من ذلك النشاط يتمثل في توعية الشباب السعودي بقيمة النظافة لكونها واجبا من واجبات الدين الإسلامي.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «حققت الحملة نجاحا منقطع النظير، إذ لم نتوقع حضور 280 متطوعا ومتطوعة، فضلا عن تفاعل 3 آلاف آخرين غير أنهم لم يستطيعوا الحضور».

وأشار إلى أن فكرة الحملة جاءت من قبل مركز الأحياء في منطقة مكة المكرمة، التي بادرت بها ودعمتها، مبينا أنها كانت بداية انطلاقة لحملاتهم في ظل إكمال المتطوعين والمتطوعات مسيرة العمل التي تستهدف بعد ذلك المجمعات التجارية والمدارس.

وبالعودة إلى أمين خفاجي الذي طالب بضرورة وجود جهة تتبنى أعمالهم وتنظمها بشكل أكبر، وذلك من أجل جعلها مرجعية لهم في حال الاحتياج إلى شيء ما، مضيفا: «نحن في حاجة أيضا إلى دورات تدريبية تعلمنا الكثير فيما يتعلق بالأعمال التطوعية وتنمية عملنا».

وحول ما إذا كانت حملات التنظيف ستشمل جميع أحياء جدة، أوضح أن ذلك سيحدث في حال مبادرة مراكز الأحياء إلى تبني تلك الحملات، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن غياب الدعم المادي يعد إحدى الصعوبات التي تواجههم، لا سيما أنهم لا يملكون بطاقات تعريفية، الأمر الذي يجعلهم عرضة للإيقاف من قبل الجهات الأمنية.