الملك خالد.. كان ذا همة عالية رحيما عطوفا قليل الغضب ورجلا يملأه التواضع وحب البساطة

جوانب من سيرته ومواقفه يرويها لـ«الشرق الأوسط» فهد المفيريج أخ لأبناء الملك من الرضاعة

الأطفال لهم مساحة حب في قلب الملك خالد.. وفي الصورة يحتضن ثلاثا من حفيداته وهن العنود وبسمة وصيتة بنات الأمير بندر بن عبد المحسن
TT

ارتبطت أسرة المفيريج إحدى أسر مدينة الرياض بعلاقة مع ملوك وأمراء الدولة السعودية الحديثة تعليما بعد أن امتهنت الأسرة التعليم في العاصمة الرياض وأسست لهذا الغرض مدرسة عُرفت بمدرسة المفيريج قبل 134 عاما والتحق بها على مر العقود الماضية أمراء ودارسون أصبح لهم شأو في الحياة حيث وصل البعض منهم إلى أعلى المناصب بأن أصبح ملكا والبعض إلى رتبة مفتي عام للديار السعودية، وتوطدت العلاقة بين أسرة المفيريج والملك خالد لتصل إلى علاقة رضاعة مع أبناء وبنات رابع ملوك الدولة السعودية والنجل الخامس للملك المؤسس الذي درس في هذه المدرسة.

ويعد عبد الرحمن بن ناصر المفيريج المولود في الرياض عام 1854م والمتوفى عام 1922م من الأوائل الذين أسهموا في إدخال التعليم في مدينة الرياض فيما يعرف بنظام الكتاتيب قبل إقرار المدارس النظامية، وأسس لهذا الغرض مع أخيه عبد الله عام 1297هـ مدرسة تعد من أقدم المدارس في الرياض في ذلك الوقت واستمرت نحو ثمانية عقود، وعلى أكتاف هذه المدرسة أقيمت مدرسة الأبناء أو الأمراء أنجال الملك المؤسس، داخل قصر الحكم والتحق بها الأمراء وأتباعهم وبعض أبناء الموظفين في القصر، وكان يشرف عليها الأستاذ رشدي ملحس السكرتير في الشعبة السياسية، وقد التحق بمدرسة المفيريج عدد من الأمراء، منهم الملوك سعود وخالد وفهد، إضافة إلى بعض الطلبة منهم مفتيا الديار السعودية سابقا الراحلان محمد بن إبراهيم وعبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد والد رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليا رئيس مجلس الشورى السعودي سابقا.

وتحتفظ أسرة المفيريج بعلاقة ود مع الملك خالد وأسرته وأبنائه وبناته من زوجته الأميرة صيتة بنت فهد الدامر التي اقترن بها الملك عام 1355هـ، وقامت جدة المفيريج بإرضاع أبناء الأميرة صيتة حيث كانت الأسرتان متجاورتين في منزلين في حي دخنة ثم في حي حوطة خالد بالرياض.

كما تحمل أسرة المفيريج ذكريات عن الملك خالد في مراحل مختلفة من حياته، وظل الوفاء يجمع الأسرتين حتى بعد رحيل الملك خالد عام 1982م، بل إن بعض مقتنيات الملك في مراحل مختلفة من حياته آلت إلى أسرة المفيريج بعد أن أهدى الملك خالد هذه المقتنيات إلى ناصر بن عبد الرحمن المفيريج عقب انتقال سكن الملك من حوطة خالد إلى سكنه في أم الحمام، ولا تزال الأسرة تحتفظ بهذه المقتنيات إلى الآن، وأبرزها الراديو الخاص للملك حيث كان مستمعا جيدا له، بالإضافة إلى بندقية صيد، ومنظار (دربيل) وساعات مختلفة، وبعض أدوات إعداد القهوة والشايمن دلال وأباريق.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» يرصد فهد بن محمد بن ناصر المفيريج (أخ لأبناء الملك خالد من الرضاعة) جوانب تتعلق بالملك خالد آثرنا تسجيلها لأهميتها بما يمكن تسميته بالتاريخ الشفوي.

يقول المفيريج: الملك خالد درس قبل 94 عاما في مدرسة الجد عبد الرحمن بن ناصر المفيريج في حي دخنة، وهي مدرسة قديمة أنشئت عام 1240هـ، أنشأها الجد عبد الرحمن وأخوه العم عبد الله، وتعنى المدرسة بتعليم طلابها مبادئ الفقه والتوحيد والحساب، مشيرا إلى أن الملك خالد حفظ فيها القرآن الكريم وختمه عام 1341هـ وكان عمره آنذاك 11 عاما، وكان من زملائه في المدرسة عمه الأمير مساعد بن عبد الرحمن والملك فهد، والأمير سعود بن هذلول أمير القصيم سابقا، والأمير فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود أمين الرياض سابقا.

ويتحدث المفيريج عن جوانب من شخصية الملك خالد بحكم معايشة أسرته للملك عن قرب انطلاقا من علاقة الرضاعة التي تربط بينهما موضحا: في عام 1355هـ اقترن الملك خالد - رحمه الله - بالأميرة صيتة بنت فهد الدامر وسكن في بيت تابع للطبيشي، حيث استأجر البيت المجاور لبيت المفيريج في حي دخنة بالرياض، ومن هنا نشأت العلاقة، وكانت هناك لقاءات بين الأسرتين بشكل يومي، وتطورت هذه العلاقة بعد أن أبدت الأميرة صيتة التي أنجبت له ست بنات وولدين رغبتها في أن تقوم جدة المفيريج طرفة بنت محمد بن مصيبيح بإرضاع أبنائها، علما بأن الأميرة صيتة أنجبت كلا من: الأميرة الجوهرة، والأميرة نوف، والأمير فهد (توفي)، والأميرة موضي، والأميرة حصة، والأميرة البندري، والأميرة مشاعل، والأمير فيصل (أمير منطقة عسير حاليا).

وقد وصفت الأميرة صيتة زواجها من الملك خالد في لقاء تم معها في عام 1996م وسجله الباحث أحمد الدعجاني في كتابه «سيرة ملك ونهضة مملكة» بقولها: «إنه زواج ناجح، متميز بالمودة والاحترام المتبادل». مضيفة: أن الملك خالد كان في تعامله يشدد على ضرورة عدم تجاوز الشخص لحدوده، كما تصفه بأنه رحيم، وعطوف، قليل الغضب، يحرص على الطهارة والنظافة، ويحب الأطفال من أبنائه وأحفاده، وأبناء أصدقائه، وأبناء تابعيه، كان يعرفهم بالاسم، ويحب مداعبتهم وكثيرا ما يصطحبهم في رحلاته، لأنه محب للطبيعة بشكل كبير.

ويشدد المفيريج على أن الملك خالد كان ذا همة عالية، كما عرُف منذ صغره وحتى وفاته بالصلاح والتقوى ومخافة الله وكان دائما متعلقا بالقرآن الكريم الذي حفظه، كما كان حريصا على تأدية الصلاة في وقتها بل كان أكثر ما يزعجه ويجلب له الضيق عدم سماعه للنداء (الأذان)، مستحضرا في هذا الصدد قصة تعطل مبكر الصوت في مسجد قصره بالمعذر: حيث فوجئ الملك في أحد الأيام بعدم سماعه لأذان الفجر، وعندما سأل عن السبب، قيل له: إن عطلا أصاب مكبر الصوت، فطلب الملك مسؤول الصيانة وأنّبه على هذا التقصير، وأمر بتكليف شخص آخر للقيام بمهمة الصيانة، وقال: إن الذي لا يحرص على بيوت الله ويتفقد نواقصها لا يصلح أن يستمر في العمل، وأمر حينها بمد سلك كهربائي وتركيب مبكر صوت بجانب غرفة نومه في القصر حتى يتسنى له وأبنائه وساكني القصر سماع الأذان عن قرب لأداء صلاة الفجر.

وزاد المفيريج، بالإضافة إلى ذلك كان الملك خالد من أنصار الحفاظ على البيئة، وكان محبا للزراعة ومشجعا على التشجير، وكان أكثر ما يزعجه ويكدر خاطره أن تقطع شجرة أيا كان نوعها، ولعل خير ما يعبر عن ذلك، أنه قبل وفاته بفترة قصيرة ذهب لتفقد فيلا صغيرة تم تشييدها داخل قصر الخالدية في الطائف، وقد أبدى الملك إعجابا شديدا بها وأثنى على المقاول الذي نفذها ثناء شديدا وسط استغراب مرافقيه، خاصة أن الفيلا لم يكن في بنائها ما يستحق هذا الثناء، واتضح لهم أن هذا الثناء على المقاول والإعجاب بالفيلا جاء بسبب إبقاء المقاول على شجرة قديمة من نوع (فكس) كانت معترضة للفيلا ولم يقطعها.

وشدد أخو أبناء الملك من الرضاعة على أن الملك خالد كان بسيطا وصريحا لدرجة الإحراج، وكان مرحا للغاية وصاحب دعابة نادرة، كما كان محبا لعمل الخير ومساعدة المحتاجين، بل إن الملك خصص سيارة ضمن موكبه تقف في الطرق التي يسلكها الموكب لأخذ خطابات ومعاريض الناس، بل كان الملك يؤكد على قائد الحرس الملكي بعدم سير سيارات الموكب بسرعة حتى يتسنى للناس الواقفين في الطريق إيصال مطالبهم ومعاناتهم إلى الملك، وفي المقابل كان الملك الراحل عادلا وحريصا على تنفيذ حدود الله في المجرمين والمخالفين، وكان يكره أن يشفع في أمر مخالف للدين أو يتجاوز الأحكام الصادرة بحقهم، موردا في هذا الصدد قصة امرأة تمت بصلة قرابة لأسرته، حيث طلبت المرأة مقابلة الملك خالد ليشفع لها في إطلاق سراح ابنها العسكري الذي ارتكب خطأ جسيما حكم عليه بالسجن أربع سنوات، وبالفعل فقد أوصلت الأم شكواها إلى الملك وهي تبكي بحرقة أمامه فتعاطف معها وطلب منها مراجعته بعد يومين لمعرفة قضية ابنها، واتضح للملك أن المحكوم عليه يستحق هذه العقوبة، وأبلغ المرأة بالقول: احمدي الله على أن العقوبة هي السجن أربع سنوات، فالخطأ الذي ارتكبه ابنك يستحق أكثر من ذلك.

ويشير المفيريج إلى أن الملك خالد كان يحب أبناء وطنه ويتواصل معهم، بل كان يحث أبناءه وبناته على التواصل مع الناس والتعرف على الأسر وأبنائهم وبناتهم والاستجابة لدعوات المناسبات الاجتماعية وحفلات الزواج التي يقيمها المواطنون، كما أن ابنه فيصل قد أدى اختبار الثانوية العامة قبل أربعة عقود في «متوسطة ابن خلدون» جنوب الرياض مع زملائه أبناء المواطنين. كما كان الملك محبا للخير، وكان يحب مساعدة المحتاجين ويمنح من يثق به المال لتوزيعه على الفقراء والمساكين، مع حرصه على عدم إعلان ذلك، وعرف عن الملك محبته للأطفال، وكانوا يمارسون أمامه متطلبات الطفولة بكامل براءاتها، وكان يفرح برؤيتهم على هذه الحال، موضحا المفيريج: كان يداعبنا وكنا مع أبنائه وأحفاده وأبناء الحاشية نلعب أمامه وكان يمنحنا مبالغ مالية، بل إننا نتعارك أمامه وكان يشاهدنا وهو في قمة فرحه. ويتذكر المفيريج مواقف الملك خالد عندما كان أميرا وقبل أن يصل إلى سدة الحكم، حيث كان يحرص أيام الملك سعود على أن يصلي معه يوم الجمعة في جامع أم الحمام، فكان جدي يدعو الأمير خالد لتناول طعام الغداء في منزلنا، وذات جمعة عندما كنا متجاورين في حوطة خالد أوقف الملك خالد سيارته بالقرب من منزلنا وكنا أطفالا، فأخذنا نعبث بسيارة الأمير، واشتغلت السيارة وسارت مسافة قصيرة واصطدمت بحائط مجاور، فانتابنا الخوف وهربنا، وعلم أهلنا ووبخونا، فلما علم الملك قال: اتركوهم هذولا أطفال وما داموا سالمين فهذا أهم شيء.

ولأن الملك يحب الطبيعة والصحراء، فقد كان محبا للمشاركة في إعداد الوجبات خلال رحلاته البرية مع إخوانه، وسجل عنه إجادته طبخ (الكبسة) وبصورة متقنة للغاية.

واختصر المفيريج وصف مناقب الملك خالد وشخصيته بالقول: كان مثل الخيمة الكبيرة تظلل الكبير والصغير والغني والفقير، وكانت أعمدة هذه الخيمة المحبة والتسامح والحنان والصدق، كان بسيطا واضحا يكره النفاق والمداهنة، وكانت الابتسامة نادرا ما تفارق محياه، ولسانه دائما كان رطبا يلهج بذكر الله.

وخص المفيريج «الشرق الأوسط» بصور عن بعض مقتنيات الملك خالد التي آلت إليه، وصورة برقية من الملك عبد العزيز مؤرخة عام 1357هـ لوزير المالية ابن سليمان لشراء منزل ابن سليم (وكيل سيارات بيجو سابقا) لابنه خالد في الوسيطى بحي دخنة وذلك بعد زواجه بفترة قصيرة من والدة الأمير فيصل بن خالد، الأميرة صيتة، وكان الأمير خالد يستخدم مسكنا يعود للطبيشي عن طريق الإيجار في حي دخنة وجاء نص البرقية كما يلي:

مستعجل جدا فورا ابن سليمان - من طرف بيت ابن سليم نبغيه للابن خالد حالا خلو حمد يعرف أخوه عبد العزيز يفرغ البيت ولا يتعذر في ذلك قطعيا وأخبروه أن القيمة نسلمها له في مكة ورد الجواب اليوم - عبد العزيز