بعد 40 عاما على تأسيسها.. مدارس الرياض تتجه لاستحداث فروع لها في المناطق السعودية

عبد الإله المشرف مديرها العام في حوار لـ«الشرق الأوسط»: لا نعترف بـ«الواسطة».. ونتعامل مع الطلاب بشكل عادل

د. عبد الإله المشرف مدير عام مدارس الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

قبل 40 عاما، كانت تتخذ من مبنى في حي عليشة (أحد أقدم أحياء العاصمة السعودية) مقرا لها، واليوم تتربع مدارس الرياض على مساحة كبيرة في حي المؤتمرات الراقي، بمبان بنيت على نفقة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، الذي كان يوليها اهتماما شخصيا منقطع النظير منذ أن تأسست، وحتى آخر أيام حياته، ليتعهدها بعده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. لم يتردد الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في قبول فكرة إنشاء المدارس، حينما أتاه وفد من الأعيان والمفكرين والأدباء وهم يحملون إليه هذه الفكرة. ويتذكر الدكتور عبد الإله بن عبد الله المشرف مدير عام مدارس الرياض جيدا التفاصيل التي أحاطت بإنشاء هذه المدارس، والتطورات الهامة التي مرت عليها. وفي بيئة تعليمية يسيطر عليها أبناء الأمراء، وأبناء رجال الأعمال، قد يعتقد البعض أنه من غير الإمكان ضبط سير العملية التعليمية. لكن مدير مدارس الرياض أكد في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» بمناسبة مرور 40 عاما على إنشاء تلك المدارس أنهم يتعاملون مع جميع الطلاب بسواسية. ويقول «أكثر من يؤكد علينا أن نتعامل مع الطلاب بشكل عادل هم أصحاب السمو الملكي الأمراء»، فإلى نص الحوار:

* تحتفل مدارس الرياض هذا العام بمرور 40 سنة على تأسيسها، وتنتهج منهجية في بناء القادة قلما تجد لها مثيلا في الوطن العربي ككل، عبر مركز الأمير سلمان لبناء القادة، بودنا أن نبدأ الحديث من هذا المركز والدور الذي يضطلع به في بناء القيادات المؤهلة لتولي مناصب قيادية في الدولة؟

- مدارس الرياض صرح تربوي متميز رعته القيادة الرشيدة منذ إنشائه كما ترعى كل مرافق التعليم، لكن هذا الصرح كانت له رعاية خاصة من الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض منذ إنشائها، فكان رئيسا فخريا لهذه المدارس ورعاها منذ بذرت هذه البذرة المباركة وهو يتعهدها برعايته إلى هذا الوقت ونحن نحظى بمتابعة ورعاية ودعم مستمر لا ينقطع لهذا الصرح، لا شك أن رعاية قائد من قادة هذا البلد لهذا الصرح أضفت في الحقيقة على هذه المدارس سمة معينة وهي بناء القادة وبناء الشخصيات، فمنذ أن بزغت شمس هذه المدارس وهي فعلا بيئة تبني القادة، ونحن جسدنا، وكان هذا بتوجيه من الأمير سلمان، هذا النهج بإنشاء مركز متخصص باسم الأمير سلمان لبناء القادة. هذا المركز الذي يعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط، باعتبار أنه يعنى ببناء القيادات الشابة من التعليم العام. هناك مراكز أخرى في الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول لكنها تعنى بالقيادات الشابة في التعليم الجامعي، لكن هذا المركز رعى بناء القيادة من التعليم العام. كما أنه مرتبط ارتباطا قويا جدا بالمدرسة، فأصبحت في الحقيقة مدارس الرياض تشكل البيئة التي يبنى فيها القادة، ومركز الأمير سلمان أصبح الفكر الذي يقود إن صح التعبير هذا النهج، وهو نهج بناء القادة.

* إذن نفهم بأن مدارس الرياض ومركز الأمير سلمان لبناء القادة يلعبان دورا تكامليا في إنشاء قاعدة من القيادات المستقبلية؟

- نعم، بلا شك، ولا تنحصر نشاطات هذا المركز على مدارس الرياض فقط، ولكن له نشاطات كبيرة خارج أسوار المدارس. ودعني أعود مرة أخرى لأتحدث عن مدارس الرياض، 40 عاما انقضت من عمر هذه المدارس وهي تبني وتنشئ وتخرج أجيالا الآن لهم تأثير كبير جدا في كثير من مناحي هذه الدولة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العلمية. وهذا بلا شك مؤشر يوحي بنجاح هذا الصرح الذي تفرد بأنه مدارس غير ربحية، ولعل هذا من النقاط التي كان الأمير سلمان يكررها بأن أولياء الأمور هم الذين يديرون هذا الصرح، لذلك أستطيع أن أقول إنها المدارس الوحيدة في المملكة العربية السعودية التي تعتبر مدارس غير ربحية تدار من مجلس إدارة يتكون من عدد من أولياء الأمور وربان سفينتها هو الأمير سلمان برئاسته الفخرية ورعايته المستمرة. وهذا التفرد أعطى لهذه المدارس فسحة للإبداع والتطوير بشكل باعتقادي أنه أنموذج نحن نرى أنه قد يسهم في صناعة هذا النموذج في أكثر من مكان. المدارس أيضا حقيقة تظل تذكر بكثير من الوفاء والشكر والامتنان لقائد من قادة العالم، وقائد فذ وهو المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبد العزيز، فهو من بنى هذا المبنى الذي نستفيد من خدماته الآن. الملك فهد رحمه الله كان له عناية خاصة بالتعليم، وكان لرعايته لهذا الصرح الأثر الكبير في نقلة نوعية كبيرة جدا تعيشها المدارس التي بنيت على نفقة الملك فهد الخاصة، وأكملت حتى بآخر صرح وهو بناء المرحلة الثانوية، فللملك فهد رحمه الله بصماته في كل زاوية في هذا الصرح، ورعى هذه المدارس سنوات كثيرة جدا. والآن نحن نحظى برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي رعى أكثر من حفل للمدارس، ودائما نتلقى توجيهاته ودعمه في كل مجال وهذا دأبه في كل مناحي الدولة.

* هل كون المدارس غير ربحية، وهي تتفرد بهذا النهج المبتكر، يعطي شروطا معينة للطلاب الراغبين في الالتحاق بمدارس الرياض؟

- هذا سؤال مهم جدا، واسمح لي بالإسهاب عن إجابته. بصراحة نحن نحتاج للتعليم غير الربحي. الموجود في النظام التعليمي بالسعودية نمطان رئيسيان؛ النظام التعليمي الحكومي وهو الذي تشرف عليه الدولة بشكل عام، ونظام التعليم الأهلي وهي مدارس ينشئها القطاع الخاص تلقى نوعا من الدعم ولكنها مدارس تهدف للربح المادي، هذان النمطان هما السائدان في السعودية. النمط الذي نراه بشكل محدود وحقيقة لا يوجد له وضوح كامل في النظام التعليمي هو نمط التعليم الأهلي غير الربحي، وهو تعليم يقدم خدمات تعليمية للمجتمع، ولا يهدف للربح المادي، لكنه يأخذ رسوما الهدف منها تطوير العمل، فلا يوجد ربح من هذه المدارس يذهب إلى مستثمرين، وإنما كل عوائد النظام التعليمي غير الربحي تعود مرة أخرى لتطوير المدرسة. هذا النظام غير موجود بكثرة في السعودية، وندعو بقوة إلى تعزيزه، ونقول لوزارة التربية والتعليم إن هذا النمط التعليمي يحتاج منكم إلى المزيد من الدعم لأنه في النهاية يخدم الطلاب السعوديين بشكل رئيسي، ولا يعود إلى جيوب مستثمرين أي مال إنما يعود إلى تطوير التعليم. نعود مرة أخرى إلى الإجابة عن سؤال ما هي آثار أن يكون التعليم غير ربحي على معايير اختيار الطلاب وعلى طبيعة التعامل مع الطلاب؟ الجواب أنه لا توجد أي آثار، فالتعليم الذي تقدمه المدارس تعليم متميز، ولا توجد تفرقة بين الطلاب إطلاقا، المجال مفتوح لكل طالب سعودي أن يتقدم إلى مدارس الرياض ويدرس ولكنه محصور بعدد الأماكن، فإذا كان الفصل يستوعب 20 طالبا فنحن لا نستطيع أن نضيف أكثر من ذلك، لكن الطلاب كلهم سواسية، ويعاملون معاملة واحدة، ولا توجد أي معايير ترتبط بأشياء شخصية، المعايير التي نستخدمها لتسجيل الطلاب هي المعايير الأكاديمية.

* أود أن أعيدك للحديث عن مركز الأمير سلمان لبناء القادة، فتحدثتم بإسهاب عن هذا المركز، وتطرقتم لمساهماته خارج إطار المدارس، بودنا أن تطلعونا على تلك الإسهامات..

- دعني في البداية أعطي مقدمة بسيطة حول الهدف من إنشاء المركز، هناك أسباب سأصنفها لثلاثة مستويات؛ مستوى عام وهو يتعلق بالتوجهات التربوية الحديثة، فالآن لم تعد القضية هي أن تنتج المدرسة طالبا يحفظ ويقرأ ويكتب وينجح في الاختبار ويذهب للجامعة، فالآن في ظل العولمة وتحول العالم إلى قرية صغيرة وتزايد التواصل بين المجتمعات في كل مكان أصبح بناء الشخصية مطلبا أساسيا عالميا للتربية، وأصبح لا بد للمؤسسة التربوية أن تعنى ببناء شخصية الطالب، بأن يكون متميزا أكاديميا، وقادرا على التواصل الاجتماعي بنجاح، ومعتزا بقيمه وثقافته وأصالته وانتمائه ومنتميا إلى وطنه وقيادته، وقادرا على إدارة ذاته ووقته، وتوجيه الآخرين نحو أهدافه، وأن يكون طالبا قوي الشخصية. نحن في السعودية، وهي دولة قيادية وتحظى بالحرمين الشريفين وبمهبط الرسالة النبوية، فهي دولة قيادية على كل المستويات الإسلامية والاقتصادية والاجتماعية، فهي دولة قيادية بالفطرة، وحظيت بقادة عظام أسهموا في التغيير والتأثير على جوانب كثيرة في العالم الإسلامي، فنحن نفترض أن طلابنا بشكل عام ينشأ فيهم بعد بناء الشخصية القيادية. في مدارس الرياض التي يقودها علم من أعلام القيادة والفكر، هو الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي يسهم في دعم التعليم بهذا البلد بشكل عام، جعل من هذا الصرح صرحا يتخصص في بناء الشخصية القيادية، ولبلورة هذا التوجه أنشئ مركز الأمير سلمان لبناء القادة، الذي يحتوي على مسارات كبرى؛ الأول هو المسار التثقيفي وهو المسار الذي يعنى بنشر ثقافة القيادة في المجتمع والوسط التربوي، ولعل من الشيء الذي سعدنا به هو إنشاء مركز آخر لبناء القادة وهو مركز الأمير خالد الفيصل لبناء القادة في جدة، وهذا شيء يسعدنا. أما البعد الثاني للمركز فهو البعد التدريبي حيث يعنى المركز بتقديم برامج تدريبية للطلاب سواء من داخل المدارس أو من خارجها، ويعنى بإقامة المؤتمرات والندوات، فالمركز الآن وللعام الثالث على التوالي يقيم برنامجا تدريبيا عاما، فقد أقام قبل سنتين مهرجان الشباب الخليجي ودعيت له دول الخليج وشارك به أكثر من 200 طالب، والعام الماضي أقام ملتقى القيادات الشابة ودعيت له دول الخليج وشارك به لأول مرة طلاب وطالبات، وهذا العام يصاحب مناسبة مرور 40 عاما على مدارس الرياض برنامج تدريبي لبناء قادة المستقبل ويشارك به طلاب وطالبات من السعودية بجميع مناطقها، حيث سيشارك به نحو 70 طالبة من خارج المدارس ويشارك به 100 طالب من جميع مناطق البلاد، وهو يهدف إلى نشر هذه الثقافة، أما البعد الأخير فهو رعاية الموهبة والإبداع، ولتحقيق هذا البعد أنشأت مدارس الرياض مركزا داخل مركز الأمير سلمان لبناء القادة، بشكل ناد علمي، حيث شارك في محافل كثيرة، وفازت مدارس الرياض للسنة الثالثة على التوالي على مستوى السعودية بمشروع علمي يدخل في مسابقة إنتل بولاية كاليفورنيا بأميركا. وهي للسنة الثالثة على التوالي أيضا تأخذ ربع المقاعد المخصصة لمركز موهبة الدولي، وهو عبارة عن لجنة حيادية تصطفي أميز الطلاب على مستوى السعودية، حيث اختارت قبل سنتين 5 طلاب بينهم اثنان من المدارس، العام الماضي اختارت 10 طلاب كان من بينهم 3 من المدارس، وهذا العام اختارت 20 طالبا من بينهم 5 من هذه المدارس، وهذا الاختيار يتم وفق معايير معينة. المدارس هذا العام تشارك في الولايات المتحدة الأميركية وتمثل السعودية في مسابقة روبوت بولاية تكساس بأميركا، وشاركت قبل فترة في قطر بمسابقة فكس بالروبوت أيضا، والآن لها مشاركة بتايوان بمخترع لأحد طلابها، وفازت على المستويات الرياضية بجوائز، واحدة منها حققتها السعودية بطلاب المدارس، فالحقيقة رعاية الطلاب الموهوبين والمبدعين جزء كبير من نشاط هذا المركز، أما على المستوى الثقافي فالمدارس اعتنت بإنشاء مادة خاصة يتم تدريسها في الوقت الحالي للصفين الرابع والخامس وهي الأولى من نوعها تختص بمهارات الاتصال والبحث، والهدف الرئيسي منها هو تنمية مهارات الاتصال اللفظي وغير اللفظي والكتابي، بحيث أنشئ طالبا قادرا على التواصل مع الآخرين بنجاح، وقادرا على الإقناع، وعلى إدارة الحوار والخطابة، وقادرا على إنشاء الأبحاث العملية والاجتماعية والإنسانية والتقنية.

* هل كون المدارس تحظى بكل هذا التميز والتفرد بعدد من المناهج الدراسية وغيرها من الأنشطة اللاصفية، هل هذا يلغي معادلة الإخفاقات في صفوف الطلاب بالتحصيل العلمي؟

- لا، أبدا، فالأمر يحصل، لكن دعني أوضح نقطة هامة جدا، حينما نتحدث عن مدارس تبني القادة، فنحن بذلك ننظر إلى الطلاب على مستويات، فأي إنسان هناك مؤثران أساسيان يؤثران في بناء شخصيته، الأول: المؤثر الوراثي، حيث يكون مولودا موهوبا مبدعا ذكيا وقائدا بالفطرة، ومؤثر اجتماعي وهو يرتبط بالبيئة التي يعيشها، فقد يكون إنسانا موهوبا لكنه في أدغال أفريقيا فتموت الموهبة، وقد يكون إنسانا موهوبا وينشأ في بيئة غنية، فتصقل الموهبة ويبرز لنا قائد من القادة الذين يسهمون في تغيير التاريخ أحيانا، ولنا في الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن مثال، حيث إنه قائد مبدع موهوب، وبيئة تبني القيادة، وأنشأ هذا القائد الفذ بتوفيق الله دولة أثرت على العالم كله، فنحن في الحقيقة في مدارسنا نستقبل كل الطلاب، وننظر لهم على مستويين، الأول هو أننا نرتقي بمستوى المهارات القيادية لهذا الطالب لأعلى حد ممكن، والثاني أننا نصطفي الطلاب المتميزين الذين لديهم بالفطرة مواهب قيادية ونعطيهم برامج خاصة لكي نصقل مواهبهم، ونصنع منهم قادة يخدمون المجتمع، فهذا يعطي مؤشرا أننا نتعامل مع كل الطلاب بمستوى معين، وهناك طلاب قد لا يستطيعون مجاراة المستوى وقد يخفقون دراسيا، بعض الطلاب الذين ننظر لهم في الحقيقة أنهم طلاب ما كانوا متميزين دراسيا، لكنهم في مهارات قيادية أخرى يبدعون، فليس بالضرورة أن التميز الدراسي يلغي المهارات القيادية لكن المدارس مثلها مثل المدارس الأخرى، هناك طلاب يخفقون، ولكن في ظل البيئة الجيدة التي تعيشها مدارس الرياض تكون نسبة المخفقين قليلة.

* هل لك أن تطلعنا على الأنموذج التربوي الذي تتبناه مدارس الرياض في التعامل مع طلابها؟

- المدارس في الحقيقة، كما ذكرنا، بناء القادة فيها هو الأساس، ولكنها تأخذ بمصطلح المنهج الشامل، وهو أن تقدم الرعاية الشاملة للطلاب، وتقدم له الفرص المتاحة كلها، بحيث لا تترك مجالا يستطيع الطالب أن يبدع فيه ولا توفره له، فلهذا فالمدارس لديها في الحقيقة، بالإضافة إلى المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والروضة المعتادة، لديها مركز الأمير سلمان لبناء القادة، ولديها نادي الأمير فيصل بن فهد الرياضي المدرسي، وهذا النادي الأول من نوعه، ومتخصص في الرعاية الرياضية، ونحن لدينا قناعة بأن العقل السليم في الجسم السليم، ونحن نقول أيضا إن الرياضة هي أحد مسارات بناء القادة، فهي تطلق كوامن ما في النفس من طاقات وتحررها، وهذا ما نهدف له من وراء إنشاء نادي الأمير فيصل بن فهد الرياضي وهو الأول من نوعه في السعودية، ووافقت عليه وزارة التربية والتعليم، ونحن في انتظار موافقة المقام السامي لاعتماده ناديا رسميا يتبع الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وهو في الوقت نفسه مكون أساسي من مكونات مدارس الرياض، ولقد أقام هذا النادي العام الماضي بطولة الأمير فيصل بن فهد الأولى للرياضة المدرسية. ولدينا أيضا في المدارس برنامج الدبلومة الأميركية، وهذا يعطي الطالب في المرحلة الثانوية الخيار في أن يأخذ المسار باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، وكان هذا البرنامج موجودا في السابق في المدارس الأجنبية، ولكنه لم يتح للسعوديين إلا باستثناءات خاصة، ولكن الآن شرفت المدارس بأنها أول مدارس حصلت على موافقة المقام السامي لإتاحة الفرصة للطلاب السعوديين لدراسة المرحلة الثانوية باللغة الإنجليزية، وتخرج فيه العام الماضي أول دفعة. المدارس لديها مركز خاص بالتطوير المهني والتدريب، تقدم برامج تدريبية لمعلمي المدارس ومن خارجها، عدد البرامج التدريبية كثير جدا، وللمدارس عيادة صحية متقدمة جدا، يرافقها برنامج تثقيف صحي، ولكل طالب من طلابنا ملف صحي لمتابعة الحالة الصحية للطلاب، فهي منظومة متكاملة، وحاليا لدينا توجه بتوجيهات من الأمير سلمان بن عبد العزيز لإنشاء فروع للمدارس، وأول فرع سيكون في درة الرياض، وسيكون نموذجا متفردا نراعي فيه 3 أبعاد رئيسية، الأول أنه ثنائي اللغة، البعد الثاني مبني على أسس بناء القيادة، البعد الثالث أنه يتفرد بالإعداد الأكاديمي العالي الجودة، بحيث إن الطالب الذي يتخرج في هذا النموذج لا يحتاج مستقبلا إلى اختبارات دخول الجامعات لأنه سيكون أعد أصلا بشكل أفضل.

* بالنسبة لخطة افتتاح فروع لمدارس الرياض، هل سيقتصر الأمر على منطقة الرياض أم سيشمل ذلك مناطق السعودية الأخرى؟

- نحن سنبدأ بمنطقة الرياض، فحينما زار طلاب من مدارس الرياض الأمير خالد الفيصل في جدة خلال مشروع لقاء القيادات، كان أحد مقترحات الأمير الفيصل هو لماذا لا تنتشر مدارس الرياض على مستوى البلاد، ونحن متوجهون في خططنا الاستراتيجية الأخرى لهذا الأمر، ولكننا سننطلق من الرياض، ولكن توجهنا هو أن تكون مدارس الرياض بمثل المصطلح التجاري «براند نيم»، وتكون نموذجا متفردا. وهذا الأمر لا نريد أن نحصره في الرياض، فنريد أن نسعى لإثراء الوطن بهذا النوع من التعليم، ونبني نموذجا متفردا يراعي كل متطلبات سياسة التعليم في السعودية ويأخذ بكل مستجدات العصر، ويبني منها نموذجا يحقق لنا أهدافنا، ولدينا توجه نحو التمدد الأفقي بأن يكون لنا كلية وجامعة تصاحب هذا الصرح.

* ألا تخشون من خلال تبنيكم لهذه الخطط التوسعية المشروعة، بكل تأكيد، أن تواجهوا انتقادات بأنكم تريدون الاستحواذ بالتفرد؟

- مدارس الرياض صرح من صروح هذا الوطن، وهو عزيز وغال علينا جميعا، والقيادة تتيح الفرصة للجميع، والأمير سلمان حينما علم بأن هناك مركزا آخر أنشئ في جدة لبناء القادة فرح واستبشر، وقال هذا عمل نحن نريده ونحن نريد إثراء المجتمع بمثل هذه النماذج، وحسب ما أعرف الآن أن هناك مدارس أخرى لديها برامج بمثل هذا المجال، ولكن الحقيقة التي نقولها للمجتمع العربي بشكل عام إن بعد بناء القادة هو بعد مهم جدا، والعالم كله يتجه لهذا المجال، وهناك مركز في الولايات المتحدة منشأ من 100 عام يعنى ببناء القادة، وشارك طلابنا العام الماضي في مؤتمر قيادات العالم من طلاب المرحلة الثانوية في واشنطن دي سي، وهناك أيضا مركز مماثل في بريطانيا، فثقافة بناء القادة مطلب يجب أن نشيعه، ومستعدون لتقديم خدماتنا لأي جهة، ولا نستحوذ إطلاقا، ولا نريد الاستحواذ، فأي طالب في هذا البلد هو ابننا ونحن حريصون عليه، ونموذج مدارس الرياض أنموذج يقدم للوطن لكي يحتذى به، ويستفاد منه. فنحن لا نريد الاستحواذ، ولكن تاريخ مدارس الرياض وتاريخ من التحق فيها فرض علينا بشكل كبير جدا أن نعنى بهذا النموذج، والدليل أن نسبة كبيرة من قيادات البلد هم من خريجي مدارس الرياض.

* هذا الأمر يدفعني لسؤال حول أعضاء هيئة التدريس في مدارس الرياض، فأنتم في المدارس تتعاملون مع نخبة من أبناء المجتمع فيهم الأمراء وفيهم من أبناء الأسر المعروفة والشهيرة، ما مدى انعكاس ذلك حول اختيار أعضاء هيئة التدريس في المدارس؟

- في الحقيقة دعني أكون معك صريحا، فأنا شخص تربوي، ولدي دكتوراه في تطوير المناهج، وكنت معلما ومشرفا ومديرا للمناهج، ومشرفا على مشروع تطوير التعليم في الخليج، فخلفيتي التربوية تتيح أن أتحدث بهذا الموضوع بشكل معمق، هناك دراسة أجريت تقول إن 60 في المائة من التأثير في جودة التعليم في المدرسة تعود إلى المعلم، فهو بكل صراحة أهم عنصر في العملية التعليمية، فالإشكالية التي نعيشها ليس في السعودية فحسب، بل بشكل عام، الفقر في القيادات المتميزة، المعلم المبدع أصبح عملة نادرة في الحقيقة، واستقطاب مثل هذه العينات مطلب أساسي، نحن في مدارس الرياض نحرص على استقطاب أميز المعلمين، كنا سابقا نأخذ بعض الكفاءات المتميزة في وزارة التربية والتعليم كإعارة للتعليم في المدارس، ثم بدأنا الآن نصنع معلمين ونأخذ من القطاع الخاص. لا أزعم أن كل المعلمين الذين لدينا على مستوى الطموح، ولكني أقول إن هناك نسبة لا بأس بها جيدة، ونحن مستمرون في مسار رفع كفاءة المعلم، وفي استقطاب الأميز، ولدينا الآن فريق من شركة متخصصة كندية لاختبار الجودة في المدارس للحصول على شهادة الأيزو للجودة في المدارس، وبالطبع فإن من الجودة كفاءة المعلم. نحن حريصون على توفير كل ما يمكن لدعم المعلم، نواجه عقبات، لدينا توجه العام المقبل يتمثل في هيكل تنظيمي جديد ومعايير أخرى لاستقطاب كفاءات متميزة من المعلمين، نحن حاليا يمكن أن نوفر الكثير من الخدمات للمعلمين المتميزين، لدينا لائحة المعلم المتميز، فهذا المعلم المتميز نمنحه مكافأة أكثر، لدينا طاقم إشرافي في المدارس كلهم من حملة الدكتوراه، ولدينا أسلوب تقويمي يمكن أن يكون مختلفا عما هو موجود، ويعتبر أسلوبا خاصا بالمدارس، يراعي التميز، فنحن نبذل كل هذا، لكن نظل لا نزعم أننا حققنا طموحنا، أو أن كل معلمينا متميزون، هناك قصور ونحاول أن نتلافاه.

* إذن ما مدى تأييدكم لإجراء اختبار دوري لمراجعة أداء المعلم وامتحان كفاءته للتأكد من قدرة عطائه في السلك التعليمي؟

- أذكر أنه كان لدي بحث في هذا المجال، وينبغي أن ينظر للمعلم بـ4 مستويات، فلا نريد أن نأتي للحلقة من الوسط، دعنا نأتي من البداية، أولا: ما هي المعايير التي يتم على ضوئها اختيار المعلم، ثانيا: ما هي المعايير التي يبنى على ضوئها برنامج إعداد المعلم، ثالثا: ما هي المعايير التي على ضوئها نعد برامج تأهيل المعلم أثناء الخدمة، رابعا: ما هي معايير تقييم أداء المعلم بشكل دوري؟ هناك في كل دول العالم رخصة معلم تجدد بشكل دوري، فكل 4 أو 5 سنوات يجري المعلم اختبارا على ضوئه يقيم المعلم، ففي الولايات المتحدة الأميركية هناك منظمة مشهورة في هذا المجال، فهذه توفر برامج تدريبية على طول العالم، والمدرسة ملزمة بأن تدرب المعلم، وقسم التربية مطالب بأن يوفر دعما للمعلمين حتى يتدربوا. نعم، فأقول إنه لا بد من استمرارية تأهيل المعلم. فإذا اخترنا المعلم وأعددناه ودربناه بشكل صحيح، فأنا أثق أننا سنجد نتيجة ممتازة، لا شك أن الدولة حريصة على هذا المجال، ولدينا كليات إعداد معلمين وكليات للتربية، وبرامج تدريبية مستمرة، والكمال لله وحده.

* تجد أن رخصة المعلم مطلب لا بد من تحقيقه..

- أنا أرى أنه مطلب أساسي، أن يكون هناك تقويم مستمر للمعلم، ومطلب أساسي لأن يكون هناك حوافز للمعلمين المتميزين، لا ينبغي أن نساوي بين معلم نائم طول السنة، ومعلم مجتهد، ثم نأتي في نهاية العام ونمنحهما المميزات نفسها، هذا باعتقادي يحبط المجد، ويساعد المتقاعس للاستمرار في تقاعسه؟

* قبل 40 عاما، كانت فكرة خرجت إلى النور، واليوم تكمل عامها الأربعين، كيف يمكن أن تصف مدارس الرياض وقد بلغت أشدها؟

- نحن نعد كتابا الآن بمناسبة الأربعين عاما، وأتمنى لو كان معي لاستحضار الأحداث التاريخية، لكن فكرة هذا الصرح فكرة رائدة من البداية، أن يجتمع مجموعة من الآباء وأولياء الأمور في ذلك الوقت من أعيان البلد ومفكريهم، ثم يفكرون في أنموذج تربوي تعليمي، ثم يقدمون هذا العرض لقائد من قيادات هذا البلد هو الأمير سلمان بن عبد العزيز، فيدعمه ويوافق عليه فتنطلق شرارة الإبداع، ويولد صرح متفرد، هذا إنجاز عظيم وشيء عزيز. الصرح الأربعيني مر بمراحل كثيرة جدا، وتطورات، واكب فيها تغيرات التعليم والتربية في جميع مراحلها، وكان له السبق بأشياء كثيرة جدا، ومر على قيادة دفة هذا الصرح عدد من القيادات التي لها تاريخها، بدأ من أول مدير للمدارس واسمه جميل فطاني ولا يزال على قيد الحياة، ثم الأستاذ عبد الله الشويعر، فالأستاذ عبد الرحمن العجاجي، ثم محدثكم عبد الإله المشرف، فخلال 40 عاما كان صرحا يعنى ويرعى ويتعهد من قبل قيادة رشيدة ومن قبل رئاسة فخرية واعية ومتابعة لإنشاء هذا الصرح فتخرج فيه الكثير من القيادات. أنا سأضرب مثالا الآن فنحن نفكر حاليا في مؤتمر للاعتماد الأكاديمي تقيمه مدارس الرياض العام المقبل، وحصلنا على موافقة شفهية من نائب وزير التربية والتعليم فيصل بن معمر، وفي تصورنا بأنه سيكون واحدا من المؤتمرات التي تقدمها المدارس للمجتمع، فصرح مر عليه 40 سنة وهو لا يحصر نشاطه داخل الصندوق بل أيضا يسهم في خدمة المجتمع ويقدم نماذج ويحظى بتوجيهات ورعاية خاصة. مدارس الرياض أول من أنشئت في مبنى مستأجر بعليشة، ثم انتقلت إلى مبنى في شرق الرياض، ثم كانت مكرمة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ببناء المدارس على نفقته الخاصة. ولك أن تتخيل أنه خلال 40 عاما، كان الأمير سلمان كل عام يزور المدارس أكثر من مرة ويراعيها وتحظى برعايته، ويحضر كل حفلاتها. ورعى حفلاتها الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، والأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني، وحظيت برعاية أعيان وقيادات البلد، وخرجت أجيالا وقيادات، فمدارس لها تفرد وتميز. فهذه المدارس في الحقيقة نقول عنها إنها أرشيف وطني كما يصفها الطالب بندر بن سلمان، لأن قادة تخرجوا فيها وقادة رعوا وحضروا حفلاتها وأسهموا في بناء صرحها، فهي تاريخ وطني بكل المقاييس.

* ماذا عن اتصالات المتابعة التي يجريها معكم أصحاب السمو الملكي الأمراء لمتابعة سير أبنائهم في الدراسة؟

- طبيعي هذا الأمر، ولكن دعني أقول نقطة مهمة جدا، وسأكون شفافا معك، حينما رشحت أن أكون معلما في مدارس الرياض في 1410هـ، واستدعيت للمقابلة، ثم أعطوني درسين نموذجيين لتدريسهما في المرحلة المتوسطة والثانوية، وكانت معايير صارمة، حينما قبلت كمدرس في المدارس، انتابني شعور فقلت أنا الآن سأدرس فئة خاصة، منهم أبناء أبناء ملوك وأمراء وقيادات البلد، هل أتعامل معهم بطريقة مختلفة، هل أجامل وأراعي، في الحقيقة اكتشفت أن الطلاب سواسية، وأول الذين يدعوننا إلى معاملة الطلاب بسواسية الملوك والأمراء، وعلى رأسهم كان الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله)، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، والأمير سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفخري للمدارس دائما هذا توجيههم، فالطلاب سواسية، فلا تفرقة بين الطلاب، فكلهم سواء. لكن ليس هناك شك إذا كان لديك برامج تدريبية معينة، وظهر لك أن طالبا له مهارات قيادية مختلفة، تمنحه برنامجا خاصا. ويمكن أن نكون أكثر صرامة مع أبناء الأمراء لأن بعضهم يعيش في أجواء منزلية تفاعلية بين هموم الوطن والمجتمع، فلا بد أن ترعاه ببرامج قيادية تناسب خلفيته التي أتى منها.