تركي الفيصل: الملك عبد العزيز أسس وحدة وطنية تتخطى الفوارق القبلية والإقليمية والمذهبية

استعرض في محاضرة ألقاها أمس بجدة مواقف القادة السعوديين إزاء «الاعتدال»

TT

استعرض الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أمس، مواقف القادة السعوديين المتعلقة بـ«الاعتدال» حيال تشريعات البلاد وأحكامها، وتعاملات المملكة العربية السعودية مع الأطياف السياسية والدينية والمذهبية.

وبدأ الأمير تركي الفيصل، خلال محاضرة نظمها كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، استعراض أول المواقف التي اتخذها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن مؤسس المملكة العربية السعودية، وتميزت باعتدالها، وهو الذي اتخذه الملك المؤسس في افتتاح المؤتمر الإسلامي الأول؛ إذ قال: «أيها المسلمون، لعل اجتماعكم هذا في شكله وموضوعه، يعد أول اجتماع في تاريخ الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يكون سُنة حسنة تتكرر في كل عام، عملا بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وبإطلاق قوله، عز وجل: (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)».

وعلق رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية على تلك الكلمة، قائلا: «كان كلامه موجها لجميع المسلمين بكافة مشاربهم ومذاهبهم، يدعوهم للتعاون على البر والتقوى، وأن يأتمروا بالمعروف، ثم يدعوهم لمد يد العون لهذه البلاد». واستطرد الأمير تركي الفيصل في تلاوة خطاب الملك المؤسس، الذي جاء فيه: «كل شيء في هذه البلاد يحتاج إلى الإصلاح، وحكومته وأهله في أشد الحاجة إلى مساعدة العالم الإسلامي لهما على هذا الإصلاح؛ لأن فيه من يعلم ما لا يعلمون، ويقدر على ما لا يقدرون». وأكد الأمير تركي، وهو أحد أحفاد الملك عبد العزيز، وتسلم مسؤوليات أمنية ودبلوماسية في بلاده، أن جده المؤسس للمملكة العربية السعودية استعان بالرجال الأكفاء من مختلف المذاهب والطوائف الدينية والجنسيات، وقال: «منذ أن بدأ مسيرة توحيد البلاد، شرّع أبوابها لتستقبل من يريد أن يسطر معه ملحمة التوحيد، فنراه يستدعي شيخا فقيها شافعيا مصريا ليؤم الحرم المكي، وفي الشعبة السياسية نراه يزامل السني والدرزي والشيعي، سواء المصري والسوري والسوداني والعراقي والليبي، بل حتى البريطاني المسيحي، الذي هداه الله إلى الإسلام، بعد أن عايش الملك عبد العزيز، ورأى فيه تجسيدا لمبادئ الإسلام السمحة». وفي ما يتعلق بالجانب المحلي، أوضح رئيس مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، أن الملك عبد العزيز أسس وحدة وطنية تتخطى الفوارق القبلية والإقليمية والمذهبية، في حين كانت هذه الدوافع متأصلة في مجتمع الجزيرة العربية منذ الأزل، وتدفع إلى بقاء الفرقة والشتات، مؤكدا أن الملك المؤسس «لم ينحن للغلو والغلواء، ولا للظلم والطغيان، بل يعامل من استعداه، وواجه غلو بعض من كانوا مقربين إليه باللين والتفاهم والاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه، ثم بالاحتكام إلى الرأي العام». وأضاف الأمير تركي الفيصل «عندما اتُّهم (الملك عبد العزيز) من قبل قادة (الإخوان) بموالاة الكفار، واتباع أهواء الشيطان، دعا الملك عبد العزيز إلى مؤتمرات شعبية، وطرح قضيته أمام المؤتمرين، وانتصرت حجته على حجتهم (الإخوان)، وساقهم غلوهم بعد ذلك إلى القتال، فكتب الله له النصر». واستشهد المحاضر بمواقف والده الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، عندما كان نائبا لأخيه الملك سعود، رحمه الله، ومنها أمره بنشر قوات عسكرية في بعض المدن السعودية لحماية الطالبات خلال ذهابهن وإيابهن من وإلى المدارس من تعرض «متحجري العقول» لطرقهن آنذاك.

وواصل الأمير تركي الفيصل استشهاداته بمواقف الاعتدال السعودية، التي وصفها في نهاية المحاضرة بأنها «غيض من فيض، أمام ما نراه من تقدم امتد، وسيمتد، نحو التقدم والتطور، مع الحفاظ على الهوية المتمثلة في الدين والوطن». إلى ذلك أوضح الدكتور سعيد بن مسفر المالكي، المشرف على كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، في تصريح صحافي سبق المحاضرة، أن محاضرة الأمير تركي الفيصل تعد الأولى في سلسلة محاضرات الكرسي.

فيما قال عبد الملك بن علي الجنيدي، عميد معهد البحوث والاستشارات بجامعة الملك عبد العزيز، عن كرسي منهج الاعتدال، «إن سر تميز الكرسي يتمثل في موضوعه، وهو يغطي جوانب ثقافية واجتماعية وسياسية وتاريخية، تؤصل وسطية واعتدال منهج المملكة العربية السعودية، كنظام حكم ونظام حياة مدنية».