حماية الملكية الفكرية في السعودية.. أزمة «أخلاقيات» أم «قوانين»

وزارة الإعلام لـ «الشرق الأوسط»: ضبط أكثر من 2.5 مليون مادة إعلامية مخالفة خلال عام

بعض مظاهر بيع المواد الإعلامية المنسوخة التي ساهمت حملات الثقافة والإعلام في الحد منها («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن رفع اسم السعودية من قائمة المراقبة المتعلقة بتصنيف الدول بحسب مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية حسب تقرير «301» الأميركي، في شهر فبراير «شباط» الماضي، قد حملها مسؤوليات جسيمة نحو فرض التشريعات والقوانين اللازمة لحماية حقوق الملكية الفكرية، لتعزيز مشروعها الحلم بالتحول إلى دولة ومجتمع اقتصاد معرفي.وفي حين قطعت وزارة الثقافة والإعلام السعودية مشوار كبيرا في حماية حقوق الملكية الفكرية خلال العامين الماضيين، فإن توسع شبكات المعلومات والاتصالات «محور تحول القوة في الوقت الحاضر» بات يتطلب جهودا كبيرة على المستويين المحلي والدولي، لمحاربة الجرائم الإلكترونية وقرصنة المعلومات، حتى تكون قادرة على أداء الدور المطلوب منها في إحداث النقلة التكنولوجية والمعلوماتية وحماية ملكية براءات الاختراع والأفكار وضمان أمان تبادلها.

القوة الشرائية في السوق السعودية تشجع المستثمرين على القرصنة

* دعا مسؤولون وخبراء في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية إلى تضافر الجهود بين وداخل الدول ذات الاهتمام المشترك، من خلال تكاتف الجهود، وسن التشريعات والقوانين وتفعيلها لسد الفراغ التشريعي الذي ينظم جميع عناصر الملكية الفكرية دوليا بما يتلاءم مع الخصوصيات والتطلعات التنموية لكل بلد، للحد من أعمال القرصنة، مبينين أنه من الصعب القضاء عليها كليا.

وطالب المهندس عمرو العولقي، مستشار أمن المعلومات السعودي، بضرورة إنشاء مراكز إقليمية متخصصة في الجرائم الإلكترونية بمساعدة الشركات التجارية والهيئات الحكومية، لافتا إلى أن تلك الشركات والهيئات تعمل جاهدة على تبني أفضل الممارسات بهدف الحد من الأخطار المتزايدة واحتمال تعرض نظم المعلومات لديها للاختراق.

وأبرز العولقي لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن يولى الجانب التقني والحلول التقنية الأهمية الكبرى في منظومات السلامة بتوفير بنية إلكترونية قوية للتصدي لعمليات القرصنة، وأن تأخذ هذه البنية بعين الاعتبار التحديات العالمية، مؤكدا أهمية العامل الزمني في استيعاب هذه التحديات.

من جهته، شدد عبد الله العصيمي، مدير إدارة ضبط المخالفات الإعلامية في وزارة الثقافة والإعلام السعودية، على أهمية إيجاد حلول عدة وشاملة لحماية الملكية الفكرية وتبادل المعلومات والتقنية على الصعيد العالمي، من خلال تبني حملات توعية لتحريك الحس الوطني وتكثيف برامج التوعية عبر وسائل الإعلام المختلفة لتنمية الرقابة الذاتية لديهم، وتفعيل الأنظمة وتطبيقها. وأكد العصيمي، لـ«الشرق الوسط»، أن تطبيق الأنظمة بين الدول والتعاون فيما بينها في تبادل المعلومات سيضع أرضية صالحة للعمل بطرق آمنة لتحقيق الهدف المنشود في حماية حقوق الملكية الفكرية.

اقتصاد المعرفة

* لخص ناصر المغرم، وهو متخصص في النشر الإلكتروني، لـ«الشرق الأوسط»، أبرز ما يهدد روافد اقتصاد المعرفة، في سرعة انتشار الأفكار وتبادلها وسرقتها بالوسائط الإعلامية، وزيادة نسب الاختراق خاصة من الإنترنت، وهشاشة نظم الملكية وصعوبة حمايتها، وسرعة تقادم المعلومة بأنواعها وقلة العائد منها وضعف قيمتها، إضافة إلى سهولة النقل والتعديل في الكثير من المواد وضياع ضبط الحقوق في ذلك.

ورأى المغرم أنه من الأهمية بمكان خصوصا في هذا الوقت إنشاء تكتلات وتجمعات لتحقيق التنسيق الضروري والانسجام المطلوب لمجموع القوانين والتشريعات التي تنظم حماية الملكية الفكرية بين الدول التي تعتمد في خططها التنموية اقتصاد المعرفة، مع الدول الأخرى ذات الاهتمام، في خطوة نحو الوصول إلى مجموعة من القوانين والتشريعات التي تتناسب مع ظروف وطموحات كل حكومة.

محاربة القرصنة

* وكشف عبد الله العصيمي، مدير إدارة ضبط المخالفات الإعلامية في وزارة الثقافة والإعلام السعودية، عن أن الوزارة قامت خلال عام بأكثر من 7500 جولة ميدانية، تم خلالها زيارة أكثر من 15 ألف موقع ومنشأة، وتم ضبط أكثر من 2.5 مليون مادة إعلامية منوعة لا تشكل المواد المتمتعة بالحماية منها أكثر من 10 في المائة، فيما كان المتبقي مواد مخالفة لنظام المطبوعات والنشر.

وذكر العصيمي أن نظام حماية حقوق المؤلف في بلاده، يعد من أفضل الأنظمة وأشدها صرامة، مستدركا أن تطبيق النظام وحده لا يكفي إذا لم تتضافر جهود الجهات الأخرى.

وأوضح عبد الله العصيمي أنه ومن خلال التقارير الميدانية، ظهر أن هناك نسبة جيدة من المنضبطين، بالإضافة إلى أن الشكاوى التي تقدم للإدارة وجدت نسبة من الذين تمت شكواهم فيها لا توجد لديهم مخالفات، مضيفا أن صدور أحد القرارات يتضمن دفع تعويض 192 ألف ريال (51.2 ألف دولار) لأحد المخالفين، حقق صدى طيبا لدى الأوساط المعنية بهذا الشأن، كما أن إحالة قضيتين لديوان المظالم لتطبيق عقوبة السجن بحق مرتكبيها أثرت إيجابيا.

وعن جهود الإدارة العامة لحقوق المؤلف في وزارة الإعلام، بين العصيمي أن الإدارة العامة لحقوق المؤلف قامت بخطوة غير مسبوقة وذلك بوضع القضايا على موقع الإدارة على شبكة الإنترنت، بحيث يستطيع صاحب القضية أن يتابع قضيته بالرقم عن طريق الموقع من دون الحاجة إلى مراجعة الإدارة العامة لحقوق المؤلف، منذ بداية تقديم الشكوى وحتى صدور القرار، بالإضافة إلى أنه بالإمكان تقديم الشكوى عن طريق موقع الإدارة على شبكة الإنترنت، والتعامل بالبريد الإلكتروني.

وأضاف مدير إدارة ضبط المخالفات الإعلامية بوزارة الإعلام، أن إداراته خصصت إحدى الغرف بمبناها لتكون مقرا لإلقاء المحاضرات من قبل متخصصين من القطاعين العام والخاص في مجال حقوق الملكية الفكرية، لتنوير العاملين في مجالات الضبط والتحقيق والجوانب التقنية، إضافة إلى تنظيمها لحملات توعية من خلال توزيع نشرات على المحلات والشركات تبرز إيجابيات الحماية وسلبيات القرصنة والتعريف بالنظام وما يتضمنه من عقوبات.

وأشار العصيمي إلى تشكيل إدارة جديدة تم ربطها بالمستشار المشرف على الإعلام الداخلي مباشرة لتحظى بالدعم والمتابعة، وأطلق عليها اسم «إدارة ضبط المخالفات الإعلامية»، ضمت إليها إدارة الرقابة الميدانية في الإعلام الداخلي، وإدارة الرقابة الميدانية في الإدارة العامة لحقوق المؤلف، واللجنة الفرعية التي تتبعها فروع في كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، والقصيم، وتبوك، وحائل، والدرة، وذلك لتوحيد الجهود، والاستمرار في ملاحقة المخالفين وتكثيف الحملات.

وقال العصيمي إن أبرز الصعوبات التي تواجه إدارته في حربها على الجرائم الإلكترونية، تتمثل في التقنية التي تعد إحدى المصاعب التي تواجه الإدارة المعنية بحماية الملكية الفكرية، وكيفية التعرف على المخالفة أو الوصول إلى المقرصنين عبر الشبكة العنكبوتية، إضافة إلى اتساع السوق السعودية مما يجعل السيطرة عليها تتطلب طاقات بشرية كبيرة وإمكانات مادية، كما أن عدم تفعيل الأنظمة في الجهات المعنية بشأن العمالة السائبة شكل عبئا على الجهات المعنية بملاحقتها وضبطها، ويعد إحدى الصعوبات.

وأضاف عبد الله العصيمي أن عدم تعاون الشركات في وضع حماية على برامجها رغم قدرتها على ذلك، يعد من أبرز الصعوبات التي تواجهها الإدارة المعنية بحماية الملكية الفكرية، إلى جانب اللغة حيث إن أغلب المواد المضبوطة تكون بلغات مختلفة مما يصعب على المفتش معرفة المنتج وتاريخه والجهة العائد لها، إضافة إلى أن تشكل القوة الشرائية في السوق السعودية إحدى المصاعب، إذ إن القوة الشرائية تدفع المستثمرين من العمالة الهاربة من كفلائهم إلى امتهان القرصنة للعائد المادي الجيد. وفيما يتعلق بالاحتكار الرئيسي للبرمجيات ذات العائد لمجموعات وشركات عالمية، شدد العصيمي على أن تقوم هذه الشركات بوضع خطط سليمة ومعقولة بعيدة عن الجشع، لأن هذا يجعل المستفيدين يلجأون إلى طرق ملتوية، معتبرا أن الأسعار هي إحدى العوائق التي تعترض سبيل الجهات المعنية بالحماية وارتفاع الأسعار يعطي فرصة للمقرصنين للكسب من خلال هامش السعر الكبير بين الأصلي والمقلد.

مكافحة الاختراقات

* تفتقر كثير من المؤسسات الحكومية والأهلية إلى سياسة أمنية فعالة توفر الصلة الأساسية بين أهداف العمل ومتطلباته والتطبيقات الأمنية، مما يجعلها معرضة لاختراقات أمنية مدمرة، لذلك بات أمن المعلومات في السعودية كما في العالم أجمع هاجسا لدى أصحاب الشركات ومديري أقسام تقنية المعلومات فيها. وهنا أوضح المهندس عمرو العولقي، الخبير ومستشار أمن المعلومات، لـ«الشرق الأوسط»، أن الكثير من المؤسسات تواجه مصاعب جمة في تلبية متطلبات الأمن والحماية، لافتا إلى أن بعضها يعمل جاهدا على تبني أفضل الممارسات بهدف الحد من الأخطار المتزايدة واحتمال تعرض نظم المعلومات لديها للاختراق، بعد أن اتضح لديها مؤخرا أنه لا مناص من انتهاج مبدأ الالتزام لكي يمكنها التعامل مع المخاطر التي تواكب استخدام تقنيات المعلومات، والحد من هذه المخاطر عبر وضع السياسات الموجهة للتعاملات بهذه المؤسسات، والاطلاع على السياسات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، ووضع الآليات المناسبة التي تكفل الالتزام بها.

وهنا أبرز العولقي أهمية أن يولى الجانب التقني والحلول التقنية الأهمية الكبرى في منظومات السلامة بتوفير بنية إلكترونية قوية للتصدي لعمليات القرصنة، وأن تأخذ هذه البنية بعين الاعتبار التحديات العالمية، مؤكدا أهمية العامل الزمني في استيعاب هذه التحديات.

وقال خبير أمن المعلومات، إن التعامل مع القضايا المتعلقة بأمن تكنولوجيا المعلومات، والالتزام بالتشريعات الدولية والمحلية، واتباع أساليب الإدارة الرشيدة، في مؤسسات القطاعين العام والخاص، أصبح من الأولويات، ولا بد في هذا السياق من تطوير استراتيجية ديناميكية تحكم الإجراءات العملية، بعد أن تطورت القرصنة الإلكترونية، وتضاعفت في ظل الأزمة المالية العالمية.

وحث على ضرورة الأخذ في الاعتبار أحدث نماذج الخدمات التي تركز على الأداء الرفيع في جميع مستويات العمل، وربطها بأحدث أنظمة الإدارة الرشيدة، ومعايير حماية تكنولوجيا المعلومات، حيث إن وصول حجم الخسائر التي تتكبدها الشركات على مستوى العالم جراء الجرائم الإلكترونية إلى أكثر من تريليون دولار أميركي، يطرح أهمية مواجهة التراجع في الشفافية، وإساءة التصرف، والاحتيال، وهي بلا شك من أصعب التحديات التي تواجه الأسواق العالمية.

ودعا خبير أمن المعلومات السعودي إلى ضرورة إنشاء مراكز إقليمية متخصصة في الجرائم الإلكترونية بمساعدة الشركات التجارية والمصارف والهيئات الحكومية، لافتا إلى أن ضرورة أمن المعلومات لا تأتي للحفاظ على الممتلكات التقنية والمعلوماتية بقدر ما توفره من حماية لتحقيق قدر أكبر من المصداقية والوصول للهدف المنشود عبر المحافظة على سرية المعلومات ومعرفة المخاطر التي من الممكن وقوعها قبل حدوثها.

وشدد على أهمية مراعاة تثبيت برامج مكافحة الفيروسات في الأجهزة والتأكد أيضا من تحديث تلك البرامج وتحديث كل التطبيقات وأنظمة المعلومات المستخدمة بشكل دائم ودوري، والتأكد من هوية وصلاحية الأشخاص المخول لهم الدخول إلى الشبكات واستخدام أنظمتها، وذلك عبر وضع سياسة أمنية تنص على حصر الدخول المادي والحاسوبي على من لهم الأحقية بذلك.