تكثيف برامج التوعية عبر وسائل الإعلام لتنمية الرقابة الذاتية

TT

«هل هذا البرنامج أصلي؟»، يبدو هذا السؤال مضحكا لدى معظم مستخدمي الكمبيوتر في السعودية، الذين قد لا يجدون الحاجة لتكبد شراء البرامج الأصلية مرتفعة الثمن، في ظل توافرها بأسعار زهيدة في محلات النسخ المنسوخة و«مباسط» العمالة الوافدة، أو عبر تناقلها على شبكة الإنترنت، وربما من دون أن يعلم الكثير منهم أنهم يمارسون القرصنة المعلوماتية!.. مما دفع «الشرق الأوسط» لبحث دور الجهات الرسمية تجاه هذه الظاهرة، بعد تفاقم خسائرها الاقتصادية والاجتماعية.

وهنا، يكشف المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام عبد الرحمن الهزاع، لـ«الشرق الأوسط»، عن مخاطبة الوزارة مؤخرا لديوان المظالم بعد بعث قضيتين من خلال لجنة حقوق المؤلف، بأن يتم رفع سقف العقوبات لتتجاوز الـ100 ألف ريال، وأن تطبق عقوبة السجن على المخالفين وليس فقط الغرامة وإغلاق المحل، مؤكدا أنه تجري حاليا متابعة هذه الموضوع لأهميته.

وأفصح الهزاع عن أن الوزارة ستركز على الجانب التوعوي، قائلا «نخطط الآن لإطلاق حملة توعوية تتعلق بالحفاظ على حقوق المؤلف والملكية الفكرية، بحيث تشمل جميع مناطق المملكة، وتستخدم فيها جميع وسائل الإعلام المتاحة، وسيتم تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص، لأنه المستفيد الأكبر من هذه الحملة».

ورغم جهود عمليات المتابعة والرصد، فإن هناك انتقادات تواجه تواضع عدد الموظفين المسؤولين عن هذه المهام، وهنا يقول الهزاع «كثير من القطاعات الحكومية تعاني من نقص بعض الموظفين في بعض التخصصات، وأنا هنا أعترف بأن عندنا نقصا في عدد المراقبين الميدانيين، ليس في الرياض فقط وإنما في مختلف مناطق المملكة، ونحاول بالتعاون مع القطاع الخاص أن نسد هذا النقص، باستخدام التقنية الحديثة من عمليات الرصد والمراقبة بشكل أوسع وأسرع».

لكن لماذا وزارة الثقافة والإعلام هي الجهة الوحيدة الواضحة في الصورة؟.. يجيب الهزاع «على المستوى التنفيذي، يفترض أن هناك قطاعات ثانية تتعاون معنا في الحفاظ على حقوق المؤلف، مثل الجمارك والبلديات والأمن العام وغيرها، وهي قطاعات مساندة لنا في عملية الحد من القرصنة والسطو على حقوق المؤلف والانتهاكات الحاصلة، وبعض القطاعات الحكومية يفترض أن تراعي في برامجها وفي أنظمتها الإلكترونية حقوق الملكية الفكرية».

وتفتح إشارة الهزاع باب التساؤل عما إذا كانت وزارة الإعلام تراقب البرامج المستخدمة من قبل موظفيها وتتأكد من كونها برامج أصلية وغير منسوخة، وليس كما يقال «باب النجار مخلوع»، وهنا يقول الهزاع «طبعا! لا بد أن نبدأ بأنفسنا، وداخل الوزارة وكالة خاصة بتقنية المعلومات وهذه دورها أن تتأكد أن الشبكة داخل الوزارة وجميع البرامج المركبة على الأجهزة هي نسخ أصلية».

من جهته، يرى الدكتور خالد الغثبر، مدير مركز التميز لأمن المعلومات والأستاذ في كلية علوم الحاسب بجامعة الملك سعود، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الشركات الكبيرة الأجنبية المنتجة لبرامج الكمبيوتر تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية القرصنة المعلوماتية واستخدام النسخ المقلدة بدل الأصلية، قائلا «هناك نقطة تغفلها الكثير من الشركات التي تدعي عدم انضباط المستخدمين، وهي ارتفاع أسعارها وعدم توافرها بأسعار جدية يستفيد منها المستخدم العادي».

ويختلف معه الدكتور أيمن غازي، وكيل عمادة تقنية المعلومات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، الذي يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الشركات الأجنبية المنتجة لبرامج الكمبيوتر «تبيع لنا كما تبيع للدول الأخرى»، متابعا بقوله «المشكلة أننا لم نعتد شراء البرامج الأصلية!»، ويضيف «كثير من المؤسسات لا تعير قطاع تقنية المعلومات الاهتمام اللازم في وضع الموازنات الخاصة به، فلا نجد بالموازنات أسعارا لرُخص البرامج على سبيل المثال».

أما الدكتور عبد الرحمن مرزا، مستشار نظم المعلومات في مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، فيرى أن القرصنة المعلوماتية مسألة تتداخل فيها العوامل الثقافية والأخلاقية التي لا تجرم ممارسي هذا السلوك كما هو الحال في الخارج، مضيفا «توجد قوانين لكنها لا تطبق بشكل صارم، وربما لا يكون الفرد ملما ومدركا لها بشكل كبير». وفي حين يقترح البعض تولي موظفي المنافذ الحدودية والمطارات مسؤولية تفتيش أجهزة الحواسيب للتأكد من عدم حملها لبرامج مغشوشة، يقول مرزا «هذا تعد على خصوصية الأفراد!».

من ناحيتها، تؤكد الدكتورة شيرين سلامة السعيد، أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود في الرياض، أن الإعلام يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية انتهاك حقوق الملكية الفكرية، بقولها «الإعلام لم يسلط الضوء على هذه الموضوعات بالشكل الكافي»، مضيفة «لأن كثيرا من الإعلاميين أنفسهم يقعون بهذا الخطأ!».

وتشدد السعيد في حديثها لـ«الشرق الأوسط» على أهمية الحملات الإعلامية المكثفة للفت الرأي العام لخطورة هذه الممارسات ونشر فكرة مفادها أن سرقة الفكر مثل سرقة المال، فيما أكدت على دور الدعاة ورجال الدين في تقويم هذه السلوكيات وتعزيز الأمانة الفكرية، مرجعة ذلك إلى تأثر الأفراد الكبير بالخطاب الديني في ترك مثل هذه الممارسات غير المشروعة.