عاملون في «التربية الخاصة» يدعون إلى مساعدة المتخلفين عقليا على الزواج

اعتبروه مهما لإشباع رغباتهم خاصة أنهم قريبون من الأسوياء

نسبة انتشار التخلف العقلي البسيط تتراوح ما بين 85 إلى 95 في المائة من إجمالي أنواع التخلف العقلي الأخرى («الشرق الأوسط»)
TT

دعا مختصون في مجال التربية الخاصة إلى مساعدة وتسهيل عملية زواج المتخلفين عقليا «تخلفا بسيطا»، معتبرين أن تلك الفئة قريبة جدا من الأسوياء، وداعين أسرهم إلى دعمها.

كان ذلك الملف محورا من محاور أحد المناهج التربوية لطلاب التربية الخاصة بكلية التربية التابعة لجامعة الملك سعود في الرياض، وكان سببا في مطالبة مجموعة من هؤلاء الطلاب والأكاديميين بمساعدة أصحاب التخلف العقلي البسيط في الزواج، لكونهم إحدى شرائح المجتمع التي تملك الحق في التعايش بشكل طبيعي.

تلك المطالبة جاءت ضمن عرض قدموه في مقرر منهج «القضايا المعاصرة» حول قضية زواج المتخلفين عقليا من ذوي التخلف العقلي البسيط، وذلك تحت إشراف الدكتور حسن حمدي عضو هيئة التدريس في كلية التربية بجامعة الملك سعود في الرياض.

عادل الزهراني أحد الطلاب الخريجين الذين قدموا العرض، أشار خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن نسبة انتشار التخلف العقلي البسيط تتراوح ما بين 85 إلى 95 في المائة من إجمالي أنواع التخلف العقلي الأخرى، وذلك وفق دراسات علمية مؤكدة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يعد زواج تلك الفئة مهما من ناحية التعاون وإشباع رغباتها الجنسية»، لافتا إلى أن تلك الفئة قريبة جدا من الأسوياء، مما يجعلها قادرة على تحمل المسؤولية.

وأشار إلى أن ما يحتاجه أصحاب التخلف العقلي البسيط قليل من دعم أسرهم لهم، في ظل عدم وجود دراسات حول تلك القضية على مستوى العالم، وكونها لا تزال جهودا فردية بسيطة جدا.

في حين أوضح الدكتور ناصر الجمعة عضو هيئة التدريس في كلية التربية بجامعة الملك سعود في الرياض، أن التواصل الاجتماعي لدى المتخلفين عقليا يعد ضعيفا، عدا أن الرغبة الجنسية لديهم تعتبر كبيرة مقارنة بالأسوياء.

الدكتور حسن حمدي أستاذ مقرر «القضايا المعاصرة» والمشرف على عرض قضية زواج أصحاب التخلف العقلي البسيط، أكد لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة تفهم حاجات المعاقين، باعتبارهم يتعرضون إلى ضغوط من أسرهم.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إذا ما شهد المجتمع تفهما ووعيا أكبر بتلك الفئة، فضلا عن تحسن الظروف المادية، فإن ذلك سيسهم في وجود مؤسسات تراعي تلك القضية، أسوة بدول العالم الأخرى».

وأرجع سبب المطالبة بزواج أصحاب التخلف العقلي البسيط إلى اختلاف مبادئ المجتمع الإسلامي عن المجتمعات الأخرى التي بإمكان الشخص فيها أن يلبي رغباته الجنسية ويشبعها بأي طريقة، الأمر الذي دفعهم إلى التطرق لهذه القضية.

من جانبها أكدت لـ«الشرق الأوسط» هيفاء سلامة الإخصائية الاجتماعية في مستشفى الملك خالد للحرس الوطني بالرياض سابقا، على ضرورة تزويد صاحب التخلف العقلي البسيط بتقرير طبي يبين من خلاله مدى إمكانية ممارسة حياته الطبيعية.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «تصل نسبة إنجاب أطفال متخلفين في حال ارتبط سبب التخلف بعوامل وراثية إلى حوالي 50 في المائة إذا ما كان أحد الأبوين متخلفا عقليا، غير أن تلك النسبة تزداد إلى 75 في المائة في حال كان كلا الوالدين من أصحاب التخلف العقلي».

وأشارت إلى أن هذه النسبة تقل إذا ما كان المرض في الأجداد، غير أن إنجاب الأحفاد لمتخلف عقلي يكون أكيدا، مبينة أن معظم الملتقيات الطبية التي تم عقدها في ذلك المجال شهدت تضاربا في الآراء حول تأييد ومعارضة زواج أصحاب الأمراض الوراثية بشكل عام.

وأضافت: «يعد زواج أصحاب التخلف العقلي البسيط سلاحا ذا حدين، حيث إن من حقهم ممارسة حياتهم الطبيعية، غير أنه لا بد الأخذ بعين الاعتبار قضية النسل الناتج عن ذلك الزواج».

في حين يرى الدكتور عثمان عبده هاشم مدير مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للأطفال المعاقين في جدة، أن زواج أصحاب التخلف العقلي البسيط لا يعد مشكلة، لكونهم يمتلكون الحق في ممارسة حياتهم الطبيعية.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن أصحاب الإعاقات العقلية البسيطة لا يختلفون عن المعاقين حركيا، الذين بإمكانهم الزواج والإنجاب أيضا»، لافتا إلى أن التخلف العقلي الوراثي ينتج عنه 50 في المائة من الأطفال ذوي الإعاقات المتوسطة و25 في المائة من ذوي الإعاقات الشديدة، ومثلها من الأسوياء.

العقيد الدكتور عبد الله الجفري مدير قسم الطب الوقائي في مستشفى الملك فهد العسكري بجدة، أفاد لـ«الشرق الأوسط» بأن إمكانية زواج أصحاب التخلف العقلي تعتمد على نوع التخلف ومسبباته.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من الممكن أن يتم توجيه أصحاب التخلف العقلي البسيط عن طريق المعاهد التعليمية الخاصة، التي من خلالها يصلون إلى المرحلة المتوسطة، وبالتالي يستطيعون القيام بحاجاتهم الخاصة وأساسيات الحياة، الأمر الذي يعني قدرتهم على تحمل مسؤولية أسر صغيرة».

وأشار إلى أن تحمل تلك الفئة لمسؤولية المنزل والأطفال مقيد بضرورة أن يكون عدد الأسرة قليلا؛ حيث من المفترض ألا ينجبوا عددا كبيرا من الأطفال، غير أنهم يستطيعون مراعاة منازلهم والقيام بمسؤولياتها.

وأضاف: «تكمن إمكانية إنجاب أطفال متخلفين إذا كان التخلف مرتبطا بعوامل وراثية، إلا أنه إذا كان نتيجة حادث مروري أو أي عارض طبيعي، فليس له علاقة بإنجاب أطفال غير أسوياء».

من جهته أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور حسن سفر أستاذ نظم الحكم والقضاء في مجمع الفقه الإسلامي، على أن قضية زواج أصحاب التخلف العقلي البسيط تعد مسألة يصعب الحكم فيها شرعا؛ إذ إن عدم جوازها يؤثر عليهم، لكون معظمهم يعتبرون عالة على المجتمع ويكلفونه الكثير.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قد ينتج عن ذلك الزواج أطفال متخلفون عقليا، الأمر الذي يحتم وجود دراسة حول حجم التخلف في المجتمع وتأثيره على النسل، والنظر في تلك المسألة التي سوف تحتاج حينها إلى قرار من هيئة كبار العلماء أو مجمع الفقه الإسلامي الدولي».

وأشار إلى أن جواز زواج أصحاب التخلف العقلي البسيط لا بد أن يُبنَى على دراسات تستهدف شرائح مختلفة من المتخلفين والمتخلفات عقليا في المجتمع الإسلامي، لا سيما أن دراسات المجتمعات الغربية تختلف باختلاف طبيعتها، مشددا على ضرورة توافق الدراسات مع طبيعة المجتمع المسلم، وإيجاد رأي طبي يستند عليه الحكم الشرعي في تلك القضية.