التربية والتعليم تواجه تسرب الطلاب بزيادة مهاراتهم

تربويون لـ«الشرق الأوسط»: دعوة لتفعيل الأندية الرياضية وبرامج «التعليم باللعب»

تغيّب طلاب الصفوف الأولية في الأسبوعين الأخيرين يعد ظاهرة سلبية لافتة في المدارس الحكومية بشكل خاص («الشرق الأوسط»)
TT

مع اقتراب موسم امتحانات نهاية العام الدراسي عاودت ظاهرة تسرب الطلاب، وخصوصا طلاب الصفوف الأولية الذين تقاس مهاراتهم خلال العام للظهور بشكل لافت دفع إدارات التعليم للتنديد والتلويح بعقوبات رادعة وخطط خاصة لمنع انتشار هذه الظاهرة، كما دفع الخبراء والتربويين للتعليق على مدى خطورة هذه الظاهرة.

وبحسب المشرف الاجتماعي فواز الجهني فإن تغيب طلاب الصفوف الأولية في الأسبوعين الأخيرين يعد ظاهرة سلبية لافتة في المدارس الحكومية بشكل خاص، ويقول الجهني إن أهالي الطلاب عادة يعتقدون أنه لا جدوى من حضور أبنائهم حتى انتهاء الفصل، ويفضلون حصر اهتمامهم على التحصيل العلمي لأبنائهم في الصفوف العليا، وهو ما يحرم أبناءهم من تلقي مهارات تعليمية وتربوية هم في أمسّ الحاجة إليها.

من جانبه أكد مدير تعليم البنين بمنطقة مكة المكرمة، عبد الله الثقفي، أن الدراسة في الصفوف الأولية مدتها 18 أسبوعا ولم تنتهِ إلى الآن، وقال إن الوزارة عممت على جميع مناطق المملكة والمحافظات بضرورة استثمار الأسبوعين الأخيرين في زيادة مهارات الطلاب لأن تقييم الطلبة يتم بناء على هذه المهارات.

وأضاف الثقفي: «لا تمنح إشعارات الاجتيازات إلا بعد انتهاء الأسبوعين الأخيرين، وإذا كان هناك تسرب فهو لا شك ناجم عن أخطاء في المدارس، والأسبوعان الأخيران يتضمنان تدريس مناهج وتدريبا على مهارات، كما تضاف إليها في خطط الوزارة أنشطة وبرامج تعليمية وتربوية مفيدة جدا للطلبة وتتضمن الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية».

وحمل الثقفي أولياء الأمور مسؤولية أبنائهم، وقال: «ظاهرة التسرب في الأسبوعين الأخيرين هي ظاهرة مجتمعية، لأن المدارس مفتوحة والمعلمين موجدون ولا يمكنهم التغيب، والتسرب الذي يحدث هو نتيجة خطأ تواطأ عليه المجتمع دون علمه، وما يحدث أنه عندما يكون لدى الأسرة طلبة في المراحل والصفوف العليا يعتقدون أن موعد الدراسة انتهى بالنسبة إلى الصفوف الأولية، ويحولون انتباههم بشكل كامل لاختبارات أبنائهم في الصفوف العليا، متناسين الفائدة التربوية والتعليمية التي يحصل عليها طلبة الصفوف الأولية، وهذا يضر أبناءهم أولا وأخيرا ويحرمهم من تحصيل علمي وتربوي هم في أشد الحاجة إليه».

وحول الوسائل والسبل التي تتبعها إدارات التعليم لتحجيم هذه الظاهرة والقضاء عليها، أشار الثقفي إلى أن إدارته «تسعى من خلال المدارس للتواصل مع أولياء الأمور وتبليغهم بأهمية متابعة خططنا التعليمية والتربوية خلال الأسبوعين الأخيرين، كما أن هناك جولات تفتيشية وتفقدية يقوم بها الإشراف التربوي، إضافة إلى مدير التعليم شخصيا، وهناك نظام تحفيزي يعتمد على مكافأة المدارس التي تتميز بأنشطتها الثقافية والتعليمية والتربوية في فترة الأسبوعين الأخيرين».

وأضاف الثقفي أن هناك أنشطة تنمي المهارات في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي، إلى جانب برامج ثقافية وتعليمية رفيعة المستوى، وقال: «نحن نشجع المدارس على المبادرة في ما يتعلق بالأنشطة والبرامج الثقافية والتعليمية بعد عرضها على الإدارة التعليمية وإجازتها والإشراف عليها، كما أن لدينا برامج جاهزة يمكن أن تحصل عليها إدارات المدارس في حال رغبتها من إدارات التربية والتعليم الفرعية، ومن خلال المشرفين التربويين».

وعن الآلية المتبعة لمحاسبة المتسربين والمتغيبين سواء من المعلمين أو الطلبة في هذه الفترة أكد الثقفي أن هناك تنظيما يحدد مشرفا تربويا لكل أربع مدارس، إلى جانب جهاز المتابعة الإدارية، وهناك عقوبات ولوائح تضمن التعامل مع الأسبوعين الأخيرين بشكل جدي تماما، تتضمن الحسم والتنبيه والرفع وإجراء التحقيق في ما يتعلق بالمعلم، وبالنسبة إلى الطلبة يمكن أن لا يجاز للطالب الانتقال إلى الصف الذي يليه في حال تغيبه وعدم استكمال مهاراته التعليمية المطلوبة.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الثقفي أن البرامج التعليمية والتربوية متوافرة في المدارس، ويحمل الأهالي وأولياء الأمور مسؤولية حرمان أبنائهم من منافعها بسبب عدم وعيهم بضرورة الحضور، يؤكد محمد العتيبي (41 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال، أن اثنين من أبنائه في الصفوف الأولية يظلان حبيسي مقاعدهما المدرسية، يعانيان من الفراغ والملل وشكواهما المتكررة هي ما يدفعه إلى السماح لهما بالتغيب عن المدرسة.

ويضيف: «من غير المعقول أن نسمح لأبنائنا بالبقاء في المنزل إذا كان هناك ما يفيدهم في مدارسهم، والذي يحصل أن المعلمين يكتفون بالحضور فقط، ولو وجدت الأنشطة الترفيهية والتربوية والتعليمية فسنكون أحرص الناس على أن يستفيد أبناؤنا منها، خصوصا أن ذلك سيتيح فرصة التفرغ لمتابعة امتحانات الأبناء الأكبر سنا».

الخبير التعليمي والتربوي عادل بترجي، بدوره أشار إلى أن نسبة غياب ملحوظة وعالية تشهدها المدارس وخصوصا في المراحل الأولية، وتتفاوت هذه النسبة بين المدارس بحسب نوعيتها، ونسبة الغياب في المدارس الحكومية عادة تكون أعلى من مثيلاتها في المدارس الخاصة، بحسب البترجي، ويعود ذلك إلى مستوى الإدارة ومدى حزمها وتركيزها على البرامج الجانبية والثقافية والتعليمية والتربوية التي تجذب الطلبة للحضور.

وقال البترجي إن نسبة الغياب هي مؤشر خطير بالنسبة له كتربوي وخبير في مجال التعليم، وتابع: «الخطورة برأيي تكمن في أن هناك إعانة من الأسرة والمنزل للطالب على التسرب والتغيب في مثل هذه الفترات الواقعة عادة في بداية الفصل الدراسي أو نهايته، وهي بكل تأكيد تمنعه من الاستفادة بشكل كامل من البرامج التعليمية والتربوية التي يحتاج إليها».

علاج هذه الظاهرة بحسب البترجي يتطلب تقديم برامج تعليمية وتربوية جاذبة للطلاب في الوقت نفسه، إلى جانب استهداف أولياء الأمور بشكل جدي لتوعية أولياء الأمور بخطر هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على أبنائهم.

وقال: «نشاطات التعلم باللعب والتنويع فيها مطلوبة جدا، خصوصا للصفوف الأولية، وهم يستطيعون تنمية قدراتهم بشكل كبير جدا من خلال هذه البرامج التي ينبغي أن ننظر إليها نظرة أخرى، ليس على أنها وقت مهدر أو وقت للعب غير المجدي، ولكن على أنها فرصة حقيقية لتعليم الطالب أكثر مما يستطيع أن يتعلمه على مقعده المدرسي».

وأكد البترجي على أنه لا يوجد ما يمنع من تبني هذه البرامج، وسبب قلتها في المدارس هو عدم توافر الحزم في تطبيق الأفكار الجديدة واقتناع أولياء الأمور بجدواها ومطالبتهم بها. وشدد على ضرورة الاستعانة بما سماه «معينات التعلم» في المجال التعليمي وليس فقط في نهاية العام، وهي برأيه النوادي المدرسية والنشاط المدرسي، وخصوصا بالنسبة إلى الصفوف الأولية، التي لو تم توفيرها للطلبة في هذه المرحلة، خصوصا في بداية الفصل الدراسي ونهايته، فستوجد بكل تأكيد بيئة جاذبة للطلاب والطالبات ليتمتعوا بالتعلم بدلا من شعورهم بأنهم مجبرون على الحضور وبالتالي تكون لديهم رغبة خفية للتسرب في أي وقت أو فرصة.