السعودية تدشن لأول مرة قطارا في المشاعر المقدسة خلال 60 يوما

بطاقة 250 ألف حاج في المرحلة التجريبية

مشروع القطار سينقل نحو مليوني حاج عند اكتماله (واس)
TT

تشهد منطقة المشاعر المقدسة حركة دؤوبة لإكمال المرحلة الأولى من مشروع قطار المشاعر المقدسة وتشغيلها هذا العام، والبالغة تكلفتها نحو 6.7 مليار ريال، ويربط في المرحلة الأولى بين المشاعر المقدسة «عرفات ومزدلفة ومنى».

واعتبر الدكتور محمد إدريس، نائب مدير معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن تسيير المرحلة الأولى من القطارات يمثل نقلة نوعية في تلك البقعة الطاهرة، بتسهيل تنقل ضيوف الرحمن عبر وسيلة علمية متميزة، من شأنها تخفيف الضغط على الطرق والمواصلات.

وأفاد نائب مدير المعهد أن دخول مشروع القطار لأول مرة داخليا في السعودية من شأنه أن يبرهن الدعم الكبير الذي تصبغه السلطات السعودية على موسم الحج، حيث اختارت أن يكون أول من يستفيد من هذه الخدمة هم حجاج بيت الله وضيوف الرحمن أولا وقبل السعوديين.

وقال «هذا يدل على قدسية ومكانة الشعيرة العظيمة في قلوب القادة في البلاد، وهو مشروع يأتي ضمن محاولات كبيرة أعقبت النقل العام والترددي، وسيكون بوسع القطار فرض الاستفادة العالية، وهو ما كنا ننادي بها منذ زمن، وسيكون عنصر مساند لبقية أنواع النقل بالإضافة إلى خدمة وسائل المشاة، ويدخل ضمن المنظومة الخدمية للنقل المتطورة والمتنوعة والتي من شأنها أن تدخل موسم الحج بامتياز».

وأشار الدكتور إدريس إلى أن التشغيل الجزئي في هذا العام سيخفف نسبة الضغط في عرفات ومنى ومزدلفة، وأردف «نحن داخلون ضمن الإطار التجريبي، وبانتظار بقية الخدمات أن تتواصل للوصول إلى الهدف المبتغى وهو خدمة نقل من الدرجة الأولى، وسيساهم في نقل 250 ألف حاج»، مشيرا إلى أن الفئة المستهدفة سيتم إرشادها عبر تعليمات خاصة لتحقيق الانسيابية المطلوبة.

وتشهد أروقة المشاعر المقدسة في مكة استعدادات كبيرة ومركزة لإنهاء المرحلة الأولى من قطار العربات والبالغ عددها 10 عربات، حيث تم تركيبها وتدعيمها من قبل الشركة الصينية من أصل ثلاثين عربة أخرى، حيث جرى تركيبها على مسارات مرتفعة وقضبان حديدية محكمة مدعومة بمحطتين كهربائيتين لدعم تشغيل الخدمة ضمن ثمان أخرى ستدخل الخدمة تتابعا في منى ومزدلفة وقرب جسر الجمرات.

وأخذت الشركة المشغلة على عاتقها الأخطار المحتملة جراء انهمار السيول كالتي حصلت في موسم الحج المنصرم، حيث كشفت الجولة الميدانية لـ«الشرق الأوسط» رفع مستوى القطارات إلى عشرة أمتار، بغية الأخذ بعين الاعتبار السيول التي قد تأتي من وادي نعمان في الجانب الآخر من المشاعر المقدسة على الرغم من قيام أمانة العاصمة المقدسة بأخذ الاحتياطات اللازمة لصد الأخطار المحتملة والتي قد ينتج عنها سيول محتملة، حيث سيمكن القطار حجاج بيت الله الحرام الانتقال من منى إلى عرفات إلى مزدلفة ثم إلى منى وهو ما سيسهل في رمي الجمرات بسلاسة لأول مره في تاريخ الجمرات.

وأكد الأمير منصور بن متعب نائب وزير الشؤون البلدية والقروية، على أهمية مشروع قطار الخط الجنوبي للمشاعر المقدسة، ودوره المتوقع في تخفيف عناء ازدحام المركبات في المشاعر، والتي وصفها بـ«المشكلة المستعصية»، واعدا بحلها في غضون العامين المقبلين.

ويأتي وعد المسؤول السعودي بحل مشكلة ازدحام المركبات في المشاعر المقدسة خلال تأكيداته التي أطلقها لقياديين عسكريين ومدنيين شاركوا أمس في ورشة عمل حول تشغيل منشأة الجمرات الحديثة، والتي تحدث فيها عن تجاوز بلاده لمشكلتي حرائق مخيمات منى، والتدافع فوق جسر الجمرات.

وقدر الدكتور حبيب زين العابدين وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية طاقة التشغيل الأولية التي ستعمل بها قطارات المشاعر، حيث قال إنها ستتراوح ما بين 35 إلى 40 في المائة.

واجتمع في العاصمة الرياض أمس ممثلون عن عدد من الجهات الحكومية والخاصة، بمشاركة 4 خبراء دوليين، لبحث خطة تشغيل منشأة جسر الجمرات، وهو المشروع الذي ستكتمل مرحلته النهائية هذا العام، بتشغيل الدور الرابع.

وقال الدكتور حبيب زين العابدين، وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية إن عجلات قطار نقل الحجاج ستتحرك لأول مرة في تاريخ مكة والمشاعر المقدسة «تجريبيا» على أرض عرفات، بعد 60 يوما من الآن.

وأفاد أنه يتم حاليا إكمال تشغيل المحطة الكهربائية الخاصة بالقطار، حيث سيحضر التشغيل التجريبي عدد من قيادات الوزارة والشركة المنفذة للمشروع، مشيرا إلى أن القطار سيفك الارتباط المتلازم بين قاصدي بيت الله الحرام وحافلات النقل الذي كان طيلة الأعوام الماضية.

وتم الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع القطار والمتمثلة في البنية التحتية لخط سير القطار في الاتجاهين بطول 18 كيلو مترا، وبسعة تصل إلى 8 عربات في كل اتجاه.

وأوضح أن القطار يمتاز بالسرعة والارتفاع عن الأرض، حيث يقوم على أعمدة أحادية وسط الشارع ويتميز بقربه من المشاة والمحطة، فضلا عن أن المسار يتفادى التأثير على المخيمات، إذ تمت مراعاة عدم تكدس الحجاج ومراعاة طبوغرافية الأرض لتقليل الارتفاعات والانخفاضات.

وحول الطاقة الاستيعابية قال وكيل وزارة الشؤون البلدية، إن الطاقة الاستيعابية للقطار تصل إلى 70 ألف راكب في الساعة الواحدة، وتتراوح سرعته بين 50 و70 كيلومترا في الساعة، «إذ روعي متطلبات الحجاج ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والعجزة، وزودت المحطات بسلالم كهربائية متحركة ومصاعد ضخمة لنقلهم إلى القطار دون عناء». وخلص زين العابدين إلى أن من الأفكار المطروحة لتشغيل القطار، الاستعانة به خلال أيام موسم العمرة ورمضان المبارك في نقل المعتمرين من باب زيارة المشاعر المقدسة بدلا من استخدام الحافلات التي يمكن أن تتسبب في حوادث السير.

وسيكون من شأنه نقل أكثر من 250 ألف حاج في المرحلة الأولى، وسيقوم حين اكتماله بنقل أكثر من مليوني حاج، حيث ستكون مرحلته الأولى مشغلة بنسبة 35 في المائة مع الحماية التلقائية المساعدة على تدريب دليل القيادة الآلية.

وكان العمل قد بدأ في هذا المشروع في شهر محرم عام 1429 بجنوب المشاعر المقدسة وسيكون جاهزا للاستخدام بنسبة 35 بالمائة من طاقته الاستيعابية في موسم حج هذا العام، وبكامل طاقته الاستيعابية في موسم حج عام 1432.

ووقع الاختيار على هذا الخط لاعتبارات كثيرة منها أن معظم السيارات التي تدخل المشاعر المقدسة هي لحجاج الداخل والبر ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذين تقع معظم مخيماتهم جنوب المشاعر المقدسة وبالتالي سيسهم هذا المشروع الحيوي في منع ما يزيد عن 50 ألف مركبة وحافلة من الدخول إلى المشاعر المقدسة مما يسهم في تيسير الحركة المرورية وانخفاض عدد المركبات والحافلات الداخلة إلى المشاعر المقدسة.

ويمر القطار بثلاث محطات في مشعر عرفات ومثلها في مزدلفة ثم محطة في أول مشعر منى من جهة مزدلفة ومحطة في وسطها وتكون المحطة الأخيرة عند الدور الرابع بمنشأة الجمرات ويتميز القطار بالسرعة والارتفاع عن الأرض ويقوم على أعمدة أحادية وسط الشارع، كما يتميز بقربه من طريق المشاة وتفادي تأثيره على المخيمات وكذلك مراعاة طبوغرافية الأرض لتقليل الارتفاعات والانخفاضات وينقل القطار الحجاج بين المشاعر المقدسة عرفات ومزدلفة ومنى وربطها بمكة المكرمة.

ويقوم بتنفيذ المشروع شركة صينية يعمل بها أكثر من 5 آلاف عامل يتناوبون على العمل 24 ساعة وستكون المرحلة الثانية من هذا المشروع لربط مكة المكرمة بالمشاعر المقدسة.

ويأتي المشروع العملاق في إطار المشاريع الحيوية التي نفذتها وتنفذها الدولة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد، والنائب الثاني في المشاعر المقدسة لخدمة وراحة حجاج بيت الله الحرام وتوفير الرعاية الشاملة لهم وتحقيق كل ما يمكنهم من أداء نسكهم بكل يسر وسهولة وراحة واطمئنان والتي لا تقتصر على المشاريع المشاهدة بالعين بل تمتد لتشمل الكثير من الجوانب الدينية منها والعلمية والثقافية والتوجيهية والإرشادية والوعظية.

ومن أبرز وأهم المشاريع التي نفذت في المشاعر المقدسة التي تمت الاستفادة منها في مواسم الحج في السنوات الماضية مشروع تطوير منشأة الجمرات الذي تمت الاستفادة منه بالكامل خلال موسم الحج الماضي حيث يتكون من خمسة طوابق، إضافة إلى نفقين، تساعد الحجاج على رمي الجمرات من دون وقوع حوادث أو ازدحام. وخصصت أربعة مستويات للحجاج الذين تم توزيعهم وفقا للمناطق التي يفدون منها، بالإضافة إلى طابق إضافي. ونفذ المشروع بواسطة شركات محلية سعودية بتكلفة 4.2 مليار ريال سعودي ومن المشاريع التي تم الاستفادة منها خلال المواسم الماضية في المشاعر المقدسة مشروع الخيام المطورة ومشروع المباني على سفوح الجبال ومشروع تسوية وتهذيب سفوح الجبال بمشعر منى وتهذيب مسطح عرفات لزيادة الطاقة الاستيعابية لها، إضافة إلى تغطية المشاعر المقدسة بشبكة الخدمات العامة من شبكات المياه وخزانات تجميع المياه وشبكات الصرف الصحي ومشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول وشبكات إطفاء الحريق، علاوة على المشاريع المتعلقة بتوفير الرعاية الصحية الشاملة من خلال المستشفيات العامة والمراكز الصحية المنتشرة في المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى الكثير من المشاريع التطويرية حيث أصبحت المشاعر المقدسة مدينة متكاملة تتوفر فيها جميع الخدمات التي يتطلبها الحاج.