جدة: المحامون المترافعون عن متهمي كارثة جدة يرفضون الإفصاح عن أنفسهم

تفاديا لانتقادات المجتمع بسبب وقوفه ضد المتورطين

رفض مجتمعنا لفكرة ترافع المحامين دفاعا عن المتورطين في كارثة جدة («الشرق الأوسط»)
TT

رفضت مجموعة من المحامين المترافعين عن المتورطين في كارثة جدة، ممن يتم التحقيق معهم من قبل هيئتي الرقابة والتحقيق والادعاء العام، الإفصاح عن أنفسهم، وهو ما ربطه أحد المحامين خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» برغبتهم في تفادي انتقادات المجتمع الذي يقف ضد المتهمين في تلك الكارثة.

وكان نحو 500 محام في جدة قد أبدوا استعدادهم لاستقبال ما يقارب 40 من أقارب المتهمين في قضية كارثة جدة من الموقوفين ومطلقي السراح على ذمة التهم المنسوبة إليهم، وذلك بهدف الترافع عنهم ومرافقتهم إلى جهات التحقيق، في حين انسحب المحامي خالد أبو راشد منذ نحو ثلاثة أشهر من ترافعه عن ثلاثة من المتورطين في قضية سيول جدة، وذلك على خلفية عدم اطمئنانه للمستندات الخاصة بهم - حسب قوله.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط: «اعتذرت عن الترافع؛ لأنني لم أطمئن لمستندات القضية نفسها، وذلك بعد أن اجتمعت مع كل واحد منهم مرة واحدة خلال أسبوع، من باب الاطلاع والاستماع لهم وإعطائهم بعض الآراء القانونية، غير أنني لم أشعر بالارتياح النفسي، ففضلت عدم الاستمرار».

وأشار إلى أن هؤلاء المتورطين لم يصبحوا متهمين إلا بعد التحقيق معهم واستجوابهم، ومن حقهم توكيل محامين للدفاع عنهم، غير أنه استدرك في القول: «يعد المتهمون بريئين حتى تثبت إدانتهم».

ولفت إلى أنه من الممكن أن يقترح المحامي على الجهات المسؤولة استدعاء أسماء أخرى للتحقيق معهم بناء على إيضاحات المتهم، غير أن أمل تحقيق ذلك المقترح يعتبر ضئيلا، لا سيما أن استجواب أشخاص آخرين تحدده كلا من هيئتي الرقابة والتحقيق والادعاء العام. وأضاف: «قد تستوجب مجريات التحقيق إيقاف أشخاص أو مجرد استدعائهم أو حتى إيقاف التحقيق معهم إذا ما اعترفوا، الأمر الذي يجعل مدة التحقيق تعتمد على إفادات المتهم نفسه وظروف القضية».

من جهته، كشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور ماجد قاروب رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية الصناعية بجدة عن احتمالية صدور أحكام ببراءة بعض المتهمين الذين يجري التحقيق معهم في قضية سيول جدة، لافتا إلى أنه لا يمكن الجزم بعددهم أو حتى عدد من ستتم إدانتهم. وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «ما يؤكد على ذلك هو ما حدث مع من أحيلوا إلى القضاء في قضايا الإرهاب، والمتهمين بالقتل العمد والتفجير؛ لأنهم مُكِّنوا من الاستعانة بمحامين، بالإضافة إلى صدور أحكام من النقيض للنقيض في ظل وجود من حصل على البراءة أو أحكام مخففة أو مغلَّظة وصولا إلى حد القصاص».

وأفاد بأن هناك إهمالا وأخطاء تشريعية وأخرى لائحية في القوانين والأنظمة، إلى جانب وجود واقع إداري وقوانين مراعاة، الأمر الذي يجعل كل تلك المعطيات أساسا للتحقيق والإدانة أو البراءة، مبينا أنه لا يجوز إفشاء أي أسرار عن أي قضايا محل الإجراء أو المتابعة سواء في مرحلة التحقيق أو أمام القضاء.

وأضاف: «هناك من يتم التحقيق معهم في قضية كارثة جدة لغرض الاستدلال أو استكشاف بعض الغموض في تحقيقات أخرى، الأمر الذي لا يجعلهم متهمين، وإنما يعتبرون (شهود حال) وفق القوانين العالمية، غير أنه وردت أسماؤهم بمناسبة وجودهم على رأس العمل، سواء الحكومي أو الخاص».

ورفض رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية الصناعية بجدة تجاوز المجتمع والإعلام في هذا الأمر، والبحث أو النشر في تفاصيله الدقيقة، إلا بعد الانتهاء الكامل من صدور الحكم النهائي واجب التنفيذ عقب استكمال جميع إجراءات المحاكمة، موضحا أن المتورطين لا يزالون حتى هذه اللحظة متهمين وليسوا مدانين - على حد قوله.

وأكد أن استعانة المتورطين بمحامين يعد حقا مشروعا ومكتسبا؛ حيث إنه قد يكون هناك محامون أو وكلاء بموجب ما سمح به النظام، الذين ينحصر دورهم كمحامين في التأكد من أن التحقيقات تتم وفق الأصول النظامية كما هو منصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية والمحاماة. واستطرد في القول: «على المحامي التأكد من توافق اتهام المدعى عليه مع صحيح الوقائع والمستندات والمخالفات، إضافة إلى التثبت من توافق إجراءات التقاضي أمام المحكمة، بصرف النظر عن نوعها وفق الجريمة أو الاتهام مع نظام المرافعات والمحاماة، بالإضافة إلى حصول المتهم على محاكمة عادلة وفق إجراءات صحيحة».

وأبان الدكتور ماجد قاروب أنه من الضروري تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه، وإعطاؤه حق تسلم لائحة الاتهام، ومن تقديم إجاباته والدفاع عنها، والاعتراض أو الاستئناف على الأحكام الصادرة في حقه، ضمن ما هو مقرر له من واجبات والتزامات وفق نظام المحاماة.

وزاد: «إن الاستدعاء واحتمالية التوقيف تعتمد على رأي الجهة القائمة بالتحقيق والمحكومة بقواعد منصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية»، مشددا على عدم جواز مخالفة تلك الأنظمة.

ولكنه استدرك قائلا: «نحن أمام كارثة إنسانية طبيعية، غير أنه يجب معالجتها في السعودية على أساس دولة القانون والمؤسسات دون أي ارتجالية أو تجاوز في حقوق الناس، وإن كانوا متهمين»، متوقعا في الوقت نفسه انتهاء التحقيقات خلال ثلاثة أشهر، لأن تلك المدة تعد المتوسط الطبيعي لهيئات التحقيق في مثل هذه القضايا.

وبالعودة إلى المحامي خالد أبو راشد الذي أفاد بأن جميع الاحتمالات واردة حول وجود أحكام تقضي ببراءة بعض المتورطين في قضية سيول جدة، خصوصا أن تلك القضية تمر بمرحلة التحقيقات، لافتا إلى وجود مرحلة ثالثة تتمثل في القضاء.