حمى كأس العالم تنقل المنافسة من الملاعب إلى الأماكن العامة السعودية

المونديال ينقذ قطاع المقاهي من الركود.. والبعض سيرتدون قمصان المنتخب الجزائري في أيام مبارياته

جانب من تجهيزات الكافية شوب في الرياض لكأس العالم
TT

عشية انطلاقة العرس الرياضي الأكبر في عالم كرة القدم، اكتست شوارع المدن الرئيسية بالسعودية بأعلام الدول المشاركة وكرات القدم الضخمة الطائرة للتعبير عن مدى حب السعوديين وشغفهم بـ«المستديرة» وكبرى منافساتها ومن سيفوز بجائزتها الكبرى.

هذا الإقبال الكبير ساهم في إنقاذ العديد من المحال والقطاعات التجارية من فترة كان من المتوقع أن يلفها الركود بسبب تزامنها مع امتحانات نهاية العام، إلى جانب تنشيط مبيعات هذه القطاعات وأدائها بشكل ملحوظ إما بسبب تقديمها لأجواء كأس العالم وجذبها للمستهلك بشكل مباشر كما في قطاع المطاعم أو المقاهي، أو بسبب التحضيرات التي تتطلبها المناسبة كما في قطاعات الدعاية والإعلان وقطاعات البيع بالتجزئة.

وعلى بعد آلاف المئات من الكيلومترات التي تفصل جنوب أفريقيا الدولة المضيفة للبطولة الرياضية هذا العام والسعودية، يمكن ملاحظة الأجواء المتقاربة من التحضيرات والاستعدادات والحضور القوي للمنافسة الرياضية في الشوارع والمطاعم والمقاهي ومحال الخدمات العامة، وفي مدينة جدة (غرب السعودية) بالذات يمكن عيش أجواء شبيهة إلى حد كبير بأجواء البلد المضيف من خلال نحو 200 مطعم ومقهى تنتشر في أرجاء المدينة كلها ترفع شعار البطولة الرياضية بحماس بالغ.

عادل مكي، صاحب مطعم ومقهى «كاست آند كرو» وعضو لجنة المطاعم والمقاهي بجدة، يقول بأن كأس العالم أنقذ القطاع من ركود متوقع جراء فترة اختبارات نهاية العام الدراسي، وشكل طوق نجاة للعاملين في هذا القطاع، وهو ما استثمره العاملون فيه بذكاء من خلال تحضيرات مكثفة وأجواء رياضية ساحرة ومتميزة هي التي ستحدد فرصة كل مطعم ومقهى في الحصول على عدد أعلى من الزوار والزبائن، إلا أنه أكد في الوقت نفسه بأن الفرصة التسويقية المغرية ليست السبب الوحيد وراء تحضيرات بدأت منذ ما يقارب الشهرين للحدث، فتساؤلات المترددين على المطعم والمقهى عن ما سيقدمه لهم في هذه الفترة واقتراحاتهم دفعته للتجاوب معها بشكل ما.

ويضيف عادل: «الاشتراكات بمبالغ كبيرة نسبيا في الشبكات الرياضية، والتجهيزات الإلكترونية والمرئية والسمعية، إضافة إلى الديكور الذي يوحي بالمناسبة الرياضية ويساهم في جعل العميل يعيشها من خلال مشاهدته للمباراة في المطعم هي عناصر حرصت عليها جميع المطاعم والمقاهي وهي مكلفة بالتأكيد، لكنها ليست كافية لوحدها لجذب عدد أكبر من الزبائن، ولا بد من إضافة لمسات خاصة تتبارى المطاعم والمقاهي في توفيرها لضمان حصتها من الزوار ومشاهدي كأس العالم، وبالتالي تنشيط مبيعاتها، على الرغم من أن كرة القدم في كل مكان هذه الأيام والمنافسة شديدة ليس في الملعب فقط ولكن خارجه أيضا».

ويؤكد عادل أن «مطعمه على سبيل المثال حرص على تقديم أجواء عائلية مختلفة، لأن مشاهدي المباريات الرياضية ليسوا من الشبان فقط، فعلى الرغم من الفكرة السائدة بأن رب الأسرة أو الشاب يفضل أن يشاهد مباراة كرة القدم مع أصدقائه فإن هناك العديد من الأسر التي تفضل أن تجعل هذه المناسبات الرياضية فرصة لقاء حقيقية ووقتا عائليا ممتعا وهي شريحة كبيرة آثرنا أن نخاطبها ونلفت انتباهها بخدمات إضافية، منها خدمة الرسم على الوجوه التي نقدمها للأطفال والراغبين برسم ألوان العلم الذي يشجعونه على وجوههم، والهدايا الرمزية في نهاية كل مباراة».

أما في قطاع محلات التجزئة، فالأمر أيضا أفضل حالا هذا الصيف والفضل يعود لـ«المستديرة» أيضا كما يقول صالح عليان، مسؤول المبيعات في الشركة المتحدة للكهربائيات والإلكترونيات، والذي يؤكد أن موسم الصيف في كل عام هو موسم بطيء، فيما عدا بعض الطلب المتزايد في منتصفه على مكيفات الهواء وأجهزة التبريد، لكن الفضل يعود هذا العام لرفع نسبة المبيعات بزيادة 60 في المائة عن مثيلاتها كل صيف، وذهبت الزيادة بحسب عليان إلى شاشات البلازما وأجهزة التلفزيون الأكثر حداثة وتطورا، وأنظمة الصوت.

وإذا كان كأس العالم مناسبة جاذبة للشبان وأصحاب الاهتمام الرياضي والكروي بالدرجة الأولى فإنه بلا شك مناسبة سعيدة جدا للعم أحمد شوعي (59 عاما) رغم عدم اهتمامه بالرياضة وكرة القدم عادة، ويعمل العم شوعي في محله الصغير وسط جدة، منذ ما يقارب الـ30 عاما وهو مختص في خياطة وحياكة أعلام الدول والشعارات الخاصة للشركات والمؤسسات المختلفة.

ويمكن أن تعزى غبطة العم أحمد بالمناسبة الرياضية هذا العام، لأن محله الذي لا يحقق مبيعات عالية فيما عدا بعض الأعلام التي تطلب عادة من جهات معينة للاحتفاء بضيوف من دول مختلفة، إلى كون المناسبة الرياضية حققت له أرباحا مضاعفة من خلال بيع أعلام الدول المشاركة في المونديال هذا العام. وهو ما يدفعه جديا للتفكير في مشاهدة المباريات هذا العام رغم أن ذلك لم يكن ضمن حساباته قبل اليوم.

ويؤكد عم أحمد أنه بحمد الله حقق أرباحا جيدة لم يعرفها حتى في البطولات السابقة على مدى سنوات، متسائلا عن السبب الذي يجعل الناس أكثر اهتماما بالحدث الرياضي في الفترة الراهنة مقارنة بما سبقها، حيث بدأت الطلبيات تتوالى عليه ابتداء من مطلع مايو (أيار) الماضي، ويستطيع العم أحمد أن يشير إلى أعلام منتخبات مثل الأرجنتين، وإيطاليا، وفرنسا، والبرازيل، وإسبانيا، بوصفها الأكثر حظا في المونديال، على الرغم من عدم معرفته بأسماء الدول التي تمثلها هذه الأعلام في بعض الأحيان، لكنه يستند إلى الطلبات الكثيرة والتي تلقي ببعض الضوء على الفرق التي تحظى بتشجيع السعوديين أكثر من غيرها.

وفي العاصمة الرياض، وفي إطار الاستعدادات القائمة لناحية استقبال عرس المونديال 2010م، تتسابق المقاهي والكوفي شوب إلى تجهيزات خاصة، وذلك تماشيا لرغبة شريحة كبيرة من سكان العاصمة الذين يفضلون مشاهدة تلك المباريات، في المقاهي العامة.

واعتاد عدد كبير من أصحاب المقاهي القيام بتحضيرات معينة لاستقبال الزبائن في كل نهائيات كأس العالم، من خلال تجهيز شاشات عرض كبيرة خصوصا أن أغلب مشاهدي ومحبي الرياضة غير مشتركين في القنوات التي تبث تلك المباريات.

وتوقع خالد الحازمي مدير كوفي شوب «ون ويه» في العاصمة الرياض لـ«الشرق الأوسط»، أن كأس العالم لعام 2010م، لن تكون مشابهة لكأس العالم 2006م، كون هناك بعض من الإشكالات التي تواجه أصحاب المقاهي في كل مكان.

وأضاف الحازمي أن من تلك الأسباب هي قلة قيمة الاشتراك بقنوات الناقلة لأحداث كأس العالم، والتوقيت لكأس العالم لن يكون في صالح الكوفي شوب كون بعض المباريات قد تنتهي بعد الساعة 12 منتصف الليل في الأدوار النهائية وما قبلها، بالإضافة إلى أن السعودية لن تكون مشاركة.

وأكد مدير الكوفي شوب أن العاملين في المقهى الذي يملكه شمال العاصمة الرياض، سوف يناصرون منتخب الجزائر كونه منتخبا عربيا من خلال ارتدائهم قمصان المنتخب الجزائري خلال أيام مبارياته.

ومن ناحية ارتفاع نسب إقبال الكوفي شوب خلال أوقات مباريات كأس العالم، إذ إنه من المعتاد أن تصل هذه النسبة إلى 100 في المائة أو أكثر مقارنة في تصفيات كأس العالم 2006م، يقول الحازمي في هذا الصدد: «خلال مباريات كأس العالم لا تتسع الكوفي شوب للأعداد التي تتهافت على المحل ما يضطرنا إلى تغيير ديكور المحل لاستيعاب تلك الأعداد وإضافة عدد كبير من المقاعد لاستقبال العملاء».

ويتشارك قاسم الفالح صاحب مقهى ومطعم «كازا ميل» مع سابقه فيما ذهب إليه، ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «حضور الزبائن لمشاهدة مباريات كأس العالم في الكوفي شوب يوفر فرصة مناسبة لتحقيق ربح كبير طيلة أيام النهائيات»، لافتا إلى أن أصحاب المقاهي والكوفي شوب يتبعون طقوسا خاصة خلال بث المباريات بشكل عام وتصفيات كأس العالم بشكل خاص، من خلال تغيير ديكور المحل ليتناسب مع الأعداد الكبيرة المتوقع توافدها لحضور المباريات إلى جانب إحضار شاشة عرض كبيرة.

وبين الفالح أن الزبائن في مثل هذا الوقت يحتاجون لبعض من التعديلات في الكافي شوب مثل إضافة بعض الملصقات والبوسترات وجدول مباريات كأس العالم.

وتعتبر كأس العالم من أهم الأحداث التي تشد انتباه ملايين المشاهدين على مدى شهر كامل.

وتشير التوقعات إلى ارتفاع أسعار الخدمة في الكوفي شوب والمقاهي خلال نهائيات كأس العالم نظرا لارتفاع تكلفة التشغيل خلال تلك الفترة والتي يتكبدها أصحاب المحال والمتمثلة بكلفة البث التلفزيوني وتغيير ديكورات المحل.

ويتوقع بعض أصحاب الكافي شوب أن تتوافد أعداد كبيرة من الزبائن للمحل لمشاهدة مباريات كأس العالم، مشيرا إلى أن متوسط أعداد الزبائن يبلغ خلال الأيام العادية نحو 50 شخص، متوقعا أن تتعدى أعدادهم خلال نهائيات كأس العالم 100 شخص.

وتنامت ظاهرة حضور المباريات الكبيرة في الفنادق والمقاهي ومحلات الكوفي شوب في الآونة الأخيرة مما دفع البعض إلى أن يكون متخصصا في بث المباريات لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن.

وتعتبر بطولة كأس العالم لكرة القدم 2010م، هي البطولة التاسعة عشرة بين بطولات كأس العالم، وستقام في الفترة بين 11 يونيو (حزيران) و11 يوليو (تموز) 2010 م، في جنوب أفريقيا، وستكون هذه المرة الأولى التي تقام البطولة في قارة أفريقيا.

وسيتم تنظيم بطولة كأس العالم 2010 في أفريقيا لأول مرة في التاريخ وذلك بعد أن أتاح الاتحاد الدولي لكرة القدم نظام تبادل استضافة البطولة بين القارات، وحصلت القارة الأفريقية على حقها في استضافة بطولة كأس العالم عام 2010 في تنافس دخلت فيه السباق كل من مصر والمغرب، واستطاعت جنوب أفريقيا حصد الأصوات الأكثر من أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم.