تحذيرات من ضربات شمس تؤدي إلى خلل الجهاز العصبي

بينما بلغت نسب الأكسجين في الجو 21% ودرجة الحرارة 50 مئوية في 4 مدن سعودية

اللجوء الى البحر هربا من درجات الحرارة الملتهبة («الشرق الاوسط»)
TT

بينما سجلت المنطقة الشرقية من السعودية حالة الوفاة الثانية جراء ارتفاع درجات الحرارة، لم يكن يوم أمس عاديا في حياة سكان منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة بأسرها، إذ لامست درجة الحرارة لأول مرة الـ50 درجة مئوية باعتراف الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وسط موجة انقطاع للتيار الكهرباء في أطراف جدة والمدينة المنورة والطائف، زادت من حجم المعاناة للسكان الذين عاشوا ساعات الظهيرة دون كهرباء ومكيفات.

وأرجع المهندس عبد المعين الشيخ، رئيس قطاع التوزيع والخدمات بالقطاع الغربي، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» انقطاع التيار الكهربائي إلى تأثر الوحدة الجديدة في رابغ بعاصفة ترابية التي تعرضت لها المنطقة الغربية، أمس، بالإضافة إلى زيادة الأحمال على الوحدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهو الأمر الذي تسبب في خروج الوحدة عن الخدمة وانقطاع الكهرباء عن أطراف مدن جدة ومكة والطائف.

وقال الشيخ إن شركة الكهرباء، ممثلة في القطاع الغربي، «بدأت بشكل عاجل لحل مشكلة الانقطاع عبر فرق الصيانة، وسيتم الانتهاء من إصلاح العطل في وقت قصير»، مشيرا في الوقت ذاته إلى الاستعداد المبكر وبشكل جاد لشهر أغسطس (آب) المتزامن هذا العام مع شهر رمضان المبارك، والمتوقع أن تكون فيه درجات الحرارة على أشدها، وسيزيد استخدام الكهرباء بشكل أكبر، ملمحا في الوقت ذاته إلى إمكانية تشغيل وحدات جديدة في القطاع الجنوبي للمنطقة والربط فيما بين الوحدات.

وكانت شركة الكهرباء قد أشارت في بيان لها، أمس، إلى أن عاصفة رملية مصحوبة بارتفاع كبير في درجات الحرارة أثرت على أجواء المنطقة الغربية، مما تسبب في تعطل 8 توربينات من وحدات التوليد بالمنطقة الغربية بقدرة 480 ميغاوات وذلك صباح يوم أمس، الاثنين، تزامن مع ارتفاع كبير في الأحمال.

وأضافت الشركة أنه نتيجة لذلك تأثرت الخدمة الكهربائية بالمنطقة الغربية في بعض الأحياء بمحافظتي جدة والطائف والمدينة المنورة. وقد تمت إعادة تشغيل الوحدات وإعادة الخدمة للمشتركين خلال فترة قصيرة.

ومن جانبها قدرت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية درجة الحرارة في جدة، أمس، بنحو 50 درجة مئوية، وقالت على لسان حسين القحطاني، الناطق الإعلامي، إن درجة الحرارة التي سجلت يوم أمس تعد من المعدلات غير الاعتيادية، حيث تشير في الغالب في مثل هذه الأوقات إلى درجات حرارة ما بين 37 إلى 48 درجة.

وأبان القحطاني أن ما تتعرض لها المنطقة الغربية من ارتفاع درجات الحرارة وبعض الرياح التربية ناتج عن رياح مثارة من شرق البحر الأبيض المتوسط مؤثرة على تلك المناطق وتستمر حتى اليوم، الثلاثاء.

وبحسب التقرير اليومي الصادر من الأرصاد فقد أثرت الكتلة الهوائية الحارة على مناطق شرق ووسط المملكة بارتفاع حاد في درجات الحرارة خلال النهار، مائل للحرارة ليلا، صاحبه نشاط الرياح السطحية مثيرة للأتربة والغبار التي حدت من مدى الرؤية الأفقية وسجلت درجات حرارة عالية على أجزاء من غرب المملكة خصوصا منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وأبان التقرير أن الكتلة الهوائية الحارة ستبدأ في الانحسار التدريجي اليوم على شرق ووسط المملكة، حيث تؤثر على مناطق جنوب شرقي المملكة مع استمرار تأثيرها على منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث تسجل درجات حرارة عالية ورؤية غير جيدة بسبب الأتربة المثارة على شرق ووسط وغرب المملكة، وتظهر السحب المتوسطة والعالية الارتفاع على غرب وجنوب المملكة، كما تظهر السحب الركامية على المرتفعات الجنوبية الغربية، مرتفعات عسير وجازان، في فترة ما بعد الظهيرة.

من جهته، أكد اللواء عادل الزمزمي، مدير الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة، تسجيل عدد من حالات الماس الكهربائي والانقطاع في الكهرباء في عدد من المنازل وبعض كابلات التوريد في الشوارع في عدد من المواقع بسبب الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة وزيادة الأحمال على استخدام الكهرباء.

وقال في هذا الصدد إن العلاقة بين ارتفاع درجة الحرارة والدفاع المدني علاقة طردية فمع زيادة الاستهلاك تزيد حالات الماس الكهربائي والاشتعال وفرق الدفاع المدني هذه الأيام، واستعدادا للأيام المقبلة يتم تكثيف الفرق الميدانية، داعيا في الوقت ذاته سكان المناطق المتعرضة لدرجات الحرارة الالتزام بتعليمات الدفاع المدني لتجنب المواقع الحارة وتخفيف أعباء الاستخدام للكهرباء بقدر المستطاع.

وبالعودة إلى انقطاع التيار الكهربائي، أكد الدكتور سامي باداود، مدير الشؤون الصحية في صحة جدة، عدم تسجيل أي من الانقطاع لتيار الكهربائي في المستشفيات، وأبان أن هناك خطة طوارئ معدة في حالة حدوث أي طارئ من هذا النوع عبر تشغيل المولدات الاحتياطية.

وهنا حذرت الدكتور منيرة بالأحمر، استشارية طب المجتمع ورئيسة قسم التوعية الصحية في إدارة الرعاية الصحية الأولية بمحافظة جدة، من التعرض لأشعة الشمس، التي تتسبب في الكثير من الأمراض مثل ضربات الشمس، خصوصا في مؤخرة الرأس، وتؤدي إلى الاختلال في الجهاز العصبي واختلال وظائف المخ، وتتسبب في ارتفاع درجات حرارة الجسم وحالات الصداع والنعاس، كما تؤدي في بعض الحالات إلى الغياب عن الوعي.

كما حذرت الدكتورة منيرة، مرضى القلب من التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة التي تؤدي أيضا إلى لزوجة الدم وزيادة معدلات ضربات القلب، داعية في الوقت ذاته إلى تناول السوائل والعصائر المبردة بشكل كبير وتجنب المياه المثلجة التي تؤدي إلى أمراض الحلق وأمراض معوية.

ولفتتت بالأحمر إلى أن درجات الحرارة تؤدي إلى أمرض كبيرة للعيون وزيادة إفرازاتها، محذرة من ارتداء العدسات اللاصقة وضرورة ارتداء النظارات الشمسية ذات الدقة العالية.

وشددت في الوقت ذاته من السباحة في البحر في أوقات الحرارة المرتفعة التي تسبب أمراض الأذن الوسطى، ومبينة إلى كثير من الأمراض التي قد تسببها الارتفاعات في الحرارة مثل تلف الأطعمة بشكل كبير وتهيج الحساسية خصوصا في الأنف وتؤدي إلى العطس الكثير، وأعراض الحساسية الأخرى.

وكانت المنطقة الغربية قد شهدت عاصفة رياح حارة مصحوبة بالأتربة أثرت على الرؤية الأفقية ولم توثر على الحركة الملاحية، بحسب ما أورده الكابتن ساهر طحلاوي مدير ميناء جدة.

يذكر أن أكبر درجة حرارة مئوية سجلتها المملكة خلال السنوات الخمس الماضية في محافظة الأحساء شرق المملكة حيث سجلت 52 درجة عام 2007. أما في العاصمة السعودية، الرياض، فلم تختلف في طقسها عن جدة التي لامست 50 درجة مئوية، لتشكل المرة الأولى التي تنقاد بها الجهة المسؤولة عن متابعة أحوال الطقس في المملكة للاعتراف بملامسة حرارة جدة حاجز الخمسين درجة.

فقد عاشت الرياض مثلها مثل عواصم عربية كثيرة سجلت ارتفاعا ملموسا في درجات الحرارة، وهو الأمر الذي قاد خبيرا فيزيائيا للتحذير من ضربات الشمس، التي اعتبر الخطر منها مؤديا للوفاة. فالعاصمة الكويتية سجلت خلال اليومين الماضيين رقما قياسيا في معدلات الحرارة، لم يكن بعيدا عن ما سجلته عواصم عربية أخرى، حيث سجلت درجة الحرارة في العاصمة المصرية، القاهرة، في الظل، عند حدود 49 درجة مئوية خلال اليومين الماضيين.

فأخذ الدكتور علي الشكري، رئيس قسم الجيوفيزياء في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، على عاتقة التحذير من مغبة الإصابة بضربات الشمس، التي قد يؤدي البعض منها إلى الوفاة لا قدر الله.

وربط الدكتور الشكري بين التفاوت والارتفاع الملموس في درجات الحرارة بمنخفض جوي قادم من المحيط الهندي، صاحبه منخفض جوي آخر قادم من الحوض الأفريقي، وأجواء تتأثر بمرتفع جوي قادم من البحر الأبيض المتوسط.

ويأتي تعامد أشعة الشمس على خط الاستواء كسبب آخر في تصاعد درجات الحرارة، بنسبة أكسجين جوية تبلغ 21 في المائة، ليأتي النيتروجين بنسبة 78 في المائة، وهما الاحتياجان اللذان لا يمكن العيش دونهما، طبقا للدكتور الشكري، الذي حذر من ارتداء ملبوسات فاتحه، مع ضرورة تغطية الرأس خشية التعرض لضربات الشمس، وعدم الخروج في ساعات الظهيرة التي تتعامد بها أشعة الشمس.

ونصح الشكري بتناول كميات مياه بقدر الإمكان، خصوصا الأطفال وكبار السن، بينما حذر من خطر التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وهي الأشعة التي في الغالب ما تنشط في درجات الحرارة المرتفعة، الذي قد يقود إلى الإصابة بسرطان الجلد، بالإضافة إلى ضربات الشمس التي قد يؤدي البعض منها للوفاة.

ويرى خبراء الطقس في الخليج أن يوم أمس 21 من يونيو (حزيران)، اليوم الأول لفصل الصيف بشكل رسمي، في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، الذي تأتي المملكة في أطرافه، بينما ينبئ التوقيت غير الرسمي بدخول فصل الصيف قبل 3 أسابيع ماضية، وهو ما عده الدكتور الشكري ذا ارتباط بموجات حرارة قادمة من القرن الأفريقي يصبحها منخفض قادم من المحيط الهندي.

وعمدت الأسر السعودية تأجيل بعض من مشاويرها الخاصة لساعات المساء، وذلك هربا من أشعة الشمس اللاهبة. ولُمس هدوء في الحركة المرورية في العاصمة، الرياض، ما بعد الساعة الحادية عشرة ظهرا، لتعرض المنطقة لموجات حر قاسية، أثناء دخول موسم اختبارات نهاية العام الدراسي، وهي الفترة التي يعود بها طلاب المدارس لمنازلها قبيل دخول فترة الظهيرة، واعتادوا على الانكفاء في منازلهم، وهو ما أدى إلى هدوء في حركة المرور في المناطق السعودية.