المدن السعودية تلامس درجات حرارة «تاريخية»

التربية والتعليم تدرس منح منسوبيها إجازة قبل الموعد الرسمي بسبب «الحر»

امرأة تحتمي بمظلة وهي تتجه إلى مقر عملها في أحد مستشفيات جدة (تصوير: مروان الجهني)
TT

حذرت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة من تأثير موجة الحر الشديدة التي تشهدها السعودية حاليا على الحياة البيئية بشكل عام، التي من ضمنها المسطحات الخضراء المتكونة نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على معظم مدن السعودية خلال الفترة الماضية، مما يؤدي إلى تقلص تلك المساحات جراء جفاف الأرض بسبب درجات الحرارة المرتفعة.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» حسين القحطاني المتحدث الرسمي باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط بجزأين يتمثلان في الرياح ونسبة الرطوبة، لافتا إلى عدم وجود تصور واضح حول أعلى درجة حرارة من الممكن أن تسجلها مدن المملكة.

ويعد تسجيل 51 درجة حرارة في جدة أمرا غير مسبوق كما يشير القحطاني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» مؤكدا: «سجلت مدينة جدة أمس 51 درجة مئوية نتيجة هبوب رياح شمالية شرقية، غير أنها انخفضت في اليوم نفسه إلى 44 درجة مئوية»، مبينا أن هبوب رياح شمالية شرقية يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة، بينما تنخفض في حال هبوب رياح جنوبية غربية.

وأشار إلى أن توقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تتضمن بقاء درجات الحرارة في المعدل ما بين 37 و48 درجة مئوية على مستوى مناطق السعودية حتى نهاية فصل الصيف الموافق 22 من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

ولكنه استدرك في القول: «ذلك لا يعني أن درجات الحرارة لن ترتفع عن هذا المعدل، لا سيما أن الموجات القادمة من الشمال قد تشوب تلك الحالات والمتمثلة في المنخفض الهندي الموسمي الذي يحمل رياحا جافة تسهم في ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل لتصل إلى 50 درجة مئوية».

وأبان أن تلك الموجات ليست دائمة، غير أنها تتراوح في أجواء السعودية حتى منتصف شهر يوليو (تموز) المقبل والمتوقع فيه ارتفاع نسبة الرطوبة التي تسهم في تلطيف الجو إلى حد ما، إلا أن درجات الحرارة تظل مرتفعة.

ونتيجة لتزامن ذروة فصل الصيف مع دخول شهر رمضان المبارك، تعتزم الشركة السعودية للكهرباء ربط القطاع الغربي لها بالجنوبي عبر محطة الشقيق خلال شهر يوليو المقبل، وذلك بهدف توفير نحو 300 ميغاوات من الكهرباء للمنطقة الغربية، إلى جانب إدخال ما يقارب 1000 ميغاوات من قدرات التوليد الجديدة، وذلك استعدادا لشهر رمضان.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» المهندس عبد المعين الشيخ رئيس القطاع الغربي للتوزيع وخدمات المشتركين في الشركة السعودية للكهرباء أن حجم استهلاك الكهرباء بالمنطقة الغربية تجاوز خلال الفترة الحالية 12 ألف ميغاوات، بينما لم يكن يتعدى 11 ألفا و500 ميغاوات كل عام.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تسببت درجات الحرارة المرتفعة في انخفاض قدرات محطات التوليد، فضلا عن وصول الأحمال إلى ذروتها في وقت مبكر عكس المتوقع الذي كان من المفترض أن يحدث ما بين شهري أغسطس (آب) وسبتمبر».

وأشار إلى أنه تم البدء بتحديث برامج الصيانة في محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع منذ نهاية الصيف الماضي، إلى جانب دخول المشاريع العاجلة التي تخدم فصل الصيف، مشددا على ضرورة ترشيد الاستهلاك في الكهرباء خلال هذه الفترة.

وحول معالجة انقطاع التيار الكهربائي أثناء فصل الصيف، أكد رئيس القطاع الغربي للتوزيع وخدمات المشتركين في الشركة السعودية للكهرباء، محاولة الشركة بذل كافة الجهود تفاديا لحدوث ذلك، ولكنه استدرك في القول: «إن شبكات الكهرباء مترامية الأطراف».

وزاد: «تنتشر محطات التوليد في مناطق عدة من ضمنها الشوارع، وهذا ما يدل على أن بعض حالات انقطاع التيار الكهربائي ناجم عن المشاريع والحفريات التي قد تكون موجودة في تلك المناطق».

يأتي ذلك في وقت تكشفت فيه لـ«الشرق الأوسط» معلومات حول احتمالية تقليص وزارة التربية والتعليم لدوام المعلمين والمعلمات الممتد حتى 21 يوليو المقبل، وهو ما أوضحه لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم.

وأكد المصدر المسؤول الذي فضل إغفال اسمه، عدم تأثر سير اختبارات المدارس التي جاءت متزامنة مع تسجيل ارتفاع مفاجئ لدرجات الحرارة بشكل مغاير لتوقعات الجهات المعنية.

فيما حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الدكتور فهد الطياش المتحدث الرسمي في وزارة التربية والتعليم للتعليق على ذلك الأمر، غير أنه لم يرد حتى وقت النشر.

وفي السياق ذاته، أفاد لـ«الشرق الأوسط» الكابتن ساهر الطحلاوي مدير عام ميناء جدة الإسلامي بأن موجة الحر الشديدة أثرت بشكل كبير على أداء العمال، غير أنها لم تؤثر على حركة السفن بشكل مباشر والمرتبطة بتقلبات الرياح.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «انخفضت إنتاجية العمال بشكل كبير، خاصة أن طبيعة العمل في الميناء تحتم عليهم الوجود في أماكن مفتوحة، فضلا عن اعتمادها على الجانب اليدوي المهني، الأمر الذي اضطرنا إلى إيقاف العمل أثناء الظهيرة من الساعة 12 حتى الثالثة عصرا».

من جهته كشف لـ«الشرق الأوسط» العميد عبد الله الجداوي مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة عن ارتفاع معدلات حرائق المنازل نتيجة موجة الحر الشديدة بنسبة 80 في المائة خلال الأسبوعين الماضيين، لافتا إلى بلوغ عدد تلك الحرائق التي تمت مباشرتها إلى ما يقارب 16 حادثا في اليوم الواحد.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «شهد مؤشر حرائق المنازل ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الماضية، الذي لم يكن يتجاوز 8 حالات في اليوم الواحد، غير أنه بلغ نحو 16 حادثا تتم مباشرتها يوميا نتيجة تمديدات كهربائية أو احتراق لأجهزة المكيفات».

وأشار إلى أن معظم الحرائق التي تمت مباشرتها في المنازل لم يكن أصحابها موجودين، غير أنها نشبت جرّاء تشغيلهم لأجهزة المكيفات وتركها تعمل لفترات متواصلة، مبينا عدم تسجيل وفيات خلال تلك الحوادث.

وأرجع أسباب نشوب حرائق المكيفات أيضا إلى انعدام مفهوم الصيانة، مما يؤدي إلى عمل تلك الأجهزة بجهد كهربائي أكبر نتيجة وجود رواسب على محركاتها، ومن ثم تأثر التمديدات الكهربائية بها.

وأضاف: «بلغ معدل الحرائق في الأماكن العامة منذ دخول موسم الصيف ما يقارب 35 حريقا في اليوم الواحد، حيث أنه تمت مباشرة حادثة أول من أمس لـ6 ورش متجاورة نتيجة المواد سريعة الاشتعال الموجودة بها»، مفيدا بأن سوء تخزين تلك المواد يكسبها درجات حرارة مرتفعة تؤدي إلى اشتعالها فور تعرضها لموجة حر شديدة.

واستطرد في القول: «إن أبرز أسباب نشوب الحرائق في مثل تلك الأماكن يتضمن سوء التعامل مع المواد الموجودة بها وخصائصها، إلى جانب انعدام إشراف ومتابعة أصحابها لها في ظل وجود تمديدات كهربائية خاطئة».

وذكر مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة أن موجة الحر الشديدة تسببت في نشوب حرائق في النفايات، التي بلغ عددها نحو 8 حوادث يوميا، غير أن هناك حوادث تكون متعمدة من قبل العمالة التي تعمل على بيع القطع الحديدة الموجودة في إطارات السيارات ومن ثم تقوم بحرق الأجزاء المطاطية منها.

وزاد: «إن مثل تلك الأجواء من شأنها أن تلحق أضرارا كبيرة بالبيئة جراء العوادم المتصاعدة من الحرائق وتشبع مياه الإطفاء بنواتج الحريق ومن ثم استقرارها في باطن الأرض»، مؤكدا أن أفراد الدفاع المدني يعملون في أقسى الظروف خلال الفترة الحالية على خلفية تسجيل معظم مدن السعودية لدرجات حرارة مرتفعة.

العقيد محمد القحطاني مدير إدارة المرور في جدة حذر خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» من إهمال صيانة إطارات المركبات التي من شأنها أن تتسبب في حوادث كبيرة على الخطوط والطرقات السريعة جراء انفجارها بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما تؤثر موجات الحر الشديدة على الطرق السريعة كونها تتسبب في حوادث انفجارات إطارات المركبات، غير أنه تم إعداد خطة لموسم الصيف تتضمن توزيع دوريات رسمية وأخرى سرية بهدف تخفيف سرعة المركبات بها»، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان عن تلك الخطة في وقتها المناسب.

وزاد: «يتم الأخذ بعين الاعتبار مثل تلك الظروف، حيث إن عمل المرور خلال هذه الفترة يتمثل في وجود سيارات ودراجات نارية دون وجود دوريات راجلة، فضلا عن انتشار مظلات في المواقع لتلك الدوريات، وذلك من أجل ضمان عدم تأثر العمل الميداني للمرور بموجات الحر الشديدة».

بينما شدد الدكتور زياد ميمش وكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي على ضرورة الابتعاد عن الشمس القوية والبقاء في الأماكن الباردة، إلى جانب الإكثار من شرب السوائل تفاديا للإصابة بضربات الشمس والأمراض المتعلقة بها.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد أي معلومات حيال زيادة أعداد المصابين بضربات الشمس خلال فصل الصيف الحالي، إلى جانب عدم ورود قرارات متعلقة بتقليص ساعات العمل في وزارة الصحة».

إلى ذلك، أكد لـ«الشرق الأوسط» خالد الخيبري المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني، عدم تأثر حركة الطيران بارتفاع درجات الحرارة، مشيرا إلى أن الملاحة الجوية لا تتأثر إلا في حال وجود رياح قوية أو انعدام في الرؤية ليتم وقتها العمل وفق احتياطات لازمة والتنسيق مع برج المراقبة وكافة الجهات العاملة بالمطارات.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تم مؤخرا توقيع اتفاقية تعاون بين الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والهيئة العامة للطيران المدني تحت اسم (تقديم خدمة الأرصاد لإدارة خدمات الملاحة الجوية) وذلك ضمن إطار التعاون المستمر لتوثيق وتنظيم العلاقة بين الجهتين وتحديد الحقوق والالتزامات بينهما».

وأشار إلى أن تلك الاتفاقية تشمل في بنودها استمرارية خدمات معلومات الأرصاد على مدار الساعة، إضافة إلى توفير خدمة معلومات الأرصاد المطلوبة لاستخدامها في مجالات الملاحة الجوية.

وأضاف: «تهدف الاتفاقية إلى رفع كفاءة الخدمات المعلوماتية المقدمة من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لقطاع الملاحة الجوية بالهيئة الذي سيقوم بتقديمها للمطارات في السعودية وشركات الطيران العاملة بها والطائرات العابرة لأجوائها من أجل تأمين سلامة وفاعلية الملاحة الجوية».

ولفت إلى وجود تقارير ونشرات يتم تسلمها في حال حدوث أي تغيير مفاجئ في أحوال الطقس، التي عادة ما تكون مصنفة حسب حالات معينة وبفترات زمنية محددة، إضافة إلى أنها تخضع لمعايير وإجراءات منظمة الطيران المدني الدولي.

وبين أن تلك النشرات تتمثل في نشرات روتينية تتم كل ساعة، وأخرى خاصة تعنى بتقلبات الطقس المتوقعة خلال الساعة التي لم يتم التطرق لها ضمن النشرة الروتينية ولا ترتبط بوقت محدد، إلى جانب الكثير من التقارير المحلية والدولية التي ترسل لجميع دول العالم لتمكين شركات الطيران من التخطيط لرحلاتها المستخدمة لمطارات وأجواء السعودية.

وأضاف: «عادة ما يتم التعامل مع التقلبات الجوية قبل حدوثها من خلال إشعار قائدي الطائرات والتنسيق بين المطارات المجاورة لاستخدامها كبديل للمطار المتأثر بسوء الأحوال الجوية وغيرها من الإجراءات التي يتم تدريب المراقبين الجويين عليها ضمن الدورة الأساسية والدورات المتقدمة لإطلاعهم على مستجدات المعايير والإجراءات الدولية».