أبها: إغلاق المراسم في قرية المفتاحة يثير خلافا بين إدارة القرية والتشكيليين

مدير القرية لـ«الشرق الأوسط»: بعضهم استعملوا المرسم كسكن خاص

TT

أرجع مسؤول في قرية المفتاحة التشكيلية في أبها أسباب إغلاق جزء من ورش الرسم إلى تحويل بعض التشكيليين المقر إلى سكن خاص، وقال: «يود كل شخص أن ينفرد بمرسم خاص، يقفله متى ما شاء».

وأوضح عبد الله شاهر، مدير قرية المفتاحة، لـ«الشرق الأوسط»، أن أسباب إغلاق المراسم تعود لأسباب يعلمها المتذمرون من القرار، وهي أن بعض التشكيليين استهلكوا المرسم كسكن خاص، متجاهلين قوانين وأنظمة القرية، التي تحتم على كل فنان مشاركة فنه، واستغلال المرسم للإبداعات التشكيلية، التي من أجلها أوجدت قرية المفتاحة.

وأضاف بأن كل شخص أراد أن ينفرد بمرسم خاص يقفله متى شاء، مما تسبب في الكثير من اللغط والخلاف بينه وبين زملائه. وكان خلاف قد نشب بسبب إغلاق إدارة القرية المخصصة للفنون التشكيلية لبعض المراسم، مما أثار انزعاج عدد من التشكيليين في عسير، وطالب التشكيليان إبراهيم الألمعي ومحمد الشراحيلي بإنقاذ القرية، وربطها بمدير جمعية الثقافة والفنون.

وانتقد كل من الفنانين التشكيليين إبراهيم الألمعي ومحمد الشراحيلي إجراءات الإدارة الحالية بإغلاق عدد من المراسم، والاكتفاء بمرسمين يمارس من خلالهما أي فنان تشكيلي رغبته الملحة في الإبداع، دون الالتفات إلى حجم وتزاحم المكان.

يقول إسماعيل الصميلي، الفنان التشكيلي: «تبقى منطقة عسير ذات بريق أخاذ يستهوي أفئدة السياح الباحثين عن المتعة والجمال والمعرفة، وذلك من خلال عدة مناشط فنية وثقافية وتراثية، جعلت منها مركز إشعاع معرفي للعالم العربي بأسره، وليس بخافٍ على كل ذي بصر وبصيرة الدور الرائد الذي كانت تقوم به قرية المفتاحة التشكيلية كمشارك فاعل في حركة السياحة في منطقة عسير، من برامج وفعاليات، في ما قبل الخمس سنوات الماضية، إلا أن المتابع لأنشطة القرية يلاحظ تراجعا غير مبرر في هذه الأنشطة». فوجود الفنانين، حسب قول الصميلي، تقلص بشكل كبير، حيث لم يبقَ سوى فنانين اثنين أو ثلاثة على الأكثر يحضرون على استحياء ومضض، ولعل من أكبر الأسباب التي دعت إلى هذا العزوف عن الحضور والمشاركة والمقاطعة من قبل الفنانين، الذين كان يصل عددهم إلى عشرين فنانا في السابق، هو إغلاق أكثر المراسم التي يصل عددها إلى 14 مرسما من قبل إدارة القرية، وحشر الفنانين بشكل غير مريح، حتى أصبح المرسم ذو المساحة المحدودة في تصميمه يضم أعمال أكثر من فنان!! وأضاف: «لا شك أن العمل في ظل هذه المساحات الضيقة يمثل ضغطا نفسيا للفنانين؛ فبعد أن كان كل منهم له مرسمه الخاص أصبح يمارس إبداعه تحت نظر زملائه، وهذا أمر في غاية الصعوبة بالنسبة للفنانين الذين يصنعون جمالا ليس من الجميل أن يطلع الناس على مراحل تشكيله».

من جهته يعلق الشراحيلي بقوله: «يوجد بتلك القرية عدد من المراسم التي تم تهيئتها للفنانين التشكيلين، وعدد تلك المراسم 14 مرسما, تحتوي على صالة رسم داخلية، وصالات معارض كبيرة، منها صالة مكونة من طابقين، وصالة عرض للمشاركات الفنية وإدارة مستقلة لمدير القرية، مخصص لها مبنى مستقل، إلى جانب 6 محلات وأكثر لبيع القطع الأثرية، كما يوجد مبنى لا يزال مهجور منذ وقت طويل، لم يتم تشغيله إلى الوقت الحالي، بالإضافة إلى قصر أثري قديم داخل القرية، مكون من ثلاثة طوابق، يوجد بها تراث وقطع أثرية قديمة نادرة، ويفتح أبوابه خلال الإجازة الصيفية».

في حين يشير الألمعي إلى أن قرية المفتاحة حظيت بإعجاب الكثير من زوارها، وفي مقدمتهم أمير ويلز، وذلك عند زيارته لأبها , وهذا ما يؤكد بأن القرية أخذت مكانتها في تاريخ ثقافة الوطن، وفي مسيرة الفن التشكيلي السعودي، من خلال توافد عدد كبير من الأمراء والمسؤولين من داخل المملكة وخارجها لزيارة القرية.

وأكد الألمعي «أن حملة المقاطعة والهجر، التي أقامها مجموعة من الفنانين التشكيليين، جاءت بسبب تضييق مساحة المراسم، وتهميش رغبات الفنان، وتحجيم الفعاليات التشكيلية، وهذا بحسب ما ذكر، خلف انعكاسات أدت إلى أزمة تشكيلية، أثرت على صورة فنون المنطقة وثقافتها».

وفي السياق ذاته يقول التشكيلي علي سلمان البشري، إن قرية المفتاحة التشكيلية صرح حضاري أنشئ عام 1410 كقرية تشكيلية ومسرح فقط، ولم تنشأ إلا للفن التشكيلي، وقد احتوت هذه القرية فناني عسير بكل الأجيال ومن الريع الأول حتى الفنانين الموجودين حاليا.

إلا أنه استدرك قوله متأسفا على حال القرية، قائلا: «بدأت القرية في التخلي عن فنانيها، ولم يعد للفن التشكيلي مكانة تجسد أهميتها الدولية والمحلية، مشيرا إلى أنه منذ عدة سنوات لم يعد هناك أي نشاط تشكيلي يذكر إلا عدد محدود جدا».

وأضاف أن إقامة المعارض التشكيلية في المراكز التجارية والأماكن غير المخصصة للفن التشكيلي، وبشكل عشوائي، وبمجهودات شخصية، لا تخدم الفن التشكيلي بشكله العالمي المعمول به في باقي المدن السعودية.

كما أفاد البشري أن قرية المفتاحة تحتوي على صالات مخصصة للعرض، بيد أنها لم تفعَّل لخدمة فناني القرية, وإن أقيمت معارض في القرية، فهي تفتقر للدعاية المصاحبة للمعارض المقامة، أو افتتاح رسمي لتلك المعارض، أو راعٍ رسمي لها.

وفي شأن متصل، ساقت الفنانة التشكيلية بدرية الشهراني، جملة من المعوقات والاحتياجات التي تؤثر في سير إبداعات كل فنان وفنانة تشكيلية داخل مراسم قرية المفتاحة التشكيلية، قائلة: «القرية، بشكل عام، والمراسم، بشكل خاص، تنقصها إدارة حاضرة، ومعارض دائمة، ودعم نفسي ومعنوي، خاصة مراسم الفنانات التشكيليات، حيث ينقصها التهوية الكافية، مما قد يسبب مشكلات صحية، فنحن، بحسب قولها، نتعامل مع مواد ملونة ومشبعة بالتنر.

إلى ذلك عاد مدير القرية عبد الله شاهر ليعلق على ما سبق بقوله: «نحن نقيم برامج فنية تشكيلية، نستقبل من خلالها وفودا من خارج المملكة، للمشاركة في فعاليات تسهم في تبادل الذوق والفكر التشكيلي بين كبار فناني الدول العربية والخليجية، وفناني المنطقة». واستطرد: «لذلك لا بد من تهيئة مكان ومراسم تعكس صورة إيجابية عن المنطقة والقرية بشكل خاص، ومن واجب الفنانين التشكيليين المتذمرين من هذه القرارات دعم التميز والهدف القائم على مشاركة الذائقة الفنية بمختلف أشكالها ومدارسها، والاستفادة منها، لا التذمر وحب الذات».

وعن تأفف البعض من ضيق المرسم، حيث لا يحتمل أن يجمع بين شخصين أو ثلاثة، أوضح التشكيلي ومدير القرية، عبد الله شاهر «أنه لا يملك مرسما خاصا به، إنما له زاوية في منزله يمارس من خلالها فنه؛ فالمكان، بحسب قوله، لا يؤثر على الفنان الحقيقي والمبدع الصادق, لذلك كان كبار الفن التشكيلي قديما يتشاركون المرسم، حتى يصل عددهم داخل المرسم الواحد من ثلاثة إلى أربعة أشخاص، بحيث استفدنا من بعضنا، وأفدنا، ولم يكن هناك أي من هذا التذمر».