7 جهات حكومية تكثف جهودها للحد من ظاهرة التسول

الأجانب ومخالفو نظام الإقامة يشكلون 97% من المتسولين

متسولون في إحدى نقاط التجمع بجدة (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

أعلنت 7 جهات حكومية معنية بمكافحة ظاهرة التسول في منطقة مكة المكرمة حالة الاستنفار ابتداء من الأسبوع الماضي وحتى 3 أشهر مقبلة تعتبر الموسم الأهم بالنسبة للمتسولين، نظرا لتزامن هذه الفترة مع إجازة الصيف وموسم العمرة، وموسم شهر رمضان الكريم، وهي الفترة التي يصفها المعنيون والمسؤولون عن مكافحة الظاهرة بـ«وقت الذروة».

وتضم الجهات السبع التي تعمل ضمن لجنة مشتركة مشكّلة منذ ما يقارب العام للحد من ظاهرة التسول، جهات مثل مديرية الجوازات، ومكتب مكافحة التسول، والشؤون الاجتماعية، والشرطة، والمرور، وجهات أخرى قامت بالاستعداد المكثف وتعديل خططها الميدانية والعملية لمكافحة الظاهرة.

الرائد محمد الحسين، المتحدث الرسمي باسم مديرية الجوازات بمنطقة مكة المكرمة أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الفترة الزمنية الراهنة تشكل وقت الذروة، وحتى فترة ما قبل شهر رمضان، وأثناءه، وتستدعي أن يكون هناك تنسيق ما بين دوريات جوازات محافظة جدة، ومكتب مكافحة التسول بجدة، والشرطة». وأضاف الحسين أنه «على الرغم من الحملات السابقة فإن الظاهرة ما زالت موجودة وبحاجة إلى متابعتها بشكل مكثف». وعن استعدادات مديرية الجوازات وخطتها المحدثة لمتابعة ظاهرة التسول، أشار الحسين إلى أن الجوازات تقوم عادة بجولات منفردة، وأخرى مشتركة بالتنسيق مع عدة جهات حكومية أخرى معنية بقضية مكافحة ظاهرة التسول. وهناك تركيز في الخطة الحالية على محاصرة المتسولين وسد الطرق أمام حيلهم التي أصبح المعنيون على علم واطلاع واسع بها، وتتضمن الوجود بشكل مكثف في أوقات متأخرة بعد الساعة الـ11 ليلا عند الإشارات المرورية وأماكن الترفيه، مستغلين فرصة غياب الكثير من الجهات الحكومية التي تتابع تحركاتهم وأماكن وجودهم أثناء النهار عادة.

وتابع «كل عام نقوم بالتنسيق مع مكتب مكافحة التسول بالاشتراك مع جهات أخرى، وسنقوم ببدء تنفيذ خطتنا منتصف الشهر المقبل بالتزامن مع بداية الصيف الفعلية وحتى انتهاء شهر رمضان المقبل»، وشدد الحسين على أن الوافدين ومخالفي نظام الإقامة يمثلون النسبة الأكبر من عدد المتسولين الذين يتم القبض عليهم عادة، وقال «مهمة مديرية الجوازات هي التعامل مع هذه الفئة بشكل كامل، في حين يتولى مكتب مكافحة التسول، والشؤون الاجتماعية التعامل مع المتسولين من الداخل وهم يشكلون نسبة أقل بكثير».

وفي السياق ذاته، أكد الحسين أن التسول ليس حكرا على جنسية معينة، ولهذا فإن إغلاق الحدود وإحكام السيطرة عليه مثلا في الحدود الجنوبية، لن يشكل فرقا كبيرا بالنسبة لظاهرة التسول، مشددا على أن الجنسيات التي ينتمي إليها المتسولون مختلفة ولا يمكن تغليبها على جنسية واحدة أو اثنتين، إضافة إلى أن هدفهم واحد وتوجههم دائما يكون نحو أماكن استراتيجية منتقاة يستهدفونها، مثل مناطق الترفيه التي توجد بها العائلات.

وعن ملامح الخطة المحدثة لموسم هذا العام، قال الحسين بأنه من المعتاد في المواسم أن تكون الفرق والدوريات على أهبة الاستعداد. وأضاف «سنعمل بكامل طاقتنا وعلى مدار الـ24 ساعة طوال أيام الأسبوع وفي المناطق والأوقات التي يستهدفها المتسولون، خاصة أن هذا العام يتزامن فيه موسم الصيف وقدوم المصطافين، مع موسم العمرة، وموسم رمضان مباشرة وهو يجعلنا أمام تحدّ كبير لتكثيف جهودنا والعمل وفق خطتنا المدروسة بعناية هذا العام».

من جانبه أكد مدير مكتب مكافحة التسول بجدة، سعد الشهراني بأن الحملات المشتركة مع الجهات المعنية تسير على قدم وساق، وهناك تنسيق خاص ومستمر مع 7 جهات حكومية من بينها مديرية الشرطة، وإدارة الجوازات، والبحث والتحري، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمجاهدين، والمرور، ويتم تسيير فرق يومية للرقابة والضبط تغطي مناطق واسعة.

وأشار الشهراني إلى أن المتسولين الأجانب يتم ضبطهم من قبل الشرطة، ويحقق معهم تمهيدا لترحيلهم من البلاد بواسطة إدارة الجوازات، أما السعوديون فيتم التعامل معهم من خلال مكتب مكافحة التسول، ويتم إجراء بحث مكتبي فوري للوقوف على الأسباب التي دعتهم إلى التسول، وبحوث أخرى ميدانية تتضمن تفقد أماكن سكنهم وطبيعة ظروفهم المعيشية، واستفادتهم من الضمان الاجتماعي، والجمعيات الخيرية الأخرى.

أما بالنسبة لكبار السن الذين لا يوجد من يرعاهم فيتم إلحاقهم بإحدى الدور التابعة للشؤون الاجتماعية، بحسب الشهراني، وكذلك الحال بالنسبة للأيتام وإن كان عددهم نادرا جدا بناء على المشاهدات الميدانية. كما يتم تحويل الشبان في سن العمل إلى مكتب العمل ويجري التنسيق معهم لإلحاقهم بوظائف.

وفيما يتعلق بالأطفال الأجانب، أكد الشهراني بأن هناك مركزا مستقلا يسمى «مركز إيواء الأطفال المتسولين الأجانب» يتبع جمعية البر الخيرية، ويتم نقلهم إليه من خلال إدارة الوافدين بمديرية الجوازات، ويتابع المركز إنهاء إجراءاتهم وتحويلهم إلى بلدانهم من خلال الجوازات وعبر التنسيق مع ممثليات بلدانهم في المملكة.

وكشف الشهراني عن أن نسبة المتسولين الأجانب أكبر بكثير من المتسولين السعوديين وإن كانوا يرتدون الزي السعودي ويمكن تقدير نسبتهم إلى السعوديين بـ97 في المائة من الأجانب مقابل 3 في المائة فقط من السعوديين، مؤكدا في الوقت نفسه أن ظاهرة التسول لا يمكن القضاء عليها إلا إذا توقف المواطن والمقيم عن تقديم المعونات المالية بشكل عشوائي في الشوارع والأماكن العامة، وقال «ليس بالضرورة أن يكون المتسول في حاجة ماسة للمساعدة، والشواهد كثيرة على هذا من عملنا الميداني، ففي إحدى المرات تم ضبط متسول أجنبي كبير يحمل أثناء تسوله مبلغا ماليا يتجاوز الـ70 ألف ريال سعودي».

وإذا كانت ظاهرة التسول ظاهرة سلبية تتطلب حلا جذريا وتكثيف الجهود للقضاء عليها، كما يؤكد العاملون في القطاعات المعنية خاصة في ظل تزايدها وتناميها، إلا أن الجانب الوحيد الذي يبعث على الارتياح في هذا الخصوص كما يؤكد العقيد يونس الأنصاري، رئيس لجنة خاصة لمكافحة ظاهرة التسول، التي شكلت قبل عام من محافظ مدينة جدة، الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز، هو أن هذه الظاهرة لا ترتبط بأي سلوك إجرامي آخر، ولم تثبت أي نشاطات إجرامية للمتسولين في معظم الحالات التي تم ضبطها إن لم يكن جمعيها حيث لا يلجأ أصحاب السلوك الإجرامي عادة للتسول.

ويضيف الأنصاري «هناك تسول منظم، له من يديره ويشرف عليه، ويتولى هؤلاء عادة جمع الأفراد وتوزيعهم على مناطق مختلفة وأخذهم منها والإشراف على عملهم فيها، ولكن هذا النوع من التسول نادر للحقيقة ولا يشكل الاتجاه الأكثر انتشارا بالنسبة لظاهرة التسول في المنطقة بشكل عام».

واعتبر الأنصاري أن التسول بالنسبة للمتسولين صنعة وحرفة أكثر من كونه سؤالا ناجما عن حالة. مضيفا أنه عند ضبط المتسولين عادة يتم العثور على مبالغ كبيرة من المال بحوزتهم تغنيهم عن مذلة السؤال، وقال «هذا السلوك يعد مرضا وإدمانا بالدرجة الأولى، وعادة ما يعاود المتسول الكرة حتى لو تم ضبطه وتوجيه حالته لمنعه من سلوك هذا المنحى، وهناك حالة تؤكد ذلك لمتقاعد سعودي يتقاضى 7 آلاف ريال شهريا كراتب تقاعدي لكنه يصر على التسول رغم عدم حاجته الماسة ورغم ضبطه مرات كثيرة، عادة نقوم بتوجيهه للشؤون الاجتماعية ونكتفي بأخذ تعهد عليه بسبب عدم وجود عقوبات واضحة بالنسبة لممارسي التسول».

وأكد الأنصاري أن العائق الأصعب أمام الحد من الظاهرة هو تعاطف الناس، فالمتسولون يستغلون الطيبة والدافع الديني لاستنزاف جيوب الناس بغير حق، وأكثر من ينتقد ضبطهم في المساجد والأماكن العامة هم أفراد المجتمع أنفسهم. وأشار في الوقت نفسه إلى أن القانون يجرم التسول لكنه لا يعاقب عليه، وهي مشكلة أخرى تساهم في استمرار الظاهرة، فعلى الرغم من وجود قرار صادر عن وزارة الداخلية ينص على أن التسول يعد جريمة، فإنه في الوقت نفسه لا توجد عقوبة منصوص عليها أو حكم شرعي يمكن أن يردع المتسول، ليست هناك غرامة أو عقوبة سجن مثلا وهذا ما يجعل المتسولين يتمادون، في رأيه.

واختتم الأنصاري حديثه بالقول بأنه ومنذ انطلاق الحملة قبل ما يقارب العام والجهات المعنية فيها تقوم بضبط ما لا يقل عن 300 متسول شهريا في مدينة جدة فقط، ولفت إلى أن نسبة لا بأس بها من ممارسي التسول هم من مخالفي نظام الإقامة يرغبون في الترحيل المجاني، حيث تتحمل الدولة تكاليف ترحيل المخالف إلى بلده من دون رسوم تأشيرة، ومن دون أي أعباء مالية أخرى قبل نظام البصمة، وعليه يستغل مخالفو نظام الإقامة الراغبون في العودة إلى بلدانهم الفرصة، ويمارسون التسول على مرأى ومسمع من دوريات مكافحة التسول لتقوم بضبطهم وتحويلهم إلى الترحيل على نفقتها.