أهالي عودة سدير يعيدون ترميم وتأهيل قريتهم التراثية

في إطار الاهتمام بالسياق التاريخي والثقافي والجذب السياحي.. ولتنشيط الحياة الاقتصادية

ما زال العمل جاريا في بناء المقصورة القديمة المجاورة للجامع وترميم بيت «السهله» ليكون متحفا ومركزا للضيافة واستقبال الوفود («الشرق الأوسط»)
TT

بادر أهالي عودة سدير (170 كيلومترا شمال غربي الرياض) إلى ترميم وتأهيل قريتهم التراثية، عبر مشروع يسهم في المحافظة على الوجه القديم للمدينة ويعيد الحياة من جديد لقلب عودة سدير التاريخي، تحت شعار (الحملة الأهلية للحفاظ على الموروث التاريخي لبلدة عودة سدير). كما يهدف الأهالي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية في القرية بما يعود بالنفع والفائدة على المجتمع المحلي من خلال الجذب السياحي.

بدأ العمل في ترميم القرية التراثية قبل نحو ثلاثة أشهر، واكتملت حتى الآن ملامح منطقة السوق الشعبي والدكاكين المحاذية. في حين ما زال العمل جاريا في بناء المقصورة القديمة المجاورة للجامع وترميم بيت «السهله» وهو أحد البيوت الموقوفة لأهالي عودة سدير، ليكون متحفا ومركزا للضيافة واستقبال الوفود، وتأهيل البئر الواقعة في الجهة الشرقية من المنطقة المركزية لإحياء فعاليات «التصدير» وهي عملية استخراج المياه وري المزرعة بواسطة الإبل. كما لا يزال العمل جاريا لإزالة المخلفات في الممرات والسكك وبين بيوت القرية التاريخية.

يشار إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار بدأت مشاريع خلال الفترة الماضية تهدف إلى المحافظة على التراث من خلال إعادة ترميم وتأهيل القرى التراثية لتكون نواة للجذب السياحي.

من جانبه، أكد فهد بن عبد الرحمن الربيعة مدير مكتب الآثار والمتاحف في المجمعة - بحسب تقرير بثته وكالة الأنباء السعودية - أن تأهيل القرى التراثية من شأنه إبراز الهوية المحلية والحفاظ على السياق التاريخي والثقافي من خلال تأصيل القيم والموارد العمرانية والثقافية عبر منظومة مفاهيم تعنى بالإبعاد الثقافية والتاريخية والتراثية لتكون ركائز سياحية دائمة يمكن الاعتماد عليها كأحد مصادر الدخل.

وأوضح الربيعة أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تسعى إلى تنمية سياحية قيمة ومميزة ذات منافع اجتماعية وثقافية وبيئية واقتصادية شاملة انطلاقا من قيمها الإسلامية وأصالة تراثها وحسن ضيافتها التقليدية، الأمر الذي يعزز أهمية تأهيل القرى والمواقع الأثرية في المملكة بمشاركة المواطنين، والتعاون الفاعل بين القطاعين العام والخاص.

وأبان الربيعة أن تأهيل القرية التراثية في عودة سدير مبادرة أهلية فاعلة ومؤثرة تدعمها الهيئة العامة للسياحة والآثار وفق رؤيتها الاستراتيجية التي تركز على المبادرات الفردية في تنمية القرى التراثية.

وأوضح المشرف على المشروع محمد التمامي أن المبادرة الأهلية لتأهيل القرية التراثية في عودة سدير تهدف إلى إحياء القرية القديمة لتصبح معلما تراثيا يقصده السياح، وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية في القرية بما يعود بالنفع والفائدة على المجتمع المحلي، إلى جانب ربط الجيل الجديد بتاريخ الأجداد وتعريفهم بطبيعة حياة السابقين وما صاحبها من ظروف معيشية قادتهم للعديد من الابتكارات داخل هذه البيوت، بالإضافة إلى محاكاة الحياة اليومية عبر تأهيل الأسوار والأسواق والمقاصير الأثرية التي يتميز بها الطراز المعماري القديم في نجد.

وقد وجدت المبادرة التأهيلية لتأهيل القرية التراثية في عودة سدير احتفاء من الأهالي، وخصوصا ممن يعيشون خارج القرية حيث حظيت بمبادرات فردية لأشخاص قدموا دعما ماديا لتأهيل بيوتهم وفتحها للزوار لتكون متاحف وبيوتا للضيافة.

وفي هذا الإطار يقول رئيس مركز عودة سدير محمد العتيبي «إن من أوائل المبادرات الفردية ما قدمه الأديب الدكتور محمد بن سعد الحسين من دعم مادي لإعادة ترميم وتأهيل منزله ليكون متحفا ومقرا لاستقبال الضيوف والوفود الزائرة للقرية التاريخية»، مبينا أن المنزل يضم مكتبة للمخطوطات والكتب القديمة والعديد من المقتنيات التراثية التاريخية المستخدمة في الماضي.

وأفاد العتيبي أن مشروع تأهيل القرية التراثية قطع نحو 60 في المائة من إجمالي المشروع الذي يتوقع أن يكتمل في غضون الأشهر القليلة المقبلة، تمهيدا لإقامة احتفالات المدينة وسط القرية التراثية وبين أسواقها الشعبية.

هذا وتعد عودة سدير إحدى قرى إقليم سدير التابعة لمحافظة المجمعة وتشغل مساحة من غرب العتك الكبير وحتى سفوح جبال طويق الشرقية، وتتمركز البلدة القديمة منها في وادي سدير المعروف قديما بوادي الفقي.

وعرفت عودة سدير قديما باسم جمّاز، وفي ذلك ذكر الحسن بن أحمد الهمذاني في كتابه «بلاد العرب»: «ثم تقفز من العتك في بطن ذي أراط تستند في عارض الفقي فأول قراه جمّاز وهي ربابية ملكانية عدوية من رهط ذي الرمّة ثم تمضي في بطن الفقي وهو واد كثير النخل والآبار».

وتضم عودة سدير أحياء ومدنا تاريخية مثل مدينة غيلان، وجمّاز، والقرناء والأخيرة من أقدم الأحياء في المنطقة وتشتمل على آثار مطمورة تحت الأرض. وجمّاز الآن أطلال وأبنية متهدمة وأحجار متناثرة، وعلى مسافة ألف متر من جمّاز من الناحية الغربية تقع مدينة غيلان، وهي المدينة التي لا تزال شامخة وهي تشتمل على قصر كبير يبلغ طوله مائة متر تقريبا وعرضه سبعين مترا يتبعه ملحقات خارج القصر، إضافة إلى حي «مسافر» وهو من الأحياء المندثرة. قال المؤرخ عبد العزيز بن محمد الفيصل في كتابه «عودة سدير» عن هذا الحي «وفيما يبدو فالحي لم يهجر إلا منذ 300 سنة أو ما يقرب من ذلك».