العثور على أحافير لأشباه سعادين في منطقة مكة المكرمة

«سعدان الحجاز» انقرض منذ 29 مليون سنة

احافير تم اكتشافها في منطقة الخيف بمحافظة الجموم التابعة لمكة المكرمة
TT

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية أمس عن تحقيقها كشفا أثريا هاما يعود إلى سنوات سحيقة في تاريخ شبه الجزيرة العربية، يبين أن المنطقة كانت بيئة لعيش الفيلة وأفراس النهر البدائية والوبريات العملاقة، ويكرس لاكتشافات جديدة تجري في عدد من مناطق المملكة.

وكشفت لـ«الشرق الأوسط» هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عن عثورها على بقايا جمجمة تحتفظ بعظام الوجه، والأنف، والفك العلوي، وأجزاء من منطقة الأذن، تعود إلى أشباه سعادين بدائية، وذلك في منطقة الخيف بمحافظة الجموم التابعة لمكة المكرمة، في عمل تم بالتعاون مع خبراء من جامعة ميتشيغن الأميركية.

ولفتت الهيئة إلى أن تلك الأحفورة المكتشفة التي يعود تاريخ انقراضها إلى قبل 29 مليون سنة تعتبر كاملة وواضحة المعالم، من حيث الصفات التشريحية المقارنة.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور زهير نواب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية أن الاكتشاف يعد جزءا من برنامج الاستكشاف الذي يقوم به نحو 9 أشخاص من قسم الأحافير التابع لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية في عدد من مناطق المملكة، مشيرا إلى وجود مناطق أخرى جار البحث فيها لاكتشاف أحافير جديدة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ قسم الأحافير التابع للهيئة أعماله منذ نحو 10 سنوات، غير أن تلك الاكتشافات تعد بطيئة باعتبارها جديدة في السعودية، الأمر الذي سيحتم التركيز بشكل أكبر وذلك عن طريق الاستعانة بعلماء من الخارج، لا سيما أن علم الأحافير في تلك الدول يعد متقدما جدا»، مبينا أن اكتشاف أحافير أشباه السعادين يعتبر الأول الذي تعلن عنه الهيئة بشكل رسمي.

وأشار إلى أن مثل تلك الاكتشافات يدل على نوع الحياة التي كانت سائدة في المنطقة خلال فترة ما قبل انفتاح البحر الأحمر، مما يؤكد أن شبه الجزيرة العربية كانت ملتصقة بأفريقيا في ذلك الوقت، الأمر الذي أتاح لهذه الحيوانات التنقل دون وجود بحر يمنعها.

وأضاف: «هذه الفصيلة من أشباه السعادين لم يسبق اكتشافها حتى الآن في أفريقيا، الأمر الذي يدل على أن المنطقة كانت مليئة بالحيوانات سواء فقارية أو غير فقارية»، موضحا أن أشباه السعادين التي تم العثور على أحافيرها تصنف من ضمن الفقاريات.

وينتمي هذا الاكتشاف الجديد الذي أطلق عليه اسم «سعدان الحجاز»، نسبة إلى إقليم الحجاز غرب السعودية، إلى طائفة الثدييات، المتفرعة منها رتبة الرئيسيات، وتضم الأنواع الحالية والمنقرضة للقردة والسعادين، فضلا عن كونها تندرج تحت مستوى تصنيفي أكثر تشعبا يعرف بالكاترينيات ذوات فتحات الأنف المستقيم والمفتوحة للأسفل، إلى جانب أنها تحوي أقدم الكاترينيات البدائية من أفريقيا، ومجموعة قردة منقرضة من أوراسيا.

الدكتور زلموت رئيس البحث واختصاصي الأحافير الفقارية في جامعة ميتشيجن، أفاد بأن سعدان الحجاز المكتشف تم استخراجه من طبقات الحجر الرملي الأحمر الداكن اللون، والمتداخل مع الحجر الحديدي البطروخي، في الجزء الأوسط لمتكون الشميسي.

وقدر عمره ما بين 28 و29 مليون سنة، وذلك اعتمادا على الدراسات السابقة للنظائر المشعة المستخلصة من الصخور البركانية لحرة العجيفاء، التي تغطي الطبقات الرسوبية الحاوية على الأحافير، موضحا أن أحافير الثدييات المكتشفة مع سعدان الحجاز، التي كانت معاصرة له، مثل الفيلة وأفراس النهر البدائية والوبريات العملاقة، ساعدت في تحديد العمر وذلك بعد مقارنتها بمثيلاتها في العالم.

وأضاف: «كانت هذه الحيوانات تعيش في بيئة غابات وبحيرات تغذيها أنهار وروافد تكونت تحت ظروف مناخية شبه استوائية وذات نسبة عالية من هطول الأمطار»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تركيب أذن أشباه السعادين وخصائصها التشريحية تشبه إلى حد كبير تركيب وخصائص أذن القردة والسعادين الحالية. وذكر أن سعدان الحجاز ذو حجم متوسط، يتراوح وزنه ما بين 15 إلى 20 كيلوغراما، وتبرز مقدمة الوجه قليلا للأمام، إضافة إلى أنه ذو أسنان طاحنة واسعة نسبيا، وأنياب متطورة إلى حد ما، في حين يتميز الجزء العلوي من جمجمته بوجود ثلمات سميكة، تُكون منخفضا بشكل مثلث على عظمة الجبهة. ودلت الأشعة المقطعية للجمجمة، على أن تركيب عظام الجبهة يخلو من أي جيوب داخلية، كما بينت الخصائص التشريحية لسعدان الحجاز، أنه نوع بدائي بالنسبة للسعادين المعاصرة، وقرود العالم القديم، غير أنه في نفس الوقت يعتبر أكثر تقدما من الكاترينيات البدائية المكتشفة في منطقة الفيوم (جبل القطراني) بمصر، الأمر الذي يجعله نوعا انتقاليا ما بين الكاترينيات البدائية من جهة، والسعادين المعاصرة وقرود العالم القديم من جهة أخرى.

فيما اعتبر الجيولوجي يحيى آل مفرح رئيس الفريق السعودي للأحافير في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية هذا الاكتشاف نقطة تحول كبيرة في علم الأحافير ومستقبلها في المملكة، لا سيما أنه يفتح نافذة جديدة نحو دراسات وأبحاث علمية مهمة قد تغير من فهم التطور التاريخي القديم لمنطقة البحر الأحمر.

بينما أوضح عبد الله العطاس مساعد رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية للشؤون الفنية، أن هذا الاكتشاف يضيف صفحة جديدة إلى سجل الأحافير في السعودية وتاريخها التراثي والطبيعي، مؤكدا أنه سيكون سببا في جلب اهتمام الكثير من علماء الجيولوجيا والأحافير للقيام بالدراسات العلمية المختلفة اللاحقة.

وشدد في الوقت نفسه على ضرورة تدريب الكوادر الوطنية، بهدف متابعة البحث والاستكشاف الجيولوجي، خصوصا أن هيئة المساحة الجيولوجية تعتبر الجهة الحكومية الوحيدة المتخصصة في هذا المجال بالمملكة.

وبالعودة إلى رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية الذي أعلن عن اكتشافات لأشباه ديناصورات من خلال العثور على فقرات في منطقة شمال المملكة، غير أنه استدرك قائلا: «يجري العمل حاليا على جمعها وسيتم الإعلان عنها فور توثيقها والتأكد منها». وأبان أن عمليات البحث التي تشمل مختلف مناطق السعودية تحتاج إلى وقت طويل لدراسة الاكتشافات بها، إلا أنه سيتم التركيز بشكل أكبر على المناطق التي يتم العثور بها على آثار وتسريع العمل بها، مؤكدا على أنه لن يتم إهمال العمل في المناطق الأخرى. وفيما يتعلق بتدريب الكوادر الوطنية لاستكمال عمليات البحث في السعودية، أفاد الدكتور زهير نواب بوجود نحو ثلاثة أشخاص تابعين لهيئة المساحة الجيولوجية في متحف الفقاريات بجامعة ميتشيغن الأميركية. وزاد: «سيخضع هؤلاء الأشخاص إلى التدريب هناك قرابة ستة أشهر، فضلا عن عملهم على اكتشاف مهارات وخبرات في عمليات صب الفقرات الصناعية وتنظيفها وإبرازها وحفظها»، موضحا أنهم يعملون في قسم الأحافير التابع للهيئة ويحملون شهادات جامعية.