جامعات سعودية تزرع الثقة في طلابها عبر برامج «الشراكة الطلابية»

تستمد فكرتها من اتحادات الطلاب وأنديتهم في الخارج

شراكة جامعية لزرع الثقة في الطلاب عبر برامج أكاديمية (»الشرق الأوسط»)
TT

اتجهت الجامعات السعودية للعمل على توفير بيئة تعليمية تساعد طلابها وطالباتها على الإبداع والتواصل مع زملائهم وأساتذتهم عن طريق تفعيل برنامج الشراكة الطلابية، بهدف زرع الثقة فيهم وتعويدهم على تحمل المسؤولية والمبادرة.

وتسعى الجامعات من خلال ذلك البرنامج إلى خلق بيئة إيجابية تتيح للطلاب والطالبات الفرصة لتحقيق ذواتهم واكتشاف قدراتهم من خلال الابتكار والتطوير والمساهمة في المشاريع والفعاليات التي تنظمها الجامعات أو تشارك فيها.

جامعة الملك سعود في الرياض شهدت تدشين برنامج الشراكة الطلابية منذ نحو عام برئاسة الدكتور عبد الله العثمان مدير الجامعة، الذي يهدف إلى تنمية الشعور بالولاء والانتماء إلى الجامعة والوطن والإحساس بالمسؤولية، وتشجيع وتحفيز إطلاق المبادرات الطلابية واحتضانها، وإكساب الطالب خبرات ومهارات النجاح لتأهيله وتحقيق احتياجات العمل.

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة أمل الهزّاني مساعدة وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي للشراكة الطلابية في الكليات العلمية والصحية، أنه تم تخصيص نحو أربعة ملايين ريال كميزانية لبرنامج الشراكة الطلابية في الجامعة، لافتة إلى أن تلك الميزانية ليست سنوية وإنما تعد تجديدية يتم طلبها كلما نفدت.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة خطة سنوية جاهزة لبرنامج الشراكة الطلابية، وقد تخضع للإضافة والتعديل في بعض بنودها، غير أنها في مجملها تعتبر أساسية وثابتة»، مشيرة إلى أن أبرز ما فيها هو اللقاء العلمي الثاني الذي سيعقد خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

وذكرت أن ذلك اللقاء يتضمن تقديم الطلاب والطالبات لبحوثهم ومشاريع تخرجهم في المؤتمر التحضيري الذي عادة ما يعقد على شكل مسابقة في الجامعة، تمهيدا للمشاركة في مؤتمر وزارة التعليم العالي على مستوى السعودية، مبينة في الوقت نفسه إمكانية مشاركة كل أقسام وتخصصات الجامعة بدرجاتها الأكاديمية المختلفة من بكالوريوس وماجستير ودكتوراه.

وأضافت: «عادة ما تكون لقاءات الجامعة التحضيرية قبل مؤتمر الوزارة بنحو شهرين، وذلك عن طريق فتح باب قبول ملخصات الأبحاث وإخضاعها للجنة مختصة بهدف تقييمها ومن ثم يتم ترشيح الطلاب والطالبات للمشاركة في مؤتمر وزارة التعليم العالي»، مؤكدة إتاحة الفرصة للمشاركة أيضا على المستوى الدولي في ظل تحقيق البعض لجوائز أثناء مشاركتهم بالشارقة وأبوظبي ومصر.

وأفادت مساعدة وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي للشراكة الطلابية في الكليات العلمية والصحية بأن عدد الطلاب والطالبات في برنامج الشراكة الطلابية قارب الوصول إلى 1000، منهم 180 طالبة و500 طالب، وذلك منذ بدايته العام الماضي وحتى الآن، لا سيما أن الفرصة متاحة للجميع من أجل الانضمام إليه دون شروط أو قيود.

ويأخذ برنامج الشراكة الطلابية الفكرة نفسها التي يقوم عليها الاتحاد الطلابي والأندية الطلابية في الجامعات العالمية، وهو ما أتاح المجال أمام جامعة الملك سعود للاستفادة من الخبرات الدولية والإقليمية بتلك الجامعات.

ومن هذا المنطلق عمدت الجامعة إلى تطبيق آلية لتحقيق أهداف البرنامج، والمتضمنة تأسيس مجالس تنظيمية تتمثل في المجلس التنفيذي والاستشاري، عدا عن الفريق التنفيذي والعلاقات العامة والإعلام والدعم اللوجيستي والفني والتقني والعلمي والقانوني والمالي، إلى جانب فريق المتابعة والتنسيق والجودة والتطوير، إضافة إلى علاقات الفريق.

يأتي ذلك في وقت شدد فيه الدكتور عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود في الرياض على ضرورة أن يكون برنامج الشراكة الطلابية ديناميكيا، لافتا إلى أن الدعم الذي سيتم تخصيصه من قبل الجامعة يصل إلى 90 في المائة لتشغيل أفكار 10 في المائة من منسوبيها.

وبالعودة إلى الدكتورة أمل الهزّاني، أشارت إلى أن بداية البرنامج بالجامعة حتّم على القائمين عليه البدء بأفكار جديدة نسبيا، من ضمنها المجالس الطلابية الاستشارية المعتمدة على قاعدة بيانات ونظام إلكتروني، إلى جانب التقنيات الحديثة لتطبيق مفهوم الاتحادات الطلابية.

واستطردت في القول: «إحدى رئيسات الأندية الطلابية في جامعة الملك سعود بصدد زيارة جامعة كارديف في بريطانيا خلال إجازة الصيف الحالية، لكونها تعد أحد أعرق الجامعات في الأنشطة الطلابية، وذلك بهدف نقل التجربة السعودية والاستفادة من تجارب الجامعة من منطلق تبادل الخبرات».

وأكدت أن برنامج الشراكة الطلابية في جامعة الملك سعود يختلف عن الأنشطة الأخرى الموجودة منذ السابق، لا سيما أن ما يميزه هو بعده عن الإدارة التقليدية باعتباره يخضع لإدارة طلابية بالكامل، في حين يقتصر دور الجامعة على الإشراف فقط.

ونتج عن برنامج الشراكة الطلابية في جامعة الملك سعود بالرياض توقيع ستة عقود مبرمة لمبادرات البرنامج في الجامعة، وذلك خلال حفل افتتاح المؤتمر الدولي الأول لريادة الأعمال في الجامعة برعاية الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، الذي افتتحه نيابة عنه الأمير سطام بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.

وتتضمن تلك العقود تدريب الطلاب والتطوير من كفاءتهم وإتاحة فرص العمل المختلفة لهم، تتضمن تدريب 1000 طالب للرخصة الدولية لريادة الأعمال، وتمويل 100 مشروع طلابي ضمن برامج ريادة الأعمال والمقدمة بالشراكة مع البنك السعودي للتسليف والادخار وصندوق تنمية الموارد البشرية.

كما جاء أحد العقود ليهدف إلى توفير فرص تشغيل لعدد كبير من طلاب وطالبات الجامعة في وحداتها المختلفة بإشراف عمادة شؤون الطلاب، وذلك عبر إتاحة الفرصة أمام الطالب الجامعي لممارسة العمل الوظيفي والمهني والمساعدة في الرفع من كفاءته وإكسابه المهارات وتهيئته لسوق العمل. في حين تم توقيع مبادرات تدريبية تختص بمشروع القيادات الشابة، وذلك لنحو 200 طالب وطالبة، إلى جانب مشروع إعداد المدربين لما يقارب 100 طالب وطالبة، عدا عن مشروع تدريب نحو 6 آلاف طالب وطالبة على المهارات. وتهدف جملة العقود المبرمة إلى إعداد مدربين من الطلاب والطالبات والخريجين واستقطابهم والاستفادة من خبراتهم التدريبية، إضافة إلى توفير خبراء تدريب على مستوى السعودية والمنافسة بهم خارجيا، إضافة إلى معرفة الكفاءات القيادية لدى الطالب وسبل تنمية المهارات الإدارية والتمييز بين مفهومي النظام الجامعي والقيادة.

وشملت العقود المبرمة في جامعة الملك سعود بالرياض أيضا توقيع عقد مع معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستثمارية لتنمية مهارات الطلاب البحثية، وعقد مبادرة «واعد» التي تهدف إلى تدريب 500 طالب في المشاريع الاستراتيجية، إلى جانب عقد اللقاء التحضيري للمؤتمر العلمي الأول لطلاب وطالبات التعليم العالي ومشروع التثقيف الصحي ومبادرتي «الجامعة في عيوننا» و«أرشدني».

وتعمل جامعة الملك سعود على مجموعة من المشروعات المتوقع تنفيذها خلال العام الدراسي الحالي، من بينها مبادرة «ابتكار» والدورات الطلابية، إلى جانب جملة من الحملات الحقوقية التي ترمي إلى نشر الثقافة القانونية وتبصير طلاب وطالبات الجامعة بحقوقهم العامة والخاصة والاتصال والتنسيق مع الجهات القانونية المختصة، إضافة إلى إتاحة الفرص أمامهم في قيادة الحملات وإدارة الفرق.

الدكتور عبد الفتاح المشّاط عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة يرى أن وجود مثل تلك البرامج في الجامعات أمر بديهي، خصوصا أنها من المفترض أن تصب كامل اهتمامها للطالب، مما ينعكس بطبيعة الحال على آلية عمل الجامعة.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «توجد مجالس طلابية في عمادة شؤون الطلاب وفي كل كلية من كليات الجامعة، بينما يقتصر دور إدارة الجامعة على تقديم الاستشارات وتلبية رغبات ومتطلبات الطلاب والطالبات»، مشيرا إلى أن المشاركات الطلابية قد تصل حتى إلى الأمور التعليمية والأكاديمية.

ولفت إلى أن تلك المشاركة عادة ما تكون عن طريق مندوبي المجالس الطلابية الذين يشاركون في اللجان الخاصة للكلية ببعض الأمور، موضحا أن جامعة الملك عبد العزيز تطبق نظام ابتعاث الطلاب والطالبات إلى الخارج لمدة فصل دراسي أو فصلين من خلال التعاون الموجود بينها وبين الجامعات الدولية، من ضمنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وفي ما يتعلق بالميزانية المخصصة لبرنامج الشراكة الطلابية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أبان عميد القبول والتسجيل عدم إلمامه بها، غير أنه استدرك قائلا: «من المؤكد أن تكون مبرمجة تلقائيا في برنامج ميزانية الجامعة».

ومما لا شك فيه أن المجالس الطلابية في الجامعات باتت تمثل أمرا أساسيا، لا سيما أن الطلاب والطالبات أصبحوا يمثلون المستفيد الأول والأخير من مجمل العملية التعليمية داخل الجامعة، الأمر الذي يجعل من مشاركتهم في الخطط والاستراتيجيات والأنشطة عنصرا ضروريا، وهو ما أكده الدكتور عبد الفتاح المشاط بقوله: «كان الطالب العنصر الأساسي المشارك أثناء وضع الخطة الاستراتيجية للجامعة، إلى جانب تركيز ورش العمل الخاصة بالسنة التحضيرية على الطلاب والطالبات كمحاور أساسية»، مستبعدا وجود أي جامعة لا تشرك طلابها وطالباتها في برامجها وآليات عملها.

وزاد: «بالحديث عن الخطة الدراسية لأي قسم من أقسام الجامعة، فإنه يتم عقد ورش عمل عند استحداثها للالتقاء من خلالها برجال الدولة والأكاديميين ورجال الأعمال، التي عادة ما يكون الطلاب مشاركين بها في وضع الخطة الأكاديمية».

من جهته أوضح الدكتور عمر السويلم عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، أن برنامج الشراكة الطلابية بالجامعة يشمل محاور عدة، من ضمنها تنمية المهارات والزيارات الدولية للطلاب بهدف التعرف على الجامعات والصناعات العالمية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يتمثل برنامج التبادل الدولي في إرسال طلاب الجامعة إلى الخارج لدراسة بعض الفصول الدراسية، عدا عن وجود برنامج الابتكارات وحاضنات الأعمال الموجود في وادي الظهران».

الدكتور خطاب الوهابي المشرف على العلاقات العامة والتعاون الدولي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن شروط الالتحاق ببرنامج التبادل الدولي تتمثل في اجتياز اختبار التوفل للغة الإنجليزية، إضافة إلى تحقيق معدل عالٍ والانتهاء من الساعات الجامعية المحددة، عدا عن أن يكون الطالب سعوديا.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تعامل الجامعة مع جامعات عالمية مثل تكساس ولاهي وكولورادو وغيرها حتمت وضع تلك الشروط للالتحاق بالبرنامج»، لافتا إلى أن عدد الطلاب الملتحقين في برنامج التبادل الدولي للعام الحالي بلغ نحو 42 طالبا في تخصصات علمية وإدارية وهندسية.

وبالحديث عن الدول التي يتم ابتعاث الطلاب إليها، ذكر الدكتور خطاب الوهابي أنها شملت اليابان وفرنسا والصين وبريطانيا وأستراليا وكندا وماليزيا والنمسا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن اختيار الدول يتم على أساس تنسيق مسبق بينهم وبين الجهة الأخرى عبر شرح ما يحتاجونه، مؤكدا أن هذه الزيارات ليست ترفيهية.

وبالعودة إلى عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، أفاد بوجود ميزانية مدرجة ضمن احتياجات الجامعة المالية، لا سيما أن برنامج الشراكة الطلابية لا يعد نشاطا مؤقتا، الأمر الذي يحتم الإنفاق عليه من الموارد الذاتية للجامعة، مؤكدا في الوقت نفسه على أن الجامعة لا تتأخر مطلقا في دعم الطلاب لضمان عدم توقف مثل تلك البرامج باعتبار أن المادة ليست عائقا للتنفيذ.

وزاد: «يتوفر في كل قسم أكاديمي مجلس استشاري مكون من الطلاب الذين يعقدون اجتماعات دورية مع عميد القسم أو المسؤول عنه بهدف الاستماع إلى آرائهم وفق أنظمة ولوائح الجامعة، مما يتيح للطالب فرصة الإسهام في اتخاذ القرار ووضع مقترحات تناسب تطوير الخدمات المطلوبة لهم في كل المجالات».

وذكر عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران أنه خلال السنوات الأخيرة تمت مأسسة العملية التعليمية والبحثية عن طريق لائحة ونظام للمشاركة الطلابية في إطار متكامل يضمن استدامة التواصل الطلابي مع إدارة الجامعة، إلى جانب خلق قيمة مضافة للطالب.

وحول أبرز الإنجازات التي حققها برنامج الشراكة الطلابية في الجامعة، بيّن أن الطلاب استطاعوا استكمال المواصفات والمهارات المطلوبة من الخريجين، مما يجعل الطالب يحمل شهادة أخرى في تلك المهارات الشخصية إلى جانب الدرجة العلمية.

واستطرد قائلا: «حصل طلاب الجامعة على الكثير من الجوائز في مشاركاتهم بالمسابقات الدولية، كان آخرها كأس التخيل في (مايكروسوفت) الذي يعد جائزة عالمية، إضافة إلى تحقيقهم المركز الثالث على مستوى العالم في مسابقة عالمية حول ابتكارات النفط».

ويرى الدكتور عمر السويلم أن برامج الشراكة الطلابية في الجامعات السعودية من شأنها أن تعمل على تخريج طلاب قادرين على ريادة الأعمال عن طريق برامج حاضنات الأعمال، مشيرا إلى وجود قطاع متكامل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يتناول العمل التطوعي في الجمعيات والمؤسسات الخيرية.

واعتبر أن مشاركة الطلاب في ذلك القطاع يعتبر نوعا من خدمة المجتمع بشكل تطوعي، والتي من ضمنها مشاركة أكثر من 3 آلاف طالب في اليوم السنوي للتطوع من خلال زياراتهم للشواطئ والجمعيات الخيرية ودور الأيتام وغيرها لتقديم لمسة تطوعية طلابية بدافع من الطالب نفسه.

وبما أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران تبنى جميع أنشطتها على خطط استراتيجية واضحة بحسب ما ذكره عميد القبول والتسجيل بها، كان لزاما عليها وضع آلية محددة لتطوير تلك الخطط، والمتمثلة في تأطير ومأسسة برنامج الشراكة الطلابية عن طريق إدارات عدة، من بينها إدارة للنشاط الطلابي، عدا عن وجود أكثر من 50 ناديا اجتماعيا ورياضيا.

وهنا علّق الدكتور عمر السويلم قائلا: «وضعت الجامعة خططها الاستراتيجية منذ نحو ست سنوات، إلا أنها تعمل حاليا على وضع الخطة الاستراتيجية في دورتها الثانية حول ما يتعلق بالشراكة الطلابية وفق منهجية علمية ورؤية واضحة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المستحدثات الجارية».