الحدود السعودية المتاخمة لقرى الحوثيين تعيش حالة من «الهدوء الحذر»

حرس الحدود في جازان لـ «الشرق الأوسط»: عززنا إحكامنا على قمم الجبال.. وألقينا القبض على أشخاص اعترفوا بعلاقتهم بالمتسللين

دوريات حرس الحدود بعد تسلمها كافة المواقع الجبلية التي كانت في عهدة الجيش بعد الأحداث
TT

لم تكد سحابة الغبار التي تشكلت جراء المواجهات المسلحة بين الجيش السعودي والمتمردين الحوثيين، الذين انتهكوا سيادة أراضي جارتهم السعودية أواخر العام الماضي، تنقشع، حتى عاد العمل في الجانب السعودي على إحكام السيطرة الأمنية على طول الشريط الحدودي، وخصوصا في المناطق المتاخمة للمحاور والقرى التي يتمركز فيها أنصار الحركة المتمردة، وهو أمر ليس بالخفي، فهو يأتي امتدادا للإجراءات التي تم اتخاذها في مرحلة ما قبل تلك الأحداث لتأمين الحدود. وعلى الرغم من أن الهدوء بات سيد الموقف، في المناطق السعودية المتاخمة للقرى اليمنية التي يستوطنها الحوثيون، فإن محاولة تسلل المنتمين لهذه الجماعة إلى الأراضي السعودية لم تتوقف.

ولا يمكن الجزم، بأي حال من الأحوال، بمعرفة النيات التي تضمرها الجماعات التي كانت تقف خلف أحداث الجنوب للسعودية، التي لقنتهم بعد انتهاكهم أراضيها «درسا» لا يمكن وصفه إلا بـ«القاسي»، بشهادات المراقبين والدول التي ساندت السعودية سياسيا في تلك الحرب، خصوصا أنها الحرب الجبلية الأولى التي يخوضها الجيش السعودي في تاريخه.

وكشف قائد في حرس الحدود بالمنطقة الجنوبية لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقال مجموعة ممن يشتبه في انتمائهم إلى المتسللين المسلحين، في مرحلة ما بعد الأحداث التي شهدها الشريط الحدودي.

ولم يستطع المقدم ركن سالم الشهري، رئيس قسم الخطط في إدارة عمليات قطاع حرس الحدود في جازان، الجزم بالنيات التي كانت تقف خلف تسلل أولئك لأراضي بلاده. وحينما سألته «الشرق الأوسط» عن احتمالية أن تكون محاولات التسلل لاستكشاف المناطق السعودية بعد الحرب، قال: «ربما ذلك».

ولعل الغريب في الأمر هو أن بعض من يلقى القبض عليه من ناحية القرى التي يستوطنها الحوثيون يعترف بانتمائه علانية لتلك الجماعة، بينما البعض الآخر يحاول المراوغة.

وخلال فترة أحداث الشريط الحدودي، التي استمرت لفترة ناهزت الـ3 أشهر، أشيع أن الحوثيين قاموا بحفر خنادق داخل الأراضي السعودية، وذلك من أجل استخدامها في أي حرب محتملة النشوب مع السعوديين.

غير أن هذا الأمر نفاه رئيس قسم الخطط بإدارة عمليات حرس الحدود في منطقة جازان، مبرهنا على صحة كلامه بمجموعة صور زود بها «الشرق الأوسط»، وتنشرها في سياق هذه الحلقة.

يشار إلى أن المعارك التي خاضتها السعودية ضد المتسللين الحوثيين توقفت بتحقق الشروط الـ3 التي اشترطتها الرياض لإيقاف عملياتها العسكرية التي تركزت على: انسحاب الحوثيين عشرات الكيلومترات داخل أراضي اليمن، وعودة الأسرى، وانتشار الجيش اليمني على الحدود.

وبعد أن أطمأنت الرياض لعودة الأمور إلى مجاريها على حدودها، أمرت بتراجع الجيش السعودي إلى المواقع الخلفية، وتقدمت قوات حرس الحدود لتسلم المواقع الأمامية التي كانت مسرحا للأحداث وأحكمت السيطرة عليها.

ويؤكد المسؤولون في قيادة حرس الحدود أن الشريط الحدودي بين السعودية واليمن، تمت تغطيته أمنيا بالكامل، عبر دوريات متحركة، ونقاط مراقبة، وكاميرات حرارية، ودوريات خلفية. ويشير هنا رئيس قسم الخطط في إدارة عمليات حرس الحدود بجازان، إلى أن كل المواقع التي شهدت الأحداث الأخيرة تم تسلمها من الجيش، مثل جبل الدود وجبل دخان والرميح، بالإضافة إلى تعزيز وإحكام المراقبة عبر اختيار مواقع حاكمة ومسيطرة في أعالي قمم الجبال.

ولا تزال بعض المناطق الحدودية، التي شهدت المعارك بين القوات المسلحة والمسلحين الحوثيين، «غير آمنة»، وذلك بسبب لجوء عناصر الحركة المتسللين إلى نشر الألغام الأرضية فيها، كما هو الحال في قرية الجابري التي لا تزال الأعمال قائمة فيها على قدم وساق، لنزع كل الألغام الأرضية التي نشرها الحوثيون فيها.

يشار هنا إلى أن السعودية حرصت على إخلاء قرى الشريط الحدودي كافة، وذلك في إطار حفظها أمن وسلامة سكانها، خلال فترة المواجهات، والحرص على عدم تعرضهم لأذى، جراء الألغام الأرضية، التي نشرها الحوثيون في القرى السعودية، التي تسللوا إليها خلال فترة الأحداث الأخيرة.

وسبق لقوات حرس الحدود السعودية أن عطلت قبل عامين مهمة تهريب 19 فيوز لغم لأراضيها، ضمن مجموعة كبيرة من الذخائر والأسلحة.

ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولتها على الحدود السعودية - اليمنية، عودة الحياة إلى طريق الخوبة، وهي المنطقة الملاصقة للجبال التي كانت مسرح الأحداث خلال حرب الجيش السعودي على المتسللين، كما تطلق عليهم، حيث تم فتحه جزئيا أمام المارة، بعد أن كان من المناطق المحظورة، وذلك لتمركز الجيش على جنباته في فترة الأحداث.

وبدا الهدوء سيد الموقف، حينما رافقت «الشرق الأوسط» دوريات حرس الحدود إلى أعالي قمة جبل الدود، الذي كان في عهدة الجيش منذ تطهيره من العناصر المتسللة وحتى عودة الأمور إلى مجاريها. وتتميز المنطقة، التي شهدت أحداث حرب الجيش السعودي على المتسللين بالوعورة، حيث إن جميع تضاريسها عبارة عن جبال وأودية وشعاب، بالإضافة إلى وجود الأشجار الكثيفة.

ووقفت «الشرق الأوسط» على المناطق الجبلية السعودية، المطلة على قرى الحوثيين، وكان ملاحظا كثافة الملصقات التي تم لصقها على الصخور، وتزخر بعبارات مثل «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل»، وهي الشعارات السياسية، التي يرفعها الحوثيون، دائما وأبدا.

هذه المنطقة الحدودية، شهدت الكثير من الإجراءات والتدابير الأمنية الصارمة، في أعقاب الأحداث التي شهدها الشريط الحدودي، حيث قامت قوات حرس الحدود بفتح خطوط لسير دورياتها بالقرب من العلامات الحدودية، بالإضافة إلى تركيز وجود النقاط الأمنية، وفتح خط أمامي جديد بالقرب من القرى الحدودية، وتقديم الدوريات وجعلها في محاذاة العلامات الحدودية على المسار الجديد.

وكان ملاحظا كثرة تسلل العناصر غير اليمنية من قطاع العارضة الحدودي، وهم الذين كان يلقى القبض عليهم بكثرة خلال فترة الأحداث الأخيرة.

وبعد أن اتخذت قوات حرس الحدود خطوة فتح خط سير أمامي إلى جانب العلامات الحدودية، أصبحت القرى الحدودية مكشوفة تماما أمام قوات حرس الحدود، مما جعل هذه الأخيرة تحكم السيطرة على عمليات التسلل الآتية من تلك القرى، فضلا عن نشر مجموعة من الكاميرات الحرارية التي ساعدت الجيش في وقت الأحداث على تحديد أهداف المقاتلين والتعامل معهم في حينه.

ولكون المنطقة الحدودية التي تقع عليها القرى الحدودية متعرجة، ما قد يصعب مهمة المركبات فيها، فقد تم اللجوء إلى نصب كمائن تتكون من مجموعات كبيرة من أفراد قوات حرس الحدود، وذلك للتعامل مع أي محاولات تسلل تأتي من تلك القرى.

في أحد المراكز الحدودية السعودية المنتشرة على الحدود المتاخمة لبعض القرى الحدودية، كان يجلس أحد أفراد قوات حرس الحدود السعودية، وهو يمارس عمله اليومي لمتابعة ورصد تحركات المتسللين والإبلاغ عن أي ملاحظات. كانت أمامه لوحة خشبية يعلق عليها التعليمات كافة التي تصدر عن أشخاص خطرين، يحتمل تسللهم إلى الأراضي السعودية، ومن بين تلك الأوراق، كانت هناك صورة لأحد أهم المطلوبين على قائمة الـ85 المطلوبين للرياض، حيث يعتقد باحتمالية تسلله عبر القرى اليمنية المتاخمة للأراضي السعودية، التي يستوطن الحوثيون في عدد منها.. وبذلك، تعود مجددا العلاقة المفترضة بين الجماعة اليمنية المتمردة وتنظيم القاعدة، اللذين يشكلان مجتمعين «هاجسا» تسعى حكومة الرياض إلى تأمين حدودها ضدهما.

جولة «الشرق الأوسط» على الحدود السعودية - اليمنية امتدت إلى جبل المشرق، الذي يرتفع 3 آلاف قدم عن سطح البحر، وغيره من الجبال المجاورة.. طبيعة تلك الجبال تطلبت أن يتم شق الطرق بداخلها، لمساعدة دوريات حرس الحدود على الحركة.

يقول رئيس قسم الخطط في عمليات حرس الحدود بجازان إنه «تم شق ورصف 243 كيلومترا ورصف 79 كيلومترا منها على كامل منطقة جازان، كمسار للدوريات».

وتعرض اثنان من العاملين في مشروع فتح الطرق بالمناطق الجبلية للقتل على يد مهربين، كما تعرضت كثير من الآليات، التي تعمل على شق الطرق للسقوط من أعالي قمم الجبال.

ومن المخطط أن يتم مشروع شق الطرق في الجبال الواقعة على الحدود السعودية - اليمنية عبر 12 مرحلة على مدار سنتين و6 أشهر. وفي حال الانتهاء منه ستكون قوات حرس الحدود قد أحرزت تقدما مهما في عملية تأمين حدودها، نظرا لأن الطرق ستسهل من حركة الدوريات في المناطق الجبلية، مما يعني مزيدا من السيطرة.

وتتولى مهمة حفظ أمن الحدود السعودية مع اليمن 4 قطاعات برية تتولى مسؤولية حماية 278 كيلومترا هي طول الحدود البرية المشتركة مع الجانب اليمني.

ويؤكد المقدم سالم الشهري أن هناك توجها لإقامة 20 برج مراقبة على كامل المنطقة الحدودية مع اليمن، 10 تم الانتهاء منها فعليا، والـ10 الأخرى في طريقها للإنشاء، وسوف تنشر في قطاعات الطوال والموسم والخوبة.. وسيتم نشر مجموعة من الكاميرات الحرارية على طول أبراج المراقبة، غير تلك الموجودة بالأصل، حيث ستمتد تغطيتها إلى 25 كيلومترا.

وتشهد الحدود السعودية - اليمنية منذ سنوات، نشاطا متزايدا في تهريب السلاح ومادة الحشيش. ويقول المقدم ركن سالم الشهري إنه لم يكن تهريب السلاح والحشيش في السابق موجودا على الحدود السعودية - اليمنية، بمثل ما هو حاصل في هذه الأيام.

ويعزو مسؤول الخطط في قيادة حرس حدود جازان تزايد نشاط تهريب السلاح إلى «إغلاق المناطق الشمالية وإحكام السيطرة عليها بشكل كامل». ومن بين الأسلحة والمتفجرات والذخيرة التي تم ضبطها قبل دخولها الأراضي السعودية، «ذخيرة، وأسلحة، ومواد متفجرة (بارود)، وربطة سلك تفجير ديناميت، وأصابع ديناميت، وقنابل، ومسدس قلم، وقذائف هاون، وفيوزات ألغام».

ويلاحظ من إحصائيات حرس الحدود السعودية، ارتفاع المضبوط من الذخيرة في عام ما قبل الماضي مقابل العام الماضي، بينما تفوق أعداد الأسلحة المضبوطة خلال عام 2009، ما تم ضبطه في 2008.

وبلغ مجموع قذائف الهاون، التي تمت مصادرتها خلال العامين الماضيين، 7 قذائف. وكان ملاحظا دخول ما يسمى بـ«مسدس قلم» على خط التهريب إلى السعودية، حيث تم ضبط 190 منها، وعادة ما يتم استخدام هذا النوع من السلاح في تنفيذ عمليات الاغتيالات الشخصية، التي تعتبر واحدة من أهم السياسات والتي تتبعها عناصر تنظيم القاعدة.

وتشهد الحدود السعودية - اليمنية، حركة ليست بـ«البسيطة» للأموال المنقولة مع المتسللين، الذين يسعون إلى الخروج بطرق غير مشروعة من السعودية تجاه اليمن.

وتجاوز مجموع الأموال التي تحفظت عليها سلطات حرس الحدود السعودية منذ 2008 وحتى اليوم، حاجز الـ5 ملايين ريال سعودي خرجت من السعودية في طريقها إلى اليمن.

وخلال العام الماضي اقترب مجموع الأموال التي تم التحفظ عليها من حاجز المليوني ريال، بينما تم التحفظ في العام الذي قبله على ما يزيد على مليون و800 ألف ريال سعودي.غير أن إحصائية الأشهر الـ7 الماضية فقط، تكشف عن تحفظ سلطات الحدود السعودية عن ما مجموعه مليون و500 ألف ريال لم تثبت مشروعيتها كانت في طريقها إلى اليمن، ما يفتح الباب واسعا للاحتمالات حول أسلوب جمع هذه المبالغ والغرض من تهريبها، وما إذا كان ذلك يأتي في إطار دعم تنظيم القاعدة، العامل على الأراضي اليمنية.