جهات أمنية وحكومية لـ«الشرق الأوسط»: باعة متجولون يتداولون بضائع «منتهية الصلاحية» و«مجهولة المصدر»

حذرت من التعامل معهم خصوصا مع انتشارهم في معظم المدن مع قرب رمضان

تحذيرات من باعة متجولين يبيعون أغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي («الشرق الأوسط»)
TT

حذرت جهات أمنية وخدمية من مخاطر شراء المبيعات التي يتداولها الباعة الجائلون في الشوارع مشيرة إلى أنها لا تخضع لأي اشتراطات صحية وبعضها منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر. متوعدة هؤلاء الباعة الذين بدأوا يتوسعون في أعمالهم وخاصة مع حلول شهر رمضان بالملاحقة والقبض.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أحمد الغامدي مدير المركز الإعلامي بأمانة محافظة جدة «أن الأمانة ممثلة في جميع البلديات والإدارة العامة للأسواق والرقابة التجارية تقوم بجولات ميدانية لمتابعة الباعة الجائلين المخالفين الذين يقومون بعرض بضائعهم المجهولة المصدر في الشوارع العامة وأمام المساجد والمدارس والمحاور الرئيسية مما يتسبب في الازدحام المروري».

وفيما يتعلق بالعمالة أشار مدير المركز الإعلامي إلى «أن هناك تنسيقا فعالا مع الجهات الأمنية حيث يتم القبض على هؤلاء المخالفين لنظام الإقامة الذين يعملون في البيع على تلك البسطات المخالفة، كما أن الجولات تكون صباحية ومسائية». مشيرا إلى أن البضاعة التي يتم الترويج لها في الشوارع لا تخضع للرقابة الصحية وتشكل خطرا على الصحة العامة كما أن حرارة الشمس تفقدها صلاحيتها.

واستطرد: «بخصوص الباعة السعوديين فقد حددت الأمانة لهم مواقع يتم من خلالها البيع وفق شروط منها حصول صاحب البسطة على شهادة صحية والتعهد بنظافة الموقع والالتزام بنظام الموقع الذي تحدده الأمانة من حيث الشكل».

وأضاف الغامدي «أنه يتم حجز البضاعة المخالفة التي يعرضها هؤلاء الباعة أو مصادرتها خاصة أنها ليست خاضعة للرقابة الصحية، وتشكل خطرا على حياة المواطنين». مشيرا إلى أنه يتم إيداعها في مستودع الفرع، بعد فحصها. مفيدا أنه في حال ما إذا كانت المضبوطات مواد غذائية تأكدت سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي فإنه يتم تسليمها إلى الجمعيات الخيرية لتستفيد بها في أنشطتها الإنسانية المتنوعة.

وأكد أن هناك جهودا تبذل من جميع الجهات ذات العلاقة لمحاربة ظاهرة الباعة الجائلين والمخالفين لنظم الإقامة، وحث وسائل الإعلام على تكثيف الجانب التوعوي من المخاطر التي تتسبب فيها هذه الفئة المخالفة في شوارع وطرقات جدة أمام المساجد.

من جهته أكد لـ«الشرق الأوسط» الرائد محمد الحسن الناطق الإعلامي لجوازات جدة أن «الجوازات تقوم بحملات مشتركة أو منفردة وعادة ما تقوم بحملات مشتركة مع أمانة مدينة جدة ضد الباعة الجائلين»، مشيرا إلى أن الباعة المتجولين عادة ما تكون لهم أوقات معينة فهم يكثرون في وقت الظهيرة ولدينا دوريات نسيرها في هذا الوقت.

ويكثر الباعة الجائلون في فصل الصيف بحسب الرائد الحسن الذي وصفها بـ«أوقات الذروة» مثل خروج الموظفين من الدوامات وبعد الصلوات الخمس في شهر رمضان وأيضا هناك خطط للقيام بحملاتنا في هذا الشهر في نفس الأوقات. مبينا: «وكانت قد أسفرت حملاتنا في الشهر المنصرم عن حالات مخالفة قد تجاوزت الخمسمائة حالة».

وبين أنه «في حالة القبض على أشخاص متخلفين يتم التعامل معهم مباشرة بحكم الاختصاص أما السعوديون فهم من اختصاص الأمانة ونحن لا نتدخل فيه إطلاقا». مؤكدا أن حملاتهم ضد الباعة الجائلين مستمرة بلا توقف لأنه يعتبر من صميم عملهم.

من جهتها أكدت لـ«الشرق الأوسط» شرطة جدة على لسان ناطقها الرسمي المكلف الملازم أول نواف بن ناصر البوق أن «القبض على الباعة الجائلين لا يتم بطريقه عشوائية أو اعتباطية فلدينا دوريات ميدانية وجنائية وحملات أمنية دقيقة تقوم بعملها بطريقه سرية بعد تحر ورصد لهم ومعرفة المواقع التي تشهد تكدسا أكثر من غيرها». وأفاد البوق بأنه «ليس هناك مكان محدد للباعة الجائلين يقصدونه أو يسكنون فيه حتى، ولكنهم يوجدون بكثافة في مناطق الجنوب فتجدهم يقطنون في أحواش جماعية وأماكن شبه مهجورة أو قديمة ويستهدفون مناطق ذات خصائص معينة حتى يتمكنوا من تخزين بضاعتهم فيها والتي غالبا ما تكون منتهية الصلاحية أو يكون فيها تحايل (تعبئتهم لمياه الشرب من قبل أنفسهم وإيجاد طريقة معينة يشمعونها من فوق ويزعمون أنها مياه صحية) وهذا أقرب مثال على ذلك». وفي ذات السياق حذرت مي الخليوي اختصاصية التغذية بمستشفي الملك فهد في جدة في حديث لـ«الشرق الأوسط» من تناول أو شراء الفواكه والخضراوات من الباعة الجائلين حيث إن تعرضها للشمس لفترات طويلة متواصلة أو متقطعة يفسدها ويفقدها قيمتها الغذائية مشيرة في الوقت عينه إلى أن التأثير عليها يكون بحسب طبيعة نوع الفاكهة أو الخضراوات. وتابعت حديثها: «فعلى سبيل المثال نجد أن التفاح، والبرتقال، والموز والبطيخ من الممكن أن تتحمل لفترة بسيطة أكثر من غيرها من الفواكه مثل البخاري والخوخ والخربز فالمجموعة الثانية قد تفقد قيمتها الغذائية أسرع من الأولى بالإضافة إلى أن هناك خضراوات تبدأ تفقد عصارتها المفيدة بمجرد تعرضها للهواء وتصبح عديمة النفع مثل البصل». وبينت اختصاصية التغذية «أن تعرض الخضار والفواكه لأشعة الشمس ودخان عوادم السيارات التي من شأنها أن تضر بها وتسبب طفيليات وبكتيريا وتسمما للأشخاص الذين يتناولونها فلا بد من التأكد والحذر من مدى صلاحيتها للاستخدام البشري وذلك من خلال ملمسها»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن حالات التسمم في الخضراوات أكثر من الفاكهة نظرا لطبيعتهم المختلفة. وزادت أنه «في حالة إصرار الناس على الشراء من الباعة الجائلين أو أحد الأماكن غير الآمنه التي تبيع الخضراوات والفواكه فلا بد من اتباع سبل الأمن والسلامة وذلك عن طريق تنقعيها في ماء وخل أبيض التي من شأنها أن تزيل الجراثيم أو الحشرات التي تكون عليها».

ولم تعد مهنة البيع الجائل أو حتى الشراء من ممارسيها حكرا على فئة معينة في ظل الظروف الحالية فهي خيار اقتصادي يلجأ إليه البعض حتى يتسنى له تأمين متطلبات أخرى بغض النظر عن ماهية تلك الأشياء أو حتى قيمتها، فتجدهم يجوبون الشوارع يقفون على الأرصفة وتحت ظلال الأشجار والمساجد وإشارات المرور وفي كل زقاق وبجوار أي مجمع أو سوق أو إدارة حكومية أو خاصة.

ورغم أننا نرى أنهم مخالفون يستحقون الملاحقة والعقوبة، فإنهم يرون أنهم مساكين يطاردون لقمة العيش، فزكريا ذو العقد الثاني من عمره بدأ في رحلة عمله منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره كراعي غنم بمنطقة جازان لمدة ثلاثة شهور، إلا أن مهنته كراع لم ترض غروره لا سيما أن له أخا أكبر منه يعمل بها لسنين ولم يحقق من مهنته شيئا فقرر النزول إلى مدينة الحلم (جدة) التي لم تكن بأحسن من المدينة الأولى حالا فعمل حارسا بمنطقة أبحر إلا أنه لم يستطع الإكمال ومن ذلك الوقت بدأت رحلته في البحث عن عمل يكون هو صاحبه.

وفي يوم من الأيام بحسب قوله وهو جالس بين رفقة عرض عليه أحد الأشخاص أن يعاونه لمدة شهر في بيع الخضار فلم يتردد لكونه دون عمل فوافق وبعد شهر أخبره صاحب العربيات بأن الشخص الذي طلب منه أن يحل محله قد عاد وأنه لا يستطيع دفع أجرتين لعربة واحدة ومنذ ذلك الوقت فكر في طريقة بتوفير عربته وبالفعل بدأ فيها وبدأ يعمل على عربته الخاصة لا سيما أنه يحب مهنته واصفا إياها بـ«خير الله».

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» أكد أن ما يعجبه في عمله هو الحرية وعدم الالتزام على حد وصفه. وبالحديث عن الدخل بشكل عام أفاد بأنه يختلف بحسب العمل والبضاعة فلو كانت بضاعة البائع رخيصة والبائع نشيطا فلا تقل أرباحه عن مائة وخمسين إلى مائة وسبعين ريالا في اليوم الواحد وقد تصل إلى مائتين وخمسين ريالا في اليوم وفي بعض الأحيان ستين ريالا.

وتابع حديثه: «كما أن أجرة العامل على العربة تبلغ ثمانين أو سبعين ريالا ولا تختلف يومية العامل باختلاف الموسم صيفا كان أو شتاء». مضيفا أن أوقات الذروة أو «البيع الحقيقي» تبدأ بعد صلاة الظهر إلى صلاة العشاء تحديدا أمام المساجد وبعد الصلوات مباشرة وفي وقت انصراف الموظفين من دواماتهم لذلك عادة كما يقول «أبدأ عملي من الساعة الثانية عشرة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا». وحول كيفية توفير بضاعتهم قال: «أنا من أذهب إلى حلقة الخضار وأشتري حتى أضمن أفضل سعر باستثناء يوم الخميس». مشيرا إلى أن هناك بعضا من زملائه يقومون بإسناد مهمة شراء الخضار من الحلقة إلى شخص لديه سيارة نقل وإقامة نظامية يدفعون له مبلغا من المال جراء نقله البضاعة لهم لا سيما أن معظم العاملين في نفس مجالنا من المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وقد سبق أن تم إبعادهم.

ويشير زكريا إلى أنه وأصدقاءه حذرون جدا في مثل هذه الأمور وتعقب رجال الأمن وذلك من خلال الجوالات التي يعتبرها وعلى حسب كلامه مفيدة وضرورية للغاية في مثلك تلك الحالات فمن عبرها يستطيعون تحذير بعضهم البعض ومعرفة الأماكن والأوقات التي قد توجد بها. ويوضح زكريا أن «السعر يكون أقل من السلع الموجودة في البقالات ومراكز التموين» وذلك لأنهم ليس لديهم مصاريف شهرية تتمثل في فواتير الكهرباء والتليفون والنقل وراتب العامل، كما أن من مصلحته التخلص من البضاعة التي لديه بأي شكل من الأشكال لا سيما أنهم لا يملكون الأماكن التي من المفترض أن يملكوها لحفظها فيها.

وبالتوجه إلى أحد أصحاب المحال التجارية لبيع الخضراوات والفواكه مختار الطيب الذي أفاد لـ«الشرق الأوسط» بأن بعضا من هؤلاء الباعة يلجأون إلى طرق وأساليب غير مشروعه لجعل بضاعتهم أرخص، وبالحديث عن تلك الأساليب قال: «مثلا يقوم بعض التجار أو أصحاب المحال بالاتفاق مع هؤلاء الباعة مقابل نسبة معينة لبيعهم وتخليصهم من البضاعة». ويستطرد: «ليس هذا فحسب بل هناك أساليب شتى في تلاعب هؤلاء بالأسعار ليس فقط كما يزعمون أن سبب انخفاض أسعارهم هو عدم وجود إيجار محلات يدفعونها أو فواتير كهرباء يسددونها نهاية كل شهر فقط، فقد تجد بعضا من هؤلاء يتجه كل نهاية يوم أو بدايته - حسب الاتفاق - إلى أحد المحال الكبيرة التي لا تبيع إلا الخضراوات الطازجة أو الجيدة ويشترون منهم بأقل من السعر ويقومون بدورهم بتحميلها في عرباتهم ومن ثم بيعها».

واستدرك الطيب: «ليس كل ما هو مشاهد عديم القيمة وعديم الفائدة فبعض من هؤلاء الباعة عرف سر المهنة وأدرك أن العمل على عربته أربح وأسهل وليس هناك مسائلة في حالة حدوث أي حالات تسمم لا قدر الله لصعوبة الوصول إليهم».

وفي أثناء خروج «الشرق الأوسط» من محل الطيب للخضراوات لفت نظرنا أحد أصحاب العربات وهو ينقل بضاعته من أحد المحال المجاورة وبالحديث معه رفض التكلم ولكنه أشار إلى عامل المحل الذي كشف لنا أن ما يقوم به البائع مشروع وهذا باتفاق مسبق بينهم قائلا: «أنا من يعمل داخل المحل لقاء راتب أتقاضاه تحت كفالة المؤسسة وهو يعمل خارج المحل بنسبة يومية متفق عليها وهكذا يؤمن لقمة عيشه وأنا أضمن عدم تلف بضاعتي بالإضافة إلى منع الخسارة التي كانت ستصيب بضاعتي لو أنها لم تبع».

وحول ما إذا كان صاحب المحل يعلم بما يحصل قال: «إن صاحب المحل ليس له علاقة بشيء سوى الاسم الظاهر فهو تارك لي حرية إدارة شؤون المحل من تغذية وتخزين وتصريف البضاعة لقاء أن لا يقل ربح المحل عن معدل معين». السكان أحيانا يرون أن الباعة المتجولين خيار سريع ومفضل بعيدا عن التأخير والزحام إذ يقول عبد الله المحضار لـ«الشرق الأوسط» «أشتري أحيانا من العربة ليس لفرق السعر فحسب بل لأني أجدهم في طريقي ولا أضطر أن أذهب إليهم وفي بعض الأحيان أشتري وأنا داخل سيارتي ولا يستغرق الموضوع أكثر من خمس دقائق بينما لو ذهبت إلى السوبر ماركت أو أي مكان آخر فسوف أضطر لتشغيل سيارتي والوقوف في الإشارة ومن ثم الترجل منها».

وفيما إذا كان قد تعرض لإحدى خدعهم قال: «نعم قد حدثت مرة لي ولكن كان ذلك عندما اشتريت من شخص أول مرة اشتري منه وأنا في طريق عودتي من مشوار مع الأهل ولم أكررها فهناك بائع في حارتنا يؤمن لنا البضاعة الجيدة حتى إنني آخذها دون تفحص الصندوق بالإضافة إلى أن زوجتي وبناتي يهتممن جدا بغسلها وتنظيفها حالما أدخل إلى البيت». واستطرد بالقول «إن وجود الباعة الجائلين ليس بالمظهر السيئ أو غير الحضاري والدليل أنك تجدهم في كل مكان في العالم وحتى هنا في جدة لهم أماكن مخصصة». مشيرا إلى أن سبب إقبال البعض عليهم يرجع إلى أنهم يوفرون جميع أنواع الفواكه والخضراوات في مواسمها وبأقل من الأسعار التي نجدها في المحال المتخصصة.