«الدفاع المدني» لـ«الشرق الأوسط»: 1179 حريق نفايات صناعية في 6 أشهر في جدة

شكلت أعلى نسبة من الحوادث التي تمت مباشرتها

TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» مسؤول في «الدفاع المدني» أن الشركات المختلفة تتعمد إحراق النفايات الصناعية التي تستهلك جزءا كبيرا من أعمال رجال إطفاء «الدفاع المدني»، مشيرا إلى أن 50 في المائة من الحرائق التي باشرها رجال الإطفاء في جدة خلال الأشهر الـ6 الماضية حرائق متعمدة بفعل الشركات نفسها.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» العميد عبد الله الجداوي، مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، بلوغ عدد حوادث حرائق النفايات الصناعية والمستودعات والحاويات والأحياء السكنية والأراضي الفضاء في جدة نحو 1179 حادثا تمت مباشرتها خلال الأشهر الستة الماضية.

وأوضح أن «تلك الحوادث تشكل أعلى نسبة من إجمالي الحوادث التي باشرتها فرق الدفاع المدني خلال الفترة الماضية، وذلك في ظل بلوغها 37.26 في المائة من الحوادث الأخرى».

وقال العميد الجداوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «50 في المائة من حوادث حرائق النفايات عادة ما تكون متعمدة من الشركة نفسها، فيما يكون النصف المتبقي منها نتيجة أخطاء فردية ليس للشركات دور فيها»، لافتا إلى أن مباشرة مثل هذه الحرائق تستهلك فرقا ومعدات بسبب كمياتها الكبيرة خاصة في منطقة جنوب وشرق جدة، كونها تستغرق ما بين 3 و4 ساعات من العمل المتواصل لإخمادها.

يأتي ذلك في وقت شهدت فيه مدينة جدة الأسبوع الماضي اندلاع حريق لنفايات إحدى الشركات الكبرى، في أرض فضاء بالقرب من الشركة نفسها، مما تسبب في تصاعد دخان كثيف غطى سماء معظم أحياء المدينة.

وهنا علق مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة قائلا «أحدث ذلك الحريق كميات هائلة من الدخان الذي انبعث من الأحياء الواقعة خلف شارع النهضة في جدة ليصل إلى أحياء كثيرة، عدا عن استنزافه لعمل ثلاث فرق تابعة للدفاع المدني استمرت في إخماده قرابة ساعة ونصف الساعة»، مؤكدا على عدم تلقي إدارة الدفاع المدني لأي بلاغ رسمي حول اندلاع ذلك الحريق.

وأشار إلى أن إدارة الدفاع المدني تتلقى بلاغات حول حرائق النفايات من سكان الأحياء المجاورة لموقع الحريق، وذلك بمعدل 7 بلاغات يوميا، مبينا أن مثل تلك الحرائق لها تأثير سلبي على البيئة وأهالي المدينة كونها تحوي عوادم ومواد كيميائية وغيرها من العناصر المتفاعلة.

وفي هذا الصدد، حذر المهندس محمد بخاري، الخبير البيئي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من مدى خطورة تلك النفايات والطرق المستخدمة في التخلص منها سواء بالحرق أو الردم، بسبب ما ينتج عنها من انعكاسات على الحياة البيئية والصحية على الإنسان.

وأشار إلى أن هذه ليست المشكلة الوحيدة في مدينة جدة في ظل وجود مشكلات أخرى تتضمن احتواءها على كميات كبيرة من النفايات، معتبرا أن ذلك ليس جديدا نتيجة الاعتماد على دفنها تحت الأرض منذ 20 عاما كطريقة للتخلص منها، مما جعل منها مصدرا لانبعاث غاز الميثان السام.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كل ذلك تسبب في تلوث جو مدينة جدة بغاز الميثان الناتج عن بقايا النفايات المدفونة تحت الأرض، والتي من الممكن أن تنفجر في أي لحظة، عدا عن إحداثها لنيران من شأنها أن تتسبب في حالات تسمم جراء الأبخرة الناتجة عن الحرائق».

وأفاد بأن غاز الميثان السام ينتج من تحلل المواد المختلفة بعضها مع بعض، مثل البلاستيك والورق والزجاج وكل المواد الأولية عند طمرها، وتعرضها لارتفاع في درجات الحرارة نتيجة ردمها، ومن ثم تكوّن الغاز الذي قد يعتبر طبيعيا باعتباره يستخدم في الوقود وغيره، إلا أنه قد يتسبب في حرائق كثيرة تضر بأهالي المنطقة - بحسب قوله.

وبين أن المشكلة تكمن في كيفية تخليص الناس من النفايات وأضرارها، خصوصا أن هناك أمراضا بدأت تنتشر بسب تلك النفايات، من ضمنها الفشل الكلوي وسرطان الثدي لدى النساء والربو بشكل عام وعند الأطفال بشكل خاص.

وحول إمكانية إيجاد حلول لتلك المشكلة، أبان المهندس محمد البخاري أن حلها كان من المفترض أن يوجد منذ عشرين عاما، لكنه استدرك قائلا «ما زالت هناك حلول في ظل امتلاكنا للكوادر المتخصصة والإمكانيات المادية»، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة اللجوء للشركات المتخصصة التي تسلك الطرق العلمية السليمة للتخلص من تلك النفايات بالطرق الصحيحة مهما بلغت التكلفة.

فيما أكد لـ«الشرق الأوسط» المهندس محمد الغامدي، مدير عام مشاريع النظافة في أمانة محافظة جدة، أن حرق الشركات لنفاياتها الصناعية في مواقع قريبة منها يعد مخالفة لا تقرها أمانة جدة، لافتا إلى أن مثل ذلك التصرف يجعل الشركة تحت طائلة القانون.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، إن «جميع النفايات المرفوعة من الأحياء والمواقع المختلفة يتم إرسالها إلى مردم النفايات، غير أن مثل تلك السلوكيات المتضمنة حرقها داخل مناطق متفرقة من المدينة قد لا يكون للشركة دور بها، لا سيما أن الشركات لديها علم بأن ذلك مخالف للقانون»، لافتا إلى احتمالية أن تكون العناصر الفردية أو العمالة في مثل هذه الشركات هي المتسببة في نشوب حرائق النفايات بها.

وأشار إلى أن هذه الحوادث تتكرر عادة في المواقع الصناعية التي يعمل على جمع نفاياتها مجموعة من العمال في أوقات متأخرة من الليل دون مرأى من الرقابة، ومن ثم يتم اكتشاف احتراقها في الصباح، مبينا أن المناطق الصناعية الجنوبية معظمها قائمة بشكل عشوائي، إلا أنه يتم حاليا وضع خطة لها تتضمن تأمين حاويات قطاع تجاري تلزم بها المصانع والشركات بموجب القرار.

وأضاف «مقاول النظافة حريص كل الحرص على نقل نفايات شركته إلى المردم وذلك تفاديا لتطبيق العقوبات على الشركة وفق آليات أمانة جدة وأنظمتها»، موضحا أن المخالفة لا تجيّر على الشركة إلا في حال التأكد من تعمدها القيام بذلك.

ولفت إلى وجود إجراءات معينة تتعلق بالعقود، تستوجب في بعض الأحيان استبعاد الأفراد المتورطين في ارتكاب حريق النفايات من منطلق اعتبارها مخالفة شخصية، وتتضمن ترحيل الفرد إذا كان مقيما، في حين تطبق العقوبة على الشركة وفق العقود.

وزاد «يدخل تطبيق العقوبة ضمن سلسلة من الإجراءات لوصف الحالة، والمتمثلة في حسم تكلفة النفايات بالمتر، وإلزام الشركة بدفع غرامة مالية عليها، إضافة إلى غرامة 30 في المائة من قيمتها»، مؤكدا على أن المخالفات تعد عملا فرديا باعتبار أن الشركات ليس من مصلحتها ارتكاب تلك المخالفات.

وحول وجود إحصائية بعدد الشركات المخالفة التي تم ضبطها من قبل الأمانة، أفاد المهندس محمد الغامدي بأن المخالفات ليست بالعدد وإنما بالكميات التي تترجم إلى مبالغ يتم حسمها من الشركة نفسها، غير أنه لم يفصح عن حجم تلك المبالغ. لكنه استدرك قائلا «إن عقوبة الحسم تهدف إلى إجبار المقاول على العمل بشكل صحيح بغية ارتفاع مستوى النظافة، لا سيما أن الأداء شهد تحسنا في ظل وجود برامج خاصة بتلمس جودة الأداء اتضح من خلالها وجود تحسن واضح بالنسبة لرفع المخلفات من المدينة، غير أن الطموح لا يزال أكبر من ذلك».

وبحسب مدير عام مشاريع النظافة في أمانة محافظة جدة، أبان أن معظم حرائق النفايات ناتجة عن أعمال العمالة الوافدة المتخلفة، والذين يعملون على جمع المخلفات لاستخراج الحديد منها، إلا أن انتشار هذه العمالة يفقد أمانة جدة سلطتها عليهم، معتبرا ذلك إحدى المشكلات التي تواجه الجهات المعنية أثناء عملها. وطالب المهندس محمد الغامدي بضرورة وجود رقابة على العمالة الوافدة بشكل عام، خاصة أن مدينة جدة تعتبر بوابة للحج والعمرة، الأمر الذي يجعل منها مرتعا لتخلف أي عمالة وافدة - على حد قوله.

الملازم أول نواف البوق، المتحدث الرسمي لشرطة جدة المكلف، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن جميع الجهات الأمنية لها دور في القضاء على ظاهرة العمالة الوافدة المتخلفة، مشيرا إلى ضرورة التفرقة بين حوادث الحرائق العرضية والجنائية.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحوادث العرضية تتولاها إدارة الدفاع المدني، كونها الجهة الأولى التي تقف على الحدث، في حين تحال الحوادث الجنائية إلى الشرطة، التي بدورها تباشر العمل للوصول إلى الجاني».

وبيّن أن عقوبات الحرق المتعمد واضحة في نظام الإجراءات الجزائية، وقد تصل إلى السجن والأحكام الشرعية والغرامات المالية، موضحا أنه بعد انتهاء التحقيقات تتم إدانة الجاني ويحال إلى الشرع كونه يدخل تحت نطاق الاعتداء على الأموال أو الحقوق العامة التي تمنع الدولة العبث بها. واستطرد في القول «إن الدفاع المدني يتولى مسؤولية الرصد وتقييم كل تلك الأمور والقيام بالتحقيقات الأولية بحسب ما يتضح من شهود العيان الموجودين في الموقع، ومن ثم إحالة ملف القضية إلى الشرطة».

وأعلن عن وجود تنسيق مع المديرية العامة للجوازات ضمن اتفاقيات أسبوعية على عدد معين من العمالة الوافدة المتخلفة وتسليمهم في ظل انتشار دوريات تابعة لـ«الجوازات» تعمل في الميدان، إلى جانب دوريات سرية تابعة لها.

من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الرائد محمد الحسين، الناطق الإعلامي لـ«جوازات محافظة جدة»، أن المديرية العامة للجوازات تعمل على إطلاق حملات منفردة أو مشتركة مع الجهات الأمنية الأخرى، بهدف القبض على العمالة الوافدة المخالفة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة إجراءات معينة لترحيل من يتم القبض عليهم، وذلك بحسب الحالة، حيث تتكفل شركة العمرة التي قدم عليها المخالف بتكاليف سفره، بينما يتم تكليف الجهة التي يعمل لديها بتكاليف ترحيله إذا ما تم التأكد من تشغيلها له بشكل مخالف».

وبالعودة إلى العميد عبد الله الجداوي، أكد أن حرائق النفايات في مدينة جدة تحدث على مدار الساعة، وعادة ما تكون قريبة من مناطق صناعية ومستودعات يخشى عليها من الاحتراق، غير أنه يتم عزل الموقع عن المنطقة المحيطة به.

وفي ما يتعلق بالإشكاليات التي تواجههم أثناء عملهم على مباشرة حوادث حرائق النفايات، أوضح أن بعض المناطق عادة ما تكون على مساحات كبيرة وعميقة تتطلب معدات وشيولات كبيرة لفتح الطرق والممرات، إلا أن حدوث الحريق خارج أوقات الدوام في بعض الأحيان يدفع بشركات النظافة إلى رفض إمدادهم بمثل تلك المعدات.

وزاد «تستوجب مباشرة حرائق النفايات استنزافا للطاقات، خصوصا في ظل نشوب حريق آخر في منطقة بعيدة داخل منزل أو مكان مأهول بالسكان، الأمر الذي يضطرنا إلى إرسال أقرب فرقة موجودة في موقع حريق النفايات لمباشرة الحادث الآخر».

وحول العقوبات التي قد تفرضها «الدفاع المدني» على الشركات المخالفة، بين أنه يتم إرسال مفتش السلامة التابع لإدارة الدفاع المدني في الحال، وتسجيل غرامات مالية، تدخل ضمن نظام الخطورة الفورية، مشيرا إلى أن الغرامة تتضمن الحد الأعلى لها والبالغ 30 ألف ريال، ويتم إلزام الجهة المخالفة بدفعها من المرة الأولى.

وذكر أن بعض حوادث حرائق النفايات قد تتكرر في الموقع نفسه أكثر من مرة، حيث إن الدفاع المدني في مثل تلك الحالات يطلب وجود مندوب من أمانة محافظة جدة، غير أنه قد يتأخر في الحضور.

وهنا، أكد المهندس محمد الغامدي على وجود نحو 49 ألف حاوية نفايات منتشرة في جدة يتم رفعها بواسطة أكثر من 270 ضابط نفايات، وتفرّغ على فترتين أو فترة واحدة يوميا بحسب الاحتياج، مشيرا إلى أن ما يزيد على 6 آلاف عنصر بشري يعملون على نظافة المدينة من بينهم 4100 عامل منتشرون الشوارع.

وأضاف «ثمة نظام لاستقبال بلاغات حرائق النفايات في أمانة محافظة جدة عن طريق الاتصال بالرقم 940 أو موقع الأمانة الإلكتروني، ولا تتجاوز سرعة التجاوب فيه ساعة ونصف الساعة، لا سيما أن التأخر في البلاغات من شأنه أن يصعّد الوضع».

وأبان أنه فور وصول البلاغ يتم التفاعل معه من قبل غرفة العمليات وإرساله إلى المعنيين والمسؤولين عنه، عدا عن قياس جودة تنفيذ وتسديد البلاغ عن طريق الاتصال على المشتكي وسؤاله عن مدى سداد بلاغه من قبل منسوبي أمانة جدة - على حد قوله.

واستطرد قائلا «في ما يتعلق بموضوع حرائق النفايات يتم التعامل معها في الوقت نفسه، وبإمكاننا معالجة الآثار، غير أن مسبباته قد لا تكون معروفة، وهو ما يجعلنا نحمّل المسؤولية للجهة التي تركت مخلفاتها في تلك المنطقة، سواء كانت مقاول النظافة التابع لأمانة جدة أو محلا تجاريا أو مصنعا أو ورشة»، مبينا أنه يتم التعامل معه وفق القوانين من قبل البلدية التي يقع في نطاقها موقع الحريق. وكانت فرق «الدفاع المدني» في جدة قد أخمدت الأربعاء الماضي الحريق الذي اندلع في جنوب جدة داخل أحواش تحوي مواد ومخلفات صناعية، في وقت أشارت فيه المصادر إلى أن 70 في المائة من الحرائق بسبب أخطاء بشرية.

وأوضح في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، العميد عبد الله الجداوي، أن موقع الحريق الذي اندلع في أحد الأحواش القريبة من مستودعات النفط لا تتجاوز مساحته ألفي متر مربع، مشيرا إلى أنه عبارة عن حوش مسور ومكشوف بالكامل ومليء بالنفايات والمخلفات الصناعية.

وأرجع حينها اللواء عادل زمزمي، مدير «الدفاع المدني» في منطقة مكة المكرمة، سبب ذلك الحريق إلى ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على المواد سريعة الاشتعال من تلقاء ذاتها عند تعرضها لدرجات حرارة عالية نتيجة التخزين السيئ، وهو ما حدث في حرائق مشابهة في وقت قريب بإحدى المناطق القريبة من جدة.

وأضاف أن «70 في المائة من الحوادث التي باشرها الدفاع المدني جاءت بسبب التصرف الخاطئ في التخزين وعدم وجود ثقافة لدى القائمين عليها، بينما تمثل 30 في المائة منها في الوضع الخاطئ للمواقع وعدم توافر أنظمة الأمن والسلامة بها».

الحريق الذي باشرته 13 فرقة من الدفاع المدني، قد يكون بفعل فاعل في ظل وجود بعض الأفراد المستفيدين من استخدام المواد بعد حرقها، وذلك بحسب ما صرح به لـ«الشرق الأوسط» مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة.

ولا تعد هذه الحادثة الأولى في جدة، فقد سبقها نحو 7 حرائق كبيرة ومماثلة منذ مطلع العام الحالي، كان آخرها نهاية الأسبوع الماضي، حيث احترق مكان لصناعة المفروشات شمال جدة وباشرت الحادثة خمس فرق، وأخلت بسببه فرق الدفاع المدني المحلات المجاورة لها.