التحذير من تقلبات مناخية تستمر حتى سبتمبر المقبل

يشمل جميع المناطق الواقعة بين خطي عرض 12 و33 درجة

تغيرات المناخ المتراكمة عبر السنوات بدت ملموسة لدى سكان السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي نفت فيه الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إرسالها رسائل تحذيرية للأفراد من تقلبات الطقس، دعا خبير بيئي سكان السعودية، وخاصة المناطق الجنوبية منها إلى التنبه لخطورة التقلبات المناخية التي باتت تتحول باطراد ظاهر، مما يعني حدوث تحولات مناخية إقليمية جديدة على المنطقة، مطالبا إياهم بملازمة منازلهم إذا لم تكن هناك ضرورة لمغادرتها.

واعتبر لـ«الشرق الأوسط» الدكتور علي عشقي أستاذ علم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز في جدة أن التغير المناخي الذي يمر بالمنطقة، يشمل جميع المناطق الواقعة بين خطي عرض 12 و33، وأن تأثير تلك التقلبات والتغيرات المناخية واضح على السعودية وسوف يستمر إلى شهر سبتمبر (أيلول) القادم.

وأشار إلى أن التقلبات المناخية ليست وليدة هذا العام، بل هي امتداد يترى مع الزمن، وقال «تزداد التغيرات المناخية وتتضح حدتها كلما تقدم الزمن، فيظهر تأثيرها علينا لا سيما أن التغيرات المناخية الحاصلة ترتبط ارتباطا وثيقا بموقع الأرض بالنسبة للشمس».

وفي الوقت الذي توقعت فيه الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية أمس هطول الأمطار على مرتفعات الطائف وعسير، والباحة، وجازان، تابع الدكتور حديثه قائلا «إن اختلاف موقع الأرض بالنسبة للشمس من الأهليجي إلى الدائري يجعل الشمس قريبه من الأرض فيتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، بالإضافة إلى انخفاض سرعة الأرض بالنسبة للشمس، بسبب ميل الأولي عن الثانية، وكلتا الظاهرتين تسبب نوعا من التقلبات المناخية أيضا».

وذكر الدكتور عشقي بأن السبب الأساسي في كل هذه التغيرات المناخية على المدى البسيط ما هو إلا الانفجارات في الشمس التي تعرف باسم - البقعة الشمسية - والتي تقوم بدورها بإرسال موجات كهروميغناطيسية إلى الأرض، تمتد إلى آلاف الكيلومترات، وتؤثر تأثيرا كبيرا وواضحا على مناخ الأرض.

وأكد أن هذه التأثيرات قد ثبتت انعكاساتها علميا على البيئة منذ خمسمائة عام، مشيرا إلى تلك التقارير العلمية التي أيدت أن التغيرات المناخية في الأرض أدت إلى تغير كبير في سلوك درجة حرارة المياه السطحية لكل من بحر العرب والمحيط الهندي، وأن هذه التقلبات المناخية المشاهدة ما هي إلا انعكاس للشذوذ الواضح في ارتفاع حرارة المياه السطحية لبحر العرب والمحيط الهندي.

وفي نفس السياق قال الدكتور عشقي «مما لا شك فيه أن التقلبات المناخية سوف تأول إلى الأسوأ، داعيا في الوقت عينه إلى ضرورة الاستفادة من التقلبات المناخية وتجنب أضرارها قدر المستطاع، وذلك بعدم التعرض للشمس، وبلزوم البيت وتجنب الجلوس في المناطق المحظورة، إلى جانب اتباع تعليمات الأرصاد والدفاع المدني».

وأكد أن التغيرات المناخية التي حصلت مؤخرا ويشعر بها سكان السعودية، كانت قد طالت جميع المناطق دون استثناء، فكانت حالات الجفاف والقحط والعواصف الترابية على وسط المملكة، وشرق جزيرة العرب، والإمارات والكويت وقطر والعراق، خاصة في فترات الانقلاب الربيعي، الذي حدث في بداية مارس (آذار) إلى أابريل (نيسان) الماضيين، ومن المتوقع أن يكون العام القادم أشد من الذي قبله وكل عام سوف تزداد.

تقرير الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الذي أشار يوم أمس إلى نشاط باد في الرياح السطحية المثيرة للأتربة والغبار التي تحد من مدى الرؤية الأفقية على المناطق الداخلية للمملكة في كل من حائل، والقصيم، والدوادمي، وتمتد حتى الأجزاء الجنوبية والغربية والمنطقة الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وزيادة ملحوظة في نسبة الرطوبة على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي مما يؤدي إلى الشعور بارتفاع درجات الحرارة أعلى من المقاسة فعليا، واكبه الدكتور عشقي بقوله «الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، بما فيه مناطق أبها وخميس مشيط والباحة إلى مكة المكرمة ومدينة جدة، سوف يتأثر بعوالق ترابية وأمطار، وسوف تكون شديدة جدا، على المرتفعات الجنوبية الغربية، التي من شأنها أن تحدث وفيات وضحايا مثل ما حدث في الأسبوعين المنصرمين».

كما أعاد الدكتور عشقي سبب ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف إلى هبوب رياح جنوبية من منطقة الربع الخالي، والدهناء، والنفود، على مناطق شرق الجزيرة العربية، والتي من شانها أن ترفع درجات الحرارة إلى 60 درجة مئوية، مشيرا إلى أن موجات الحرارة التي اجتاحت مدينة جدة منذ شهر تقريبا، والتي بلغت 55 درجة مئوية، لم تكن إلا نتيجة الرياح الشرقية القادمة من المناطق الصحراوية.

وحول إجمالي التأثير الواقع على المملكة ومناطقها جراء التقلبات المناخية أفاد بأن «المناطق الواقعة في وسط الجزيرة العربية وشرقها، سوف تشهد ارتفاعا حادا في درجات الحرارة، بالإضافة إلى مناطق الركن الجنوبي الغربي، بما فيها اليمن التي سوف تشهد فيضانات وأمطارا، وهذان هما التأثيران الواضحان إلى الآن». لافتا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في الأرض يزيد من التصحر والعواصف الرملية والترابية الشديدة.

وأشار إلى أنه بالإمكان التنبؤ بمثل هذه العواصف قبل حدوثها 48 ساعة، لا سيما أن النقطة الأساسية للرياح تكون من الصحراء الكبرى في أفريقيا، وتحديدا جنوب غربي مصر، وتستمر في التقدم إلى أن تصل إلى السعودية.

وأفاد أستاذ علم البيئة بأنه «في حالة إذا كان المنخفض الجوي الحاصل في مصر كبيرا جدا فينبغي الأخذ بالاحتياطات اللازمة، نظرا لخطورته من الناحية الصحية على الأفراد، بالإضافة إلى الخسائر المادية والبشرية التي قد يتسبب بها، لا سيما أننا جزء لا يتجزأ من تلك التقلبات المناخية في العالم».

وأطلق الدكتور عشقي تحذيرات للانتباه من تأثير التقلبات المناخية في فصل الصيف الجاري من شهر يوليو (تموز) الماضي إلى منتصف سبتمبر (أيلول) القادم، على المناطق أو المدن الواقعة جنوب غربي المملكة مثل خميس مشيط، وأبها، ونجران، وجازان، والقنفذه بالإضافة إلى الليث، داعيا الدفاع المدني لضرورة أخذ الاحتياط وإخلاء جميع مناطق مجاري السيول، وعدم السماح للأفراد بالاقتراب منها مشددا على ضرورة لزوم الناس منازلهم في أثناء هطول الأمطار وحدوث العواصف الرعدية.

من ناحيته، أوضح العميد عبد الله الجداوي مدير إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة لـ«الشرق الأوسط» أن الدفاع المدني ملتزم بخطط جاهزة ومعده للطوارئ، سيتم تنفيذها في الأوقات التي يجب فيها تطبيقها، مؤكدا على أنها شاملة لكل التفاصيل التي من الممكن حدوثها في أوقات الكوارث الطبيعية، مثل الأمطار الشديدة والسيول والانقطاعات الكهربائية التي تكون على مستوى كبير.

وفي موضوع ذي صلة، أشار العميد جداوي إلى أن الإدارة كانت قد طرحت منذ سنة أو أقل خطة احتياطية لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة المفاجئة التي صادف حدوثها هذا العام، مبينا: «نظرنا من جانبنا إلى الشيء المتعلق بنا، فوجدنا أن ارتفاع درجات الحرارة يترتب عليه حوادث كثيرة لها علاقة بضرورة تدخل الدفاع المدني مثل الانقطاعات الكهربائية بالمستشفيات وتعطل المرافق العامة المهمة».

وتابع حديثه: «وبناء على ذلك تم التواصل مع لائحة المصادر الاحتياطية وإعلامهم بضرورة تجهيز وفحص المرافق، والتأكد من سلامتها ومراعاة قواعد الأمن فيها، ليس هذا فحسب، بل شملت خطتنا التنسيق مع المستشفيات والمراكز الصحية للتفاهم على آلية نقل المصابين والمراكز المتاحة في حالة حدوث ضربات شمس جراء ارتفاع درجات الحرارة بصفة عامة».

وفي منطقة جازان أوضح النقيب يحيى بن عبد الله القحطاني الناطق الإعلامي لمديرية الدفاع المدني أمس، أن أمطارا متفرقة هطلت تراوحت بين غزيرة إلى خفيفة على بعض المرتفعات الشرقية للمنطقة، وبعض المحافظات، كان أغزرها محافظة فيفا، وتم نشر دوريات السلامة لمسح الأودية، مشيرا إلى جريان وادي جورا وريع مصيدة، ووادي خلب داخل مجاريها الطبيعية.

ودعت المديرية إلى اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من المخاطر التي قد تنتج عن الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة وتجنب الأسباب الرئيسية في الحوادث التي تنتج عنها خسائر بشرية ومادية كحوادث الغرق وانهيار المباني والانزلاق والصواعق.

وطالبت مديرية الدفاع المدني السكان بتفقد منازلهم بصفة دائمة للتأكد من مقاومته للأمطار، وسلامة تصريف المياه من السطح، وعدم الخروج من المنزل في حالة الأمطار الشديدة إلا للضرورة، كما طالبتهم بالحذر والانتباه أثناء قيادة السيارة في الطرقات وقت الأمطار لمخاطر الانزلاق، والبعد عن الأسلاك والتوصيلات الكهربائية التي تعرضت لمياه الأمطار.

فيما حذر اللواء عادل الزمزي مدير الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة، هواة الرحلات البرية بضرورة تجنب بطون الأودية ومراقبة الأحوال الجوية والخروج من الأودية عند ملاحظة ما يشير إلى هطول الأمطار، مناشدا في الوقت ذاته تجنب استخدام الهواتف النقالة أثناء البرق والصواعق والبعد عن البرك والمستنقعات وأماكن تجمع مياه الأمطار أثناء وجودهم في المنتزهات.