خبير بحثي في البيئة والمياه: مشكلتنا في إدارة مصادر المياه وليس في ندرتها

مدير مركز أبحاث المياه في جامعة الملك فهد لـ«الشرق الأوسط»: نحن الأفقر مائيا والأعلى استهلاكا

د. علاء بخاري مدير مركز أبحاث البيئة والمياه بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران («الشرق الأوسط»)
TT

أكد خبير بحثي في مجال البيئة والمياه أن منطقة الخليج العربي قد تواجه تسربات نفطية بدرجات متفاوتة في ظل النشاط النفطي الكبير الذي تشهده منطقة الخليج.

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، قال الدكتور علاء بخاري، مدير مركز أبحاث البيئة والمياه بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، إن السعودية لا تواجه مشكلة ندرة مصادر المياه وشحها بقدر ما تواجه إشكالية في كيفية إدارة مصادر المياه المتوافرة، مشيرا إلى صعوبة الاستمرار في مشاريع تحلية المياه في المستقبل دون نظام إدارة للمياه بشكل فاعل، وخاصة أن السعودية تنوي استثمار 53 مليار دولار في تحلية المياه بحلول عام 2025.وأكد بخاري أن معدلات استهلاك المياه لدى الفرد السعودي تعد ضمن الأعلى عالميا، في حين أن السعودية تصنف ضمن البلدان الأفقر مائيا. وأشار بخاري إلى دور مركز أبحاث البيئة والمياه في تقديم الكثير من الدراسات البيئية للشركات النفطية العاملة في السعودية للحد من أضرار مشاريع التنقيب والاستخراج على البيئة البحرية والصحراوية في المنطقة، إضافة إلى دراسات تتعلق بمشكلة التلوث النفطي الناجم عن تفجير آبار النفط الكويتية إبان حرب الخليج الثانية. كما قلل الدكتور بخاري من أهمية استخدام الطاقة النووية كمصدر بديل لتحلية المياه في السعودية في ظل توافر مصادر طاقة متجددة أكثر وفرة وأمانا مثل الطاقة الشمسية والرياح. وقال بخاري في ثنايا الحوار إن حملات ترشيد المياه التي تشهدها السعودية تظل ذات تأثير لحظي على مستهلكي المياه وإن الحل الأنسب هو وضع تسعيرة معقولة للمياه توازي تكلفة الإنتاج.

هنا نص الحوار:

* بداية نود التعرف على المركز وأنشطته؟

- مركز أبحاث البيئة والمياه بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن هو مركز تابع لمعهد البحوث بالجامعة بدأت أنشطته عام 1980، ويعنى بدراسات البيئة والمياه. تقع أنشطة المركز ضمن أربعة مجالات أساسية؛ وهي الدراسات البيئية ودراسات المياه ودراسات البيئة البحرية وقسم رابع خاص بمعامل التحليل. وتعنى هذه المجالات بالدراسات البيئية المرتبطة ببيئة الصحراء وتلوث الهواء وإدارة المياه وأبحاث المياه ودراسة البيئة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر، وفي قسم معامل التحليل عندنا أجهزة تقوم بالتحاليل اللازمة للدراسات التابعة للأقسام السابقة بالإضافة إلى تحليل عينات المياه والتربة والكائنات البحرية.

* ما أهم الأبحاث التي أنجزها المركز؟

- للمركز علاقة مميزة بشركة «أرامكو» السعودية، حيث يقوم بعمل الدراسات البيئية الخاصة بمشاريعها سواء في البر أو البحر، حيث إن كل مشروع يتم تنفيذه بحاجة إلى دراسة لمعرفة الأثر البيئي المحتمل وكيفية التقليل من هذه الآثار، وفي بعض الأحيان يتم إيقاف مشاريع وتغيير أماكنها بناء على نتائج هذه الدراسات، باختصار يقوم المركز بعمل الدراسات البيئية لمعظم منشآت «أرامكو» السعودية، وقد نفّذ المركز أيضا الدراسة البيئية الخاصة بجامعة الملك عبد الله في ثول، وقام في عام 2002 بالمشاركة في مشروع كبير للأمم المتحدة من خلال الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لمعرفة الأثر البيئي على الخليج العربي جراء انسكاب النفط في الخليج ضمن أحداث حرب الخليج في عام 1991، كما قام المركز بتنفيذ الدراسات البيئية الخاصة بمشاريع التنقيب عن الغاز في الربع الخالي، وذلك لشركات إيطالية وروسية وهولندية وشركة «أرامكو» السعودية، وذلك طبقا لمعايير خاصة بالبنك الدولي. وهذه الدراسات تشمل جوانب كثيرة جدا في كل مشروع لتقويم الأثر البيئي من ضمنها المياه. ومن ذلك يصبح واضحا أن أنشطة المركز لا تقتصر على «أرامكو» السعودية، بل إن المركز ينفذ دراسات تعاقدية بناء على طلب جهات خارجية، من ضمنها مؤسسات حكومية وشركات خاصة، ومن ذلك بالإضافة إلى ما سبق ذكره دراسة نفذها المركز لأمانة مدينة الدمام لحل مشكلة بحرية ظهرت على كورنيش مدينة الدمام.

* بحكم قربكم من أعمال الشركات النفطية في الخليج العربي، كيف ترون الأثر الذي تحدثه عمليات التنقيب والاستخراج على البيئة البحرية في الخليج، خاصة في ظل مخاوف من حدوث تسربات مشابهة لما شهده خليج المكسيك خلال الفترة الماضية ومدى اهتمام الشركات النفطية بمعايير السلامة والبيئة؟

- لا بد أن يكون للمشاريع أثر بيئي وهو أمر لا يخلو منه أي مشروع، وهنا يأتي دور الدراسات البيئية في التخفيف من هذه الآثار بناء على معايير دولية تلتزم تطبيقها هذه الشركات. ومن المتعارف عليه أن الشركات التجارية لا يهمها المحافظة على البيئة بقدر ما تهدف إلى الربح المادي، إلا أنه في حالة شركة «أرامكو» السعودية، فإننا نجد اهتماما عاليا بالبيئة، حيث يوجد بالشركة قسم خاص بحماية البيئة يشرف على حماية البيئات التي تعمل فيها «أرامكو». وبالطبع لا يمكن إنكار أثر عمليات الدفن وردم الشواطئ على البيئة البحرية والكائنات التي تعيش في المياه الضحلة، إلا أنه لا مفر من ذلك في حالة المشاريع الحيوية التي يقوم عليها اقتصاد البلد، بينما يتوجب إيجاد بدائل في حالة مشاريع الإسكان والترفيه، حيث إنها لا تمثل عائدا أساسيا للاقتصاد الوطني.

* ماذا عن عمليات الردم للتوسع السكاني كما يحدث على شواطئ البحر الأحمر؟

- بالطبع لا يمكن تجاهل أثرها ولكن هذا الأثر يختلف من منطقة لأخرى. حيث أنه في المناطق التي تتكاثر فيها الأسماك بصورة كبيرة وخاصة مناطق أشجار المانغروف يكون أثر عمليات الردم كبيرا في تقليل مستوى الثروة السمكية. بالإضافة إلى أن عمليات الردم تعمل على تغيير جيولوجية السواحل مما يحدث خللا في عملية تدوير المياه وتغيير أشكال السواحل مما يساهم في زيادة الأمواج والتيارات المائية في مناطق أخرى والذي يزيد بدوره من عمليات التعرية في تلك المناطق نتيجة لتغيير اتجاه التيارات البحرية، كما يؤثر تغيير اتجاه التيارات المائية على مناطق الخلجان حيث تنخفض معدلات تجدد المياه في هذه الخلجان وبالتالي يقل التنوع البيئي وتتحول إلى مستنقعات.

* في ظل النشاط الصناعي النفطي في الخليج العربي، هل تتوقعون حدوث سيناريوهات مشابهة للتسرب النفطي في خليج المكسيك مؤخرا؟

- هذا الأمر حصل سابقا في منطقة الخليج العربي إبان حرب الخليج الأولى والثانية، وبما أن الخليج العربي يشهد عملية نشاط كبير في استخراج وتصدير النفط، فإن احتمال حدوث تلوث في هذه المنطقة وارد جدا خاصة في وجود هذا الكم الكبير من الناقلات، وبسبب هذا الكم من النشاط فإن المخاوف من حدوث انسكابات نفطية بدرجات متفاوتة تعد مبررة، ولذلك يتوجب التخطيط لمجابهة هذا الأمر، وذلك لحماية المنشآت الحيوية الموجودة على الخليج العربي، وأهمها محطات تحلية المياه التي تعد المصدر الرئيس للشرب في المملكة.

* ماذا عن وجود معايير السلامة التي تتبعها الشركات النفطية لضمان حماية الخليج العربي من التسربات النفطية؟

- لا شك في أن الشركات النفطية لديها معايير عالية للسلامة، إلا أنني لست مطلعا على تفاصيل ذلك في ما يتعلق بالتسرب النفطي، فإنه من المعلوم أن تكلفة حوادث التسرب لو حدثت - لا سمح الله - عالية جدا على جميع الأطراف، فبالإضافة إلى توقف أعمال الإنتاج والملاحة هناك شركات التأمين التي تنظر إلى هذا الأمر نظرة جدية من ناحية التكاليف العالية المرتبطة بها.

* في ظل وجود توجه لنقل النشاط النفطي إلى سواحل البحر الأحمر، ومن ذلك إنشاء عدد من المصافي النفطية. هذا التوجه هل سيخفف الأثر على الخليج العربي أم سيخلق مشكلات إضافية في البحر الأحمر؟

- من المعروف أنه في أي مكان في العالم تدفع البيئة فاتورة التنمية. وهذا الأمر يحدث حتى في دول العالم الأول مثل الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت التسرب النفطي الأخير وقبل ذلك في ألاسكا. ولكن ما يهم هو التقيد بالمعايير التي تقلل المخاطر البيئية في ظل هذه القرارات المرتبطة بالاقتصاد الوطني، وذلك واقع يجب أن نتعامل معه.

* السعودية كبلد فقير مائيا، ما الخيار الاستراتيجي الأنسب لمواجهة مشكلة العطش في السنوات المقبلة؟

- ندرة المصادر المائية في السعودية ليست مشكلة بقدر ما هي واقع مفروض علينا. ولكن المشكلة الحقيقية لدينا هي في كيفية إدارة مصادر المياه المتوافرة، فقلة المياه هي الواقع وإدارة المياه هي وسيلة التعامل مع هذا الواقع وهو المشكلة. وحين نتطرق إلى مشكلة المياه في السعودية يجب أن نفصل بين أمرين أساسين هما: مياه الاستهلاك الزراعي ومياه الاستهلاك الصناعي والبلدي، فحين نتحدث عن المحافظة على مصادر المياه الطبيعية يكون الحديث عن مياه الاستهلاك الزراعي التي تستهلك 85 في المائة من إجمالي المياه. وحين يكون الحديث عن الجوانب الاقتصادية يكون الحديث عن مياه الاستهلاك الصناعي والبلدي، حيث إن هذه المياه مكلفة في إنتاجها الذي يعتمد على التحلية. والسعودية تستهلك مليارين ونصف المليار متر مكعب من المياه في الصناعة والأغراض المنزلية والبلدية، ونصف هذه الكمية تقريبا يأتي من محطات التحلية التي تمثل خيارا استراتيجيا في توفير المياه.

* ولكن ما الخيار الاستراتيجي الأفضل بين تحلية مياه البحر أو استخراج المياه الجوفية أو الاستفادة من مياه الصرف الصحي؟

- لا يوجد خيار استراتيجي أفضل وحده، فمشكلتنا تتمثل في إدارة مصادر المياه المتوافرة بشكل سليم. فالمياه الجوفية مصدر مائي غير متجدد ويجب استخدامها بحرص شديد في ظل الاستهلاك الزراعي الكبير الذي يصل إلى 18 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وهو الأمر الذي يسبب تناقص المياه الجوفية ويشكل خطرا مستقبليا كما يحدث في بعض المناطق في شمال المملكة التي بدأ فيها استخراج المياه الجوفية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت. والمياه المحلاة هي خيار متوافر ولكنه مكلف جدا، ولكن حين نتحدث عن التخطيط الاستراتيجي يجب أن نضع بعين الاعتبار ماذا نريد مستقبليا؟ هل نستمر في زراعة المحاصيل رغم استهلاكها المائي الضخم؟ هذا أحد الأسئلة الاستراتيجية. أيضا تحلية المياه هي خيار استراتيجي للمستقبل، ولكن إلى أي مدى سوف نستمر في هذا الخيار في ظل تكلفتها العالية. فالأمر - كما أشرت مسبقا - يتعلق بكيفية إدارة هذه المصادر لمواجهة الأخطار المستقبلية. وهو الأمر الذي يفرض علينا تطوير تقنيات جديدة أقل تكلفة لتحلية المياه، وتحديد أي وسيلة أفضل من بين الوسائل والتقنيات المتاحة للاستمرار فيها بصورة مستقبلية؟

* وكيف يمكن الإجابة عن هذا السؤال؟

- في رأيي أن بعض التقنيات الحالية هي تقنيات غير مستدامة ومكلفة مثل استخدام النفط والمشتقات الحرارية التي هي مصادر غير متجددة، لا يمكن الاستمرار فيها مستقبليا ولها تأثيرات جانبية على البيئة من خلال انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وحل هذه الإشكالية يتم بتطوير وسائل متجددة وهو ما يفرض علينا الاتجاه نحو الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح. وفي الحقيقة، إنه قد بدأ هذا التوجه من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التي بادرت بإطلاق مشروع تجريبي في مدينة الخفجي لإنتاج 30 ألف متر مكعب من المياه باستخدام الطاقة الشمسية.

* في ظل توجه عدد من دول الخليج للاستفادة من الطاقة النووية في أغراض سلمية وإنشاء السعودية لمدينة الملك عبد الله للطاقة النووية، كيف تقيمون جدوى استخدام الطاقة النووية لتحلية المياه كخيار بديل؟

- استخدام الطاقة النووية في هذا المجال مجرب عالميا وهي خيار قائم يأتي، في وجهة نظري، بعد استنفاد الخيارات الأخرى، ولكنه يظل كخيار واقعي ومهم. إلا أنه يجب أولا النظر إلى خيارات الطاقة الشمسية المتوافرة بشكل كبير والطاقة الحرارية قبل الاتجاه نحو الخيار النووي، الذي هو في الأصل لا يصنف ضمن مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والأمواج والحرارة الباطنية. وفي رأيي أن الطاقة النووية هي خيار أقل أولوية من مصادر الطاقة المتجددة.

* معظم محطات التحلية على الساحل الشرقي هي محطات تعمل خارج عمرها الافتراضي، ورغم وجود خطط لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار في هذا المجال خلال 15 سنة قادمة، ألا يشكل هذا الأمر جرس إنذار بتعطل هذه المحطات في لحظة ممكنة؟

- قضية تقادم محطات التحلية هو موضوع مطروح منذ فترة، ولكن مرة أخرى نعود ونتساءل: كيف ندير هذه المحطات؟ وهل يمكن الاستمرار في بناء المحطات في ظل زيادة الطلب على المياه وزيادة السكان؟ هذا أمر صعب في وجهة نظري. فنحن على الرغم من شح مصادر المياه لدينا، فإن الفرد الواحد يستهلك في حدود 300 لتر يوميا بينما في دول أوروبا التي تملك مصادر غنية بالمياه يستهلك الفرد فيها 150 لترا يوميا وفي دول أخرى 120 لترا، فنحن الأفقر مائيا والأكثر استهلاكا للمياه في الوقت نفسه. وهنا تكون المعادلة في كيفية إدارة الموارد المتوافرة بجانب الاستهلاك المتزايد وتقليل هذا الاستهلاك.

* ماذا عن استخدام مياه الصرف الصحي في الأغراض الزراعية كخيار بديل؟

- أنا أرى أن استخدام المياه المعاد إنتاجها من الصرف الصحي لري المحصولات الزراعية هو خيار غير مناسب لوضعنا ولا يحل المشكلة. فالقطاع الزراعي يستهلك 18 مليار متر مكعب سنويا بينما الناتج من مياه الصرف الصحي لا يتجاوز 700 مليون متر مكعب. ولو جمعنا كل مياه الصرف الصحي البالغ حجمها مليارا ونصف المليار متر مكعب، وهو أمر غير ممكن حاليا، فلن تحل سوى 7 إلى 8 في المائة من حجم المشكلة. فاستخدامها زراعيا لا يشكل فرقا يذكر بينما يمكن استخدامها بصورة أفضل في أي مكان تستخدم فيه المياه المحلاة ذات التكلفة الإنتاجية العالية، وذلك في المدن التي تستهلك المياه المحلاة.

وهنا يجب أن يتم التركيز على الاستفادة من مياه الصرف الصحي في حل مشكلة الاحتياج البلدي وليس الزراعي. وقد بينت الدراسات أن 33 في المائة من الاستهلاك المنزلي يذهب إلى صناديق الطرد في دورات المياه، وهذا يعني أن الكمية المستهلكة قرابة 350 مليون متر مكعب من إنتاج المياه المحلاة البالغ نحو مليار ومائة مليون متر مكعب. فإذا استطعنا أن نستبدل بهذه النسبة بديلا مثل مياه الصرف الصحي، فسنوفر 33 في المائة من إجمالي المياه المحلاة.

كخلاصة، أقول إنه لمواجهة المستقبل لا يمكن الاستمرار فقط في زيادة تحلية المياه دون إدارة المصادر المائية بشكل فاعل.

* هذه الأيام تشهد الكثير من مناطق الجنوب السعودي فيضانات جراء السيول والأمطار، ألا يمكن الاستفادة من كميات المياه هذه عبر إنشاء السدود والحواجز المائية؟

- أعتقد أنه يوجد لدينا عدد لا بأس به من السدود، وإنشاء السدود يعتمد على عوامل من ضمنها الهندسة الإنشائية وجيولوجية المناطق. غير أن السؤال الحقيقي هو: هل من المجدي الاستفادة من هذه المياه السطحية؟ وللإجابة، نحن بحاجة إلى دراسات تأخذ في الاعتبار كمية المياه الساقطة وتكرارها. يوجد لدينا تقريبا 5 مليارات متر مكعب من المياه السطحية والمتجددة سنويا، وهو أمر سوف يحل جزءا من المشكلة، ولكن ذلك يظل أقل بكثير من أرقام الاستهلاك الحالية. ومع ذلك، فإنه يمكن الاستفادة من مياه السدود في حل مشكلات المياه في بعض المناطق.

* بما أن الحديث يعيدنا إلى الاستهلاك الزراعي، ما رأيكم في التوجه إلى الزراعة في دول غنية مائيا بجانب توفير الأمن الغذائي والمائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الوقت ذاته؟

- العالم تحول الآن إلى قرية صغيرة وأصبح بالإمكان توفير الغذاء من أكثر من مصدر من مختلف مناطق العالم، وبالتالي تحولت قضية الاكتفاء الذاتي الزراعي إلى أمر أقل أهمية. الأمر الأهم هو توفير الأمن المائي. أما بالنسبة إلى الاستثمار الزراعي، فيمكن النظر إليه كعملية استيراد للمياه، حيث إن استيراد أي محصول يعني ضمنيا استيراد كميات من المياه، وهو أمر إيجابي ويرفع إشكالية وجوب تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل المحاصيل.

* ما حقيقة المخزون المائي من المياه الجوفية؟ وكم يبلغ حجم هذا المخزون؟

- من الصعب تحديد كمية معينة للمياه الجوفية، وتحديدها يخضع لتقديرات متفاوتة وتحتمل أخطاء كثيرة.

* ما التقدير الأقرب إلى الصواب؟

- من الصعب تحديد ذلك، فجزء لا يستهان به من هذا المخزون متفاوت من ناحية تجدده ونوعية مياهه، حيث إن بعضها مالحة وبعضها مياه ذات درجة ملوحة أقل، مما يجعلها صالحة للاستخدام. غير أن الأهم هو أن هذه المياه معظمها غير متجدد وما يستهلك منها لن يعود.

* كم يجب أن نستهلك سنويا من هذه المياه؟

- لا يوجد رقم معين. ولكن استراتيجيا يجب أن لا نستهلك من هذه المياه إلا بقدر المياه المتجددة المتوافرة التي تبلغ 3 إلى 5 مليارات متر مكعب سنويا.

* ما رأيكم في حملات ترشيد استهلاك المياه وهل صنعت فرقا في معادلة الاستهلاك؟

- ربما يكون لهذه الحملات أثر في تقليل الاستهلاك ولا تتوافر لدي إحصاءات، غير أنها تظل ذات تأثير لحظي مرتبط بتوقيت الحملة ثم يزول أثرها ولا تحل الإشكالية بصورة فعلية. وأنا أرى أن الحل لترشيد الاستهلاك هو بتسعير المياه بشكل معقول ورفع أسعارها بشكل يتناسب مع تكلفة إنتاجها.