استقرار أسعار السلع الغذائية في السعودية.. وتحذيرات شرعية من رفعها

عبد الله العثيم: سوقنا «مفتوحة» * عالم شرعي: الاحتكار «محرم»

تأكيدات باستقرار أسعار المواد الغذائية مع رمضان، وتحذيرات شرعية من مغبة رفعها
TT

في ظل التوقعات التي سادت الأوساط الاجتماعية في السعودية بارتفاعات محتملة قد تطرأ على المنتجات والسلع الغذائية بالتزامن مع شهر رمضان المبارك، عكست الأسواق والمحال التجارية استقرارا واضحا في أسعار جملة السلع التي تلقى رواجا كبيرا في الشهر الكريم.

وفي وقت برزت فيه تحذيرات شرعية، قبل شهر رمضان، من مغبة رفع التجار أسعار المواد الغذائية، خرج أحد علماء الفقه ورجال الدين في السعودية بفتوى تحرم رفع الأسعار.

ومقابل ذلك، أكد لـ«الشرق الأوسط» عبد الله العثيم، رئيس مجلس غدارة شركة «العثيم»، وأحد رجال الأعمال السعوديين، بأن أسعار المواد الغذائية تشهد استقرارا في هذا العام، ولم تطرأ عليها ارتفاعات تذكر، عدا منافذ البيع المتطرفة أو تلك البعيدة عن المدن الكبرى.

وقال العثيم في رده على سؤال حول ما إذا كانت الأسعار قد أخذت في الارتفاع مع موسم رمضان: «على العكس تماما.. فهناك استقرار في الأسعار التي هي أفضل مما كانت عليه في العام الماضي. يوجد في مدينة مثل الرياض حرب طاحنة في التخفيضات تذكرك بحرب داحس والغبراء».

وكانت وزارة التجارة والصناعة قد أعلنت من خلال تقرير لها أن السلع الرمضانية كافة متوفرة بكثرة في المجمعات التجارية، مشيرة إلى استقرار أسعار بعضها وارتفاع طفيف في الأخرى مع تراجع لأسعار سلسلة كبيرة من المنتجات الأكثر طلبا، داعية المواطنين إلى التعاون معها في حال وجود فروقات سعرية كبيرة بين المجمعات التجارية في بعض السلع والإبلاغ عنها.

مع دخول شهر رمضان الكريم، عادة ما تتسابق الخطى والأنظار في السعودية والكثير من الدول، لتوفير حاجيات الشهر الخاصة من مأكل ومشرب، التي قد يستغلها بعض من ممولي المواد الغذائية لتحقيق مكاسب مالية في أقل وقت ممكن.

ولم يجد رجل الدين الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار في الديوان الملكي السعودي، في تصريحات خاصة بـ«الشرق الأوسط» حرجا من تحريم زيادة أسعار السلع الغذائية - الرمضانية وغير الرمضانية - مستندا في تحريمه إلى قول لشيخ الإسلام ابن تيميه «لا يجوز لأحد أن يكسب فوق الكسب المعتاد»، على اعتبار أن ذلك يتنافى مع تشريع ديني، يرتكز على كون الإسلام دين النصيحة، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة، لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

الشيخ العبيكان الذي عمل لسنوات مستشارا عدليا في وزارة العدل السعودية، اعتبر الغش والتدليس، واستغلال حاجات الناس، والاحتكار وزيادة الأسعار زيادة فاحشة بغير وجه حق، من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية.

وربما لا ترُق تصريحات رجل الدين السعودي هذه لبعض من ممولي المواد والسلع الغذائية، على اعتبارها تحرم ما يعتبرونه حقا مشروعا في السعي وراء الكسب السريع، حتى وإن كان ذلك الكسب على حساب غير الميسورين ماليا، الذين لا يجدون سوى الانقياد وراء ما يحدده تجار من أسعار للمواد الغذائية والسلع الرمضانية.

ومقابل ذلك، يؤكد عبد الله العثيم مجددا، أن السوق السعودية «سوقا مفتوحة»، وتتوفر بها الاحتياجات كافة، وأن مدنها الرئيسية لا تشهد رفعا في الأسعار، خلافا لمنافذ البيع البعيدة عنها، التي قد ترتفع فيها الأسعار بواقع ريال أو ريالين.

وبالعودة إلى حديث الشيخ عبد المحسن العبيكان، الذي يعمل في الديوان الملكي السعودي مستشارا شرعيا، قال إن «رفع وزيادة الأسعار عن المعتاد واستغلال دخول شهر رمضان من أجل تحقيق مكاسب معينه، سواء كانت السلع رمضانية أو غير رمضانية، محرم شرعا».

وأخذ العبيكان على عاتقه تبيان منع تخفيض سعر سلعة ما، على حساب رفع السعر بشكل غير مباشر في سلعة أخرى، حتى وأن كانت الزيادة بمبلغ ضئيل، فهذا يدخل ضمن الرأي الشرعي للشيخ عبد المحسن العبيكان، القاضي بتحريم رفع أسعار السلع بغير وجه حق.

وينشط رجال الدين في العالم الإسلامي، خصوصا أئمة الجمعة بالتشديد على ضرورة عدم رفع أسعار المواد الغذائية في الشهر الكريم، وغالبا ما تخصص خطب الجمعة الأخيرة من شعبان الذي يسبق دخول شهر رمضان، تتمحور حول توعية التجار من مغبة رفع أسعار المواد الغذائية دون وجه حق.

وكان مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، قد حذر الجمعة قبل الماضي التجار في البلاد، من مغبة رفع الأسعار بشكل عام، وذلك قبل أيام من دخول شهر رمضان المبارك، الذي عادة ما يشهد إقبالا واسعا على اقتناء المواد الغذائية ذات الصلة بالشهر الكريم.

وجاءت تلك التحذيرات من هرم المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة، في وقت لم تفلح فيه الجهود الرقابية والمدنية المبذولة من الجهات ذات العلاقة بحماية المستهلك، في ضبط الأسعار بشكل عام، وأسعار المواد الغذائية بشكل خاص.

وبلغت الأسواق التجارية في جميع مناطق المملكة ذروتها في الاستعدادات قبيل دخول شهر رمضان المبارك حيث توجه المواطنون والمقيمون لتأمين مستلزماتهم من السلع، خصوصا الأغذية والمشروبات التي ارتبطت بهذا الشهر، حيث لا تخلو مائدة في المملكة من منتجات الشوربة والسمبوسة والمعجنات، بالإضافة إلى تشكيلة كبيرة من الحلويات والعصائر يتقدمها شراب التوت، والبرتقال بمختلف نكهاته حيث اعتاد تناولها الصائمون لمواجهة الطقس الحار.

وقدر مختصون في الأسواق التجارية والسلع التموينية ارتفاع الطلب على المنتجات الغذائية في رمضان إلى عدة أضعاف ما كانت عليه مقارنة بالأيام العادية، مشيرين إلى أن متوسط الشراء لدى الفرد يرتفع في رمضان من 100 إلى 500 ريال لمواجهة متطلباته الكثيرة.

وأكد عدد من مسؤولي تلك المجمعات التجارية في عدد من الأسواق التجارية أن مجمعاتهم شهدت إقبالا كبيرا منذ يوم السبت الماضي، حيث عرفت تلك المجمعات زحاما كبيرا من قبل المواطنين والوافدين على حد سواء، وإن اختلفت العادات الشرائية بينهم.

وأشار بعضهم إلى أنه من المتوقع استمرار وتيرة زيادة التسوق حتى مطلع الشهر الفضيل، وهي عادة ألفتها تلك المجمعات التجارية، ولذلك عملت على استنفار جهودها كافة عن طريق فتح المزيد من نقاط البيع وموظفي التحصيل والتحميل لضمان انسيابية الحركة داخل تلك المجمعات ومنع حدوث تزاحم مبالغ فيه.

ويشير أحد مسؤولي المجمعات التجارية إلى أن الأسواق التجارية شهدت هذا العام منافسة كبيرة في توفير السلع الرمضانية الأكثر شعبية، وبخاصة في منتجات الشوربة والمعكرونة والشعيرية والعصائر، وزيادة ملحوظة في الطلب على الدقيق والخمائر المستخدمة لإنتاج المعجنات المنزلية، بالإضافة إلى استخدامها لإنتاج الحلويات الشهيرة المرتبطة بالشهر الفضيل وسط توفر الدقيق والسكر بكميات كبيرة، بحسب تقرير لوكالة الأنباء السعودية.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة «أسواق العثيم»، عبد الله بن صالح العثيم، إن الطلب يزداد على المنتجات الغذائية في رمضان إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالأيام العادية، مشيرا إلى أن من أهم الأصناف التي يكثر عليها الطلب الزيوت بأنواعها والأرز والمعكرونة وشراب التوت وعصائر البودرة، بالإضافة إلى اللقيمات والدقيق والجلي والكريم كراميل.

وأوضح العثيم أن الشركات المستوردة أو الموزعة للمنتجات عادة ما تضع هامش ربح عاليا لمنتجاتها حتى تستطيع أن تغطى تكاليف الدعاية والإعلان، بالإضافة إلى التكاليف والمصروفات التشغيلية الأخرى، مشيرا إلى أن الأسواق التجارية قامت بتوفير بدائل للمنتجات بجودة عالية لا تقل عن جودة المنتجات التي يكثر الطلب عليها بأسعار معقولة وفي متناول الجميع.

وعد رئيس مجلس إدارة «أسواق العثيم» شهر رمضان من أهم الأشهر الموسمية التي تنشط مع تباشيره حركة المبيعات حيث يزداد الطلب من قبل المستهلكين على معظم المواد الغذائية ويرتفع متوسط مشتريات المتسوقين من 100 ريال إلى 500 ريال.

وقدر حجم سوق المواد الغذائية في المملكة بنحو 100 مليار ريال، بينما تستحوذ مبيعات السلع المتعلقة بشهر رمضان على أكثر من 15 في المائة من حجم هذا السوق.

وأوضح مسؤول في إحدى الأسواق التجارية أن المجمعات التجارية حرصت على توفير بدائل للمنتجات الأكثر شهرة واستهلاكا في رمضان لضمان توفرها من جهة وتوفير سلع مماثلة لها في الجودة ومنافسة لها في الأسعار بهدف توفير النفقات على الكثير من المواطنين وعدم السماح بارتفاع سعر سلعة ما نتيجة للطلب الكبير عليها، خصوصا مع توفر سلع بديلة بأسماء تجارية.

وقدر عدد منهم نسبة تذبذب أسعار بعض السلع الرمضانية بين 10 إلى 15 في المائة عن أسعارها في العام الماضي وانخفاض بعضها بين 3 إلى 7 في المائة في بعض الأسعار الأقل شهرة.