فوبيا «الاختلاط» تجمد المحاسبات السعوديات.. والمكاتب النسائية «حل مفقود»

رئيس جمعية المحاسبة لـ«الشرق الأوسط»: كثير من الشركات لا تسمح بالاختلاط أو حتى وجود العنصر النسائي

المحاسبات السعوديات.. بين حلم إنشاء مكاتب محاسبية ونار «التمييز الوظيفي» («الشرق الأوسط»)
TT

أكثر من سنة مرت على حلم سيدة الأعمال السعودية وفاء النعيمي في تحويل مكتبها المجاور لمركز سيدات الأعمال في مدينة الخبر إلى مكتب محاسبي نسائي، وتزيينه بلافتة «محاسب قانوني»، حيث يعمل المكتب حاليا برخصة تتعلق بمزاولة نشاط التسويق. على الرغم من كون النعيمي درست محاسبة في جامعة الملك فيصل ولديها خبرة جيدة بهذا المجال، فإن ما وصفتها بـ«صرامة» الاشتراطات، ما زالت تقف حجر عثرة أمام طموحاتها.

النعيمي التي تنشغل اليوم باستكمال متطلبات الحصول على زمالة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، تؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الحصول على الزمالة السعودية شديد الصعوبة بالنظر إلى الدول العربية والخليجية، لكنها تقول: «هي شروط نظامية لا نستطيع الاعتراض عليها»، موضحة أن مكتبها يقدم حاليا خدمات محاسبية ضمن إطار التسويق، مثل المركز المالي للعميل وإعداد القيود اليومية والدفاتر، وهي المهام التي يؤديها المحاسب الأول في أي شركة.

ويرجع إصرار النعيمي على إنشاء أول مكتب محاسبة نسائي، إلى إيمانها بأن ذلك من شأنه دعم نظيراتها من المحاسبات اللاتي ما زلن يواجهن محدودية في فرص العمل، بينما يتوقف حلمها على تنفيذ اشتراطات الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، التي تعتبر الحصول على الزمالة شرطا أساسيا، بالإضافة إلى خبرة 3 سنوات كـ«محاسب» في مكتب محاسبي، أو خبرة 5 سنوات بطبيعة إشرافية (رئيس قسم المحاسبة مثلا).

أما جواهر الدوسري، التي تعمل محاسبة في الحرس الوطني في المنطقة الشرقية، فعلى الرغم من أنها اختيرت سابقا كـ«موظفة مميزة» في إدارتها، ومع حصولها على شهادة جامعية وخبرات محاسبية، فإنها تبتسم في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدة أنه مع كل هذا فحلم وصولها إلى مناصب عليا (كمدير مالي مثلا) أشبه بـ«المستحيل»، وهو ما ترجعه لمتطلبات هذا المسمى الوظيفي من اختلاط بالرجال، الأمر الذي يجعل المحاسب الرجل هو الخيار الأمثل في أعين الشركات.

وتعتقد الدوسري أن فرص العمل للمحاسبة السعودية أصبحت متوافرة مقارنة بالسابق، إلا أن واقع المرأة المحاسبة فيها هو «محلك سر»، مما يمكن وصفه بالتجمد الوظيفي، بالنظر إلى ثقافة المجتمع وأوضاع بيئة العمل في القطاعين الحكومي والخاص، ومع ما تفرضه الأنظمة من أن المرأة السعودية لا يحق لها العمل في مكان واحد مع الرجل، وإنما لا بد من أن تعمل النساء في مكان منعزل تماما عن الرجل.

ويظهر استطلاع «الشرق الأوسط» لآراء عدة محاسبات سعوديات، أن هناك إجماعا على أن ثقافة المجتمع تحد من طموحاتهن سواء في التقدم الوظيفي أو حتى في إيجاد كيان محاسبي نسائي مستقل، حيث تؤكد الدوسري على وجود تمييز في الأجور والمميزات بين المحاسبات الإناث عن المحاسبين الذكور، بينما ترى مها العجلان، وهي خريجة محاسبة تعمل حاليا في جامعة الدمام، أن الكثيرين ينظرون إلى المحاسبة على أنها «مهنة ذكورية»، الأمر الذي تراه مؤشرا لعدم الثقة بإمكانات المرأة المحاسبة مقارنة بالمحاسب الرجل.

ومع عدم توفر أرقام رسمية حديثة تكشف أعداد خريجات أقسام المحاسبة في الجامعات السعودية، فإنهن في تزايد سنوي مستمر، في حين تغيب مكاتب المحاسبة النسائية بالكامل، التي تراها بعض المحاسبات بمثابة «طوق النجاة» لتدعيم حضورهن المهني أسوة بزملائهن من المحاسبين الرجال، علما بأنه توجد حاليا مكاتب محاسبة تضم داخلها أقساما نسائية، وهي تجربة حديثة نسبيا.

وما زالت خلود عدنان تمبكتي، التي تعمل كمحاسبة قانونية في شركة «ديلويت آند توش بكر أبو الخير وشركاه» في مدينة جدة، هي المحاسبة القانونية الوحيدة المعتمدة والمرخص لها في السعودية، وعن تجربة نظيراتها تقول «دخول المحاسبات السعوديات إلى المجال المهني للمحاسبة بشكل عام ولاختبارات الزمالة بشكل خاص يعتبر حديثا نوعا ما مقارنة بالرجال».

وحول نظرة المجتمع السعودي تجاه مجال عملهن، تتابع أول محاسبة قانونية في السعودية حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «أعتقد أن هذه الصورة في طريقها إلى التغيير، والمجتمع أصبح أكثر وعيا، ومن واجب الإعلام أن يرفع من مستوى معرفة ووعي المجتمع بعرض المهن المختلفة والتعريف بها».

وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من الدكتور أحمد المغامس، أمين عام الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، حول واقع المحاسبات السعوديات، إلا أنه تعذر ذلك، نظرا لظروف إجازته في الوقت الحالي، مع الإشارة إلى كون الهيئة لا تفرض أي معوقات نظامية من جانبها على عمل المرأة في مكاتب المحاسبة والمراجعة، حيث يرجع القرار إلى المكاتب ذاتها في مدى رغبتها واستعداداها لمشاركة العنصر النسائي ضمن الضوابط المتعارف عليها.

من جهته، يشدد الدكتور صالح الشنيفي، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحاسبة والأكاديمي في جامعة الملك سعود، على ضرورة التحدث عن المحاسبين والمحاسبات على السواء عند تناول إشكالات المهنة وعدم عزل المرأة أو النظر إليها من الجانب «الجندري»، وعن الاعتقاد بتواضع إمكانات المحاسبات السعوديات، يقول: «هذا غير صحيح، بل قد يكون العكس، فمن خلال تدريسنا بالجامعة نجد أن الطالبة السعودية التزامها كبير وجهودها كبيرة وقد تتفوق على الطالب».

وتابع الشنيفي حديثه الهاتفي لـ«الشرق الأوسط»، ليوضح أن «عدم أخذ خريجة المحاسبة الفرص في سوق العمل صحيح إلى حد كبير»، مضيفا: «لكن هذا لا يرجع إلى عدم الثقة في إمكانياتها، فالمرأة لم تعط بالأساس فرصة، وبالتالي ليس من الموضوعية أن نتكلم عن المقارنة هنا، وأعتقد أن عدم إعطاء فرص للمرأة هو بسبب بيئة العمل وتأثير ثقافة المجتمع بهذا الجانب».

ويضيف الشنيفي: «نعرف أن كثيرا من الشركات لا يسمح بالاختلاط في العمل أو حتى وجود العنصر النسائي، حيث نجد شركات محدودة جدا وفي نطاقات ضيقة هي التي تسمح بوجود دور للمرأة، بالتالي لم يصل دور المرأة في بيئة العمل - خصوصا في القطاع الخاص - إلى المستوى الذي يمكن خريجة المحاسبة من أن تجد الفرص المناسبة لها».

وبسؤال رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحاسبة عن مدى حاجة سوق العمل للمحاسبات السعوديات، قال: «الطلب على خريج أو خريجة المحاسبة مرتفع جدا، ونحن نستورد الكثير من الموارد ذات العلاقة بمهنة المحاسبة، فمن الطبيعي أن يكون هناك حاجة للمحاسبين أو للمحاسبات، لكن قد تكون هناك عوائق ثقافية واجتماعية تقف أمام خريجة المحاسبة».

وبالنظر إلى المعوقات الاجتماعية، يأتي السؤال: هل يمكن للمحاسبة السعودية القيام بالعمل الموكل إليها من مكتب المراجعة دون الحاجة إلى القدوم لمكتب المراجعة والمحاسبة؟ وهو ما أجابت عنه دراسة سابقة أجراها الدكتور أسامة الحيزان، أستاذ المحاسبة في جامعة الملك سعود، حول «المتغيرات المؤثرة على التحاق المحاسبات السعوديات بالعمل في مكاتب المحاسبة والمراجعة»، حيث تبين أن غالبية أفراد الدراسة يرون أنه لا يمكن للمحاسبة السعودية إنجاز العمل الموكل لها دون القدوم للمكتب، وذلك بنسبة 84.8 في المائة.

وخلصت الدراسة إلى أن العوامل الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالبيئة السعودية هي التي تقف عائقا أمام قيام خريجات أقسام المحاسبة بالعمل في مكاتب المحاسبة والمراجعة، في حين أظهرت أن أكثر من 9 في المائة من المشمولين بالدراسة يعتقدون أن مكاتب المحاسبة والمراجعة ليس لديها المقدرة على تحمل العبء المادي لتوفير المكان الملائم لاستقبال الخريجات.

وعن مدى رغبة هذه المكاتب في إحلال المحاسبات السعوديات بدلا من المحاسبين أو الموظفين غير السعوديين، فقد تبين أن غالبية أفراد الدراسة يرون أن مكاتب وشركات المحاسبة ليس لديها الرغبة في ذلك بنسبة 42.4 في المائة، مقابل من يرى أن لمكاتب وشركات المحاسبة الرغبة في إحلال المحاسبات السعوديات بدلا من المحاسبين والموظفين الوافدين، حيث لم تتجاوز نسبتهم 24.2 في المائة.

وكشفت الدراسة أن نحو 63 في المائة يرون أن لدى مكاتب المحاسبة والمراجعة الرغبة في دعم وإيجاد فرص عمل للخريجات السعوديات في أقسام المحاسبة، ثم يليهم بنسبة 30 في المائة الذين يرون أن لدى هذه المكاتب الرغبة «الشديدة» في ذلك، بينما الـ6 في المائة المتبقية لا يرون أن لدى مكاتب المحاسبة والمراجعة الرغبة في دعم وإيجاد فرصة عمل لخريجات أقسام المحاسبة السعوديات.

أمام ذلك، أوصت الدراسة التي أجريت عام 2007، بزيادة فرص العمل للمحاسبات السعوديات في الدوائر الحكومية، مثل ديوان المراقبة ووزارة المالية وغيرها، إلى جانب مكاتب المحاسبة، وطالبت الدراسة كذلك بتهيئة البيئة المناسبة لعمل المرأة في الوزارات والدواوين والهيئات التي تعتمد على المحاسبة كتخصص أساسي.