القطاع البلدي يعيش «أزمة وظيفية» في مرحلة ما بعد «بند الأجور»

معلومات «الشرق الأوسط» تؤكد أن درجات «المستخدمين» الوظيفية فاقت أصحاب المؤهلات العليا المتخصصة

TT

أسهمت المعالجة الحكومية لملف موظفي «بند الأجور» في السعودية، في خلق أزمة وظيفية في القطاع البلدي، تحديدا، حيث أفرزت معطيات ترسيم المستخدمين وموظفي هذا البند، الذين عادة ما يكونون من حملة شهادات التعليم العام، بوضعهم على درجات وظيفية أعلى من تلك التي عليها أصحاب المؤهلات العليا المتخصصة.

وعلمت «الشرق الأوسط» بأن طريقة المعالجة التي اتبعتها لجنة التثبيت التابعة لوزارة الخدمة المدنية، أخلت بالهياكل الوظيفية لمعظم الأجهزة البلدية.

وتعاني معظم الأجهزة البلدية في السعودية من نقص كبير في الوظائف التخصصية والفنية المساندة.

وتشير المعلومات التي تستند إليها «الشرق الأوسط» في هذا التقرير، إلى أن معظم من تم تثبيتهم (بند الأجور والمستخدمين) حُددت لهم رواتب أعلى ممن يمارسون الأنشطة البلدية الرئيسة، من أصحاب المؤهلات العليا المتخصصة، حيث تم احتساب كل 3 سنوات بمرتبة، في حين أن بعض الموظفين المتخصصين مجمدون في مراتبهم لسنوات طويلة دون ترقيات.

وكانت الأجهزة البلدية، قد لجأت إلى التعيين على وظائف بند الأجور والمستخدمين لسد النقص لديها، وخاصة في الأعمال (الفنية المساندة، والحرفية، والإدارية المعاونة)، التي يتركز تأهيل من يتم إشغاله لتلك الوظائف على مؤهلات (الثانوية العامة، الكفاءة، والابتدائية).

وجاء تفكير الأجهزة البلدية بإحداث وظائف على بند الأجور، نتيجة لعدم استحداث الوظائف المطلوبة طيلة الثلاثين سنة الماضية، طبقا لتقرير تحتفظ «الشرق الأوسط» بنسخة منه، وسبق عرضه على الشورى، مما أدى إلى ثبات الهياكل الوظيفية، وذلك لقلة اعتماد الوظائف اللازمة والضرورية للأجهزة البلدية، بما يتناسب والنمو المتسارع في عدد السكان، ومواكبة النمو العمراني والاقتصادي، وازدياد الطلب على الخدمات البلدية.

وصدر في الأول من أغسطس (آب) 2005، أمر ينص على تثبيت المعينين على وظائف بند الأجور والمستخدمين من المواطنين، ممن يحملون مؤهلات علمية وخبرات عملية.

وعملت الأجهزة البلدية، مع اللجنة الخاصة بالتثبيت التابعة لوزارة الخدمة المدنية، على تنفيذ هذا الأمر، حيث تشير المعلومات إلى أنه تم «تحديد الوظائف المناسبة لكل منهم، وما يتبعه لاحقا من قبل وزارة المالية، واستحداث الوظائف المحددة لهم، وإلغاء الوظائف التي كانوا يشغلونها قبل التثبيت».

وأشارت وزارة الشؤون البلدية والقروية، في تقرير لها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن معالجة ملف موظفي بند الأجور لدى الأجهزة البلدية، أدت إلى «عدم الاستفادة الكاملة من كثير ممن تم تثبيتهم، خلافا لما كان يتم قبل التثبيت من حيث مرونة وظائفهم، وتكليفهم للقيام بأعمال متنوعة».

وتؤكد وزارة الشؤون البلدية والقروية أن «التثبيت كان على حساب وظائف (بند الأجور والمستخدمين) التي تعتبر أساسية للخدمات المتنوعة الأخرى، خاصة بالنسبة للأجهزة البلدية، التي تعتمد على الجهود الذاتية». وتعاني الأجهزة البلدية بشكل عام من نقص في الوظائف الأساسية (التخصصية، والفنية، والفنية المساعدة) المتعلقة بالأنشطة البلدية (الهندسية، والصحة العامة، والطب البيطري، والمراقبة الصحية، والمساحة، ومراقبة الإنشاءات، والقانونية والشرعية لقضايا الاستثمارات، والقيادية، والإشرافية).

كما يعاني قطاع البلديات من نقص الكوادر الوظيفية المؤهلة في بعض التخصصات، مما شكل تحديا كبيرا للأجهزة البلدية لأداء مهامها، والوفاء بمتطلبات العمل البلدي، وتقديم الخدمات البلدية المختلفة.

وتشكو وزارة الشؤون البلدية من أن بعض الوظائف التخصصية والفنية والفنية المساندة شاغرة، خاصة في المدن الصغيرة والقرى لفترات طويلة، (مع إلغاء عقود المتعاقدين من غير السعوديين الذين كانوا يشغلون بعضها)، لعدم إقبال المواطنين على شغلها في تلك الأماكن، على الرغم من الإعلانات المتكررة عنها من قبل كثير من الأجهزة البلدية.

وترى وزارة الشؤون البلدية أن «المنافسة الكبيرة من قبل بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية، التي وضعت لها كوادر وسلاسل وظيفية خاصة بها، بمميزات وحوافز تختلف عن بقية الأجهزة الحكومية، إضافة إلى ما يقدمه القطاع الخاص من حوافز ومغريات»، أدت إلى توجيه كثير من الخريجين إلى تلك القطاعات، وتسرب أعداد من المؤهلين وأصحاب الخبرات للبحث عن فرص ومزايا أفضل.

وتعاني الوزارة من عدم التجاوب من قبل المعنيين بالتوظيف الحكومي مع المطالب المتكررة من قبلها بإعادة تصنيف بعض الوظائف، وإيجاد سلاسل وظيفية خاصة بها (الوظائف الفنية والفنية المساندة والتخصصية) بما يتناسب مع طبيعة تلك الوظيفة، وبما يوازي ما يحصل عليه زملاؤهم في بعض الهيئات والمؤسسات.

وتشير وزارة الشؤون البلدية في تقريرها إلى أن الوظائف التي تُعتمد للأجهزة البلدية الجديدة (المجمعات القروية) «لا تمثل حاجة العمل في جميع الأنشطة البلدية، وأعدادها لا تلبي الحد الأدنى من حاجة العمل الفعلية، مما يمثل تحديا للوزارة وأجهزتها لتفعيل ومباشرة تلك الأجهزة لمهامها».

وأخيرا، أوضحت الوزارة أن «قطاع البلديات يعاني من عدم توفر كثير من البرامج التدريبية المتخصصة، التي تسهم في رفع مستوى أداء العاملين في تلك الأنشطة، نظرا لكثرة الأنشطة البلدية وتنوعها».