الممارسة الدبلوماسية السعودية.. من البروتوكول إلى الخصوصية المميزة

اجتذبت اهتمام الباحثين والمتابعين * فن الدبلوماسية السعودي.. ممارسات رسمها مسؤولون ودبلوماسيون منذ توحيد البلاد حتى عصر خادم الحرمين * الدبلوماسية السعودية.. تلاقح الحضارات وتفاعل الثقافات

الرئيس الأميركي باراك أوباما مستقبلا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
TT

تتبع الدول أشكالا متقاربة في ممارستها المتعلقة بالسلوك الدبلوماسي بعناصره الثلاثة المتعارف عليها، وهي مجموعة قواعد المراسم (البروتوكول) واللياقة (الإتيكيت)، والمجاملة (الكورتوازي). وتعد الضوابط القانونية والتنظيمية المنصوص عليها مثل اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية سنة 1961، وللعلاقات القنصلية لعام 1963، هي الحاكمة في جوانب مهمة على صعيد الممارسة فيما يتعلق بقواعد المراسم.

وعلى الرغم من ذلك تبقى الكثير من الممارسات الدبلوماسية خاضعة إلى التنوع بما يعكس خصوصية كل بلد وتراثه وثقافته.

وشكلت الممارسة السعودية في السلوك الدبلوماسي، فنا خاصا له أساليب وقواعد تتأتى من منطلقات إسلامية واجتماعية، قام بالعمل عليها وتدوينها مسؤولون ودبلوماسيون سعوديون، منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حتى عصرنا هذا.

ومن خلال كتاب أصدره الدكتور أحمد جمعة، المستشار بمعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية السعودية، رصد الدكتور مراحل ومنعطفات مهمة في حياة الممارسة السعودية في السلوك الدبلوماسي، حيث استندت دراسته إلى حصيلة خبرات سابقة ومتابعة مباشرة على مدى عدة سنوات من ممارسة فعلية للدبلوماسية السعودية.

يأتي كتاب الذي عنون بـ«السلوك الدبلوماسي في الممارسة السعودية» وتمت طباعته هذا العام، في خمسة فصول يتناول من خلالها التطور التاريخي لمهام المراسم في المملكة، خاصة بعد توحيدها سنة 1926 وتطور مهام وزارة الخارجية واتساع صلاحياتها وتزايد مسؤولياتها وتضخم جهازها الدبلوماسي والإداري في الداخل والخارج بما استوجب إصدار الكثير من الأنظمة واللوائح كان آخرها «لائحة الوظائف الدبلوماسية» التي بدأ تطبيقها في عام 2008.

وقال السفير السابق، الدكتور أحمد جمعة، لـ«الشرق الأوسط» إن الممارسة الدبلوماسية في السعودية، خاصة ما يتصل منها بقواعد المراسم واللياقة والمجاملة، اجتذبت اهتمام الباحثين والمتابعين لهذا الموضوع، مبينا أن ذلك كان مثار الاهتمام، رغبة في التعرف على كيفية المواءمة على صعيد الواقع الفعلي فيما يبدو في ظاهره محل اختلاف بين موجبات الالتزام الإسلامي عقيدة وتراثا وثقافة من ناحية، ومقتضيات السلوك الدبلوماسي في أشكاله المعاصرة من ناحية أخرى.

وأضاف الدكتور جمعة: «كان مثار فضول الباحثين دوما التعرف على كيفية تعايش طرائق الدبلوماسية الحديثة مع الأنماط السائدة للحياة والتنمية والتفاعل الاجتماعي، التي كان يغلب عليها في الماضي طابع البداوة وتقاليدها وأعرافها المستقرة في النفوس، وإن كانت مظاهرها المادية قد أخذت تدريجيا في الانحسار مع تسارع العمران».

وأشار المستشار بمعهد الدراسات الدبلوماسية إلى أن الباحثين والمتابعين يدينون بكثير من العرفان لأولئك المسؤولين والمؤرخين، الذين حرصوا على تدوين ملاحظاتهم، وتسجيل خبراتهم في مجال الممارسة في كنف الدولة السعودية في مختلف مراحلها، ومن هؤلاء أولئك الذين عاصروا وشاركوا من بين مستشاري ومعاوني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في توطيد أركان الدولة السعودية في طورها الثالث، ويذكر التاريخ منهم يوسف ياسين، وفؤاد حمزة، والشيخ حافظ وهبة، علاوة على خير الدين الزركلي، وآخرين، بالإضافة إلى إسهام الكثير من سفراء السعودية السابقين والحاليين في مذكرات قيمة وكتابات مهمة.

ويحتل موضوع السلوك الدبلوماسي مرتبة متقدمة من الأهمية في التعامل بين الدول من خلال ممثليها المعتمدين، حيث تختلط في فهمه قضايا الشكل مع لوازم الجوهر وهو من الأمور التي تسبب التهوين من شأنها والاستعانة ببعض جوانبها في وقوع أزمات دبلوماسية كادت تتطور إلى حروب حول الأسبقيات بين الدول الأوروبية في القرن الثامن عشر، وتم إحكام ما كان منها مثار خلاف أو محل اجتهاد في صورة قواعد صارمة وملزمة.

وقد تشبعت المعلومات حول هذا الموضوع المهم وتعددت مصادره ما بين رسمية موثقة معتمدة في صورة مراسيم ملكية ولوائح تنظيمية وأخرى مستندة على الملاحظة المباشرة، وتدوين الخبرات التراكمية الشخصية، ذلك أن الدبلوماسية تطورت مع تعاقب الظروف والعصور، وهي في عصر العولمة وفي ظل مؤثرات التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات، الأشد تأثيرا.

وينبغي على الخبرة الدبلوماسية، بحسب الدكتور أحمد جمعة، أن تستند إلى قاعدة صلبة من الثقافات النظرية العامة في مجالات العلوم السياسية والقانون والاقتصاد والاتصال مع تمكن من إحدى اللغات الأجنبية الحية على الأقل إلى جانب اللغة القومية، وهي تكتسب بالدرجة الأكبر من خلال الممارسة الفعلية داخل البعثات الدبلوماسية ووزارات الخارجية وفي أروقة المؤتمرات وقاعات التفاوض الدولية سواء في المحافل التقليدية مثل مجلس الأمن والجمعية العامة ومنظمة التجارة العالمية ومجلس حقوق الإنسان، أو في المحافل الإقليمية المتعددة، أو في الأطر المستجدة مثل تلك المعنية بمختلف جوانب نزع السلاح وحماية البيئة والحد من الاحتباس الحراري وحماية الحقوق الملكية الفكرية والاستخدامات السلبية للطاقة الذرية، وغيرها.

وتتبع كتاب «السلوك الدبلوماسي في الممارسة السعودية»، فن السلوك الدبلوماسي في السعودية ما بين الأنظمة والمراسيم الملكية والوزارة الثابتة والمسجلة والممارسات التي رسمتها عيون المشاركين وكبار المسؤولين على امتداد الفترة من توحيد المملكة تحت حكم الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخلفائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، وتعززت هذه المسيرة بخبراتها المكتسبة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

واقتضى التتبع التاريخي للكتاب في رصد الدبلوماسية السعودية ضرورة الالتزام بأسلوبه ومنهجه في السرد في إطار زمني ومكاني ملازم مع تحليل العوامل المؤثرة ودور الشخصيات البارزة، وإبراز ما هو مستمر حتى الآن من أنظمة واجبة التطبيق في شؤون المراسم وما استقر على صعيد الممارسة الفعلية الأخيرة دوما في التطور من تقاليد وأعراف، كما ألقى هذا الكتاب الضوء على الممارسة في المجتمع السعودي بتمايزاته الكثيرة.

ويمكن من خلال ذلك تعقب الأصول في الماضي مع توضيح ما هو ملزم في هذه الأصول من النواحي الشرعية والقانونية، وما هو مستحسن الإتباع في الحاضر ضمن هامش المرونة المباح في إطار «تلاقح الحضارات» وتفاعل الثقافات.

* مراحل التطور في السعودية

* أوضح الكتاب أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لم يتردد في بناء دولته العصرية القوية، من الاستفادة من أفصل العناصر وأعلاها خبرة داخل المملكة وعلى امتداد العالم العربي، وكان شقيقه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن، عالم آل سعود وأديبهم أقرب مستشاريه، حيث كان يرجع إليه طيلة مدة حكمه في أمور الدولة، وكان أحمد بن ثنيان مستشار مقرب خلال الفترة الأولى حتى مايو (أيار) سنة 1922، حين استعفي لخلاف حول المعاهدة التي توصل إليها مع وفدي حكومتي العراق وبريطانيا في المحمرة حول قضية الحدود والعشائر بين نجد والعراق وكان بن ثنيان يحسن الإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية والتركية.

وكان بعض النجديين الذين يقيمون في الأمصار المختلفة يمثلون الملك المؤسس عبد العزيز، في أول عهده بالحكم اعتبارا من عام 1902، وخاصة بعد توحيد نجد والحجاز وملحقاتهما عام 1926، حيث لم تكن له سفارات أو ممثليات قنصلية في الدول الأجنبية.

وكان هؤلاء النجديون من التجار المستقرين في العراق والشام ومصر والبحرين والهند وغيرها، وكان يختار من أمضى مددا طويلة في هذه الأماكن، ومن اشتهر بالتدين والأمانة والأخلاق الكريمة ولم يكن هؤلاء يتقاضون من الملك أجرا على ما يقومون به من خدمات، ومع ذلك فقد كانوا يشعرون بتميز لأنهم الوكلاء للملك، وكان من أبرزهم في الكويت الشيخ عبد الله النفيسي، وفي البحرين الشيخ عبد الرحمن القصيبي، وفي دمشق الشيخ رشيد باشا الناصر بن ليلى، وفي القاهرة الشيخ فوزان السابق، وفي بغداد والبصرة عبد اللطيف باشا المنديل، وفي بومباي الشيخ عبد الله الفوزان.

وبذل هؤلاء الرجال جهدا عظيما لصالح بلدهم، وحين اتسع نفوذ الملك عبد العزيز بدأ يؤسس خدمات قنصلية رسمية، وكان في غاية التقدير وكان يضع كل قنصل أو وزير مفوض جديد تحت إشراف وكيله السابق حتى يأتي الوقت الذي يختار فيه ذلك الوكيل أن يتخلى عن مهمته.

وأشار الكتاب إلى أن أول مفوضية للمملكة في الخارج أسست في لندن في يوليو (تموز) عام 1930، وعين على رأسها الشيخ حافظ وهبة، تلتها مفوضية بغداد في 1933، وعين على رأسها الشيخ إبراهيم بن معمر الذي كان قبلها رئيسا للديوان الملكي في الرياض، وبعد ذلك توالى تأسيس القنصليات.

وبين الدكتور أحمد جمعة من خلال كتابه أن وزارة الخارجية انتقلت من مكة المكرمة إلى جدة في مايو 1947، وتم وضع أول نظام متكامل لها بموجب قرار مجلس الوزراء، الذي نص على إلغاء النظام السابق وفصل التقسيم الإداري للوزارة في ديوان عام وبعثات سياسية وقنصلية.

وضم الديوان العام حسب الأمر الملكي إدارة سياسية وإدارة للشؤون العربية والمؤتمرات والمعاهدات وللشؤون الإدارية والمراسم وللشؤون الاقتصادية والقنصلية وللمطبوعات والصحافة والنشر والمحفوظات ولشؤون الموظفين وللثقافة والشؤون الصحية مع جواز تشكيل إدارات أخرى حسب الحاجة.

وعرفت البعثات القنصلية بالقنصليات العامة ثم القنصليات ثم النيابات ثم الوكالات القنصلية، ونصت المادة السادسة على أن يتم إنشاء البعثات السياسية والقنصلية بمرسوم ملكي والوكالات والنيابات القنصلية بقرار وزاري.

ويضاهي هذا التنظيم ما كان معمولا به في وزارات الخارجية الأجنبية عامة والعربية خاصة، واستمر سريانه حتى عام 1391هـ، في عهد الملك فيصل حين صدرت لائحة جديدة للتعيين والنقل والترقية تضمنت توصيفا لوظائف السلك الدبلوماسي السعودي استمر ساريا حتى صدور اللائحة في 1429هـ.

وظل الأمير فيصل محتفظا بمنصب وزير الخارجية باستثناء بضعة أشهر خلال عام 1961، تولى خلالها الشيخ إبراهيم السويل مهام هذه الوزارة، وكان الأمير فيصل قد استقال وقتئذ من رئيس الوزارة ووزارة الخارجية عام 1380هـ، وعاد لتوليهما في عام 1381هـ، واستمر محتفظا بهما حتى بعد توليه الملك وحتى استشهاده سنة 1975، حين صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سعود الفيصل وزير دولة لشؤون الخارجية ثم عين وزيرا للخارجية في التشكيل الوزاري بعد ذلك بسبعة أشهر وبالتحديد في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1975.

وانتقلت وزارة الخارجية من جدة إلى الرياض سنة 1984، في عهد الملك فهد، حيث كان قد تم إعداد مقر فخم لائق لها يجمع في طرازه ما بين الطابع الإسلامي وطابع البيئة المحلية في منطقة تتوسط قلب مدينة الرياض وقد حصل طرازه المعماري على جائزة عالمية في العمارة الإسلامية.

وانتقلت مع وزارة الخارجية البعثات الدبلوماسية الأجنبية كافة التي بلغ عددها حاليا 106 بعثات علاوة على مكاتب ومقار 30 منظمة إقليمية ودولية، وأقيم حي للسفارات على مساحة شاسعة غرب المدينة خصصت داخله مساحات كافية لمختلف الدول لبناء مقار لسفاراتها ولدور سكن رؤساء بعثاتها وتم تخطيط المنطقة بكاملها وفق أساليب عصرية راقية تحقق في الوقت نفسه الاشتراطات المدنية اللازمة، كما تضع في الاعتبار التوسعات المستقبلية. وتم إنشاء منطقة سكنية متكاملة للعاملين في الوزارة من دبلوماسيين وإداريين وفنيين، شمال الرياض في حي المحمدية، الذي يعد الآن من أرقى أحيائها السكنية.

وأنشئ داخل هذه المنطقة، فرع للمعهد الدبلوماسي خاص بزوجات موظفي الوزارة، لإعطائهن دورات في الثقافة الدبلوماسية، واللغات وبخاصة الإنجليزية والفرنسية، بلغت في العام التدريبي 2007/2008، 9 برامج استفاد منها 94 متدربة، ويأتي ذلك تحضيرا لهن قبل سفرهن للخارج برفقة أزواجهن.

وأكد الكتاب على أن السعودية التي شرفها الله بأن تكون قبلة العالم الإسلامي وحاضنة للكعبة الشريفة والمسجد النبوي الشريف، اكتسبت مركزية في التمثيل الدبلوماسي مع مختلف دول العالم، وعزز ذلك استضافة عاصمتها الرياض للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، واستضافة جدة للمقر الرئيسي للأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة إذاعات الدول الإسلامية، ووكالة الأنباء الإسلامية (إيتا) ومجمع الفقه الإسلامي، والهيئة الإقليمية للحفاظ على البيئة في البحر الأحمر وخليج عدن.

* الأصول الإسلامية وتطور الممارسة

* أشار الكتاب إلى أن أكثر ما يميز الممارسة السعودية اعتمادها على الأصول الإسلامية بشكل أساسي، حيث كان الإسلام سباقا إلى إرساء آداب السلوك الاجتماعي الراقي بين أتباعه، وأدرك أهمية فنون المراسم واللياقة والمجاملة ونوه بمزايا ممارسة مختلف جوانبها المعروفة حاليا، وأعلت نصوص القرآن الكريم هذا الجانب السلوكي الاجتماعي، واصفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - «وإنك لعلى خلق عظيم»، كما أرسته السنة النبوية في مواضع كثيرة أيضا.

وأجمع المؤرخون على وجود ملامح لعمل التشريفات تحت مسميات مختلفة في الدول الإسلامية منذ العصر النبوي، وذكر مؤرخو صدر الإسلام أن هذه المهمة كان يقوم بها أبو بكر الصديق يساعده بلال بن رباح - رضي الله عنهما - كما أشاروا إلى وجود مقاربات لها في العصور التالية تبلورت بشكل متكامل في العصرين الأموي والعباسي.

ويرجع تأسيس التشريفات الملكية في السعودية بشكلها العصري إلى أوائل عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام 1955 حين أصبحت ضرورتها ملحة في ظل تضخم مصالح المملكة وتشعب علاقاتها الدولية.

وحدثت طفرة كبيرة من الناحية التنظيمية في عهد الملك فيصل، فقد تم استحداث نظام الأوسمة وإدارة خاصة بها، وإدارة هندسة وصيانة القصور وتنظيم خاص لاستقبال وتوديع ضيوف المملكة، وتم تحويل اسم التشريفات الملكية إلى المراسم الملكية في عام 1389هـ، وبدأ استخدام الدليل في الحفلات الملكية السعودية عام 1390هـ، وتم أيضا في عهد الملك فيصل وضع نظام خاص للعلم سنة 1393هـ، كما بدأ بناء قصور للضيافات في منى بدلا من الدور التي كانت تستأجر للضيوف واستكملت بذلك ركائز لأنظمة المراسم الرسمية في المملكة ضاهت ما كان معمولا به في أعرق الدول المتقدمة وقتها وشكلت أسسا متينة بنى عليها الأسلاف العظام.

ووجه الملك فهد في بداية عهده ببناء قصور للضيافات على هيئة فنادق تديرها شركة «إنتر كونتننتال»، فبدأ بقصر المؤتمرات في الناصرية بالرياض، ثم تلته قصور المؤتمرات في جدة ومكة المكرمة والطائف والقصيم وحائل وأبها والظهران والأحساء، وأصبحت المراسم الملكية جهازا مستقلا بجميع أقسامه واختصاصاته، وارتفع عدد ميزانياته، وتم تعيين رئيس له على مرتبة وزير.

وواكب ذلك تطور في وضع وزارة الخارجية السعودية ونمو في دولها، وكانت هذه الوزارة قد أسست تحت مسمى مديرية الشؤون الخارجية في مكة المكرمة في 12 فبراير (شباط) 1926، يتبعها مكتب في جدة وعين الدكتور عبد الله الدملوجي مديرا لها وتلاه في هذا المنصب الشيخ يوسف ياسين، وصدرت الإرادة الملكية في 1930 بتحويل مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة باسم وزارة الخارجية، وتم تعيين الملك فيصل وزيرا للخارجية، إضافة إلى منصبه كنائب للملك في الحجاز، وتم تعيين فؤاد حمزة وكيلا للخارجية ونصت المادة 6 من الإرادة الملكية على أن ترد المخاطبات الرسمية في «الخارجية» باسم وزير الخارجية، وتصدر من «الخارجية» باسمه، وكان ذلك وقتها هو التقليد المتبع في «الخارجية» البريطانية ونظيراتها.

وتم وضع قواعد عامة في أمور التشريفات والبروتوكول بما في ذلك التقدم والصدارة استندت إلى الأصول المتبعة بين الدول عموما وفي مسائل التشريفات بوجه خاص وتحدد هذه فيما جرى عليه التعاون الدولي المستند إلى المعاهد الموقعة في فيينا في يونيو (حزيران) 1815، وبروتوكول «اكس لاشابيل» الموقع في نوفمبر (تشرين الثاني) 1818.

وعلى الرغم من أن السعودية لم تشارك في مؤتمر فيينا سنة 1815، وما تلاه من مؤتمرات ساهمت في تدوين القواعد العرفية القانونية الدولية في المجال الدبلوماسي، حيث اقتصر الحضور على القوى الأوروبية الفاعلة وقتها، فإنها احترمت كغيرها من دول العالم خارج القارة الأوروبية، ما تبلور من أعراف وقواعد، وقامت المملكة في تلك الفترة بوضع ترتيبات لقواعد المراسم في إيفاد واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين وفي إعداد وقبول أوراق اعتمادهم على نحو لا يختلف كثيرا عما كان يجري عليه العمل في الدول الأخرى وما صار عليه العمل بعد ذلك.

* قواعد الأسبقية.. التقدم والصدارة

* تطرق الكتاب الدبلوماسي إلى التزام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بنظام ثابت فيما كان يعرف بـ«المجلس العام» طيلة سنوات حكمه، مبينا أن المعاصرين لتلك الفترة أمثال خير الدين الزركلي في «الأعلام» وأمير الريحاني في «ملوك العرب» سجلوا أن هذا المجلس كانت له أوقات مخصصة يدخله كل قادم عليه ويجلس آل سعود في صف واحد عن يمين الملك وعن يساره وفي نظام ثابت محكم حسب أعمارهم، الأكبر ثم من يليه، ويفسح كل منهم المكان لمن هو أسن منه ولو بأيام، إذ يفعلون ذلك في حركة سريعة، ومن لم يكن من آل سعود يجلس في صف آخر بجانب الملك عن يمينه أو يساره ويظل عن يمين الملك فراغ لبضعة أشخاص، قد يحضرون، أو يحضر بعضهم من ضيف كبير أو شخصية مرموقة.

وإذا دخل أحد الضيوف، وقف له الملك ووقف الجميع، ومد يده لمصافحته، وأشار إليه بالمكان الذي ينبغي أن يجلس فيه إلى جانبه أو قريب منه أو بين الجماعة الذين هم المستشارون والخاصة، ثم من يليهم.

وإذا كان الداخل على المجلس لا يريد أن يكلف الملك بالقيام والسلام باليد أو تقبيل يده يقف في مدخل المجلس ويرفع صوته قليلا بتحية الملك قائلا: صبحك أو مساك الله بالخير، ويجلس حيثما يجد فراغا في المكان وإذا أراد أحد الجالسين الانصراف، انسل بحركة خفيفة لا سلام معها ولا كلام.

وبحسب الكتاب، تحدد كل دولة قواعد الأسبقية الخاصة بكبار مسؤوليها، وهي في المملكة شأنها في ذلك شأن الدول ذات النظم الملكية العريقة في أوروبا الغربية وغيرها، تضع ولي العهد في الصدارة بعد رئيس الدولة يليه النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء يليه الأمراء أصحاب السمو الملكي مرتبين حسب وظيفة كل منهم ويتم هذا الترتيب بالتوافق بين عمداء الجيل الأول، أبناء الملك عبد العزيز في إطار نظام «هيئة البيعة» التي تم استحداثها في أواخر عهد الملك فهد بن عبد العزيز.

وبغض النظر عن تدرج أهمية المناصب الرسمية لأصحاب السمو الملكي الأمراء، يتم احترام عامل السن في تحديد ترتيب الصدارة بينهم وتعطى مرتبة عالية من الاحترام لكبار العلماء وعلى رأسهم مفتي عام المملكة، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس مجلس الشورى.

وتلتزم المملكة في تعاملاتها الدولية بما استقر من أعراف وقواعد حول النظم الأسبقية.

* مراسم الملابس

* يتحدث الكتاب عن التزام دول عربية وإسلامية وآسيوية وأفريقية كثيرة بارتداء أزيائها الوطنية في المناسبات الرسمية باعتبارها تعكس تراثها الحضاري وهويتها الوطنية، وينال ذلك استحسان الجميع خاصة في المجتمعات الغربية.

وذهب الكتاب في حديثه إلى أن «البشت» المعروف أيضا باسم «المشلح» أو «العباءة» أصبح من ملابس الحكام والرؤساء والوجهاء وعلماء الدين وعلية القوم في السعودية ودول الخليج.

وتوجد آداب خاصة للياقة عند ارتداء «المشلح» أو «البشت» وتتمثل أساسا في عدم جواز وضع رجل فوق أخرى أو تمديد الرجل عند ارتدائه ويتم وضع اليد اليمنى داخل الفتحة اليمنى وإبقائها في الخارج للسلام والمصافحة مع إبقاء اليد اليسرى في الداخل بحيث تلملم أطراف «المشلح» عند السير والحركة.

ولفت مؤلف الكتاب إلى أن بطاقات الدعوى في الحفلات الملكية السعودية كانت تنص على وجوب أن يكون لون «المشلح» أسود ولوحظ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تفضيله للألوان الفاتحة المائلة للبياض والرمادي والأصفر الفاتح في المناسبات الرسمية خاصة في فصل الصيف شديد الحرارة واقتداء كبار المسؤولين ورجال الحاشية بذلك.

ويعني ذلك وجود اتجاه للتيسير والتخفيف خاصة مع ظروف الحرارة الشديدة في الصيف.

* مراسم التعارف والتحية والسلام

* بين الدكتور أحمد جمعة في كتابه أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وأنجاله الذين تعاقبوا على الحكم حتى تاريخه، التزموا جميعهم بجانب البساطة في تعاملاتهم الرسمية وحرصوا على الانفتاح على الشعب حضرا وبادية، وأصدر الملك فهد أمرا ملكيا في نوفمبر عام 1986 باستعمال لقب «خادم الحرمين الشريفين» بدلا من لقب «صاحب الجلالة»، وبتجنب استخدام عبارات «سيدي المعظم» و«مولاي» وأمثالها من عبارات التمجيد والتعظيم، وكان من المبادرات الطيبة للملك عبد الله بن عبد العزيز بعد مبايعته بالملك في أغسطس (آب) عام 2005 أن أصدر أمرا ساميا بالتخلي عن ظاهرة تقبيل اليد باعتبارها عادة غير سليمة وتنقيصا من شأن الإنسان الذي كرمه الله.

ويتم الترحيب بالضيوف في السعودية وبقية دول الخليج العربية بتقديم القهوة العربية والتمور، وأصبحت القهوة العربية في السعودية جزءا من نظام التشريفات الرسمي، فأول وآخر ما يشربه ضيوف المملكة خلال زياراتهم الرسمية وغير الرسمية هو فنجان من القهوة العربية، حيث تمتزج رائحة القهوة مع سحب ودخان «العود».

وبحسب الدكتور جمعة في كتابه، فقد نقلت وكالات الأنباء أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله شرب 14 فنجانا من القهوة العربية المرة تباعا، خلال استقباله في مطار القاعدة الجوية في وسط الرياض الملوك والرؤساء العرب المشاركين في قمة الرياض العربية الـ19 في مارس (آذار) 2007 وكان نصيب ضيوفه فنجانا واحدا لكل منهم.

ولم يسبق أن سجلت المراسم الملكية السعودية حالة واحدة طلب فيها أحد الضيوف الرسميين فنجانا ثانيا من القهوة.

وأصبحت القهوة العربية رمزا للضيافة من خلال تقديمها في فناجين بيضاء تصب من دلال ذهبية، ويعد الامتناع عن شربها عارا وعيبا اجتماعيا، إلا إذا كان الامتناع عن شربها مرتبطا بأمر ما كالخطبة والصلح، حيث يشترط الضيف إجابته لطلبه، بحيث يكون تناول القهوة تكريسا لصلح أو قبولا لخطبة.

ويشترط لصبها طرق ثابتة من خلال مسك الدلة باليد اليسرى والفناجين باليد اليمنى وصب القهوة واقفا، ويبدأ من أول جالس في الجهة اليمنى من المجلس، بحيث لا يتجاوز مستوى القهوة ثلث الفنجان وتشرب القهوة حارة ويسمى أول فنجان يصب «الهيف»، وهو أن يشرب صاحب البيت أو صباب القهوة أول فنجان من الدلة أمام الضيف لطمأنته بأن القهوة سليمة، ويسمى الذي يليه «فنجان الضيف» وهو أول فناجين القهوة المقدمة للضيف إكراما له واحتفاء به، ويسمى الفنجان الثاني «الكيف» ويقصد به إشباع المزاج، أما الثالث فيطلق عليه «السيف» وهو كناية عن أن الضيف مع مضيفه على الشدائد، وبعد الفنجان الثالث يجب على الضيف هز الفنجان في يده في إشارة لاكتفائه.

وبلغ من عشق البدوي للقهوة إلى تصغير اسمها فيطلق عليها «قهيوة»، لتحبيبها للنفس.

وارتبطت حفاوة الاستقبال بكرم الضيافة، ومن مراسم الاحتفاء بالضيف الترحيب به عند قدومه وتكرار التحية والحديث معه بلباقة ومحاولة إشغاله بالكلام والترويح عن خاطره ثم دعوته لتناول الطعام وهو ما يعرف بـ«التقليط» وما يتبع ذلك من دعاء للمضيف بالكرم بعد أن ينهض المدعوون من الجلوس على الوجبة.

وتكون مقتضيات آداب السلوك الاجتماعي في السعودية أكثر قسوة في ثقافة القبيلة، حيث الاحترام واجب وضروري لكبار السن وحيث لا يمكن الجلوس مع أفراد العائلة حتى من أبناء العمومة في المجلس الرسمي إلا بكامل اللباس ولا يمكن الجلوس بأي وضع، وخصوصا مد الأرجل وإمالة الظهر.

وذكر الكتاب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وضع ضوابط قويمة بالآداب المترتبة على نحو ما، ويمكن تأسيسا عليها تحديد آداب السلوك العصري القويم عند المصافحة في عدة مجموعات من قواعد اللياقة أولها، أنه في اللقاءات الرسمية مع كبار الشخصيات تمد الشخصية الكبيرة اليد أولا لمصافحة الآخرين وتتم المصافحة باليد اليمنى دائما وتكون بكف ممدودة بطريقة طبيعية في غير ليونة أو خشونة، ودون اعتصار اليد أو سحبها بسرعة من المصافح بما ينم عن عدم الاكتراث وقلة التهذيب وينطبق الشيء نفسه على المصافحة بأطراف الأصابع بما يحمله من تكبر وخلل في التصرف وعلى إطالة بقاء اليد في يد من تصافحه بما يسببه من حرج له.

وينبغي أن تتم المصافحة بين الرجال وقوفا إلا إذا كان بينهم كبير سن فيصافح وهو جالس وتتمثل مجموعة الآداب الثانية في وجوب تركيز الطرفين نظرهما الواحد للآخر خلال المصافحة مع ابتسامة ود وترحيب مقرونة ببعض عبارات المجاملة للسؤال عن الصحة أو بتقديم الأصغر نفسه للأكبر ويمكن عند مصافحة صديق هز اليدين بخفة دون رفعهما وخفضهما بشكل انفعالي وتتمثل الثالثة في وجوب احترام ثقافة الطرف الآخر.

وجاء في ذلك أنه ينبغي التذكير بأنه لا مصافحة على طعام وتكفي التحية بالسلام على جميع الجالسين دون تخصيص وينبغي مراعاة أن تكون المصافحة الدبلوماسية مقصورة على وضع اليد في اليد دون الأحضان والقبلات أو الإكثار من عبارات التحية.

* الزيارات والدعوات الرسمية

* بين كتاب «السلوك الدبلوماسي في الممارسة السعودية»، أن المآدب الرسمية تأتي على رأس الحفلات في الدول عموما، وفي السعودية خصوصا من حيث الأهمية، ودقة التنظيم، وصرامة الإجراءات المتصلة، وتتولى المراسم الملكية في السعودية ترتيب ما يتصل منها بزيارات ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة.

ويتمثل ذلك في إعداد بطاقة دعوة رسمية، توجه من قبل مديرها بأمر من الملك، إلى قائمة من المدعوين من الجانبين، قبل الزيارة بوقت كاف، ويذكر في الدعوة أنها شخصية، وأن يكون لون «المشلح» أسود، وأنه في حالة عدم التمكن من الحضور، يجب إبلاغ المراسم الملكية فورا.

وتنقسم المآدب الرسمية عادة فئات ثلاث، الكبرى الموسعة للزيارات الرسمية، ويدعى لها أصحاب السمو الملكي الأمراء، وكبار أعضاء الوفد المرافق للضيف، والوزراء وكبار رجال المال والأعمال، والصحافة، والفكر، تليها المآدب المتوسطة، ثم الصغرى لزيارات العمل والزيارات الخاصة.

وتقوم إدارة الحفلات بالمراسم الملكية، بعد تلقي الاعتذارات، بترتيب جلوس المدعوين حسب وضع مائدة الطعام، فإذا كانت مستطيلة يكون الملك وضيفه في الوسط متقابلين، وإذا كانت الحفلة والصالة كبيرة فإن الملك يكون في الصدر، وبجانبه من اليمين الضيف، وترتب أماكن المدعوين حسب أسبقياتهم بدءا من يمين الضيف ثم يسار المضيف.

ويجهز لكل مدعو كرت باسمه يوضع أمام كرسيه، وكرت ثان يسلم له عند دخوله إلى مكان الحفل عليه اسمه، ومن خلفه رسم مصغر لطاولة سفرة الطعام، وعليه تأشيرة حمراء تبين له مكان جلوسه.

وتتحدد أماكن المدعوين من كبار الأعيان ورجال الأعمال والفكر ورؤساء الجامعات والهيئات بما يتناسب ومقام كل منهم، وقد يتم إعطاء أولوية اعتبارية تسبق الوزراء، إذا كان الحفل على شرف ملك أو رئيس مسلم، لشخصية دينية بارزة. ويتم ترتيب الجلوس إذا كان الحفل على شرف ملك أو رئيس دولة زائر مع وفد مرافق، بحيث يكون جلوس الشخصيات المتناظرة أو المتقاربة المسؤولية والاهتمامات من الجانبين إلى جوار بعضها لإيجاد مجال لتعزيز التعارف فيما بينها، الأمر الذي يساهم في تحقيق أهداف الزيارة، وفي نجاح المحادثات المتصلة.

وجاء في الكتاب الدبلوماسي الجديد، أن السعودية تنفرد باستقبال عشرات من رؤساء الدول والحكومات وآلاف من الوزراء المسلمين سنويا من بلاد العالم كافة، لأداء فريضة الحج في موسمها، ولأداء شعيرة العمرة، وللقيام بواجب زيارة المسجد النبوي على مدار العام، وتستجيب السعودية لطلب الوفود الرسمية المسلمة المشاركة في مؤتمرات أو ندوات دولية، في السعودية، تضمين برنامجها أداء هذه المناسك.

وتقوم سفارات السعودية في الدول الإسلامية المختلفة باقتراح دعوة، واستضافة خادم الحرمين الشريفين لعدد من الشخصيات البارزة في مجالات السياسة والعلم والثقافة في هذه الدول لأداء فريضة الحج، وتصل قائمة أسماء هؤلاء إلى المئات.

* العادات والتقاليد في الزيارات

* توجد في السعودية وفي دول الخليج العربية المجاورة، تقاليد في زيارات المجاملة في الأعياد، والمناسبات الاجتماعية للشخصيات الرسمية الكبيرة في الدولة من جانب رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة وبعض الوفود الزائرة.

وتتمثل في تقديم القهوة العربية والتمور احتفاء بالضيوف بعد الجلوس، ثم المرور عليهم بكاسات الشاي، بعدها بدقائق، ثم بالعصائر، ويمر حامل المبخرة على الضيوف كل على حدة، ويكون ذلك إذنا للضيوف بشكر المضيف، ثم الانصراف.

وتتنوع العادات والتقاليد في السعودية خارج الإطار الرسمي، وفيما يخرج عن نطاق زيارات الشخصيات الأجنبية، وتتأثر الممارسة محليا إلى حد كبير بخلفيات المنطقة والقبيلة، وربما أيضا العشيرة، ويعرض خادم الحرمين الشريفين على لقاء الجميع في المجالس المفتوحة بالبشاشة المعهودة، مع الحرص على مد اليد للمصافحة، وتقبل بعض عادات التحية مثل تقبيل الجانب الأيمن من العنق أو الكتف بصدر رحب.

* التهاني بأشكالها ومناسباتها

* أوضح الكتاب أن المراسم الملكية في السعودية تختص كنظيراتها في الدول الأخرى بإرسال رسائل التهنئة باسم خادم الحرمين الشريفين إلى ملوك ورؤساء الدول الأخرى بالأعياد القومية والدينية والإسلامية وكذلك في المناسبات المهمة الأخرى كالنجاح في الانتخابات مثلا، أو النجاة من حادث.

وتحتفظ المراسم الملكية لهذا الغرض ببيانات وافية حديثة بأسماء الدول وأسماء ملوكها ورؤسائها ورؤساء الوزارة وأولياء العهد فيها، وتقوم سفارات السعودية في الخارج من خلال إدارة المراسم بوزارة الخارجية بالتنبيه إلى قرب حلول أي مناسبة تستوجب تقديم التهاني الرسمية قبلها بشهر على الأقل.

ويلتزم رؤساء البعثات الدبلوماسية بأداء واجب التهنئة في المناسبات القومية والدينية مثل عيدي الفطر والأضحى للمسلمين واليوم الوطني لكبار المسؤولين في الدولة المضيفة.

* واجب العزاء

* كما أكد الكتاب على أن السعودية تلتزم بما ترتبه أصول المجاملة في التعامل بين الدول من وجوب التعزية عند حدوث حالة وفاة في دولة شقيقة أو صديقة لملك أو رئيس، أو شخصية عامة كولي للعهد أو رئيس للوزراء أو نائب لرئيس وتتدرج طبيعة مراسم أداء هذا الواجب طبقا لعلاقات البلدين، ففي حالة وفاة رئيس دولة وثيقة الصلة يتم مشاطرة دولته الأحزان بإعلان فترة حداد موازية، من 3 إلى 7 أيام، يتم خلالها إلغاء المهرجانات والاحتفالات وتنكيس الأعلام على دور الحكومة وسفارات الدولة بالخارج باستثناء السعودية التي لا ينكس علمها لأن عليه اسم الله.

وترسل الدولة وفدا رسميا في تشييع الجثمان، والدفن، وتقديم واجب العزاء، وقد يرأسه رئيس الدولة شخصيا.

وتلتزم السعودية بما نصت عليه السنة النبوية الشريفة من اقتصار فترة الحداد الرسمية وأداء واجب العزاء في حالات الوفاة عموما على 3 أيام، وهو ما تم عند وفاة الملك فهد بن عبد العزيز يوم الاثنين الأول من أغسطس 2005، فقد صدر إعلان رسمي من الديوان الملكي نعى فيه الفقيد الكبير، وتمت مراسم انتقال السلطة لولي العهد - وقتها - الأمير عبد الله بن عبد العزيز بسلاسة ويسر.

وأعلن تشييع الجنازة يوم الثلاثاء الثاني من أغسطس، وعن فترة حداد 3 أيام.

وأعلن الأمير تركي الفيصل سفير خادم الحرمين الشريفين في لندن، أن السفارة ستفتح كتابا للتعزية ابتداء من الأربعاء، وهو ما فعلته بقية سفارات السعودية في الخارج، واختصر الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن زيارة كان يقوم بها لبريطانيا، وأعلن الديوان الملكي الأردني أن الملك سيشارك في جنازة الملك فهد بن عبد العزيز، وأكد الديوان على مواساة السعودية في هذه المناسبة، معلنا عن حداد مدته 40 يوما في الأردن.

وأعلن رؤساء مصر وسورية وفلسطين ولبنان والجزائر عن مشاركتهم في الجنازة، وعن الحداد في دولهم لمدة 3 أيام.

وألغت الجامعة العربية قمتها الطارئة، التي كان من المقرر أن تبدأ أعمالها في الثالث من شهر أغسطس ذاك العام، وقررت سورية إلغاء الاحتفالات التي كانت مقررة في الأول من أغسطس، بمناسبة عيد الجيش السوري.

وأعلن الرئيس الباكستاني عن حداد رسمي مدته أسبوع كامل، وتوالت التعزية من ملوك ورؤساء دول العالم المختلفة، الذين شاركوا شخصيا بوفود رسمية في مراسم التشييع والعزاء.

وشارك أمراء وحكام دول الخليج العربية على رأس وفود كبيرة، وتمت صلاة الجنازة على الفقيد الكبير بعد صلاة العصر يوم الثلاثاء الثاني من أغسطس عام 2005، ووري جثمانه الثرى في مقبرة عامة غير مميزة، هي مقبرة العود وسط العاصمة الرياض، في مراسم مبسطة كانت مثار إعجاب المتابعين من مندوبي وسائل الإعلام العالمية.

* القلائد والأوسمة

* ذكر المستشار بمعهد الدراسات الدبلوماسية والسفير السابق، في كتابه، أن قلادة بدر الكبرى وقلادة الملك عبد العزيز تعدان أرفع الأوسمة السعودية مقاما وشأنا ولا تمنحان إلا للملوك ورؤساء الدول، وتمنحان لخادم الحرمين الشريفين فور مبايعته بالحكم، ويليهما وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الممتازة، ويمنح لأولياء العهد ولنواب رؤساء الجمهوريات ولرؤساء الحكومات.

واستحدث وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الثانية بمرسوم صدر عام 1391هـ، ويمنح للوزراء وللسفراء السعوديين والأجانب الذين أدوا خدمات جليلة، يليه وسام الملك عبد العزيز، وهو تقديري يمنح لمن أدوا خدمات كبرى للدولة من خمس درجات (ممتازة، أولى، ثانية، ثالثة، رابعة).

كما استحدث في عهد الملك خالد بن عبد العزيز، وشاح الملك فيصل يلي وشاح الملك عبد العزيز، ذا الشريط الأخضر، في الترتيب، وتنطبق عليه شروطه كافة ويسبق وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الثانية، ووسام جديد بخمس درجات باسم وسام الملك فيصل يلي وسام الملك عبد العزيز وتنطبق عليه كل شروطه، وتمنح كلها بأمر ملكي.

يذكر أن معهد الدراسات الدبلوماسية تناول في دراسات ثلاث سابقة الضوابط القانونية والعملية للتنظيم الدبلوماسي والقنصلي وقواعد اللياقة والمجاملة في العمل الدبلوماسي والمحررات الدبلوماسية بين الثبات والتطور، ويعد المعهد هذه الجوانب الثلاثة ركائز أساسية للمعارف المتصلة بالدبلوماسية علما وخبرة، وغلب على تناوله لها بحكم الضرورة ومع الحفاظ على الإيجاز غير المخل في الشكل والمضمون، التركيز على التوجهات الأساسية والأطر العامة مع عدم إغفال الأصول الإسلامية.

وجرى التأكيد في هذه الدراسات الثلاث على أن القواعد والمفاهيم والتوجهات قد تكون واحدة أو متقاربة لدى غالبية الدول بحكم التزامها جميعا بأطر دولية قانونية حاكمة. ويبقى رغم ذلك الكثير مما يخضع إلى التنوع في مجال الممارسة بما يعكس خصوصية كل بلد وتراث كل إقليم، وطرح ذلك أفضلية إعداد دراسة تكاملية إضافية تركز على أشكال الممارسة في المملكة في مختلف الجوانب محل الدراسات السابقة، مع إبراز خصوصية وضعها وتميز تراثها وعمق التزامها الديني.