رمضان يكسر روتين السعوديين ويرفع أسعار الاستراحات 50%

يصل إيجار بعضها إلى 10 آلاف ريال شهريا

السعوديون معتادون على قضاء أوقات الفراغ في الاستراحات الواقعة خارج المدن («الشرق الأوسط»)
TT

دفع الطلب المتزايد على الاستراحات في السعودية خلال شهر رمضان المبارك، إلى ارتفاع أسعار الاستراحات، بواقع 50 في المائة عن أسعارها المعتادة، حيث إنه ما إن يأتي هذا الشهر إلا ويزداد الإقبال على قضاء جزء ليس يسيرا من أوقاتهم خارج المنازل، إما في استراحات باتت تفي بمتطلباتهم الترفيهية، أو في شقق مفروشة يعمد البعض منهم على إضفاء شيء من الرفاهية عليها، للتمكن من متابعة ما يقدم في شهر رمضان من كل عام، من مسلسلات وبرامج تلفزيونية لا تنتج إلا للشهر الفضيل.

وبالتأكيد إقبالهم على الاستراحات، خصوصا تلك التي باتت تتنافس على وسائل الترفيه، بات دخول شهر رمضان والإقبال على تأجيرها مساهما في رفع أسعار أجورها الشهرية، بنسبة قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 50 في المائة.

ويأتي اتجاه كثير من السعوديين إلى الاستراحات والشقق المفروشة في محاولة لكسر الروتين وإيجاد متنفس يكون بعيدا عن المنازل بحيث تكثر فيه المرونة بشكل لا يشكل عائقا أمامهم.

يرى الدكتور عبد العزيز الغريب، أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن فئات الشباب تعد أكثر فئات المجتمع تعرضا للتغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافية، لكون تلك المرحلة تعتبر مرحلة انتقالية تحولية يسعى الجميع إلى أن تكون مرحلة تحول هي الأفضل.

ويعتقد الدكتور الغريب أن الشباب في هذه السن - يعني سن الدراسة الجامعية - يشكلون عوامل تغيير ثقافي اجتماعي، يقود له ما يحملونه من تصورات تخالف بعضها الرؤى والتصورات التي عاشتها الأجيال السابقة.

ويرى الدكتور الغريب أن الأسباب التي تدفع الشباب للجوء إلى الاستراحات أسباب وصفها بـ«النسقية» ترتبط بمدى قدرة الشاب على إشباع احتياجاته دون الإخلال بالأعراف الاجتماعية، المرتبطة بالدرجة الأولى بتغيرات اقتصادية تربوية أسرية في وقت واحد.

بعض من العاملين في الاستراحات، ممن التقتهم «الشرق الأوسط» يجدون في فئة الشباب «العزاب» صيدا سمينا لهم، لحرص تلك الفئة العمرية على التنوع في أشكال السمر، وممارسة بعض من الرياضات التي يختص بها شهر رمضان فقط عن غيره من أشهر السنة. ويأتي ذلك لأن تلك الفئة العمرية تحرص على إحياء السمر لساعات متأخرة من الليل، ساهم في زيادتها قرار المملكة بأن يكون شهر رمضان من الأشهر التي تندرج ضمن إجازة نهاية العام الدراسي، فالسعودية طبقت العام الحالي إغلاق أبواب المدارس في شهر رمضان، بعد أن كان الشهر يأتي ضمن الأشهر الدراسية في المملكة، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة الساعين وراء خلق برامج ترفيهية لا تحلو إلا في الشهر الكريم.

فالسعوديون حرصوا عبر السنوات على تفعيل بعض الرياضات في رمضان فقط، فمثلا، الشباب السعودي يحبذ مزاولة «كرة الطائرة» في رمضان على الرياضات الأخرى، ويحرص الشباب بجميع فئاته العمرية على مزاولة تلك الرياضة، التي تشهد إقبالا كبيرا على مزاولتها في ليالي الشهر الكريم.

العاملون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» على زيادة في أسعار الاستراحات التي تحوي ملاعبا لكرة الطائرة، التي تعد الأكثر طلبا، حيث يتراوح إيجار استراحة تحوي تلك المتطلبات قرابة 6 آلاف ريال للشهر الواحد وهذا للاستراحات التي تتوافر فيها متطلبات قد تكون معقولة خاصة لفئة المراهقين، بينما قد تزيد أسعار الأخرى منها على أكثر من حدود 10 آلاف ريال للشهر الواحد على حسب ما تحويه من وسائل ترفيه، وقرب موقعها من المواقع التجارية التي تؤمن احتياجات الشباب في ليالي سمره الخاصة، فتحديد الأجور هنا يعتمد على وسائل الترفيه خصوصا رفيعة المستوى منها، التي قد يزيد أجرها على أجر شقة سكنية ما، أو ربما فيلا في بعض أحياء الرياض.

ملاك الاستراحات والشقق المفروشة انتهجوا أساليب جديدة ومربحة لهم للتعويض في فترة شهر رمضان عن بعض أشهر السنة التي لا يجدون فيها من يبحث عما يتخذونه تجارة تساهم في زيادة مداخيلهم المالية، فيلاحظ نشاط في عروض التأجير، بل وتحولت بعض الميادين العامة في الرياض إلى مواقع يستهدفها العاملون في تلك الحقول للترويج عما يملكون مما تتطلبه فئة الشباب، والأمر هنا لا يقتصر على الشباب فقط، بل باتت الأسر منافسة للشباب في السعي وراء ما يعتبر من وسائل الترفيه، كل على حسب قدرته المالية.

الشاب عماد عبد الله الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن سعيه مع مجموعة من أصدقائه الذين لا يجدون وقتا لتجمعهم في مكان واحد للأنس والسمر إلا خلال شهر رمضان المبارك، فالمسلسلات والبرامج التلفزيونية التي ينفرد بها هذا الشهر عن غيره تستحق السعي وراء خلق أجواء خاصة وبعيدة عن الروتين الذي يعيشونه خلال أشهر السنة المتبقية. الأمر هنا لا يستدعي سوى جمع مبالغ متوازية يعمل الراغب في الحصول على استراحة خاصة مع أصدقائه، للحصول على مكان خاص، يستطيعون من خلاله عيش ليالي الأنس الخاصة بهم، المفعمة بالأجواء الرمضانية، التي تختلف عن ليالي أشهر السنة الأحد عشر الأخرى.

أما الشاب عبد المجيد النفيعي، فيروي لـ«الشرق الأوسط» شاكيا من قلة وقت الفراغ خلال أشهر السنة العادية، وهو الأمر الذي يتبدل خلال الشهر الكريم لتوافر الوقت الذي لا يجد وسيلة للاستمتاع به سوى لقاء الأصدقاء في أماكن تجمعات تحوي وسائل ترفيه يحرص السعوديون على مزاولتها في شهر رمضان فقط.

في هذه الأثناء، تخرج بعض الاستراحات التي يعمل فيها بعض العمالة حيث يعتبرها البعض منافسة لهم دون وجه حق، لا سيما أن البعض منها غير مرخص بشكل رسمي، وهو ما يعتبره البعض من المستثمرين في هذا النشاط سوقا سوداء يجب تصحيح وضعها أو إلغاؤها من قبل الجهات التي من شأنها تنظيم عملها.

بعض الشباب يجد هذه الاستراحات بمثابة المتنفس وهؤلاء يعتبرون من ذوي الشخصيات التي تتعلق بالمكان بشكل سريع، لا سيما الأماكن التي يجدون أنها أقرب إلى أنفسهم من حيث احتواؤها على رغباتهم الشخصية، ويتحول تعلق البعض منهم بتلك المواقع إلى أكثر من تعلقه أو ارتباطه بمنزل الأسرة، وهنا يرى الغريب أنها المرحلة التي تحتاج إلى وعي أكبر، لكون الشاب إن ابتعد عن أسرته في تلك المرحلة العمرية، فقد ينقاد إلى بعض الإشكالات التي قد تؤثر على شخصيته، من حيث الابتعاد عن الأجواء الأسرية التي تعود على نفسيته بالأمان من جانب، والشعور بالانتماء من جانب آخر.

وهنا يعود الدكتور الغريب ليوضح أن الشاب في هذه المرحلة العمرية من شأنه أن يتجه إلى مرحلة التجديد والتغيير، ولا سيما أن ظروف الحياة تتطور بسرعة هائلة في مجال التقنية والعلوم، والاستخدام العلمي.

وتعد مرحلة الشباب الأكثر حماسا للتجديد والتغيير واستيعاب التحديث، فهم أكثر قدرة على التفاعل والاستجابة للمتغيرات من حولهم، وأسرع استيعابا وتقبلا للمستحدثات، وهو ما يقود الشباب إلى الرغبة في تغيير الواقع الذي وجد من حولهم ولم يشاركوا في صنعه.

ويرجع الدكتور الغريب ذلك إلى خصائص أساسية مميزة ومرتبطة بالدرجة الأولى بمرحلة الشباب التي ترتكز في بعض فصولها على الفضول وحب الاستطلاع، والبحث الدائم عن الجديد، وهو ما يعتبره علماء النفس والاجتماع نزعة استقلالية تعتمد على تأكيد الذات والمرونة والحيوية التي تعكس روح المغامرة والجرأة في تلك المرحلة العمرية المهمة التي يعتمد عليها في تكوين شخصية الشاب.