منطقة عسير: انهيار حصون أثرية في قرية رجال ألمع يثير جدلا حول تأخر ترميمها

السياحة والآثار لـ«الشرق الأوسط»: توفير مبلغ عاجل لترميم القصر المنهار والحفاظ على المباني حتى يصل إليها التأهيل الكامل

منظر لقرية رجال ألمع والحصن وقد انهار نصفه («الشرق الأوسط»)
TT

فجّرت انهيارات مبانٍ أثرية في قرية رجال ألمع بمنطقة عسير، جراء الأمطار التي سقطت على المنطقة منتصف رمضان الحالي، جدلا حول تأخير ترميم قصرين تاريخيين كانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد وجهت بترميمها.

ففي الوقت الذي نفى فيه مصدر مسؤول ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول علاقة هيئة السياحة بتأخر تنفيذ مشروع إعادة تأهيل قرية رجال ألمع، التأخر الذي نتج عنه انهيار حصون القرية التاريخية بعد الأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة رجال ألمع خلال الأيام الماضية، حمل المصدر المسؤولية لشركة «رجال» - وهي شركة محلية أسسها الأهالي - في ما حدث للآثار من انهيارات.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الشركة مسؤولة عن إعادة ترميم وصيانة البنيان القديم، والحصون، إلى جانب توليها مهام استقطاب خبراء مختصين في البناء الحجري من خلال دعم مالي عن طريق بنك التسليف السعودي. واسترسل: «من هذا المنطلق هناك عمل مشترك وجماعي يتمثل في عدة جهات حكومية كما هو الحال مع شركة (رجال) التي تقوم على جهود شخصية من قبل أبناء قرية رجال ألمع».

من جهته أوضح عبد الله إبراهيم مطاعن، المدير التنفيذي لجهاز السياحة بمنطقة عسير، أن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وجه إلى الإسراع في مساعدة الأهالي من قبل الهيئة، بتوفير مبلغ عاجل لإعادة تأهيل القصر الذي انهدم، ودعم جدران القصور، بما يحافظ عليها قائمة حتى يصل إليها التأهيل الكامل، خصوصا في ظل استمرار موسم الأمطار على المنطقة، بالإضافة إلى دعم شركة «رجال» مع مكتب العمل لتوفير العمالة المطلوبة، حيث يحدد قطاع الآثار العدد المطلوب والتخصصات اللازمة، إلى جانب تخصيص مبلغ للبدء في مركز الزوار.

جاء ذلك بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت على عسير، حيث تضررت على إثرها مباني قرية رجال ألمع، ومنها سقوط قصر جابر، الذي هو ضمن القصور السبعة المتفق على تأهيلها ضمن دراسة مشروع القرية.

وأشار المدير التنفيذي لجهاز السياحة بمنطقة عسير إلى أن توجيه الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، جاء حرصا منه على التراث والإرث التاريخي المتمثل في قرية رجال ألمع، وما تمتاز به من أهمية على مستوى المملكة في التراث العمراني.

وأفاد مطاعن بأن الهيئة العامة للسياحة والآثار تجسد دور المحفز والمذلل للعقبات التي تواجه مشروع إعادة تأهيل القرى التراثية، وأبان بأن الدراسة التي قدمتها الهيئة العامة للسياحة أفرزت عددا من المهام، وزعت على الدوائر الحكومية، كل وفق اختصاصه، وكان للمجتمع المحلي والمتمثل في شركة «رجال» الأهلية، مهمة إعادة تأهيل وترميم بناء القرية وحصونها، وبعقد متفق عليه مع البنك السعودي للتسليف لاقتراض مبلغ قدره 7 ملايين ريال، «إلا أن هناك بعض الأسباب التي أدت إلى تأخر إعادة تأهيل وترميم المباني، نعكف حاليا على تسهيلها وتخطيها».

وأضاف بأنه سيتم تكليف إحدى المؤسسات لتدعيم المبنى إنشائيا بشكل عاجل، ومن ثم عمل الترميمات الإنقاذية اللازمة حسب توصيات الاستشاري المكلف.

وأشار في حديثه أيضا إلى أن دور الهيئة العامة للسياحة والآثار في ما يخص إعادة تأهيل القرية، يتمثل في بناء مركز للزوار داخل القرية التراثية بمبلغ قدره 4 ملايين ريال، وسيبدأ - وبحسب قوله - العمل على بناء هذا المبنى وفق خطة مدروسة وموزعة كما هو معمول مع باقي الجهات الحكومية الموكل إليها مهام تصب في صلب اختصاصها.

وأوضح بعض أهالي القرية أن انهيار أجزاء من القصرين جاء بعد الأمطار الغزيرة، بالإضافة إلى تباطؤ تنفيذ مشروع إعادة تأهيل القرية، التي التزمت به الإدارات الحكومية، ومنها أمانة منطقة عسير ممثلة في بلدية المحافظة، والنقل والمواصلات، ووزارة الزراعة، والتعليم، والشركة المستثمرة، وغيرها، وهذه الجهات وقعت على عقود المشروع قبل ستة أشهر ولم يحصل إلى الآن البدء فيه.

وفي رد لمحمد بن سعود المتحمي، محافظ محافظة رجال ألمع، قال: «نحن رفعنا ميزانيتنا، إلا أن العمل على إعادة تأهيل القرية يعمل وفق منظومة متكاملة، لا يمكن أن تبدأ جهة دون الأخرى».

ونفى إمكانية اكتمال مشروع ترميم القرية هذا العام، خصوصا في تطبيق ما سبق الاتفاق عليه، وقال إن السبب يعود إلى تأخر الدوائر الحكومية في تنفيذ مشروع التطوير والتأهيل، وهذا بحسب قوله أكبر معطل لتنفيذ الدراسات التي وقعت قبل عدة أشهر.

وأضاف المتحمي أن أبناء القرية لم يتأخروا في تنفيذ ما أوكل إليهم، وقال إنهم سيبدأون بتسديد أقساط المبلغ الذي اقترضوه، على الرغم من تأخر التأهيل وتطبيق الدراسة التي قدمتها الهيئة العامة للساحة والآثار، وطالب في حديثه بالوقوف بشكل جدي حيال هذا التأخير، بتذليل التحديات وحث الدوائر الحكومية المشاركة في المشروع للبدء فورا في العمل لتطوير القرية.

إلى ذلك، قال رئيس بلدية رجال ألمع حسين علي رجب لـ«الشرق الأوسط»: «نحن خاطبنا الهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة عسير بأكثر من ثلاثة خطابات، لإرسال المخططات التفصيلية التي تخص البلدية في هذا المشروع، فلم يصلنا إلى الآن أي رد».

وردا على استفسار لـ«الشرق الأوسط» بشأن ما أثير في بعض الصحف المحلية عن انهيار مبنيين في قرية رجال ألمع، قال أحد خبراء الآثار إن من المعلوم وأثناء تدشين حفل العمل في تأهيل القرية أن الهيئة العامة للسياحة والآثار قد استكملت دراسات المخطط العام لتطوير وتأهيل قرية رجال ألمع، بما في ذلك دراسات تأهيل وترميم المباني التراثية وإعادة استخدامها.

وقال إن الحالة الإنشائية لمبنى آل جابر ومبنى آل حواط المتلاصقين، كانت ومنذ زمن طويل نتيجة لهجر سكانهما لهما في حالة إنشائية ضعيفة ووجود كثير من الشروخ في المباني الحجرية الخارجية لهما، مما أدى وبسبب الأمطار الشديدة التي هطلت على القرية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام هذا العام إلى انهيار جزئي لهما.

ومن المفيد ذكره هنا أن مشروع تأهيل وتطوير قرية رجال ألمع، الذي تكلفت الهيئة العامة للسياحة والآثار به، يشتمل على توثيق معماري وتاريخي لكل مباني القرية القائمة وممراتها وساحاتها، ومنها المبنيان المذكوران. وقد تم ذلك من قبل خبراء في التراث العمراني من داخل المملكة وخارجها وبمشاركة فعلية من بعض أهالي القرية ذوي الخبرة، وتم رصد هذا التوثيق على مخططات تفصيلية مما سيساعد بشكل كبير ودقيق في إعادة بناء وترميم المبنيين المنهارين جزئيا إلى ما كانا عليه في الأساس، وهذه البادرة تعتبر من أهم الأعمال التي تمت للقرية لمقابلة مثل هذه الحوادث.

كما أكد خبير الآثار أن إعادة بناء وترميم وتأهيل أي مبنى من مباني القرية أصبح ممكنا وسهلا، وتأهيلها بشكل متين وإعادة استخدامها باستخدامات جديدة تساعد على الاستفادة من إعادة إنتاج وتسويق منتجات القرية فيها بما يتيح لزوار القرية الاطلاع على تاريخها وأسلوب الحياة فيها من خلال مبانيها ومشاهدة مئات القطع الأثرية القديمة فيها، وتكون هذه المباني منافذ للعرض وبيع المنتجات المحلية التي تشتهر بها، بما في ذلك المأكولات الشعبية فيها.

وأبان الخبير أن مساهمة الهيئة العامة للسياحة والآثار تمكنت من خلق نظام مؤسسي من حيث قيام الشركاء من الجهات الحكومية المختصة في تنفيذ الخدمات والمرافق، إضافة إلى دور شركة «رجال» التي تمثل أهالي القرية والمسؤولة عن تأهيل وترميم المباني التراثية مع التسهيلات التي توفرت لها من خلال صندوق التنمية السعودي والاستفادة من خبرة بعض الأهالي بالمشاركة مع خبراء في التراث العمراني الذين عملوا على استكمال دراسة مباني القرية واستقطاب عمالة يملكون مهارة البناء بمواد الإنشاء المحلية نفسها وإعادة المباني إلى سابق عهدها حسب الدراسات والمواصفات الفنية المعدة لها، وجعل المباني بحالة إنشائية متينة ومقاومة لعوامل المناخ واستيعاب أعداد الزوار لها واستقطاب شركاء من ذوي الاختصاص من القطاع الخاص في المساهمة بذلك.

وأفاد أيضا أن ما حصل للمبنيين كان في فترة عمل شركة «رجال» لبدء العمل وتجهيز الشركاء من الجهات الخدمية المختصة لبدء الأعمال في تأهيل وتطوير القرية، وأن شدة الأمطار كانت سببا مباشرا في انهيار الواجهة الأمامية، الذي كان أساسا في حالة إنشائية ضعيفة نتيجة لقدمه وهجر سكانه له منذ أعوام كثيرة.

إلى ذلك أوضح المهندس زيد السحاقي، أحد أهالي قرية رجال ألمع، بقوله: «لا بد من المحافظة على المعالم التاريخية والمباني التراثية، كونها ثروة ورافدا من روافد الاقتصاد الوطني. كنا ننتظر البدء في تنفيذ المشروع الذي تم تدشينه في شهر ربيع الأول من العام الحالي، لكن إلى الآن لم يتم أي شيء يذكر، وبسبب هذا التأخير في التنفيذ بدأت الحصون تتهاوى».

وتساءل السحاقي بقوله: «بما أنه قد خصص مبلغ، قدره 50 مليون ريال لتنفيذ مشروع إعادة تأهيل القرية، فلماذا لا يتم التنفيذ؟». وطالب الهيئة العامة للسياحة والإدارات الحكومية والشركة المستثمرة بالإسراع في تنفيذ المشروع والتحقيق مع المتسبب في التأخير.

وأفاد محمد حسن غريب، وهو أحد المهتمين بالآثار، قائلا: «لقد انهارت أجزاء من قصرين من أهم قصور القرية، قصر آل حواط، الذي يعد من أقدم قصور القرية ويتكون من خمسة أدوار، حيث جرى ترميمه في عام 1187 هـ وفق ما ذكرته إحدى الوثائق التاريخية بمبلغ أربعة ريالات، وينسب هذا القصر إلى حواط بن جابر بن عثمان. والقصر الثاني هو قصر آل جابر، الذي انهار جزء منه»، وأضاف بأن انهيار القصرين تسبب في إحداث بعض الأضرار في قصر الضيافة الحديث، الذي تم إنشاؤه قبل أربع سنوات تقريبا حيث سقطت الحجارة والطين على القصر مما تسبب في إحداث تلفيات في أجهزة التكييف المركزي، ولم يُصَب أحد بأذى جراء هذه الانهيارات.

ويقول غريب: «إن سقوط هذين القصرين يعد خسارة لإرث تاريخي لأهالي القرية، من الصعب إعادتهما إلى حالهما السابق». وأشار إلى أن القصور الأثرية الباقية أمثال قصر السباع، وقصر معجب، وقلعة آل عامر، و(جامة) آل ناجي، إن لم يتم تداركها فسوف تنهار وتلحق بما سبق.

وأشار غريب إلى أن الشركة المستثمرة لم تقُم بشيء حتى الآن، وهي تنتظر الإدارات الحكومية التي التزمت أمام الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير رئيس مجلس التنمية السياحية، والأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، في تنفيذ ما يخصها من تنفيذ المشروع. وهذه خدمات مهمة للمشروع مما سيشجع الشركة المستثمرة في البدء في العمل. وأضاف قائلا: «نطالب الجهات الحكومية بالإسراع في تنفيذ ما التزمت به من مشروع إعادة تأهيل قرية (رجال) التراثية حتى لا يتكرر ما حصل».