العلاقات العامة في السعودية: فائض بالمتخصصين.. وشح بالممارسين

شركات تعيق توظيف المواطنين.. وأخرى تعتمد على أصوات النساء

TT

تعاني السوق السعودية من فائض بالمتخصصين في مجال العلاقات العامة والإعلان من السعوديين، مقابل شح الممارسين لهذه التطبيقات، مما يطرح التساؤل حول قدرة أقسام الإعلام بالجامعات السعودية على مواكبة حاجة السوق، في ظل تزايد أعداد خريجي أقسام الإعلام.

وتشترط الشركات العاملة في السوق السعودية، شروطا تعيق توظيف السعوديين في العلاقات العامة لتلك الشركات، بينما تعتمد أخرى على توظيف النساء للاعتماد عليهن في مسألة التسويق الهاتفي.

وكانت الجامعات السعودية قد افتتحت منذ أواخر الثمانينات الميلادية في القرن الماضي أقسام الإعلام في أغلب جامعاتها المحلية، حيث كان من بين تخصصاتها العلاقات العامة.

وتتلخص حاجة المنشآت لهذا التخصص في قدرته على توفير قياس اتجاهات الرأي العام، والعمل على بث الرضا التام عن المنشأة، بالإضافة إلى قدرته على وضع الدراسات الإعلانية اللأزمة.

ويعتبر تخصص العلاقات العامة من أوائل التخصصات التي تم إنشاؤها في أقسام الإعلام على مستوى الجامعات السعودية.

إلا أن مخرجات التعليم الجامعي من هذا التخصص تعاني عدم الانخراط في مجال تخصصها الأساسي بعد تخرجها، بالإضافة إلى عزوف الطلاب عن أقسام الإعلام الأخرى كالإذاعة والتلفزيون والصحافة أثناء دراستهم الجامعية، مما أوجد قلة لعدد الطلاب في تلك الشُّعب لحد اقتصار أحد التخصصات على 3 طلاب فقط. وأمام ذلك، يتحدث الدكتور بكر إبراهيم، نائب رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود، بقوله: «إن عدم منح الثقة وإيجاد بيئة مناسبة للشاب السعودي أسهم في عدم التحاق المتخرجين من تخصص العلاقات العامة إلى العمل في غير تخصصهم».

ولمح إبراهيم بأن «طلاب قسم الإعلام بجامعة الملك سعود يحددون تخصصهم عبر مشورة الأصدقاء»، معتبرا أنه «ينعكس سلبا على توافد الطلاب بكثرة على تخصص معين وتجاهل الأقسام الأخرى».

وأكد إبراهيم أن «تضاؤل الفرض الوظيفية وحكرها على العمالة الأجنبية أسهم في هروب طلاب العلاقات العامة إلى وظائف أخرى»، موضحا أنه «يميل إلى أن سوق العلاقات العامة محتكرا من قبل عمالة غير سعودية تدير عمل العلاقات العامة في السعودية»، مشيرا في الوقت ذاته إلى «توافر فرص استثمارية كثيرة، وذلك للعوائد المجزية لهذا الاستثمار.

ووصف إبراهيم «من يروج إلى أن قسم الإعلام لا يأهل الطلاب قبل تخرجهم بأنه يروج لدعاية كاذبة»، معتبرا «أن قسم الإعلام يعمل على إرسال الطلاب إلى الالتحاق بالمنشآت قبيل تخرجهم».

واقترح إبراهيم للحد من تدفق الطلاب إلى تخصص العلاقات العامة، بأن يتم فرض مقابلة شخصية ومحاولة معرفة رغبات الطلاب وتوجيهها إلى المسار الصحيح.

من جانب آخر، اعترف الدكتور عبد الله الجحلان الأستاذ المشارك بكلية الدعوة والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقصور في الجوانب العملية في المنظومة الأكاديمية، وأضاف أن «الرغبة في الالتحاق في تخصص العلاقات العامة يرجع إلى توافر الفرص الوظيفية في سوق العمل».

وأشار الجحلان إلى أن «المهارة المتوافرة لدى الطلاب في الصياغة والتحرير والتقديم الإذاعي والتلفزيوني لا تتوافر في غالبية طلاب الإعلام»، مشيرا في الوقت ذاته إلى عدم وجود هدف معين ومحدد لطلاب الإعلام يعيق من اختيار تخصص لهم، وبالتالي الانسياق وراء جمع الطلاب.

ووصف الجحلان أعداد المتخصصين في تخصص العلاقات العامة في جامعة الإمام محمد بن سعود بالكبير، مضيفا أن «هذه الأعداد تكون محصورة في عدد معين من السنوات»، معتبرا أن عدم وجود التأهيل العملي ساعد في انسياق الطلاب إلى قسم العلاقات العامة وتجاهل أقسام الصحافة والإذاعة والتلفزة.

وأشار الجحلان إلى أن الكفاءة تشترى من قبل الشركات العملاقة في مجال العلاقات العامة والإعلان.

من جهة ثانية، أبان الدكتور عاطف نصيف، رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز، أن «التناقض الحاصل من قبل المهنيين والأكاديميين أسهم في عدم عملهم في مجال تخصص العلاقات العامة»، مضيفا أن «طلاب العلاقات العامة يتلقون مفاهيم تعنى بجوانب متخصصة بالعلاقات العامة مثل قياس اتجاهات الرأي العام ومدى رضاء الجمهور عن المؤسسة التي ينتمي إليها الطالب، بينما يجري مفهوم التشريفات ومهام توصيل الضيوف فقط لدى المهنيين».

وأضاف نصيف أن «قسم الإعلام بالجامعة حاول جاهدا ثني الطلاب عن تخصص العلاقات العامة بطرق كثيرة، حيث فرض قسم الإعلام معدلا دراسيا عاليا لدخول الطلاب إلى تخصص العلاقات العامة»، مشير إلى أن «هناك قسم آخر - الدعاية والإعلان - يعاني عدم توافد الطلاب عليه، كما أنه من أضعف الأقسام إقبالا عليه»، وأكد نصيف أن «العلاقات العامة أكثر قسم يحتوي على طلاب بالمقارنة بالأقسام الأخرى في الإعلام».

من جانب آخر، أبان نصيف أن قسم الصحافة في شقه النسائي يجد إقبالا كثيفا، حيث تخرج في العام الجامعي الماضي 40 طالبة تحمل تخصص الصحافة، معتبرا أن فرص إيجاد وظائف كبيرة جدا بالنسبة إليهن، مضيفا أن العاملين في قطاع العلاقات العامة يبلغ في السعودية نحو 10 أشخاص رغم وجود عدد كبير من الفرص الاستثمارية في هذا القطاع.

وأشار إلى أن قسمه يعمل على تدريب الطلاب في آخر مستوى دراسي، وذلك بإرسال الطالب إلى إحدى الشركات والدوائر الحكومية كما هو سائر الأقسام الأخرى بالجامعات السعودية، إنه يؤكد أن «عدم وعي هذه الشركات بأهمية القسم والعلوم النظرية أسهم في فجوة تفصل بين المهنيين والأكاديميين».

وعن أعداد الطلاب المنتمين لقسم الصحافة، قال نصيف إن «العدد يبلغ العشرات دون الإفصاح عن العدد الفعلي»، معتبرا أنه عدد جيد بالمقارنة بالجامعات السعودية الأخرى.

وفي سياق متصل، اعتبر الدكتور عبد الله الجحلان، أمين عام هيئة الصحافيين السعودية، أن «الهيئة لا تستطيع أن تفرض على أقسام الإعلام الاهتمام بتخصص الصحافة»، مشيرا إلى أنه «يجري العمل على صياغة اتفاقية مع الجمعية السعودية للإعلام والاتصال الغرض منها محاولة إيجاد فرص للاهتمام بتخصص الصحافة».

ومن جهة ثانية، أجرت «الشرق الأوسط» استطلاعا حول شركات العلاقات العامة والإعلان المملوكة لسعوديين، فوجدت أن العاملين بها من السعوديين يقدر بنحو العشرة أشخاص، الأمر الذي طرح الكثير من التساؤلات حول ملكية شركات العلاقات العامة لسعوديين بالأساس.

كما وجد أن الكثير من شركات العلاقات العامة والإعلان تطرح شروطا ومواصفات لطالبي الالتحاق بالعمل بالدعاية والإعلان، شريطة أن يكونوا مندوبين محترفين، ومن هذه المواصفات الخبرة في مجال الدعاية والإعلان، مما يطرح تساؤلات حول تأهيل وتدريب الكوادر قبل تخرجهم، بالإضافة إلى مواصفات شخصية تعتمد على مهارات لا تتوافر في الطلاب كافة.

وحول هذا الأمر يتحدث سلطان البازعي، المدير التنفيذي لشركة «الطارق» للإعلام بالقول: «إن أعداد الطلاب المتخصصين بالعلاقات العامة الكثيفة، موجودة منذ تخريج الدفعات الأولى لقسم الإعلام بجامعة الملك سعود».

وأضاف البازعي «أن من أسباب تسرب الطلاب حتى مع كثرتهم هو العمل الكبير والمعقد، حيث إن كل ما تلقاه الطالب من نظريات لم يكن يتدرب عليها عمليا، مما أوجد صعوبة في هضم مفهوم العلاقات العامة العملي»، مشيرا إلى أنه مع وجود مادة عملية تفرض على الطالب التطبيق العملي إلا أنه لا يطلب من الطالب المتدرب العمل الحقيقي للعلاقات العامة مثل صياغة رسالة للجمهور المستهدف وغيرها، والاكتفاء بترتيب المكان المناسب للاحتفال الخاص بالمنشأة».

كما طالب البازعي، وهو أحد الطلاب السابقين بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود منذ إنشائه، بوجود سنة امتياز في التخصصات كافة، تحرص فيها أقسام الإعلام على تأهيل الطلاب عمليا بشكل مكثف، من خلال إرسال الطلاب إلى شركات كبيرة متخصصة في مجالات الإعلام.

وراهن البازعي على أن المستقبل للشباب السعودي العامل يكمن في العلاقات العامة، نظرا لما يمتلكه الشاب السعودي من ميزة وهي قدرته على فهم الجمهور مما يجعله قادرا على الإقناع.

من جانب آخر، فإن متطلبات شركات العلاقات العامة والدعاية تعتبر بحد قول أحد طلاب جامعة الملك سعود المتخصصين بمجال العلاقات مجحفة ولا تعطي الامتيازات المعطاة للموظف الأجنبي، كما أن النصائح من الطلاب الملتحقين السابقين وكثرة الطلاب الملتحقين بالتخصص دفعتهم إلى الانخراط في تخصص العلاقات العامة، وعدم المغامرة في تتخصصات أخرى، لا توجد بها أعداد كبيرة.

بينما اعتبر بشار محمد أحد العاملين غير السعوديين في شركة العلاقات العامة، عن عدم توظيف السعوديين في هذا القطاع، لعدم توافر المؤهلات المطلوبة في تلك الشركات ومنها التحدث باللغة الإنجليزية، وصياغة الخبر بشكل جيد، بالإضافة إلى حسن الاتصال مع الجمهور، الأمر الذي أدى إلى عدم توظيف السعوديين في شركات العلاقات العامة.