السعودية: «العيد» فرائحية السكان تتكرر مرتين في العام

أحياء في الرياض تعيد إحياء مظاهر المناسبة أيام زمان

درة الحدائق تشهد فعاليات تستهدف الأسر والطفل
TT

ظل العيدان، الفطر والأضحى، منذ عقود وحتى اليوم أهم المناسبات في السعودية، بل إن العيد يمثل الفرائحية الوحيدة التي يحرص السكان على إحيائها من منطلقات دينية صرفة، حيث يمثل الأول احتفالية بعد انقضاء شهر الصوم، والثاني لوقوعه أيام الحج وتنفيذ شعيرة نحر الأضاحي على مدى أربعة أيام تعرف بأيام التشريق.

ودخلت السعودية مناسبات كثيرة يحتفل السكان ببعضها، مثل مناسبة اليوم الوطني التي أصبحت منذ خمس سنوات حدثا لافتا وخصصت له إجازة لموظفي القطاعين الخاص والعام، بالإضافة إلى مناسبات أخرى كمناسبة يوم الأم ويوم الطفل ويوم الحب، لكنها لا تصل إلى حجم الاحتفالية بالعيدين، بل إن الأخير من هذه الاحتفالات وجد معارضة من المتشددين ويتم الاحتفال به خفية.

وحل اليوم عيد الفطر في السعودية وسائر الدول العربية والإسلامية وهو ما يعيد ذكريات جميلة بقيت في الذاكرة عن عيد أيام زمان، الذي كان مناسبة فرائحية وحيدة للسكان تتكرر مرتين في كل عام ويتم الاستعداد لها والحديث عنها قبل حلولها بأيام، إن لم يكن أشهرا ووفق استعدادات ومتطلبات تخص كل عيد، كما أن هناك بعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة وحافظت بعض أحياء الرياض على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي، إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علما بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.

ويحرص الجميع على المشاركة في احتفالية العيد من خلال تناول إفطار العيد في ساعة مبكرة اعتبارا من الساعة السابعة صباحا، حيث لا تستغرق أكثر من ساعتين، بدءا من الساعة السابعة صباحا، حيث يؤدي سكان الحي الصلاة في المسجد ثم التوجه إلى المكان المخصص، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية.

وبعد انتهاء هذه الاحتفالية يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث إن الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيم الهدوء على المنازل لتبدأ الأسر بمتابعة فعاليات العيد التي خصصتها الجهات المختصة وتميزت بالتنوع وإرضاء جميع الأذواق، وتراوحت ما بين الفنون الشعبية، والعروض المختلفة والسينما والمسرحيات، والألعاب بمشاركة فرق من الجاليات العربية الإسلامية والأجنبية تعرض فنونها ورقصاتها أمام الحضور، إضافة إلى عروض الألعاب النارية التي تطلق في أماكن محددة من المدينة بإشراف من الدفاع المدني.

كما يحرص البعض على تذوق جميع الأطباق التي غالبا ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحيانا القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصا في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.

وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجددا في العاصمة السعودية وعدد من المدن والقرى بعد أن اختفت منذ أكثر من أربعة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرائحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القريقعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، حيث أعادت أحياء راقية في الرياض إحياء الاحتفالية القديمة لعيدية الأطفال، حيث جاب عشرات الأطفال من أحياء الرياض بحثا عن عيدية رمضان من الجيران بعد أن نجح الأطفال في أحد الأحياء الأعوام الماضية في إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، حيث جمعوا الحلوى والنقود والهدايا المتنوعة من منازل الحي وحتى من السيارات العابرة مرتدين الزي السعودي القديم، وذلك في احتفالية لافتة أبهجت الأطفال وأسرهم، وحققت الحملة هدفها ومبتغاها، وهو ما دفع البعض إلى التفكير في إحياء هذه العادة القديمة بأساليب مختلفة عن السابق تبعا لظروف الحياة الحديثة. وفي ظل اختفاء مظاهر احتفالية بصورة نهائية للأطفال كانت سمة من سمات رمضان والعيد قبل عدة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرائحية الطفولية، التي تسبق يوم العيد والمعروفة باسم العيدية أو الحوامة أو الخبازة أو الحقاقة حسب كل منطقة في حين تعرف في المنطقة الشرقية ودول الخليج باسم القريقعان عادت مؤخرا هذه الاحتفالية بأساليب جديدة بعد أن بقيت في ذاكرة السكان من كبار السن الذين ما زالوا يتذكرون تلك الأجواء التي تسبق يوم العيد عندما كان أطفال القرى وأحياء المدن يستيقظون صباحا في آخر يوم من أيام رمضان ويجوبون الأحياء طلبا للعيدية من الجيران، يطرقون الأبواب لإيقاظ أصحاب المنازل الطينية الذين يغطون في سبات عميق بسبب السهر والصيام ويردد الأطفال بصوت واحد عندما يتساءل ساكنو المنزل من الطارق؟ يأتي الجواب بصوت واحد من قبل الأطفال: «أبي عيدي عادت عليكم في حال زينة» أو عبارة: «خبزوني لبزوني لو بعويد المغرفة» ثم يكملون: «نوقف الحمير ولا نسوقه» بمعنى: هل ينصرفون أم ينتظرون، فإذا جاء الجواب من البيت بالإيجاب وحصلوا على عيديتهم التي لا تتعدى النقود المعدنية أو الحلوى وبعض المكسرات يصيح الأطفال بصوت واحد: «جعل الفقر ما يدخل عليكم ولا يكسر إيديكم»، أما إذا كان الجواب سلبيا، أي لا عيدية، فإن الأطفال يمطرون أصحاب المنزل بعبارات تنم عن تذمرهم من عدم تلبية طلبهم بالحصول على العيدية مهما كانت من خلال ترديد عبارة: «عشاكم شطة فأرة، وإيدامه بول حمارة، وأبو جعل يبله، والخنفسانة قفرة له». وتعني العبارة تمنيات في حالة عدم منحهم عيدية أن يكون طعامهم يعد من لحم الفأر وإيدامه يعمل من بول أنثى الحمار، وأن يكون القائم بإعداده الجعل وهو حشرة قذرة تقتاد من مخلفات الإنسان وتختتم العبارة بأمنية أن تكون حشرة الخنفس هي القديد الذي يستخدم الوجبة. وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد.

يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عدة عقود تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصا القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب.

* «الفياغرا» بدلا من الحراثة للوصول إلى المصلى

* ومع حلول العيد حمل سعوديون ومقيمون ذكريات ومواقف عن العيد وأيامه القديمة وهم يعودون للعمل في حقولهم ومزارعهم قبل عدة عقود، وجاء أبرز هذه الذكريات والمواقف ما رواه أحد سكان محافظة الغاط (260 كيلومترا شمال غربي الرياض) من أنه استخدم في التوجه من قريته الوسيعة إلى مصلى العيد بالغاط الآلة التي تستخدم في حراثة الأرض المعروفة باسم «الحراثة»، حيث تعلق بهذا الآلة لمسافة كيلومترين وصولا إلى مصلى العيد في أرض مكشوفة وفي ظروف صعبة حيث البرد والمطر ودولاب (إطار) الحراثة يغوص في الوحل ويقذف بكتل الطين على ملابسه الجديدة.

كما روى أحد المقيمين السوريين قصته وهو يستخدم سيارة لنقل الموتى في مدينته حمص في أحد الأعياد قبل 40 عاما ليصل إلى مصلى العيد، وكان الجو حينها ممطرا، وعندما اعتدل في مقعده في صندوق السيارة شاهد تابوتا يتوسط الصندوق فارتاب من منظرة وأثناء التفاتاته المتكررة لمراقبة المطر وزخاته وهو يسقط على قارعة الطريق الصحراوي الذي يخترق المزارع ويؤدي إلى مصلى العيد الوحيد في المنطقة لاحظ يدا تخرج من التابوت وتتحرك ففزع الرجل ونهض من مكانه على عجل وقفز من السيارة ليسقط على الأرض ويغوص في الطين الذي تكون بفعل المطر وتتسخ ملابسه الجديدة آخذا في الصياح ومرددا: الميت عاد إلى الحياة، الميت استيقظ، الميت قام من رقدته، الميت ما مات، في حين توقف سائق سيارة الموتى عندما شاهد الرجل وهو يقفز من السيارة ويسقط على الأرض ونزل معه الركاب بمن فيهم الميت وحملوا الرجل إلى السيارة مرة أخرى وأفهموه بأن الميت هو راكب مثله فضل أن يتقي المطر بالنوم داخل التابوت، وأنه أخرج يده وحركها ليتأكد أن المطر قد توقف حتى يتسنى له الخروج من التابوت.

ويحرص سكان السعودية على الوجود في منازلهم قبل يوم واحد من بدء الدوائر الحكومية والقطاعات الرسمية والخاصة والشركات والمصارف أعمالها التي حدد لها يوم السبت 18 سبتمبر (أيلول) الحالي، كما تحرص بعض الأسر على التبكير في العودة من رحلاتها الداخلية الخارجية لتمكين الأبناء من اللحاق بالمدارس.

وقال سعد القحطاني من محافظة القويعية إنه حرص منذ عامين على قضاء العيد في الرياض، لافتا إلى أن عيد الفطر المبارك في الرياض تميز بالفعاليات المختلفة، لكنه افتقد المظاهر القديمة الموجودة في القرى التي يحرص السكان فيها على المشاركة الجماعية في احتفالات العيد من خلال ولائم العيد بدءا من إفطار يوم العيد وانتهاء بحفلات العشاء التي تقام طوال الأيام الثلاثة من أيام العيد ويتخللها رقصات شعبية أبرزها العرضة والسامري.

وأشار علي العلي من محافظة الغاط إلى أنه بحكم ارتباطه بعمله في الرياض أيام العيد إلا أنه شعر بمتعة في قضاء هذه المناسبة لأول مرة في العاصمة السعودية، حيث اعتاد على قضاء أيام الأعياد في مسقط رأسه الغاط، مقارنا بين العيد في الرياض والعيد في محافظته. مشددا على أن هناك بونا شاسعا بين العيدين، مفضلا العيد في محافظته الذي يحمل نكهة خاصة، حيث إن ولائم العيد تقام في الساحات مسترجعا ذكرياته أيام الأعياد في قريته الوسيعة التابعة للمحافظة بخروج الأهالي بكامل زينتهم إلى مصلى العيد الذي يبعد نحو (كيلومترين) عن قريته وعادة ما يكون المصلى مكشوفا. وقال في هذا الصدد: «إنه يتذكر ذهابه إلى المسجد ممتطيا حراثة (آلة لحرث الأرض) وهي المرة الوحيدة التي يستخدم فيها وسيلة نقل غير أقدامه، في حين سيستقل أول أيام العيد أثناء ذهابه إلى المصلى في شرق الرياض عبر سيارة ابنه المرسيدس من نوع (فياغرا)».

* زكاة الفطر تجدد الدعوة لدعم التمور المحلية

* ووجد الكثير من المختصين رمضان فرصة للاستفادة من شعيرة زكاة الفطر التي يستحب إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين بهدف تحريك اقتصاد التمور وتحقيق الفوائد للمزارعين وتسويق هذا المنتج محليا تزامنا مع موسمه الذي شارف على الانقضاء. وجاءت هذه الدعوات في ظل موسم التمور الكبير وانطلاقا من توجه جاد للحد من استخدام الأرز المستورد والاتجاه إلى إخراج الزكاة من منتجات محلية يأتي في طليعتها التمر والقمح، ويعدان من أبرز قوت البلد، حيث تؤكد الأدلة الشرعية على وجوب إخراج الزكاة منهما، كما أن المطالبة باستبدال التمر بالأرز المستورد في إخراج زكاة الفطر ستنعكس بصورة إيجابيه على الاقتصاد المحلي وتسهم في تسويق منتج يعد سلعة رئيسية في البلاد، خصوصا أن مهرجانات التمور التي أقيمت الأعوام الماضية وهذا العام حققت مبيعات فاقت كل التقديرات، كما أن التمر يعد بديلا ناجحا للأرز الذي سجلت أسعاره ارتفاعا في البلاد وصل إلى أكثر من 100 في المائة، ويمكن توفيره طوال العام، وهو ما قد يسهم في تخفيض تكلفة زكاة الفرد الواحد بنسبة 50 في المائة، حيث تحسب زكاة الفرد الواحد من الأرز بالصاع النبوي الذي يعادل ثلاثة كيلوغرامات بقيمة 18 ريالا، في حين لا تزيد زكاة الفرد من التمر على 9 ريالات.

وأجمع مشايخ ومختصون على أن إخراج السكان (مواطنين ومقيمين)، زكاة فطرهم من التمر يمثل ظاهرة تسويقية جيدة لهذه السلعة التي تنتجها البلاد، كما أن هذا التوجه سيساعد على زيادة الطلب على التمر طوال الموسم ويحقق الاكتفاء الذاتي لدى شريحة كبيرة من المستفيدين من الزكاة.

واعتبروا أن قناعة أغلب السكان بخصوص استخراج زكاة الفطر من الأرز وتفضيلهم لهذه السلعة، بالإضافة لرغبة المحتاجين لها أسهم في ارتفاع مبيعات زكاة الفطر من الأرز على الرغم من ارتفاع الأسعار في السوق المحلية بنسبة تجاوزت الـ80 في المائة، وقد تصل إلى 100 في المائة، كما أن وجود عبوات خاصة بالزكاة من الأرز أسهم في تسهيل المهمة لدى راغبي إخراج زكاة الفطر بعكس التمور والسلع الأخرى كالقمح، حيث لم تبادر مصانع التمور في السعودية بتصنيع عبوات متناسبة مع زكاة الفطر من التمور، وينطبق الحال كذلك على القمح، حيث لم تطرح مبادرات من قبل صوامع الغلال ومطاحن الدقيق وموردي القمح بعمل مثل هذه العبوات، وهو ما فتح المجال لقيام تجارة واسعة لعبوات زكاة الفطر من الأرز تعدت خارج حدود البلاد. ويقدر حجم زكاة الفطر من الأرز في السعودية بنحو 60 ألف طن سنويا، وبمبيعات تتجاوز 360 مليون ريال، علما بأن متوسط أسعار عبوة الزكاة من الأرز زنة 3 كيلوغرامات تتراوح ما بين 18 و21 ريالا. وكان مختصون وعلماء دين طالبوا خلال الأعوام الماضية بالحد من استخدام الأرز المستورد والاتجاه إلى تناول وجبات من منتجات محلية، يأتي في طليعتها القمح والتمر، وجاءت هذه الدعوات بعد ارتفاع أسعار الأرز المستورد من الخارج، معتبرين أن رمضان فرصة لتطبيق هذا الإجراء من خلال إخراج زكاة الفطر لأول مرة من منتجات غير الأرز في مقدمتها القمح والتمر بما ينعكس إيجابا على اقتصاد البلاد من خلال تسويق منتجين محليين، إضافة إلى منع احتكار السلعة وزيادة أسعارها.

وكان الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، المستشار في الديوان الملكي السعودي، وعضو هيئة كبار العلماء قد أكد، بمناسبة إخراج زكاة عيد الفطر العام الماضي، أن التمر هو أفضل قوت يمكن أن تخرج منه زكاة الفطر نظرا لفائدته الغذائية وتوفره طول العام، مشددا على جواز الاستغناء عن إخراج الأرز بأصناف أخرى كالتمر والبر والشعير. واعتبر عبد الله بن محمد الوابلي، عضو مجلس إدارة «البنك الزراعي السعودي»، أن تشجيع الجهات المختصة بالإفتاء المواطنين على إخراج زكاة الفطر من التمر بدلا من الأرز، سيسهم في تسويق كميات كبيرة من التمور، التي تعد إحدى السلع الرئيسية التي تنتجها السعودية، لافتا إلى أننا نقوم عند استخراج زكاة الفطر من الأرز بتشجيع إنتاج دول مثل الهند وباكستان وغيرهما من الدول المنتجة للأرز، وهم المستفيدون من تنفيذ هذه الشعيرة الإسلامية لدينا. واختفت منذ العام الماضي في السعودية دعوات خفض أسعار الأرز وجعلها تلامس سعر التكلفة، وهي دعوات برزت وتبنتها شركة «العثيم» القابضة التي تعد أحد أكبر المستوردين والمسوقين للسلع الاستهلاكية في البلاد. يشار إلى أن السعودية تنتج أكثر من مليون طن سنويا من التمور يتم تصدير نحو 50 ألف طن منها إلى الخارج، وتبلغ مبيعات التمور في السوق المحلية نحو 10 مليارات ريال سنويا، مما يجعل من التمر بديلا ناجحا لأداء السكان زكاة الفطر.

* الإفطار يضبط الساعة البيولوجية

* واعتبارا من يوم غد، ثاني أيام العيد ستبدأ الأسر السعودية في ضبط الساعة البيولوجية لأفرادها وخصوصا الأطفال، استعدادا للعام الدراسي الجديد الذي يحل بعد أسبوعين، كما ستعيد المطاعم في السعودية ضبط الساعة البيولوجية للسكان، بعد انتهاء شهر الصوم، ومضي أيام العيد، وذلك من خلال تقديمها إفطارا باكرا من أطباق أدمن عليها مرتادو هذه المطاعم طوال العام، وتوقفوا عن زيارتها إجباريا بسبب شهر الصوم.

ففي العاصمة السعودية ستتحول ثلاث مناطق في المدينة وهي شارع عسير جنوب غربي الرياض، الذي يعد من أقدم شوارع المدينة والملز شرق العاصمة والحلة وسط المدينة إلى بوصلة ومؤشر لضبط الساعة البيولوجية لسكان المدينة في الأيام التي تلي يوم العيد، حيث ستشهد هذه الأحياء إقبالا من الزبائن الذين يرغبون تناول إفطار باكر بعد أن ضبطوا ساعتهم البيولوجية التي تغيرت في رمضان بهدف تناول أكلتهم المفضلة التي توقفوا عن تناولها إجباريا خلال شهر رمضان، وهي وجبة الكبدة بنوعيها الحاشي والغنم، التي تشتهر مطاعم عسير بإعدادها بعد أن نقل أحد هذه المطاعم موقعه في شارع الحلة إلى شارع عسير، وأصبح الأخير يستقطب زبائن الأول وزبائنه، بالإضافة إلى استقطاب زبائن للمطاعم المجاورة.

وعلى الرغم من طبق الشوربة، الذي يقدم مع صحن الكبدة، فإن الإقبال على تناوله لم يعد بذلك النهم؛ بسبب كثرة تناول الشوربة في إفطار رمضان، حيث يعد الحساء الطبق الرئيسي في مائدة الإفطار الرمضانية، لكن إضافة مادة الخل إليه في مطاعم الكبدة تضفي عليه مذاقا يشجع على تناوله، على الرغم من الملل الذي أصاب متناوليه طوال شهر كامل.

وسيضطر عشاق الكبدة بنوعيها الحاشي والغنم إلى التزاحم بالمناكب في مطاعم شارع عسير وشارع الإحساء وشارع الحلة لتناول طبق الكبدة أو الفول ذي الخلطة السرية، الذي تقدمه المطاعم في الشارعين مع رغيف «التميس» الشعبي الذي يقدم مع وجبة الإفطار ساخنا، ومن على بعد أمتار من المخابز المتخصصة، التي تعد قرصا صغيرا يكفي لشخص واحد. وانتقل زبائن «مطاعم كبدة حلة الأحرار» إلى شارع عسير، بعد أن اكتشفوا أن المطعم الذي ظل عدة عقود يقدم الكبدة، خصوصا كبدة الحاشي في المنطقة الواقعة وسط شارع البطحاء، أعرق شوارع العاصمة السعودية، هو ذاته المطعم الذي انتقل حديثا إلى شارع عسير أحد أقدم الشوارع في الرياض، واشتهر بوجود مبنى إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الذي يتخذ المفتي العام للسعودية منه مقرا له، إضافة إلى وجود أقدم مستوصف خاص في الشارع، وهو مستوصف السلامة القريب من مستشفى الشميسي، الذي افتتح في عهد الملك سعود وعلى بعد عدة أمتار من الشارع وفي جهته الجنوبية تقع سوق ابن دايل، التي اشتهرت ببيع أنواع مختلفة من الأثاث والأدوات المنزلية والورود الصناعية والسجاد، كما يوجد في الحي شركة كهرباء الجنوب التي تستقبل أعدادا من المراجعين طالبي الخدمة الكهربائية من منطقة وسط وجنوب الرياض، أو راغبي تغيير عدادات منازلهم أو إعادة التيار الكهربائي المفصول، وكل هؤلاء هم زبائن لمطاعم شارع عسير.

* عيد الرياض يجمع العالم

* وتعيش المدن السعودية اليوم وعلى مدى ثلاثة أيام احتفالية عيد الفطر السعيد، ففي العاصمة الرياض أوحت المشاهد التي تمت بساحات قصر الحكم في الرياض منذ أيام بتقديم لوحات ناطقة تحكي واقع المنطقة بلغة التاريخ والتراث وهو ما يدعو إلى استحضار نشأة قصر الحكم وعلاقته بقيام الحواضر وتأسيس الحكم واستحضار قصة تطور الرياض عمرانيا وسكانيا ونقلتها الحضارية على مر العقود. وتشهد المنطقة منذ الصباح الباكر أكبر تجمع بشري وسط المدينة، في حين تتحول مدينة الرياض إلى لوحة فرح وحب بعد أن يخرج الناس من منازلهم وهم يرتدون ملابسهم البيضاء ومشالحهم، مصطحبين معهم أطفالهم لتأدية صلاة العيد، وتتحول ساحات منطقة قصر الحكم التي تشهد سنويا الاحتفال الرسمي بالعيد إلى لوحات فنية وتراثية في غاية الجمال، حيث يرسم المشاركون في فعاليات الاحتفال الذي تنظمه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأمانة المنطقة للعام الثامن عشر على التوالي، لوحات من الفلكلور الشعبي، حيث تختلط الأهازيج والرقصات مع وقع أصوات الطبول وصداها يتردد في جنبات ساحات منطقة قصر الحكم، في حين يتابع الآلاف هذه الفعاليات عبر شاشات تلفزيونية يتم نقلها من ميدان العدل إلى ساحة الإمام.

ويحرص الأمير سطام بن عبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض على مشاركة سكان العاصمة من مواطنين ومقيمين الاحتفال بعيد الفطر المبارك، حيث يستقبل في ساعة مبكرة من صباح يوم العيد في قصر الحكم «وسط الرياض» جموع المهنئين بهذه المناسبة السعيدة وسط احتفالية تجسد عمق التلاحم بين الجميع. ويسبق هذه الاحتفالية تأدية صلاة العيد في مسجد الإمام تركي بن عبد الله الذي يعد أقدم مساجد المدينة.

واعتبارا من يوم العيد تتحول مدينة الرياض إلى لوحة فرح وحب بعد أن يخرج الناس وهم يرتدون ملابسهم البيضاء ومشالحهم فجرا لتأدية صلاة العيد في المساجد الموزعة على أرجاء المدينة ليتوجه بعضهم إلى قصر الحكم للسلام على نائب أمير منطقة الرياض وتناول طعام الإفطار على مائدته، ويشارك في ذلك عدد من أبناء الجاليات العربية والأجنبية، في حين يسترجع سكان الأحياء ذكريات جميلة مع العيد عندما ينصبون خياما في الساحات المحيطة بالمساجد ويتبادلون التهاني بالعيد. كما يتناولون طعام الإفطار الذي أعدته ربات المنازل واستحوذت الأكلات الشعبية على الأطباق المعروضة في منظر يعطي دلالة على الترابط الاجتماعي وتقدير السكان لهذه المناسبة المباركة التي تعقب شهر الصوم، في وقت انشغل الأطفال فيه بإطلاق الألعاب النارية. ويتبادل السكان الزيارات فيما بينهم ويشاركون أصحاب المنازل إفطار العيد.

وبتوجيه من الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، تنطلق اليوم فعاليات احتفالات مدينة الرياض بعيد الفطر المبارك لهذا العام بإقامة الكثير من الفعاليات والأنشطة ذات الطابع الاحتفالي والترفيهي بغرض إدخال السرور والبهجة في قلوب المواطنين والمقيمين والزوار بمشاركة من الجاليات الأجنبية وفرق عالمية.

ومن اللافت في احتفالات عيد الرياض لهذا العام، تخصيص قرية كبيرة في ساحة العروض بحي السويدي غرب العاصمة السعودية سيقدم من خلالها عمل مسرحي في إطار القرية تمثل كل قسم منها إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، ويقام فيه عروض حية لعادات وتقاليد كل دولة وكيفية فرحتهم بالعيد أيام زمان واستقبالهم له وما هي هداياه، إضافة إلى تقديم أشعار وقصائد من هذه الدول وتسليط الضوء على موروث كل دولة وتجسد القرية بذلك وحدة المنطقة وتكافل سكانها، وتضم ساحة العروض في القرية أعمالا تعرض أمام الزوار من العائلات، منها السيارات القديمة التي كانت سائدة تستخدم في دول المنطقة قديما، بالإضافة إلى وسائل النقل القديمة من العربات التي تجرها الخيول والحمير إضافة إلى عرض للجمال التي كانت وسيلة التنقل القديمة في هذه الدول.

وستشهد احتفالات الرياض مشاركات عالمية من خلال عروض الجاليات المقيمة في الرياض، ولعل أبرزها العروض الصينية والكينية وعروض السيارات العالمية، وتتضمن فعاليات احتفالات الرياض في العيد برامج مختلفة، لعل أهمها الفعاليات التي ستنطلق مع الاحتفال الرسمي لمدينة الرياض بعيد الفطر، والتي تشمل عروض الفرق الشعبية وبرامج الأطفال، وعروض الألعاب النارية التي ستضيء سماء المدينة وتطلق من خلال ستة مواقع موزعة جغرافيا على أنحاء العاصمة، كما تشهد ساحة متنزه شرق الرياض بحي القادسية البطولة الخامسة للسيارات والدراجات النارية (كسر حاجز الزمن) بمشاركة عدد من السيارات المعدلة والمجهزة بأقوى المحركات التي تتنافس على بطولة أمانة منطقة الرياض، وسيظهر عدد من المحترفين السعوديين ومن دول الخليج إبداعاتهم في عرض الطيران بالتحكم من بعد، كما يقام في استاد الأمير فيصل بن فهد برنامج خاص يشمل الكثير من الفعاليات الرياضية والاستعراضية والعروض الشعبية لعدد من الجاليات وسيتمتع السكان بألوان من الفلكلور والفنون الشعبية، مثل العرضة السعودية والسامري، وسيتردد صدى عازف الربابة بأرجاء المواقع المخصصة لذلك من خلال الخيمة الشعبية في ساحة الكندي بحي السفارات والخيمة الشعبية في ميدان المربع، وحضرت المسرحيات بقوة في برنامج وأنشطة فعاليات العيد، ولعل اللافت في مسرحيات هذا العام مسرحية «بضاعة على الرصيف» التي ستقام على مسرح مدارس دار العلوم للبنات في مدينة الرياض، حيث تقدم الكاتبة أمل الحسين هذه المسرحية التي تناقش من خلالها وضع المرأة السعودية في سوق العمل الحر من خلال عدة نماذج لبائعات البُسط ومعوقات عمل المرأة في محلات المستلزمات النسائية، كما تقدم المسرحية صورة موضوعية لقدرات المرأة السعودية على العمل في أصعب الظروف ورغبتها في إثبات ذاتها والمساهمة في خدمة مجتمعها وفي محاولة جادة لدعم صاحبات المهن البسيطة، كما حضرت الألعاب الإلكترونية (البلاي ستيشن) بقوة أيضا في هذه الاحتفالات، حيث تنظم أمانة منطقة الرياض وللعام الخامس على التوالي مسابقة الألعاب الإلكترونية وهي فعالية حماسية تنافسية مخصصة للشباب والأطفال على شكل مباريات كرة القدم باستخدام جهاز (البلاي ستيشن 3) وبنظام خروج المغلوب وتستقدم للفائزين والمشاركين جوائز عبارة عن دراجات نارية وأجهزة حاسب آلي محمول وأجهزة تلفزيون وأجهزة ألعاب «بلاي ستيشن».

ولم ينس منظمو احتفالات مدينة الرياض بعيد الفطر المرضى الذين يرقدون على الأسرة البيضاء ممن حرمهم المرض متعة المشاركة مع أهلهم وإخوانهم وأقرانهم فرحة العيد وزيارة مواقع الفعاليات المقامة بهذه المناسبة، حيث نظمت أمانة منطقة الرياض زيارات لعدد من المستشفيات بمشاركة نجوم المسرح والرياضة الذين سيقدمون للمرضى هدايا تعبيرا عن مشاركة أهل الرياض لهم ومعايدتهم.