23 سبتمبر في بيوت السعوديين.. «نوستالجيا» التراث و«موائد خضراء».. و«فوق هام السحب»

ثريا العريض: أحتفي بأزياء وأكلات الماضي * سارة الخثلان: أوثّق «فرحة الوطن» بالكاميرا

فرحة أطفال السعودية باليوم الوطني مزينة بالأعلام الخضراء والابتسامات («الشرق الأوسط»)
TT

في 23 سبتمبر (أيلول)، حيث يُزف الوطن عروسا دخلت عامها الثمانين، كلما تقدم بها العمر زادت جمالا، يحتفي كثير من السعوديين داخل منازلهم بذكرى اليوم الوطني، بعيدا عن أجواء الاحتفالات الرسمية، وقريبا من البهجة التلقائية ومظاهر الفرح العفوي، حيث يمارسون متعة «النوستالجيا» أو الحنين إلى الماضي والعودة إلى التراث، في استحضار ذاكرة الأجداد وأرشيف الإنجازات، مع الحرص على الخروج بمظهر غير تقليدي، بما يجعل لهذا اليوم وهجه الخاص.

تقول الأديبة السعودية الدكتورة ثريا العريض: «اليوم الوطني تحديدا لا أنساه»، ثم تضيف (باسمة): «هو اليوم الذي وُلدت فيه أختي ووُلدت فيه ابنتي»، وعن هذه الذكرى تقول: «أشعر أن الوطن أكبر وأحن في هذا اليوم بصفة خاصة، شعوري بالوطن أنه مسؤولية يجب أن نتحملها جميعا فردا فردا»، وتتابع: «الإنسان بلا وطن، هو بلا كيان».

في حين ترسم العريض في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، خريطة طريق للاحتفال باليوم الوطني، عبر ارتداء الملابس التراثية الوطنية وتناول الأكلات الشعبية، مستدركة بأنه على الرغم من بساطة هذه الممارسات فإنها تجعل لهذا اليوم «هوية وطنية»، لكن العريض لم تكتف بالعودة إلى الجذور، حيث تقول: «من المهم أيضا التركيز على فرحة الحاضر وآمال المستقبل».

وتقترح العريض على الشباب ترسيخ هذا اليوم بعمل خيري أو تطوعي، مثل تنظيف الشواطئ والمساجد أو صباغتها وتعديلها، أو القيام بزيارة إلى دور الأيتام وخدمة المحتاجين، مشيرة إلى ضرورة استثمار هذه المناسبة كذلك في تثبيت مفهوم المواطنة وحب الوطن داخل نفوس الصغار، من خلال رفع الأعلام الوطنية وإعداد الموائد المزينة باللون الأخضر، ونحو ذلك.

أما الأديبة السعودية سارة الخثلان، فتسترجع خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» ذاكرة احتفالها بيوم الوطن في السنة الماضية، حيث كانت في محافظة الحريق (جنوب الرياض)، قائلة: «يومها شارك أولادي مع الشباب الصغار بحمل جريد النخل في مسيرة انطلقت بها عدة سيارات.. كانت فكرة ظريفة وطريفة، واحتفالية خاصة عبروا عنها بتلقائية»، وهو ما حرصت الخثلان على توثيقه بالكاميرا والاحتفاظ بالذكرى «المصورة» لفرحة هذه المناسبة.

وعن طقوس الشق النسائي، أشارت الخثلان إلى الموائد المزينة بالمعجنات الخضراء والديكورات الوطنية في احتفالية منزلية مبسطة، وهي ممارسات ترى أهميتها في جعل 23 سبتمبر يوما مختلفا عن سائر أيام العام، وتعتقد الخثلان أن الاحتفاء العام بهذه المناسبة أصبح «مشرقا» على المستوى الفردي وداخل بيوت السعوديين مقارنة بالسابق، وعن شعورها بهذه المناسبة، تقول: «الوطن محبة، ابتهاج، ترابط.. الوطن هو كل المشاعر الجميلة التي تحتوي الإنسان».

منال المحمد، طالبة في جامعة الدمام، قررت أن تجتمع مع صديقاتها مساء الخميس للاحتفال باليوم الوطني، قائلة: «سنرتدي الملابس التراثية، وسنستمع للأغاني الوطنية»، وتكاد تكون أغنيتي «فوق هام السحب» للفنان محمد عبده، و«وطني الحبيب» للراحل طلال مداح، هما الأكثر حضورا في ذاكرة السعوديين في هذا اليوم، وتضيف المحمد: «سنشارك أيضا في مسيرة الوطن بكورنيش الدمام».

ومسيرة الوطن التي من المنتظر أن تشهد حشدا كبيرا من الشباب والفتيات مساء يوم الخميس، هي أيضا صورة جديدة من صور الاحتفاء الشعبي بيوم الوطن، حيث ستنطلق المسيرة من الواجهة البحرية «متنزه الملك عبد الله بالدمام» مرورا بطريق الأمير محمد بن فهد إلى الظهران ثم إلى طريق الملك عبد الله في الخبر، وصولا إلى شارع الأمير تركي في الواجهة البحرية بالخبر، التي تمثل نقطة النهاية لمسيرة المركبات، وعددها 350 مركبة و150 دراجة نارية.

وفي عالم الشبكات الإلكترونية يبدو للحديث عن الوطن طعم آخر، حيث دفعت حماسة الكثير من السعوديين لتشكيل تكتلات جماعية على موقع «فيس بوك»، تنادي بالاحتفاء الحضاري بهذه المناسبة الهامة، مثل حملة «وطني.. مسؤوليتي»، التي تهدف إلى «توعيه الشباب والمراهقين بأهمية اليوم الوطني وأنه يوم للفخر بإنجازات الوطن، وليس لتخريب وتكسير الممتلكات العامة والخاصة».

وينبغي الإشارة إلى أن ثقافة الاحتفاء باليوم الوطني تكاد تكون حديثة نسبيا، حيث لم يولد صخب هذه الذكرى الهامة سوى في العشر سنوات الأخيرة، وعاما بعد عام تزداد «حيوية» الاحتفاء بهذا اليوم داخل البيوت السعودية، بحماسة يقودها الجيل الشاب، إلا أن البعض قد يتطرف في ابتهاجه محولا ذلك إلى شغب وإرباك عام، كما حدث السنة الماضية في المنطقة الشرقية (مدينة الخبر)، بينما يتفاءل البعض بأن ثقافة الاحتفال ستنضج بمرور وقت وستتجاوز أي ممارسات فوضوية.

من جهته، يؤكد مدير شرطة المنطقة الشرقية، اللواء سعد الثبيتي، في بيان تسلمته «الشرق الأوسط»، أن احتفالات هذه السنة ستشهد وجودا أمنيا مكثفا من قبل دوريات الأمن والمرور، وشدد على «ضرورة تواصل العاملين بالميدان مع المراقبين بغرف العمليات الرئيسية لتحديد مواقع الاختناقات المرورية والطرق البديلة وذلك من خلال ما يتم ملاحظته بواسطة كاميرات رصد الحركة وأنظمة التسجيل والمتابعة والتحرك بشكل سريع للعمل على سحب الحوادث والتعامل مع أي تجمع غير نظامي في حينه مع توجيه الحركة لضمان تسيير الطرق بشكل انسيابي».

وأفاد الثبيتي بأن «التغطية الأمنية ستشمل الأماكن السياحية والحدائق وأماكن التنزه والميادين العامة، لتنظيم الحركة المرورية ولمنع أي تصرف قد يصاحب تلك الاحتفالات، وما يمكن حدوثه من تجاوزات أو بعض المظاهر المزعجة والتصرفات اللامسؤولة من بعض الموجودين بتلك الفعاليات»، في حين دعا «الجميع إلى الالتزام بالحدود المسموح بها في التعبير عن الفرحة بهذا اليوم الغالي واحترام خصوصيات الآخرين من الحضور من العائلات وعدم مضايقتهم».