غابت الحكومات المركزية فغابت الإحصاءات السكانية

محاولة مبكرة لإحصاء السكان قبل إعلان توحيد البلاد * تضاعف عدد السكان يزيد حجم الفقر والبطالة والطلب على الخدمات * الملك عبد الله يبدد المخاوف التي تواجه مسيرة التنمية مبشرا بالخير في الأيام المقبلة

الملك عبد الله يتسلم التقرير السنوي لمؤسسة النقد مبددا المخاوف من تحديات تضاعف السكان
TT

لم يحظ موضوع الإحصاءات والتعدادات السكانية في السعودية بدراسات شاملة ووافية مع أن هناك جهودا ومحاولات مبكرة لحصر وعد السكان في الأقاليم والمناطق في الفترة التي سبقت إعلان توحيد السعودية.

وتعد السعودية من الدول الحديثة العهد بالإحصاءات والتعدادات السكانية مقارنة بدول العالم المتقدمة، وبعدد من الدول العربية مثل مصر والعراق، وحتى بعض الدول العربية المجاورة لها مثل الكويت والبحرين، كما أن الدراسات المنشورة عن واقع الإحصاءات والتعدادات السكانية من البلاد محدودة.

وسجلت السعودية أول تعداد سكاني لها عام 1974م أي بعد مرور نحو 43 عاما على إعلان وحدتها، وتبعه في عام 1992م ثاني تعداد، أي بعد مرور 18 عاما على التعداد الأول، ونفذ التعداد الثالث عام 2004، ونفذ التعداد الرابع في سلسلة التعدادات السكانية الشاملة في شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي وجاء متوافقا مع 4 مناسبات مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وتاريخ الإحصاءات والتعدادات السكانية فيها هي:

- مرور 80 عاما على إعلان وحدة المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ.

- مرور 80 عاما على صدور أول نظام لإحصاء السكان في المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ، وهو «نظام إحصاء النفوس».

- مرور 30 عاما على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

- إجراء أول تعداد موحد للسكان والمساكن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وقدم الدكتور محمد بن صالح الربدي، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، محاولة لرصد وتوثيق تاريخ الإحصاءات والتعدادات السكانية في السعودية منذ أصدر الملك عبد العزيز قبل 80 عاما أمره بالموافقة على «نظام إحصاء النفوس» والبدء في آخر تعداد تم في البلاد وهو التعداد الرابع الذي نفذ بداية العام الحالي وتزامن مع مرور 80 عاما على إعلان توحيد السعودية، وصدور أول نظام لإحصاء النفوس، وتنفيذ أول محاولة في تاريخ المملكة لعد السكان.

لافتا إلى أن الملك عبد العزيز، وقبل صدور الأمر الملكي بإعلان توحيد السعودية في الثامن عشر من سبتمبر (أيلول) عام 1932م شرع في تشكيل بعض الأجهزة والمصالح الحكومية، كما سن عددا من التشريعات والأنظمة والتنظيمات الإدارية، ومنها ما يتصل بالإحصاءات والتعدادات السكانية.

ففي أوائل عام 1351هـ (منتصف عام 1932م)، وبينما يبدو للمؤلف أنه تمهيدا لإعلان توحيد السعودية صدر أمر ملكي بالموافقة على «نظام إحصاء النفوس»، وكذلك الإعلان عن بدء عمليات الإحصاء في بعض مدن المملكة، وعلى وجه التحديد حواضر منطقة الحجاز.

ويعد «نظام إحصاء النفوس» أول نظام يتصل بالإحصاءات السكانية في السعودية، كما أن عملية الإحصاء التي تم تنفيذها آنذاك استنادا لهذا النظام تعد الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

في تقديمه لكتاب «الإحصاءات والتعدادات السكانية في المملكة العربية السعودية خلال 80 عاما»، الذي تزامن مع اليوم الوطني السعودي وغطى الفترة من عام 1932 إلى 2010م، أوضح الدكتور محمد بن صالح الربدي، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن الدول الإسكندنافية من أوائل الدول التي قامت بإجراء تعداد السكان بمفهومه الحديث، وذلك في القرن الثامن عشر، وكانت البداية في السويد عام 1749م، ثم النرويج والدنمارك، أما الولايات المتحدة الأميركية فتم إجراء أول تعداد فيها عام 1790م، وفي بريطانيا مطلع القرن التاسع عشر (1801م)، أما الدول العربية فإن مصر تعد الرائدة في ذلك، فأول تعداد سكاني جرى فيها يعود إلى عام 1882م. وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كانت البداية في البحرين (1941م)، ثم الكويت (1957م)، ثم تلتها بقية الدول فيما بعد، أما السعودية فهي من البلدان الحديثة العهد بالإحصاءات والتعدادات السكانية، على الرغم من أنه صدر في عام 1932م أمر ملكي بالموافقة على «نظام إحصاء النفوس»، وكذلك الإعلان عن بدء عمليات الإحصاء في بعض مدن المملكة، وخصوصا في حواضر الحجاز.

وحدد الباحث الربدي في ضوء ما توفر له من معلومات مرحلتين متميزتين ومختلفتين مرت بهما الإحصاءات السكانية في السعودية خلال الثمانين عاما الماضية، موضحا أن المرحلة الأولى تمتد أربعين سنة، بدأت بعام 1932م، وهو تاريخ توحيد السعودية، وصدور أول نظام لإحصاء النفوس وإجراء أول محاولة في تاريخ المملكة لعد السكاني وانتهت بعام 1971م صدور نظام تعداد السكان العام والشروع في تنفيذ برامج التخطيط المنظم عن طريق خطط التنمية الخمسية، معتبرا أن أبرز ما تميزت به هذه المرحلة سن الأنظمة والتشريعات الأساسية بالإحصاءات والتعدادات السكانية، وتأسيس الهيئات والمؤسسات الموكل لها تنفيذ ذلك، بالإضافة إلى إجراء محاولتين لإحصاء السكان، من خلال الآتي:

صدور أول نظام لإحصاء النفوس في المملكة عام 1932م، وصدور نظام الإحصاءات العامة للدولة عام 1960م، وتأسيس الجهاز المركزي للإحصاء في المملكة تحت اسم «مصلحة الإحصاءات العامة» 1960م، وإجراء محاولتين لإحصاء السكان، الأولى: إحصاء النفوس لعموم سكان المدن الحجازية عام 1932م، والثانية: حصر السكان والمؤسسات عام 1962/ 1963م.

أما المرحلة الثانية: فتمتد هذه المرحلة أربعين سنة أيضا، تبدأ بعام 1971م صدور «نظام تعداد السكان العام»، والبدء في تنفيذ خطة التنمية الأولى (1390 - 1394هـ)، وتنتهي بعام 2010م تنفيذ التعداد الرابع لسكان المملكة، والتعداد الأول الموحد و«المتزامن» لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والبدء في تنفيذ خطة التنمية التاسعة (1430 - 1434هـ).

وفي حين يمكن وصف المرحلة الأولى بأنها مرحلة البناء والتأسيس، يمكن وصف المرحلة الثانية بأنها مرحلة الإجراء والتنفيذ، فعلاوة على سن عدد من الأنظمة والتشريعات التي لم تشملها تنظيمات الفترة السابقة أو تحديث وتجديد بعضها، تم تنفيذ 3 تعدادات سكانية، وعدد من البحوث الديموغرافية والاقتصادية والصحية وغيرها من البحوث والإحصاءات، كما شرع في تنفيذ التعداد الرابع للسكان الذي جرى خلال النصف الأول من هذا العام (2010م)، ومن أهم ملامح هذه المرحلة:

صدور نظام تعداد السكان العام في عام 1971م، وصدور قرار مجلس الوزراء، في عام 2002م، بالموافقة على قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية القاضي بأن تجري كل دولة من الدول الأعضاء تعدادا في سنة 2010م، وتوحيد الفترات الزمنية للتعدادات العامة بعد ذلك بحيث تكون عشرية ويتم إجراؤها في السنوات الصفرية، وصدور قرار مجلس الوزراء في عام 2007م، بالموافقة على إنشاء لجنة وطنية للسكان، وإجراء 3 تعداد سكانية ونشر نتائجها، وهي:

التعداد الأول: 1974م، والتعداد الثاني: 1992م، والتعداد الثالث: 2004م، والعمل على تنفيذ التعداد السكاني الرابع، وذلك خلال النصف الأول من هذا العام.

وسجل الربدي المحاولات المبكرة للحكومة السعودية في عهد الملك عبد العزيز، من خلال إيراد ما تناوله فؤاد حمزة في بحث له عدد السكان في المملكة، وذكر قيام الحكومة بعمل إحصاء لسكان مدن الحجاز أوائل عام 1351هـ، لكنه لم يورد نتائج هذا الإحصاء، بل حاول أن يورد أرقاما تقريبية أو تخمينية لعدد سكان بعض أقاليم المملكة، وعدد سكان الحاضرة والبادية، ويمكن أن نستنتج من سياق بعض العبارات التي وردت في كتاب فؤاد حمزة أنه اطلع على نتائج ذلك الإحصاء.

ومن تلك العبارات قوله: «وقد أصبحنا الآن على علم يقرب من الحقيقة في ما يتعلق بعدد السكان، لا سيما بعد أن عُلمت أمور لم يكن العلم بها متيسرا من قبل».

وفي عبارة أخرى يقول: «وقد حاولنا أن نسرد فيما يلي ما توصلنا إلى تخمينه بالتقريب وهو لا يعدو الحقيقة كثيرا بعد أن علمت نتيجة الإحصاء الذي قامت به الحكومة في أوائل عام 1351هـ في مدن الحجاز».

كما تناول عدد الإناث ونسبتهن، وذكر أن عددهن لا يقل عن عدد الذكور، وكأنه يوضح أن الإحصاء الذي تم كان مقتصرا على الذكور.

وتناول أيضا نسبة الأمية، والذين يقرأون ويكتبون، وهي من المتغيرات التي احتوت عليها استمارة الإحصاء.

وفيما يلي نص كامل لما ورد في الفصل الأول من القسم الثاني من كتاب فؤاد حمزة تحت عنوان «عدد السكان»:

«لا يوجد إحصاء رسمي للسكان يعلم منه العدد الصحيح لسكان المملكة، وقد كثر الخلط منذ قديم الأزمنة في تقدير عدد سكان الجزيرة العربية بكاملها، فالبعض يبالغ جدا في تقديره، كما أن البعض يخطئ خطأ كليا في حسابه أنها قليلة السكان غير مأهولة، إلا في بعض أقسامها، أما الحقيقة التي لا ريب فيها فهي أن كلا الفريقين مخطئ في تقديره، وقد أصبحنا الآن على علم يقرب من الحقيقة في ما يتعلق بعدد السكان، لا سيما بعد أن علمت أمور لم يكن العلم بها متيسرا من قبل، فالحجاز مثلا، وقد كان يحسب من أفقر البلاد وأقلها سكانا، علم الآن أن في جباله عددا كبيرا من القبائل المتحضرة التي تقطن في القرى والدساكر وتعمل في الزراعة والفلاحة، وقد كانت هنالك مبالغة أو على نقيضها تقليل كثير في عدد سكان القبائل، ولم يوجد إحصاء لا للقبائل ولا لعدد أفرادها، وقد حاولنا أن نسرد في ما يلي ما توصلنا إلى تخمينه بالتقريب، وهو لا يعدو الحقيقة كثيرا، بعد أن علمت نتيجة الإحصاء الذي قامت به الحكومة في أوائل عام 1351هـ في مدن الحجاز. ملمحا إلى أن مجموع السكان في سائر أنحاء المملكة يكون بين خمسة ملايين وستة ملايين نسمة على وجه التقريب. أما من جهة الأصول فإن غالب السكان من العرق العربي الصريح، ويوجد في بعض الأنحاء خليط من العناصر الأخرى نخمنها، وهنالك طبقة مخصومة من السكان تسمى بـ(أهل الهجر) مع أنها عنصر مهم جدا في سكان نجد والحسا وبعض الملحقات، وإذا اعتبرنا ما دون في كتاب الأعطية من عدد المستحقين للأعطية، وما دون في ديوان أهل الجهاد من المحاربين، علمنا أن عدد أهل الهجر لا يقل عن 250 إلى 300 ألف نسمة.

وقد يسأل عن نسبة عدد الإناث إلى الذكور، فالجواب على هذا السؤال على الرغم من أنه من المستصعب جدا، فإن معرفتنا بالأحوال الاجتماعية في البلاد وكثرة الزواج بين سكان الحاضرة والبادية يجعلنا نجزم بأن نسبة عدد الإناث في سائر أنحاء المملكة ضئيل جدا بالنسبة إلى عدد الإناث في البلاد الأخرى، ولا شك في أن عددهن لا يقل عن عدد الذكور.

وأما نسبة الأميين إلى الذين يقرأون ويكتبون فمن المستحيل حصرها، إلا أن حاضرة الحجاز وحاضرة نجد يغلب فيهما وجود الذين يقرأون أو يكتبون نظرا لاضطرارهم إلى معاملة الناس من جهة واضطرارهم إلى القيام بالفرائض الدينية وقراءة القرآن من جهة أخرى، وليس في استطاعتنا إبداء أي رأي حاسم في الموضوع».

النساء خارج الإحصاء

* أما حافظ وهبة، الذي صدرت الطبعة الأولى من كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين» بعد أقل من عامين من صدور كتاب فؤاد حمزة، فقد ذكر أثناء حديثه عن سكان الحجاز تقديرا لهم يقول: «يمكن تقدير عدد سكان الحجاز، بدو وحضر، بمليونين، ثلثهم يشتغلون بالزراعة أو يقيمون بالمدن، والثلثان قبائل متنقلة، وبالنسبة لمدينة مكة فقد قدر سكانها بنحو 200 ألف نفس»، وأشار إلى أنه «قد عمل إحصاء لمكة سنة 1932م، لكن النساء لم يدخلن في هذا الإحصاء».

وأوضح الدكتور الربدي أنه، كما ذكر سابقا، فقد حددت المادة الأولى من النظام أن يقتصر الإحصاء على عد الذكور فقط، بمعنى أن النساء لم يدخلن في هذا الإحصاء، ولعل من وضع مواد نظام الإحصاء في ذلك الوقت أخذ في الحسبان بعض العادات والتقاليد السائدة لدى المجتمع، وأن الناس لم تعتد على تقديم معلومات عن الإناث، وقد ورد في مقالة بعنوان «كلمتنا في إحصاء النفوس»، نشرت في صحيفة «صوت الحجاز» متزامنة مع صدور «نظام إحصاء النفوس»، ورد فيها «في ما يتصل بالجزئية الخاصة بشمول الإحصاء للإناث، أنه مع الاحتياط في ذلك، لعدم تعود البلاد ذكرهن، ويكفي فيهن أن يثبت عددهن رب العائلة فقط، ليكون الإحصاء حقيقيا يعتمد عليه في ذكر نفوس البلاد وتعدادها».

ولم يكن رفض شمول الإناث في الإحصاء فقط، بل كان هناك رفض لأمور أخرى تتصل بالنساء، فقد علق حافظ وهبة في هامش كتابه المشار إليه سابقا عندما ذكر أن الإحصاء الذي عُمل في مكة سنة 1351هـ/ 1932م لم يشمل النساء، بما يلي: «وتذكرنا حوادث استثناء النساء من الإحصاء بما حاولته إدارة الصحة من وجوب الكشف على الأموات قبل الدفن، فاحتج أهل مكة على سريان هذا القانون وساعدهم علماء نجد على رأيهم فلم تستطع الحكومة تعميم الكشف، واضطرت أخيرا لاستخدام بعض السيدات الملمات بأصول الطب لهذا الغرض وبعض الأغراض الأخرى الخاصة بالسيدات.

وقد تكون مثل هذا الإجراءات والتحفظات التي كانت تتخذ في ذلك الوقت طبيعية في تلك الفترة وحتى الفترات اللاحقة لها، فالناس كان لديهم تحفظ وتحوط بشأن المعلومات الخاصة بالأسرة، وبالذات الإناث، فتعليم البنات في أول الأمر واجه رفضا من البعض ومعارضة من آخرين، وعمل المرأة في بعض القطاعات وجد المعارضة أيضا، وقد كان البعض من الناس يمتنع عن مجرد ذكر اسم المرأة للأجانب، فما بالك بتحديد عمرها أو غيره من المعلومات، وقد حدثني بعض من شاركوا في عملية تعدادي عام 1974 و1992م، أنه مرت عليهم حالات امتنع فيها أرباب الأسر عن تقديم معلومات عن الإناث من أفراد أسرهم، وهناك أمور أخرى كثيرة رفضها المجتمع في أول الأمر ثم عاد وتقبلها حتى أصبحت أمرا معتادا.

لقد تغيرت أمور ومفاهيم كثيرة خلال العقود الماضية، ففي حين كان هناك رفض لشمول عدد الإناث في إحصاء النفوس عام 1932م، أو امتناع بعض أرباب الأسر من تقديم معلومات تفصيلية عن الإناث من أسرهم، في تعدادي عام 1974 و1992م، فإن المرأة ستشارك (شاركت) ميدانيا في عملية التعداد العام للسكان والمساكن لهذا العام، وذلك من خلال تنفيذ العد الفعلي للمجمعات السكنية النسائية، مثل دور الرعاية الاجتماعية النسائية، والأقسام النسائية في السجون، ومجمعات إسكان الممرضات، ومجمعات إسكان الطالبات، ونحوها».

غابت الحكومات المركزية فغابت الإحصاءات

* وشدد المؤلف الربدي في تناوله لأسباب عدم توفر إحصاءات لسكان الأقاليم في السعودية على أن الرقعة الجغرافية التي تحتلها المملكة العربية السعودية حاليا تعد من أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم، ولها مكانتها الدينية والتاريخية والاقتصادية، ففيها أول بيت وضع للناس، وهي مهبط الوحي وقبلة المسلمين، وأكبر الدول المصدرة للنفط، كما أنها تملك أكبر احتياطي منه، وأمدت هذه المنطقة كثيرا من البلاد المجاورة وغيرها بعناصر سكانية في الماضي، كما أنها تعد حاليا من أكبر مناطق الجذب السكاني من مختلف أنحاء العالم.

ويعزي سبب عدم توفر إحصاءات لسكان الأقاليم التي توحدت منها المملكة العربية السعودية، في الماضي، إلى عدم وجود حكومات مركزية تتولى الأمر، بالإضافة إلى صعوبة حصر أو عد السكان في منطقة كانت غالبية سكانها من القبائل الرحل.

وتبين من الدراسة أن من أوائل المهمات التي شرع مؤسس المملكة - المغفور له - الملك عبد العزيز في تنفيذها، وبعد أن أكمل عملية توحيد البلاد، تكوين وتشكيل عدد من الأجهزة الحكومية، وإقرار عدد من الأنظمة والتشريعات بهدف تثبت دعائم الوحدة الوطنية وتنميتها، وإرساء العوامل الداعمة لاستقرار المجتمع ووحدته، ففي منتصف عام 1932م، وفيما يبدو أنه تمهيد لإعلان توحيد المملكة، صدر أمر ملكي تضمن الموافقة على «نظام إحصاء النفوس» والبدء في عملية إحصاء سكان بعض حواضر منطقة الحجاز، ويعد نظام إحصاء النفوس أول نظام يتصل بالإحصاءات السكانية في المملكة العربية السعودية، كما أن عملية الإحصاء التي تم تنفيذها آنذاك استنادا إلى هذا النظام تعد الأولى من نوعها في تاريخ المملكة.

وتبين من الدراسة أن الإحصاءات والتعدادات السكانية في المملكة مرت بمرحلتين متميزتين ومختلفتين. الأولى، تمتد ما يزيد قليلا على أربعين سنة وتبدأ مع تاريخ وحدة المملكة العربية السعودية عام 1932م وتنتهي بعام 1971م تاريخ صدور نظام التعداد العام للسكان والشروع في تنفيذ أول خطة للتنمية في المملكة، والثانية: تمتد لأربعين سنة تبدأ بعام 1971م، تاريخ صدور نظام التعداد العام للسكان، والشروع في تنفيذ أول خطة للتنمية في المملكة، وتنتهي بعام 2010م، تاريخ تنفيذ التعداد الرابع والشروع في تنفيذ الخطة التاسعة للتنمية، وخلال الثمانين عاما الفاصلة بين عامي 1932م - 2010م توالى صدور وسن عدد من الأنظمة والتشريعات الأساسية بالإحصاءات في المملكة عموما، والإحصاءات والتعدادات السكانية على وجه الخصوص وهي: تأسيس جهاز مركزي للإحصاء (مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات)، وصدور نظام إحصاء السكان، وإنشاء اللجنة الوطنية للسكان، ونفذ خلالها 3 تعدادات سكانية، وتجري الاستعدادات لتنفيذ التعداد الرابع، (تم تنفيذه حيث صدر الكتاب قبل البدء في التعداد).

وغطت التعدادات، جميع مناطق المملكة، وشملت جميع الأفراد الموجودين على أرضها (مواطنين وغير مواطنين)، وتبين من مقارنة سمات وخصائص التعدادات أنها تتفق في عدد منها مثل طريقة تنفيذها، والمحتويات الأساسية لاستمارة التعداد، أي تلك التي يفترض أن تحتوي عليها أي استمارة تعداد رسمي، مع وجود إضافات أو تضمين بعضها عناصر ومتغيرات لم تكن موجودة في سابقتها، هذا علاوة على اختلاف طريقة عرض المتغيرات في الاستمارة وإخراجها، وتنقيح عدد منها وتوضيحه، أو إجراء تعديلات وإضافات على خيارات بعضها.

ونشرت نتائج التعدادات بطريقة متشابهة تقريبا، فهناك بيانات أولية، فيها جداول عن إجمالي عدد السكان في المناطق الإدارية والمدن والتجمعات السكانية الرئيسية، وهناك بيانات تفصيلية تشتمل على جميع المتغيرات، وتكون في معظمها على مستوى التقسيمات الإدارية الرئيسية والفرعية، إلا أن النتائج التفصيلية للتعدادين الأولين بقيت وقتا طويلا قبل أن تأخذ طريقها للنشر.

لم يكن هناك دورية منتظمة في إجراء التعدادات، فبين التعداد الأول والثاني 18 سنة، وبين الثاني والثالث 12 سنة، وبين الثالث والرابع أقل من 6 سنوات، إلا أنه يتوقع أن يكون هناك انتظام في دورية التعدادات المقبلة، خصوصا أنها ستكون موحدة في كل دول مجلس التعاون.

وارتفع عدد القوى البشرية المشاركة في عمليات التعدادات من نحو 12 ألف فرد في التعداد الأول إلى ما يقارب 40 ألف فرد في التعدادين الثالث والرابع، وتحسن وعي الناس بأهمية التعداد وأهدافه، وأصبح لدى العاملين على تنفيذه خبرة تراكمية من عمليات التعدادات السابقة، ساعدهم على ذلك توفر التجهيزات والتقنيات الحديثة، والخرائط الرقمية، وأجهزة إدخال ومعالجة البيانات الحديثة.

ويعد قرار إنشاء اللجنة الوطنية للسكان، وقرار إجراء تعداد موحد على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2010م، أبرز التنظيمات والقرارات الخاصة بالسكان التي تمت خلال السنوات الأخيرة. ذلك أن إنشاء هذه اللجنة يعد الخطوة الثالثة في مسار الإحصاءات والدراسات السكانية في المملكة العربية السعودية، وذلك بعد إنشاء مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عام 1379هـ، وصدور نظام التعداد عام 1391هـ.

ومن جانب آخر، يكتسب التعداد الموحد للسكان والمساكن في دول المجلس أهمية كبيرة، فهو أول تعداد موحد ينفذ على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويشمل كل الدول الأعضاء التي تتشابه الظروف فيما بينها، وتشترك في كثير من الخصائص والمشكلات السكانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ويصادف موعد تنفيذه مرور 30 سنة هجرية على تأسيس المجلس، وإجراء مثل هذا التعداد يمثل تجربة إيجابية تعكس التكامل والتنسيق الذي وصلت إليه دول المجلس في مختلف المجالات، وتتويجا للتعاون المشترك بين الدول الأعضاء.

ويصادف هذا العام (1431هـ)، حيث سيتم إجراء التعداد الرابع للسكان، 4 مناسبات مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وتاريخ الإحصاءات والتعدادات السكانية فيها، هي:

- مرور ثمانين عاما على إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ.

ـ مرور ثمانين عاما على صدور أول نظام لإحصاء السكان في المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ، وهو «نظام إحصاء النفوس».

ـ مرور ثلاثين عاما على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ـ إجراء أول تعداد موحد للسكان والمساكن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

لقد تغيرت أمور ومفاهيم كثيرة خلال العقود الماضية، اجتماعيا وتقنيا.

ويختتم المؤلف كتابه ببعض المقارنات الطريفة بين المحاولات الأولى لإحصاء السكان وبين التعداد الأخير الذي جرى هذا العام، لنعرف الفارق والمسافة الفاصلة بين الفترتين في مدة زمنية تبلغ 80 سنة، حدثت خلالها تغيرات هائلة في التنمية بمختلف جوانبها، وتغير في نمط العمل، وفي ثقافة ووعي المجتمع، وفي الإمكانات والتجهيزات المادية والبشرية، ومن ذلك:

- في عام 1351هـ تولت عملية إحصاء السكان لجنة غير متخصصة مكونة من بضعة أشخاص، منهم عمد الأحياء، بينما عهد العمل بعد ذلك إلى هيئة حكومية متخصصة في الإحصاء.

- لم يتجاوز عدد القوى البشرية المشاركة في إحصاء النفوس (1351هـ) العشرات، ولم يتجاوز العدد (100 فرد) في حصر السكان عام 1382هـ، ليصل إلى نحو 40 ألف فرد في التعداد الثالث قبل الأخير الذي تم هذا العام.

- من التبويب اليدوي في السابق إلى التبويب الآلي فيما بعد.

- تجهيزات محدودة ومعدودة كما في إحصاء النفوس (1351هـ)، وحصر السكان عام 1382هـ، ويكفي أن نعرف أن عدد السيارات في الأخير لم يتجاوز 8 سيارات.

- لم تدخل النساء في إحصاء عام 1351هـ، وكان هناك امتناع من بعض أرباب الأسر عن تقديم معلومات تفصيلية عن الإناث من أسرهم، في تعدادي عام 1394 و1413هـ، ولكنهن أصبحن مشاركات ميدانيا في بعض فعاليات عملية تعداد عام 1431هـ (2010م).

وأوصى الباحث الربدي بضرورة دراسة إمكانية التوظيف الفعلي للثورة العلمية والتكنولوجية في عمليات التعداد والإحصاءات السكانية الأخرى في المستقبل القريب، فالقرن الحالي يوصف بأنه قرن المعلوماتية، والبيانات سريعة التجدد والتغير، مما يتطلب بذل المزيد من الجهد والسرعة والدقة في هذا المجال، لضمان نجاح برامج خطط التنمية المستقبلية على أسس معلوماتية متجددة وحديثة وسليمة من ذلك مثلا: توظيف التقنيات الحديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية، والاستشعار عن بعد، والصور الجوية، وأجهزة تحديد المواقع الجغرافية، والخرائط التي توفرها بعض الشركات على شبكة الإنترنت مثل «خرائط غوغل» في تحديد وتحديث البيانات الجغرافية «المكانية» للتعداد، مثل: حدود المناطق والمحافظات، والمدن، والأحياء، والقطاعات، وترقيم المباني، وعد المساكن والمنشآت، بما في ذلك تحديد نوعية مادة البناء للمساكن وارتفاعات المباني وغير ذلك. وافترضت الدراسة أنه مع التقدم التقني في وسائل الاتصالات المختلفة (الإنترنت - الهاتف الجوال).. وغيرها مما يمكن أن يستجد في المستقبل القريب، أن يتم التفكير من الآن في إمكانية تنفيذ التعداد القادم - بعد عشر سنوات - عبر شبكة الإنترنت أو غيرها من وسائل التقنية، لذا على الجهات المسؤولة عن التعدادات السكانية أن تأخذ ذلك في الحسبان، وشددت التوصيات على ضرورة البدء في عمل تجارب ووضع التنظيمات والأدوات لما يمكن أن نسميه «التعداد الإلكتروني»، أو «التعداد عن بعد»، فالمتوقع أن يصبح هو أداة التعداد الرئيسية في المستقبل، ويتوقع أن تصبح غالبية الأسر في المملكة تملك اتصالا بشبكات الإنترنت، وشبكات الهاتف الجوال، عندئذ يمكن توظيفها في عمليات التعداد، حيث يقوم رئيس كل أسرة بتعبئة المعلومات الخاصة بأسرته في اليوم المحدد للإسناد الزمني (ليلة الإسناد الزمني) عبر شبكة الإنترنت، أو الهاتف، وتبقى بعض الأسر في المناطق النائية، أو بعض التجمعات الخاصة، مما يتطلب عدها بالطرق التقليدية.

واعتبرت الدراسة أن من طبيعة الأمور أن بعض أفراد المجتمع لا يتقبلون التنظيمات الجديدة، خصوصا ما كان منها يمس حياتهم وشؤونهم الخاصة، فعد أو إحصاء النفوس قد يكون أمرا غير مرغوب عند البعض، ويعتبرون ذلك شأنا خاصا، لكن تكرار إجراء عمليات التعداد السكاني والبحوث والمسوح الديموغرافية والاجتماعية ونحوها، والتعامل مع الأرقام وتوظيفها في مجالات التخطيط والتنمية، سوف يرفع من ثقافة الوعي بالإحصاءات السكانية خاصة، والثقافة الرقمية عامة، وأهمية المؤشرات الرقمية المبنية على تعدادات شاملة.

ورأت الدراسة وجوب أن ينظر إلى نتائج ومخرجات التعداد الموحد لدول المجلس، وخطط والتنمية والتعاون والتكامل السكاني والاجتماعي والاقتصادي بين دول المجلس، والمعالجة المشتركة لكل القضايا والتحديات السكانية التي تواجهها دول المجلس، وعلى رأسها مشكلة ارتفاع نسبة غير المواطنين لإجمالي سكان المجلس، ووضع سقف أعلى يجب أن لا يتجاوزه نسبة غير المواطنين، فعن طريق ذلك يمكن تحقيق أهداف التنمية بصفة عامة والأهداف ذات الصلة بالسياسات السكانية بصفة خاصة.

السكان يتضاعفون 3 مرات

* في الوقت الذي يشكل فيه انخفاض عدد السكان في أي دولة في العالم خطرا استراتيجيا عليها، وهو ما قد حدث ويحدث لدول أوروبية وشرق آسيوية مثل فرنسا وإيطاليا واليابان، التي شهدت انخفاضا في عدد مواطنيها خلال السنوات الماضية، مع توقعات باستمرار هذا الانخفاض لدرجة أن إحصاءات يابانية توقعت أن يشهد عدد سكان اليابان البالغ حاليا 127 مليونا انخفاضا ليصل إلى 70 مليونا عام 2050م، في هذا الوقت فإن تضاعف عدد السكان في أي دولة، ومنها السعودية، سيخلق تحديات كثيرة لعل أبرزها ارتفاع البطالة والطلب الكبير على المساكن وقلة فرص التوظيف، بالإضافة إلى تحديات تتعلق برفاهية المواطن وصعوبة تحقيق التنمية المتوازنة.

وقد سجلت السعودية اسمها في المرتبة الـ40 في قائمة النمو السكاني على مستوى العالم وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وقد أشارت الأرقام والتقارير الرسمية إلى أن عدد السكان في السعودية تضاعف خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث ارتفع الرقم من 7 ملايين ونصف المليون عام 1975م ليصل عام 1992م إلى 17 مليونا منهم 12 مليون سعودي، وسجل عام 2004م العدد بـ22.6 مليون منهم 16 مليون سعودي، والعام الماضي تجاوز عدد السكان 25 مليونا منهم 18 مليون سعودي، وهو ما يعني تضخم عدد السكان في السعودية بنسبة 333 في المائة خلال أكثر من 3 عقود بمعنى أن عدد السكان تضاعف 3 مرات خلال هذه الفترة.

وفي هذا العام زادت النسبة بعد أن تم تسجيل زيادة في عدد السكان حسب تعداد أجري في شهر أبريل من العام الحالي، حيث أكدت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية بلغ 27.136.977 نسمة.

هذه النتائج الأولية للتعداد الذي تم تنفيذه بمقتضى قرار مجلس الوزراء رقم 244 وتاريخ 26/10/1423هـ تعكس الأرقام الإجمالية لعدد السكان كما هي في ليلة الإسناد الزمني التي توافق مساء يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر أبريل 2010م.

وقد كانت النتائج الأولية للتعداد على النحو التالي:

- بلغ العدد الإجمالي لسكان المملكة العربية السعودية 27.136.977 نسمة.

- بلغ عدد المواطنين السعوديين 18.707.576.

- بلغ عدد الذكور من بين المواطنين السعوديين 9.527.173، أي ما نسبته 50.9 في المائة من مجموع عدد المواطنين.

- بلغ عدد الإناث 9.180.403، أي ما نسبته 49.1 في المائة من عدد المواطنين.

- بلغ عدد المقيمين في المملكة العربية السعودية من غير المواطنين 8.429.401. وبلغ عدد الذكور من المقيمين غير السعوديين 5.932.974، أي ما نسبته 70.4 في المائة من إجمالي عدد المقيمين. وبلغ عدد الإناث 2.496.427، أي ما نسبته 29.6 في المائة من إجمالي عدد المقيمين.

الملك يقلل من مخاوف التحديات

* قلل الملك عبد الله بن عبد العزيز من المخاوف والتحديات التي تواجه بلاده أمام المسيرة التنموية التي تحقق فيها الكثير من الإنجازات المشرفة، حيث قال عقب اطلاعه بداية الأسبوع الحالي على التطورات الاقتصادية في السعودية التي تضمنها التقرير السنوي السادس والأربعين لمؤسسة النقد: لسنا قانعين بالذي عملناه إلى الآن، والأيام المقبلة تبشر بالخير.

وخلال استقبال الملك في قصره بجدة مساء السبت الماضي كلا من وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر، وعددا من المسؤولين في المؤسسة، ألقى محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي كلمة تناولت تأثيرات الأزمة المالية على السعودية موضحا التطورات الإيجابية لبلاده من خلال تراجع مستويات التضخم ونمو الناتج المحلي للقطاع الخاص وتحسن بيئة الاستثمار، كما تحدث عن التحديات التي تواجه بلاده في ما يتعلق بتوظيف الشباب وتوفير السكن واستخدام الموارد الاقتصادية، وقال: «يسعدني يا خادم الحرمين الشريفين أن يتزامن الاحتفال بيومنا الوطني مع تجدد اللقاء بكم لتقديم التقرير السنوي السادس والأربعين لمؤسسة النقد العربي السعودي الذي يستعرض أحدث التطورات الاقتصادية في المملكة للعام المالي 2009م، والربع الأول من العام الحالي».

مضيفا بتعليقه على تأثيرات الأزمة العالمية على بلاده بقوله: «استمر تأثر الاقتصاد العالمي بالأزمة العالمية خلال عام 2009م حيث سجل الإنتاج العالمي للسلع والخدمات انكماشا في عام 2009م بنسبة 0.6 في المائة، إلا أن المتغيرات الاقتصادية خلال الأشهر المنصرمة من العام الحالي تشير إلى معدلات نمو إيجابية، وحيث إن اقتصادنا الوطني يتميز بالانفتاح على العالم الخارجي وارتفاع مستويات التكامل التجاري معه، فمن الطبيعي أن يؤثر وسيتأثر بما يجري من أحداث في منظومته الاقتصادية، فقد تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة للمملكة خلال عام 2009م إلى 0.6 في المائة مقارنة مع نمو نسبته 4.2 في المائة في العام السابق. وحافظ القطاع غير النفطي على معدلات نمو جيدة، حيث نما في عام 2009م بنحو 3.8 في المائة مقارنة مع نحو 4.3 في المائة في العام السابق.

وساعد على تخفيف آثار الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا الوطني عوامل عدة من أهمها: متانة القطاع المالي المحلي، وزيادة الإنفاق الحكومي على الرغم من تراجع أسعار النفط الخام، حيث بلغ الإنفاق نحو 596.4 مليار ريال في عام 2009م، وتلك مستويات قياسية لم تسجل من قبل. وسجل ميزان المدفوعات فائضا للعام الحادي عشر على التوالي بلغ نحو 85.4 مليار ريال. كما أسهم القطاع النقدي والمصرفي بدور فاعل في تعزيز هذه النتائج الجيدة من خلال توفيره السيولة الملائمة لتمويل النشاط الاقتصادي، حيث زاد عرض النقود خلال عام 2009م بنسبة 10.7 في المائة، بالإضافة إلى توسع المصارف التجارية في تقديم خدمات مصرفية حديثة ومتنوعة».

وحول تراجع مستويات التضخم قال الجاسر: «إن من التطورات الإيجابية تراجع مستويات التضخم المحلي مقاسا بالرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة، حيث بلغ في عام 2009م نحو 5.1 في المائة مقارنة مع 9.9 في المائة في العام السابق. وتشير معظم البيانات الاقتصادية المتوافرة حاليا إلى تحسن متوقع وملحوظ في الأداء الاقتصادي المحلي للعام الحالي، على الرغم من معاودة الضغوط التضخمية، حيث سجل معدل التضخم في أغسطس (آب) 2010م نحو 6.1 في المائة مقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق.

ولا تفوتني الإشارة إلى بعض التقارير الدولية المهمة التي أشادت ببعض إنجازات المملكة، ومنها ما تضمنه تقييم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للتطورات الاقتصادية في المملكة». حيث أشار إلى أن الاقتصاد السعودي كان مهيئا لمواجهة الأزمة المالية العالمية بفضل اعتماد أطر رقابية وتنظيمية سليمة واتباع سياسات اقتصادية كلية رشيدة في السنوات السابقة، وأثنى المجلس على التدابير القوية المتخذة، لا سيما زيادة الإنفاق وحسن إدارة السياسة النقدية. وثمن الصندوق جهود المملكة في الحفاظ على سلامة الجهاز المصرفي، وتحسين مناخ الائتمان، وإيجابية الآفاق الاقتصادية بشكل عام، وأيد خطط المملكة إعادة الإنفاق إلى مستويات قابلة للاستمرار، بالإضافة إلى ما تبذله الحكومة من جهد يهدف إلى إبطاء نمو الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية.

وقال محافظ مؤسسة النقد السعودي مخاطبا الملك: «حرصا من الدولة رعاها الله على تجنب تداعيات الأزمة المالية العالمية، فقد عقد المجلس الاقتصادي الأعلى اجتماعا برئاستكم - حفظكم الله - في يوم 16 شوال 1429هـ الموافق 16 أكتوبر 2008م لمناقشة الأزمة المالية العالمية وتخفيف آثارها المحتملة على الاقتصاد الوطني ووجه بالقيام بعدد من التدابير لمواجهتها. ففي مجال السياسة النقدية والمصرفية، اتبعت مؤسسة النقد العربي السعودي سياسة نقدية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في القطاع المالي وتوفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الطلب المحلي على الائتمان، وذلك من خلال اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستباقية لتعزيز وضع السيولة وخفض تكلفة الإقراض بهدف ضمان استمرار المصارف بأداء دورها التمويلي في التنمية بالمملكة، ومن أهم هذه الإجراءات خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي عدة مرات، ومعدل عائد اتفاقيات إعادة الشراء، ومعدل عائد اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس، وتعزيز وضع السيولة في النظام المصرفي عن طريق إنشاء ودائع مع المصارف المحلية لمدد طويلة نسبيا نيابة عن الهيئات والمؤسسات الحكومية بالعملة المحلية والدولار الأميركي، وخفض تسعيرة أذونات الخزينة، وتسهيل عمليات مقايضة النقد الأجنبي بهدف توفير السيولة اللازمة بالدولار الأميركي للنظام المصرفي المحلي. أما بالنسبة للسياسة المالية فقد استمرت الدولة بالتوسع في الإنفاق العام وزيادة ما تضخه مؤسسات الإقراض المتخصصة بما يقدر بنحو 40 مليار ريال خلال عام 2009م».

وأضاف الجاسر بالقول: «على الرغم من الآثار السلبية الضخمة لهذه الأزمات المالية المتعاقبة، فإن من نتائجها تضافر الجهود الدولية بشكل واضح لمراجعة النظام المالي العالمي، والشروع في تنفيذ إجراءات إصلاحه ليؤدي دوره بفاعلية وإيجابية في النشاط الاقتصادي العالمي والتجارة الخارجية الدولية. وضعت مجموعة العشرين برنامج عمل شامل لتعزيز النظام المالي العالمي، ومن ضمن ذلك إنشاء مجلس الاستقرار المالي في شهر أبريل 2009م، وإحراز تقدم كبير في المجال التنظيمي، ومعايير كفاية رأس المال، وإدارة مخاطر السيولة، ولوائح مكافآت كبار التنفيذيين في القطاع المالي، وشفافية عملية تسجيل صناديق التحوط ومؤسسات التصنيف. والمؤمل أن يؤدي تطبيق هذه المعايير في السنوات المقبلة إلى تعزيز المراكز المالية للمؤسسات العالمية بشكل كبير. وفي ضوء ذلك، لم يتأثر الاقتصاد السعودي بشكل واضح بالأزمة المالية العالمية. ويعزى ذلك إلى السياسات الرقابية والإشرافية المحافظة والحصيفة المتبعة منذ أمد بعيد. ومن أمثلة ذلك، الاهتمام بمعدلات ملاءة رأس المال والمخصصات الاحتياطية للقروض لمواجهة التقلبات الدورية».

وفي ما يتعلق بنمو الناتج المحلي للقطاع الخاص وتحسن بيئة الاستثمار في المملكة قال محافظ مؤسسة النقد: «واصل المجلس الاقتصادي الأعلى، باهتمامكم ومتابعتكم المستمرة، إنجاز الكثير من الخطوات التطويرية الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد وتحديث الأنظمة والتشريعات بما يعزز رفع مستوى كفاءة وتنافسية الاقتصاد، ويدعم التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج، ويوفر أطرا تنظيمية وإدارية متطورة وبيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، ونتيجة لتلك الجهود تحسن الأداء الاقتصادي بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ويؤكد ذلك نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص بمتوسط سنوي نسبته 5.1 في المائة في السنوات الـ5 الماضية، وزيادة الصادرات غير النفطية خلال الفترة نفسها بما متوسطه 14.6 في المائة. كما تحسنت بيئة الاستثمار في المملكة، وتوج ذلك حصول المملكة على المركز الثامن عالميا في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)».

مكافحة غسل الأموال

* وأضاف الجاسر: «من جانب آخر، حصلت المملكة مؤخرا على إشادة مهمة من مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تقريرها الصادر نهاية يونيو (حزيران) الماضي، وذلك في مجال التزام المملكة بالتوصيات الـ9 الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، جنبا إلى جنب مع التوصيات الـ40 الخاصة بمكافحة غسل الأموال. وبهذا سجلت المملكة المرتبة الأولى عربيا، وأحد المراكز العشر الأولى في ترتيب دول مجموعة العشرين. وتعد تلك الإشادة تقديرا من المجتمع الدولي لجهود المملكة في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتأكيدا لسلامة موقف المملكة المستمد من التزامها بالشريعة الإسلامية السمحة، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، وتطبيق أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال. وكل تلك الإنجازات تمت بتوفيق من الله، ثم بفضل حرصكم وتوجيهكم، حفظكم الله. حيث تعد المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي وضعت مكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ضمن أولوياتها، وكانت سباقة في مكافحة هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية أمنية واجتماعية واقتصادية. وتم تجريم تمويل الإرهاب في المملكة بناء على أحكام نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بمرسوم ملكي في 23 أغسطس 2003م.

خادم الحرمين الشريفين، تعد التطورات الإيجابية الأخيرة لاقتصادنا الوطني لبنة راسخة من لبنات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي واصلتم ترسيخها في هذه البلاد منذ توليكم مقاليد الحكم في 1 أغسطس 2005م. ومن أبرز مؤشرات التنمية أن بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي خلال الفترة من عام 2006م إلى 2009م نحو تريليوني ريال. وبلغ الإنفاق الحكومي في عام 2009م نحو 596.4 مليار ريال، وهو الأعلى في تاريخ المملكة، وحرصتم - حفظكم الله - على الاستفادة من الموارد المالية للإنفاق بفعالية على استكمال مشاريع البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية، ووجهتم بسرعة إنهاء المشاريع التي شملت قطاعات النقل والصحة والتعليم والمياه خدمة للمواطن. وأوليتم - حفظكم الله - عناية خاصة بالعنصر البشري، حيث أمرتم بإنشاء عدد من الجامعات وفتحتم باب خير ونماء للأجيال المقبلة من خلال (برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي)، وأمرتم بتمديده خمس سنوات أخرى، ويأتي ذلك ضمن اهتمامكم - حفظكم الله - باستثمار أهم عناصر التنمية، ألا وهو العنصر البشري. ويؤمل أن يؤدي ذلك بعون من الله وتوفيقه إلى إعداد أجيال قادمة مسلحة بالعلم والمعرفة تكمل مسيرة التنمية التي تشهدها بلادنا العزيزة».

وذكر الجاسر أن «مجلس الوزراء أقر 9 أغسطس 2010م خطة التنمية التاسعة للمملكة التي تغطي الفترة من 2010 إلى 2014م. ووجهتم - حفظكم الله - جميع أجهزة الدولة بالحرص الشديد على تنفيذ برامجها ومشاريعها وتحقيق أهدافها في مددها الزمنية المحددة، وإعطاء ذلك أولوية قصوى لما له من تأثير مباشر على رفع مستوى معيشة المواطن وتحسين نوعية حياته، خصوصا في ضوء ما رصد لها من إنفاق تنموي طموح بلغ 1444 مليار ريال، تجاوز بنسبة 67 في المائة ما رصد من إنفاق تنموي خلال خطة التنمية الثامنة. وتعد هذه الخطة مكملة لإنجازات خطط التنمية السابقة التي أدت إلى نقلة نوعية في مستويات المعيشة للمواطنين ووضعت الأسس الراسخة للاقتصاد السعودي ليتبوأ مركزا مهما في الاقتصاد العالمي. وركزت الخطة على محاور خمسة هي مواصلة جهود تحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين، وتنمية القوى البشرية الوطنية وزيادة توظيفها والتطوير الهيكلي للاقتصاد السعودي، والتنمية المتوازنة بين المناطق، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني والمنتجات السعودية في الأسواق المحلية والخارجية».

وأشار الجاسر إلى أنه قد «تزامن إقرار خطة التنمية التاسعة مع إعلان مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات النتائج الأولية للتعداد السكاني حيث بلغ عدد سكان المملكة 27.1 مليون نسمة، منهم نحو 18.7 مليون نسمة من السعوديين ونحو 8.4 مليون نسمة من المقيمين، وبلغ عدد المساكن نحو 4.6 مليون مسكن. وتؤيد هذه النتائج ما وجهتم به - حفظكم الله - من أهمية بذل قصارى الجهد لتحقيق أهداف خطة التنمية التاسعة في أوقاتها المحددة، لا سيما ما يتعلق بتعزيز رفاهية المواطن وتوفير السكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية والخدمات والمرافق الحديثة التي يحتاجها، والعمل بجد لمحاربة الفقر والاهتمام بالتنمية المتوازنة في كافة المناطق».

وذكر محافظ مؤسسة النقد السعودي أنه «وفي السياق الإقليمي صادقت الدول الأعضاء الـ4 في الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون وهي: المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة قطر، ودولة الكويت، على اتفاقية الاتحاد النقدي في مستهل هذه العام، وبدأ المجلس النقدي أعماله بتشجيع ومؤازرة منكم - حفظكم الله - ومن إخوانكم قادة دول المجلس باعتباره نواة البنك المركزي المزمع إقامته حال اكتمال التجهيزات والبنى التأسيسية للاتحاد النقدي، وتبذل البنوك المركزية ومؤسسات النقد الأعضاء في المجلس النقدي قصارى جهدها لتسيير أعمال المجلس وفق توجيهات قادة دول المجلس».

تحديات التوظيف والسكن واستخدام الموارد

* وحدد الجاسر 4 تحديات تواجه بلاده، موضحا أنه «على الرغم من تلك الإنجازات المشرفة لا يزال هناك الكثير من التحديات الماثلة أمام مسيرتنا التنموية، وكلها ما فتئت تشكل هاجسا لمقامكم الكريم، حيث توجهون بشكل مستمر الجهات المعنية للتغلب عليها، ومن أبرز تلك التحديات الآتي:

أولا: توظيف الشباب السعودي الذي يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من الإنجازات الجيدة التي تحققت في الفترة الماضية، فإن التقديرات تشير إلى أن البطالة بين السعوديين بلغت نحو 9.6 في المائة في عام 2009م. وبالنظر إلى معدل نمو السكان والتركيبة السكانية، فمن المهم الاستمرار في تكثيف الجهود الحالية لزيادة الاستثمار لتطوير رأس المال البشري بمشاركة فاعلة من القطاعين الخاص والعام، ولا بد من تكثيف الجهود الرامية لتوطين الوظائف بالقطاع الخاص وبحث وتذليل المعوقات التي تحد من ذلك، وتحديد نسب سعودة تتلاءم مع طبيعة كل نشاط وقطاع على حدة، والعمل على تفعيل الإجراءات والأنظمة التي تحترم الإنتاجية وتحفظ حقوق العامل ورب العمل على حد سواء.

ثانيا: حسن استخدام الموارد الاقتصادية لبلدنا المعطاء، وأبرزها النفط والغاز اللذان يعدان أهم مقومات التنمية الاقتصادية للمملكة. وتشير الأرقام إلى أن معدلات الاستهلاك المحلي للمملكة من النفط والغاز في تنام مستمر وبنسب عالية، حيث بلغ متوسط نمو الاستهلاك المحلي منهما نحو 5.9 في المائة خلال الخمسة أعوام الماضية، وهي نسبة نمو عالية، مقارنة بنمو السكان وحجم الناتج المحلي مما يستدعي بحث أسباب الزيادة في الاستهلاك من النفط والغاز والعمل على ترشيده.

ثالثا: توفير السكن الملائم للمواطنين، وهي قضية ذات أبعاد ومسببات مختلفة ولعل من أبرزها قلة توافر الأراضي القابلة للتطوير داخل النطاق العمراني وبأسعار مناسبة لدخل المواطن وضعف مصادر التمويل بسبب غياب الإطار التنظيمي. وهنا تكمن أهمية إصدار أنظمة التمويل والرهن العقاري. حفظكم الله وسدد على دروب الخير خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

الملك عبد الله: الأيام المقبلة أيام خير وبركة

* وأعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في كلمة عقب تسلمه التقرير السنوي لمؤسسة النقد عن شكره للجميع وقال: «إخواني.. نأمل فيكم إن شاء الله خيرا، وإن شاء الله الأيام المقبلة أيام خير وبركة لوطنكم وشعبكم - ولله الحمد - بالاستقرار والهدوء والسكينة، ومع هذا كله لسنا قانعين بالذي عملناه إلى الآن، وإن شاء الله الأيام المقبلة تبشر بخير. أشكركم وأشكر وزير المالية، وأشكر الإخوان كلهم على جهودهم، والله يوفقكم، إن شاء الله، دائما وأبدا لخدمة دينكم ووطنكم وشكرا لكم».