صوت المطر فاق صدى شكاوى الأهالي.. ورحلت بحيرة «الهم»

TT

25 عاما مضت، ليست عمرا لفتاة تنتظر فتى الأحلام القادم على حصانه الأبيض ليحملها ويطير بها نحو المستقبل، وليست عمرا لشركة ضخمة زادت عراقتها مع مرور تلك السنين، بل هي تاريخ مشؤوم في قلوب وعقول سكان جدة، لكارثة بحيرة ظلت جاثمة على صدورهم خلال تلك الفترة، قبل أن يبدأ الرحيل غير المصدق، لبحيرة الهم والألم والخوف والرعب.

25 عاما وسكان الشرق يشتكون ويتذمرون، من وجود بحيرة المسك فوق رؤوسهم، تارة يلجأون إلى الجهات الحكومية، وتارة إلى الصحف، وأحيانا كثيرة يلجأون إلى الصمت، بعد أن فقدوا الأمل على مدار عقدين في أن يجد صوتهم من يسمعه، على الرغم من أن الصور التي كانت تبثها الصحف كانت تؤكد أن المياه ظهرت لهم من وسط منازلهم، وفي الأدوار السفلية من بيوتهم.

رغم كل ذلك لم يجد صوتهم صدى، ولم تجد أسئلتهم إجابات، ولم تجد دموعهم ومخاوفهم من يحتضنها، حتى جاء صوت المطر، الذي علا كل الأصوات، وألجم الألسن، وأجبر الجميع على الاعتراف بحجم الكارثة التي تُركت عقدين ونصف العقد، باستثناء سكان شرق جدة الذين لم ينطقوا بكلمة واحدة، بل اكتفوا خلال ذلك الموسم الصعب، بحمل حقائبهم والهرب إلى أصدقاء، بعيدا عن بحيرة الموت، والبعض منهم غادر المدينة بأسرها، بعد أن شاهد صافرات الإنذار وهي تقف على بعد كيلومترات من البحيرة المهددة بالانهيار، عسى أن تنذرهم وقت الانهيار إن استطاعوا الفرار، أو الموت في بركة من مياه الصرف الصحي.

قصة بحيرة الصرف الصحي قصة قد تصبح ذات يوم فيلما سينمائيا، يحكي غلطة قرار بدأت صغيرة جدا منذ 25 عاما، وكادت أن تقتل مئات الآلاف عندما أصبحت في ربيعها الخامس والعشرين، واستهلكت ميزانيات ضخمة، كان من الممكن والأجدر الاستفادة منها في عمليات التطوير والتعمير في هذه المدينة التي في أمس الحاجة لمثل تلك الأموال المهدرة.

سكان جدة لا يصدقون أو يكادون لا يصدقون أن بحيرة «الهم» على وشك الرحيل، بل ما إن يدور الحديث حول هذا الأمر، حتى يقرر الشخص المستمع التوجه صوب تلك المنطقة للتأكد بنفسه، مشككا في كلام محدثه.

يلخص ذلك أحد سكان شرق جدة واصفا معاناته وأسرته، وخوفهم من هذه البحيرة، برواية قصته مع ابنته ذات الثماني سنوات، التي كانت كلما رأت السماء تتلبد بالغيوم، أيقظت أسرتها، وأجبرتها على الخروج من حي السامر، خشية انهيار البحيرة، التي تسمع قصصها في أحاديث أهلها، وفي التلفزيون، خلال كارثة جدة.

ومع كل قطرة مطر تظل طفلة الثماني سنوات تبكي، إلى أن يخرج كل أفراد الأسرة من الحي، حتى الأسبوع الماضي، الذي قرر فيه الأب - على حد روايته - أن يصطحب ابنته إلى البحيرة التي تخافها، وعلى الرغم من البكاء طوال الطريق، فإن ذلك انتهى بمفاجأة بالنسبة لتلك الطفلة التي أراها والدها البحيرة، وأكد لها أنها جرى تجفيفها، ولم يبق منها إلا القليل، وأن مشاريع ستتم محلها، وستبنى بيوت في هذه المنطقة. وتعد بحيرة الصرف الصحي أكبر بحيرة صناعية للمياه، حيث تقول إحصائيات الأمانة إنها كانت تحتضن 8 ملايين متر مكعب من المياه بعد أمطار كارثة جدة، في حين يقول مسؤول في المساحة الجيولوجية إنها لو كانت انهارت قبل المطر فستغمر شرق مدينة جدة، وحتى شارع فلسطين، وذلك قبل المطر عندما كان منسوب المياه فيها أقل بكثير مما سبق.