جنون «الطماطم» يلون مؤشر الأسعار بالأحمر

قفزات «مجنونة» تصل بالكيلو إلى 12 ريالا.. وتوقعات باستقرار الأسعار بعد 10 أيام

الارتفاع الكبير في درجات الحرارة وشح كميات الإنتاج يصلان بأسعار «الطماطم» إلى مستويات قياسية («الشرق الأوسط»)
TT

لم يخطئ من سماها بـ«المجنونة»، حيث حققت «الطماطم» قفزات سعرية «ماراثونية» مفاجئة مؤخرا، لتصل قيمة الكيلو إلى 12 ريالا (3 دولارات)، بزيادة نحو 45 في المائة عن أسعارها قبل ثلاثة أشهر، وبذلك تقود الثمرة المجنونة ارتفاعات جديدة في سوق الخضار، فبعد أن اجتاحت «ثورة الطماطم» عدة دول عربية مجاورة؛ تصل اليوم إلى السعودية بأسعار قياسية لتصبح العدو الأول لجيوب المستهلكين، بينما يتوقع مختصون أن يستمر «جنون» الطماطم طيلة العشرة أيام المقبلة.

ويفسر محمود نصار، مدير المبيعات في شركة الجوف للتنمية الزراعية، أسباب الارتفاع الصاروخي للطماطم بأنه جاء «نتيجة الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة مؤخرا»، قائلا: «أثر ذلك على الزراعات المكشوفة للطماطم وأثر أيضا على الزراعات التي في البيوت المحمية غير المكيفة، وبالتالي تأثر حجم الإنتاج»، ويضيف: «ارتفاع الطماطم ليس في السوق السعودية فقط، بل حتى في الدول المجاورة مثل الأردن وسورية».

وتوقع نصار خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن تشهد أسعار الطماطم استقرارا ملحوظا بعد نحو 10 أيام، قائلا: «نحن الآن نتابع الأسعار في السعودية وفي الدول المجاورة أيضا»، وبسؤاله عن حجم الاستهلاك، أكد تراجعه الكبير نتيجة القفزات السعرية للطماطم، إلا أنه لم يقدر نسبة هذا التراجع، في حين أفاد بأن المستهلك السعودي توجه لبدائل أخرى أرخص، مثل معجون الطماطم المعلب وصلصة الطماطم الجاهزة في مراكز التموين.

من جهته، يوضح المهندس سمير كوسا، الخبير الزراعي في شركة «أسترا» الزراعية، أن ارتفاع الأسعار جاء نتيجة الانخفاض الكبير في حجم الإنتاج المحلي من الطماطم، واصفا هذا الانخفاض بـ«المؤقت»، وتوقع أن يشهد الشهر المقبل عودة كميات الإنتاج إلى وضعها الطبيعي، مشددا على أن أزمة الطماطم ليست بالمشكلة المحلية بل تعيشها عدة دول عربية، وأشار إلى ارتفاع تكلفة المبيدات وصعوبة القضاء على الحشرات التي اجتاحت الكثير من المزارع السعودية هذا العام.

وبسؤاله عن أزمة «الصقيع» التي تضرب المزروعات في فصل الشتاء وتأثيرها المحتمل على واقع الإنتاج بعد نحو شهرين من الآن، وانعكاسات ذلك على أسعار السوق في الفترة المقبلة، يوضح الخبير الزراعي أن الصقيع تتأثر به سنويا مناطق دون أخرى، مشيرا إلى أن انعكاساته مقتصرة على مواقع محدودة، بالتالي لا يعتقد أن ذلك سيؤثر على حجم إنتاج السوق السعودية بصفة عامة.

ووفقا لآخر المؤشرات الإحصائية الزراعية الصادرة عن إدارة الدراسات والتخطيط والإحصاء بوزارة الزراعة السعودية، فإن حجم إنتاج الطماطم كان 522 ألف طن عام 2008 على مساحة 14699 هكتارا، ثم ارتفع الإنتاج عام 2009، مسجلا 543 ألف طن على مساحة 15127 هكتارا، مع تفوق الطماطم على الخضراوات الأخرى كافة بصفتها الأكثر إنتاجا في البلاد، وبما يمثل نحو 20 في المائة من مجمل إنتاج الخضراوات في السعودية.

وعلى الرغم من الارتفاع المجنون في أسعار الطماطم، فإن الاستغناء عنها يبقى مسألة صعبة، حيث تعد الضيف الدائم على موائد السعوديين وعنصرا ضروريا لتحضير معظم المأكولات، كما يؤكد مستهلكون في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن ارتفاع أسعار الطماطم عائدا لما وصفوه بـ«جشع التجار»، ومؤكدين أن خيار المقاطعة غير وارد بالنظر إلى الأهمية الغذائية لهذه الثمرة.

يضاف إلى ذلك أن الطماطم تمتاز بخصائص طبية تنفرد بها عن بقية الخضار الأخرى، فهي تزيل جراثيم المرض العالقة بالجسم، وتفتح القنوات الطبيعية في الجسم، وتعمل على تنشيط حركة الكلية. ويشير خبراء الصحة إلى أن تناول ثمرة واحدة من الطماطم أو عصيرها يعطي الجسم كميات كبيرة من البوتاسيوم وفيتامينات A, B,C. كما أنها تعطي الجسم 22 سعرا حراريا.

وفي حين يتساءل كثير من المستهلكين عن أسباب استمرار تصدير الطماطم السعودية للدول المجاورة بكميات كبيرة؛ على الرغم من انخفاض حجم الإنتاج المحلي مؤخرا، مع طرح مقولة «الأولوية للمستهلك»، يوضح هنا الخبير الزراعي سمير كوسا، أن ذلك عائد لعقود مبرمة بين الشركات الزراعية المصدرة والمستوردين، مشيرا لكون شركته تكتفي بتصدير الفاكهة، ويؤكد أن من الصعب على الشركات تجاوز عقودها انسجاما مع تقلبات أوضاع السوق الزراعية.

الجدير بالذكر أن السعودية تضم 25 صنفا من الطماطم، إلى جانب بعض السلالات المستوردة، وتستهلك الطماطم إما طازجة أو لأغراض الحفظ والتصنيع. ومع النهضة الزراعية الكبيرة التي شهدتها السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، ازداد استيراد البذور للأصناف الجديدة المحسنة من دول كثيرة وانتشار زراعتها في مناطق السعودية؛ وخاصة أصناف الطماطم الهجين؛ حيث ازداد الإقبال بشكل كبير على استخدام تلك الهجن على الرغم من ارتفاع أسعار بذورها، وذلك لما تتميز به من ارتفاع في كمية المحصول وصفات الجودة العالية، وذلك حسبما تفصح بيانات كلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود.

وكانت اللجنة الزراعية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، قد أصدرت قبل 3 أيام؛ بيانا أرجعت فيه ارتفاع أسعار الخضار محليا إلى «نقص الكميات المعروضة في السوق المحلية نتيجة انخفاض كميات الإنتاج المحلي من المزارع المكشوفة في هذا الصيف بسبب شدة الحرارة، وانخفاض الكميات المستوردة إلى المملكة، وزيادة الكميات المصدرة من الإنتاج المحلي إلى الدول المجاورة لارتفاع الأسعار في أسواق تلك الدول مقارنة بالمملكة». ورأت اللجنة أن هذا الوضع «حالة طارئة مرتبطة بالمناخ وظروف الأسواق الوقتية وسيزول قريبا».