البدء بتحويل اللوحات الفائزة بتجميل مكة المكرمة من رسوم إلى جداريات

هدفها أن تجعل من العاصمة المقدسة متحفا للفن الإسلامي

من أعلى نقطة في العالم، تدور عقارب ساعة مكة مؤذنة بحلول مواقيت الصلاة، يعلوها هلال في قمتها، يحفه 21 ألف مصباح تضيء باللونين الأبيض والأخضر، ويصل ارتفاع أشعتها إلى 10 كيلومترات، وتشاهَد من على بعد 30 كيلومترا (تصوير: غازي مهدي)
TT

يفاخر نحو 12 فنانا وخطاطا بأن أعمالهم الفنية ستكون أول أعمال التجميل التي ستوزع في أنحاء العاصمة المقدسة، أطهر البقاع، وذلك بعد إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة «بحب مكة نلتقي» والهادفة إلى تحويل جنبات مكة المكرمة إلى متحف للفن الإسلامي، والتي بدأ العمل على تنفيذها وتحويلها من لوحات مرسومة إلى جداريات.

كان الأسبوع الماضي قد شهد إعلان أسماء الفائزين بجائزة تجميل مكة، بأعمال عددها 12 عملا فرديا ومشتركا، من بين أعمال نحو 442 فنانا تشكيليا شاركوا من نحو 22 دولة إسلامية.

الفنان التشكيلي ياسر محمد أزهر، الفائز بالجائزة الأولى، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الجائزة هي الأغلى بالنسبة له؛ كونه من أبناء مكة. وأضاف: «على الرغم من أنها الجائزة العشرين بالنسبة لي فإنها الأولى الأقرب».

ويوضح أزهر أنه اعتمد في عمله الفني على وجود مركز أساسي لنشأته، وهو الكعبة المشرفة التي تتميز بلون كسوتها الأسود المتميز كإيحاء فني مجرد تماما من التفاصيل المعهودة، تلي ذلك انطلاقة قوية ذات حركة ديناميكية سريعة تتمثل في تلك الحروف بألوانها الجذابة التي تشعرنا من خلالها بوجود إيحاء آخر يشير إلى مجموعة من الطائفيين وهم يتمتمون بشعائرهم الدينية.

في حين رأت الفنانة التشكيلية أمل فلمبان أن هذه المسابقة مهمة جدا بالنسبة لها كونها مسابقة دولية. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «نحن الآن نتخطى بوابة العالمية في الفن التشكيلي، وذلك بفضل جهود الأمير خالد الفيصل الذي يسعى بنا إلى العالمية».

وكشفت عن أنها قبل عدة أشهر من إعلان المسابقة ترددت في خوض تجربة كهذه لكبر حجمها، لا سيما أنها على مستوى دولي، مبينة: «قررت أن أبادر بالمشاركة واخترت أصغر المواقع مساحة وهو الموقع رقم 12 على طريق الحرم، وبدأت بالتصميم له، والحمد لله وُفقت في ذلك».

وتشير فلمبان إلى أن «المشاركة في تجميل مكة تعتبر طرقا لأبواب العالمية، خاصة أن الأعمال الفائزة ستعرض على الملايين من زوار العاصمة المقدسة من الداخل والخارج»، مشيرة إلى أن «الجائزة تعتبر من أهم وأثمن الجوائز التي حصلت عليها».

وأعرب فنان الخط العربي سعود خان، الفائز بجائزة تجميل الموقع (2)، جدارية جسر الإسكان الثاني بالطريق الدائري، عن أنه «لا يوجد أي شعور يصف فرحته بهذه المناسبة، خاصة أنه من أبناء مكة». وأضاف: «بعد المسافات الطويلة التي قطعتها في مجال الفن التشكيلي والخط العربي إلا أنني أعتبر هذا الفوز أكبر جائزة حصلت عليها».

وأوضح أن مشاركته بالمسابقة كانت عبارة عن تخطيط جملة «الصلاة خير من النوم» بتردد يقارب 30 مرة عن قرب وعن بعد وبألوان مختلفة على الجدارية.

إلى ذلك، أكد الفنان التشكيلي السعودي يوسف أحمد جاها، الفائز بتجميل الموقع (3)، جسر الحجون، أن «هذا واجبنا تجاه مكة ورسالة جمالية تشكيلية قمنا بتقديمها للعاصمة المقدسة وزوارها والمجتمع المكي».

وأضاف متحدثا لـ«الشرق الأوسط» أنه «على الرغم من الجوائز الكثيرة التي فزت بها على مستوى السعودية والوطن العربي فإن جائزة تجميل مكة تعتبر الأجمل والأكبر».

وبالعودة إلى الجائزة التي استقطبت عددا كبيرا من فناني العالم الإسلامي الذين حرصوا على أن تتزين عاصمة الإسلام بأعمالهم، فإن تلك الجائزة تشكل رؤية الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة «أن تكون مكة رمزا للحضارة الإنسانية والثقافة المعمارية والفنية، وتصبح أجمل مدينة في العالم»، وهو ما دفع أمانة العاصمة المقدسة والجهات المعنية إلى العمل على تجهيز مسابقة عالمية لتجميل عاصمة الثقافة الإسلامية، مكة المكرمة، بمشاركة فنانين تشكيليين من مختلف أنحاء العالم.

واستوحى المتسابقون أفكارهم في تجميل جداريات مكة بالرسم عليها، انطلاقا من «طبيعة الحياة المكية» التي تمثلت في محاكاة مفردات تراث البيئة المكية الظاهرة في طبيعة المكان والعناصر المعمارية والمشغولات التقليدية، مرورا بالتراث الإسلامي من علوم إنسانية وعناصر زخرفيه بنائية، وانتهاء بأعمال الخط العربي بمفردات حروفه، إضافة إلى «مكانتها الدينية».

كان المشاركون قد بدأوا في الاستعداد لتجميل «أم القرى» منذ بداية الإعلان عن المسابقة بتاريخ 4 يناير (كانون الثاني) 2010، ضمن إطار درجة عالية من الحرية في التكوينات والتعبير التشكيلي، ووفق المفاهيم الإسلامية للمساهمة في تجميل مكة وجعلها متحفا مفتوحا، متجهين إلى المواقع المحددة لمعرفة «مقاسات» الجداريات المحيطة بعاصمة الثقافة الإسلامية استعدادا لتجميلها بمختلف أنواع الفنون التشكيلية.

وتحددت أماكن المواقع المشاركة في المسابقة، البالغ عددها 12 موقعا، مقسمة إلى ثلاث فئات، لكل فئة أربعة مواقع، تمثلت مواقع الفئة الأولى في جسر الملك خالد بالعزيزية شارع الملك خالد، وجسر الإسكان الثاني الطريق الدائري، وجسر الحجون تقاطع شارع المسجد الحرام وشارع العتيبية، وأخيرا جسر مواقف كدي الطريق الدائري. وتحددت مواقع الفئة الثانية في جدارية الحجون المعلا باتجاه الحرم، وجدارية الحجون المعلا باتجاه الزاهر، وجدارية الحجون باتجاه المعابد، وأخيرا جدارية جسر طريق الملك عبد العزيز العزيزية.

وبالنسبة لمواقع الفئة الرابعة تحددت في جدارية ربع أطلع - الغزة - شارع المسجد الحرام مواقع أرقام (1، 2، 3) وجدارية شارع المسجد الحرام.

والتزم الفائزون بشروط المسابقة المتمثلة في أن يجمع التصميم بين التشكيل المعماري والنحتي، مع الابتعاد عن رسم الأرواح، إضافة إلى أن تكون الأعمال المقدمة مبتكرة وغير مقتبسة، موافقة لمقاييس تتناسب والجداريات المحددة.

وتم اختيار لجنة تحكيم المسابقة الإسلامية الأولى لتجميل مكة «بحب مكة نلتقي» من السعودية، وجمهورية مصر العربية، وتركيا، وماليزيا، والمغرب العربي. وتم تسلم الأعمال الفائزة بواسطة لجنة تنسيق، قامت بتصنيف الأعمال واستبعاد غير المطابقة لشروط المسابقة ومواصفاتها، كما تم وضع كود سري للعمل المشارك من دون الإشارة إلى اسم المتسابق، ومن ثم تقدم لجنة التنسيق الأعمال إلى لجنة التحكيم التي قامت باختيار الفائزين وفقا لأغلبية أصوات لجنة التحكيم. إلى ذلك، تم الإعلان عن نتائج المسابقة ضمن حفل أقيم يوم الاثنين 27 سبتمبر في متحف أبرق الرغامة بمركز الملك عبد العزيز التاريخي بجدة، افتتحه الأمير خالد الفيصل بحضور أمين العاصمة المقدسة، وكبار رجال الأعمال والكثير من الفنانين التشكيليين.

وفازت بالجائزة أعمال من خارج السعودية كون المسابقة عالمية وشارك فيها أكثر من 442 فنانا تشكيليا من 22 دولة، فحصدت شركة «سازاب» من جمهورية إيران جائزة تجميل الموقع (4) جسر مواقف كدي بالطريق الدائري الثالث، وكانت جائزة أفضل تصميم للموقع (5) جدارية الحجون بالمعلا باتجاه الحرم من نصيب الفنانة ريهام محسن من جمهورية مصر العربية. بينما فاز عمل جماعي أيضا من جمهورية مصر العربية شارك فيه أحمد يحيى عنب وأحمد بدوي وياسر مهنا لتجميل الموقع رقم (6) جدارية الحجون المعلا باتجاه الزاهر. وكانت للأشقاء من دولة العراق مشاركات حظيت باستحسان لجنة التحكيم؛ حيث فاز زياد طارق باقر بتجميل الموقع رقم (8) جدارية جسر الملك عبد العزيز، والفنان العراقي أحمد علاوي هادي، فاز بتجميل الموقع رقم (9) جدارية ربع أطلع.

وتسعى الجهات المنظمة للمسابقة إلى أن تكون المسابقة أشهر حدث عالمي ينتظره ويتحدث عنه العالم أجمع أسوة بالمهرجانات العالمية الكبرى مثل كان وبرلين وغيرهما، كل بحسب طبيعته.

كما أشارت الجهة المنظمة للمسابقة إلى أنها تسعى في الفترة المقبلة إلى العمل على ظهور المسابقة بنسخة جديدة وبمواصفات عالمية جديدة، قد تكون مغايرة للمواصفات الحالية من خلال التركيز على نوعية المواد.