بعد عامين.. كابوس أزمة «الخبز» يطل برأسه من جديد

الشعير بعد القمح.. معركة جديدة يحذر الخبراء من انعكاساتها في المدى القريب

TT

بعد مرور عامين على حادثة أزمة الدقيق، عادت مخاوف تكرار «سيناريو» شح رغيف الخبز من السوق السعودية، مع الجدل الذي أحدثه مؤخرا تواصل ارتفاع أسعار الشعير؛ واقتراب سعر الكيس من ملامسة الـ60 ريالا (16 دولارا) حتى الآن، بالنظر إلى هرب مربي الماشية من «نار» الشعير إلى «جنة» الدقيق، الأمر الذي أبدى المختصون تخوفا من انعكاساته في المدى القريب.

ويرى خبير التسويق الزراعي، الدكتور سعد خليل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن حدوث أزمة دقيق على غرار ما حصل عام 2008، أمر ليس مستبعدا، بقوله «كل شيء وارد في ظل ارتفاع أسعار الشعير؛ على الرغم من الرقابة والقرارات التي صدرت لضبط أسعار الشعير، في حدود المعقول للتاجر ومربي الماشية، وتأمل ألا يؤثر ذلك على أسعار الدقيق، والأهم من ذلك عدم توفر الدقيق بما يمس حاجة المواطن في غذائه اليومي»، ويضيف «هنا يأتي دور الرقابة الذاتية على النفس من قبل مربي الماشية والتجار».

وعن الشرارة الأولى لمخاوف شح الدقيق، والمتمثلة في أزمة الشعير، يقول «أسعار الشعير يتحكم فيها العرض والطلب في الأسواق العالمية، وما حدث من كوارث طبيعيه في الدول المنتجة والمصدرة، مثل روسيا وجارتها أوكرانيا كان له دور كبير في قلة المعروض من الشعير في الأسواق العالمية، إذا ما علمنا أن نصيب روسيا من صادرات الشعير العالمية يقارب 50 في المائة».

ويضيف «ما ترتب على ذلك من إيقاف تصدير الشعير من هاتين الدولتين أدى، ليس إلى انخفاض المعروض منه في السوق العالمية فقط، بل إلى ندرته، وبالتالي كان الارتفاع الحاد في أسعار الشعير». إلا أنه لم يتجاهل دور من سماه «جشع الوسطاء والتجار»، متسائلا عن أسباب رفع أسعار الشعير الذي تم شراؤه بأسعار مدعومة، عندما كان الكيس بـ29 - 30 ريالا، مع استغلال هذه الأزمة ورفعه إلى 50 - 55 للكيس.

من جانبه، أوضح لـ«الشرق الأوسط» عضو مجلس إدارة الجمعية الطبية البيطرية السعودية، الدكتور صلاح الهاجري، أن الدقيق أصلا يعد خيارا سيئا ومضرا بصحة الحيوان؛ خلافا لمنافسة المواشي للمستهلكين على حصتهم في الدقيق، واصفا ذلك بـ«المشكلة»، وأضاف «القمح مدعوم من الدولة حتى يكون غذاء للناس، وتحول المربي إلى تعليف الأغنام من القمح يعد مشكلة، إلى جانب أن القمح مركز أكثر بالنسبة للكربوهيدرات، لذا فإن استعمال القمح أو الدقيق يسبب الأمراض للحيوان».

وعن قراءة أصحاب المخابز لذلك، يرى خالد سالم الذي يملك مخبزا في الدمام، أن أزمة الدقيق التي حدثت قبل سنتين كانت مفاجئة، مما دفعه للقول: «لا نستطيع أن نتنبأ بعودتها، ونتمنى ألا يحدث ذلك، فالخبز سلعة استراتيجية لا يمكن العيش من دونها»، فيما يشير إلى ضرورة تدخل الجهات المسؤولة لتحذير ملاك المواشي من خطورة تغذية الحيوانات من الدقيق المخصص للاستهلاك الآدمي.

وبالعودة بالذاكرة إلى أزمة الخبز التي حدثت مطلع عام 2008، فقد أغلقت حينها عدد من المخابز السعودية أبوابها؛ إثر النقص الحاد في الدقيق، وخلت أرفف الأسواق التجارية والبقالات من أكياس الدقيق الصغيرة. وسجلت أسعار الدقيق الفاخر ارتفاعا وصل إلى 90 ريالا؛ والعادي 60 ريالا؛ بدلا من (32 و22 ريالا على التوالي)، وهو ما جعل بعض المخابز تبحث إمكانية رفع سعر رغيف الخبز أو إنقاص العدد (4 أرغفة بريال) في ذاك الحين، حتى انتهت الأزمة بعد أن استغرقت نحو شهر.

أما أسعار الدقيق لليوم، فيقدر سعر كيس الدقيق الفاخر بـ28 ريالا، ودقيق البودرة 22 ريالا، والدقيق العادي 20 ريالا، ودقيق البر 30 ريالا، وأخيرا؛ دقيق البر الفاخر 30 ريالا، وهذه الأسعار بالنسبة للدقيق المعبأ في كيس 45 كجم. أما بالنسبة لدقيق العبوات المنزلية (كيس 10 كجم)، فسعر كيس دقيق البر 8 ريالات، ودقيق بر فاخر 8 ريالات، وأخيرا؛ سعر كيس الدقيق البودرة 6 ريالات.

وتبدو مقابلة الشعير بالدقيق مسألة صعبة، إلا أن أول من دق ناقوس الخطر تجاهها، والتحذير من احتمالات حدوث أزمة دقيق جديدة، هي اللجنة الزراعية في غرفة الرياض التجارية؛ عبر بيان أصدرته الأسبوع الماضي، محذرة من استمرار ارتفاع أسعار الشعير في السوق المحلية؛ مع التأكيد أن «تأثيرات الارتفاع لا تقتصر على نشاط الأعلاف وتربية الماشية فقط، وإنما يمتد أثره إلى سلع استراتيجية أخرى لها علاقة مباشرة بالمستهلك، مثل الدقيق والبطاطس، حيث يلجأ بعض مربي الماشية في ظل ارتفاع أسعار الشعير إلى استخدام الدقيق والبطاطس كأعلاف للماشية».

وكان مدير عام مؤسسة صوامع الغلال ومطاحن الدقيق، المهندس وليد الخريجي، قد كشف لـ«الشرق الأوسط» مؤخرا، أن استهلاك السعودية من القمح شهريا يصل إلى 230 ألف طن، وعلى الرغم من طمأنته على أوضاع كميات القمح، فإنه لم يضع بلاده بعيدا عن الأزمة التي لحقت بروسيا، التي تغطي نحو 15 في المائة من احتياج العالم من القمح، وهي أزمة ألقت بظلالها على جميع دول العالم، لكنه أكد أن عمليات الاستيراد التي دخلتها السعودية وروسيا لم تتجاوز كمية تسلمتها السعودية في 2008 فقط، لأن المملكة دخلت في اتفاقات تأمين احتياجاتها من القمح من كندا، وأوروبا.

تجدر الإشارة إلى أن السعودية تستورد قمحا بنسبة بروتين 14 في المائة، و12.5 في المائة من الأقماح الصلدة، لإنتاج الخبز العربي، كما أن هذا النوع من القمح يساعد على إنتاج مخبوزات كثيرة، منها «التوست» و«الصامولي» و«الباغيت» و«الخبز الإيطالي»، وغيرها. فيما لا تمثل العبوات المنزلية سوى 5 في المائة فقط من إجمالي مبيعات سوق الدقيق؛ مقارنة بأسواق المخابز والحلويات والمطاعم.