بلوغ حجم رؤوس أموال شركات تسديد القروض المرخص لها 150 مليار ريال

انتشار «شبكات» لتمويل المقترضين بطرق غير قانونية وغياب نظام مراقبتها

على الرغم من تعميم تنظيف الصرافات الآلية للملصقات الإعلانية للأشخاص العاملين في تسديد القروض فإنهم يعاودون وضعها مرة أخرى ( تصوير: عدنان مهدلي)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في شركة المعلومات الائتمانية «سمة» عن بلوغ إجمالي رؤوس أموال شركات تسديد القروض المرخص لها في السعودية نحو 150 مليار ريال، لافتا إلى أنه لا يمكن إعطاء عدد معين للقروض في ظل «شح» المعلومات حتى في تلك الشركات المرخصة التي بلغ عددها منذ نحو عامين 155 شركة.

وانتقد المصدر المسؤول عدم وجود نظام لمراقبة شركات التمويل بشكل عام، مؤكدا أن ذلك النظام وغيره من الأنظمة ما زالت تحت المناقشة من قبل الجهات المعنية منذ نحو خمس سنوات.

وأوضح نبيل المبارك، مدير عام شركة المعلومات الائتمانية «سمة»، أن نظام مراقبة شركات التمويل الذي تتم مناقشته حتى الآن يعد من ضمن منظومة الرهن العقاري المندرج منها ما يقارب خمسة أنظمة، إلا أنها ما زالت متعثرة في دهاليز الجهات المعنية حتى الآن.

ووصف النقاش حول ذلك النظام بـ«البيزنطي» في ظل اختلاف الآراء حولها، مبينا أن هناك من يريده إسلاميا في حين يرغب آخرون بتعديله وفق آرائهم الشخصية، الأمر الذي يجعل من ذلك معاكسا لصالح اقتصاد الدولة.

وأكد على ضرورة أن يؤخذ وضع النظام في اعتبار المصلحة العامة التي تفوق النظرات الشخصية، مشيرا في الوقت نفسه إلى وجود مشكلة في الفكر حول طبيعة النظام المرغوب به في ظل غياب الآليات لتنفيذه.

يأتي ذلك في وقت أشارت فيه إحصائيات سابقة إلى ارتفاع قيمة القروض الاستهلاكية والشخصية المتعثر سدادها من الأفراد في السعودية العام الماضي إلى 5 في المائة ليبلغ إجمالها نحو 10 مليارات ريال من أصل 202 مليار ريال أقرضتها البنوك وشركات التقسيط المنظمة لعضوية شركة المعلومات الائتمانية «سمة»، فيما بلغ عدد الأفراد المتعثرين في السداد نحو 140 ألف عميل، حسب آخر الإحصاءات الرسمية حتى نهاية سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

وقال نبيل المبارك آنذاك، إن عدد الأفراد المقترضين بلغ حسب آخر الإحصاءات 2.6 مليون عميل لدى البنوك في السعودية، فيما بلغ عدد المقترضين من القطاعات غير المصرفية المنضمة إلى «سمة» أكثر من 100 ألف عميل.

وشهدت الأوساط السعودية مؤخرا انتشار جهات تمويلية تعمل في مجال تسديد القروض بشكل غير قانوني، والمتمثلة إما في شركات غير مرخص لها أو أشخاص يعملون على نشر إعلاناتهم عبر ملصقات على الصرافات الآلية التابعة للبنوك أو عن طريق الإعلانات المبوبة في بعض الصحف، الأمر الذي أدى إلى وقوع العديد من المقترضين في عمليات نصب واحتيال من قبل تلك الجهات.

الدكتور ماجد قاروب المحامي القانوني حمل كلا من وزارة المالية ومؤسسة النقد وجميع الجهات الرقابية من الهيئة العامة للتحقيق والادعاء العام وهيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة مسؤولية السماح للإعلانات عن الأشخاص والجهات غير النظامية بتسديد القروض بالانتشار.

واعتبر انتشار تلك الإعلانات عن تسديد القروض لبعض البنوك والجهات من قبل أشخاص مجهولي الهوية عمليات مشبوهة لغسيل الأموال، في حين تتحمل وزارة الثقافة والإعلام أيضا مسؤولية أخلاقية وأدبية واجتماعية قبل أن تكون قانونية لحماية المجتمع ومدخراته من أكبر عمليات نصب واحتيال تعقد بشكل علني.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن التصريحات الخجولة من قبل مؤسسة النقد حول عدم جواز تلك الإعلانات والاعتراف بها كمخالفة لا تكفي، حيث إنها أشبه بمن يقاوم الخطر بهدوء وكأنه يسمح له بالاستمرار»، مؤكدا أن التحذير المتواضع من مؤسسة النقد يحفز إلى مزيد من التداول في مجال القروض بشكل غير قانوني.

وأشار إلى وجود مسؤولية كبيرة تحت جميع المسميات من قبل المؤسسات المصرفية، إضافة إلى أن كافة البنوك الواردة أسماؤها في مثل تلك الإعلانات المشبوهة والمتركزة في أربعة بنوك عليها واجب التزام النفي القاطع من خلال حملة إعلانية ضخمة تتبرأ عن طريقها من هذه الإعلانات والعروض.

وبين أن كسب أو خسارة قضايا النصب والاحتيال على المقترضين في القانون متعلق بتوفر المستندات والأدلة، خصوصا أن مثل هذه العمليات التي تقوم بها بعض الشركات أو الأشخاص عادة ما تكون عالية المستوى بحيث لا تجعل للمقترض مجالا من أجل إعادة المطالبة بمستحقاته باعتباره وقع على أوراق ومستندات تختلف عن الوضع الحقيقي.

وحول تأثير هذه العمليات على الكيان الاقتصادي بشكل عام، أكد قاروب أن ذلك يخل بنزاهة ومصداقية وشفافية العمل المصرفي في السعودية بشكل عام، لافتا إلى أن الأصل هو نزاهة الأعمال وليس فساد المعاملات.

وزاد: «لا بد من إجابة وزارة المالية ومؤسسة النقد في المقام الأول على أسباب التأخر في إصدار نظام لمراقبة شركات التمويل حتى الآن، حيث إن أنظمة الشركات والمؤسسات والسجلات والمحاكم التجارية وهيئة السوق المالية وكل ما يتعلق بمجمل النشاط التجاري والاقتصادي والأنظمة الرقابية النوعية ما هي إلا لإصدار مزيد من التفاصيل على الجرائم المالية»، منوها إلى أن عدم وجودها لا يعني أن تلك الأعمال مشروعة ومباحة.

فيما ذكر محمد نايتة أحد المحامين القانونيين أن كل من يريد ممارسة أي من التعاملات المالية سواء كانوا أفرادا أو شركات يلزمهم ترخيص لمزاولة المهنة، حيث إن التعامل سيكون مضمونا مع الشركة المرخص لها، ولا سيما أن القانون يطبق عليها إذا ما وقعت إشكالية بينها وبين عملائها.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من الملاحظ أن الأشخاص الذين يعملون على تسديد القروض للمقترضين عادة لا يفصحون عن أسمائهم الحقيقية وإنما يستخدمون كنى عشوائية، عدا عن لجوئهم إلى شرائح الجوال مسبقة الدفع والتي لا تكون مسجلة بأسماء صريحة، الأمر الذي يجعل التعامل معهم غير قانوني»، مؤكدا على أن القانون لا يحمي المغفلين في حال تعرض أحد الأفراد إلى عملية نصب واحتيال من قبل هؤلاء الأشخاص.

وأشار إلى أن البنوك الرسمية منعت التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص، غير أن المجتمع بشكل عام بحاجة إلى الوعي القانوني من جميع النواحي في ظل وجود عقليات ما زالت غير واعية، إلى جانب أن تلك البنوك باتت تعمل على إزالة الملصقات المروجة لهذه الفئة والتي عادة ما يتم إلصاقها على الصرافات الآلية واستبدالها أحيانا بمنشورات تحذر من الانسياق وراء هذه التعاملات.

وشدد على ضرورة التأكد من وضع الشخص قبل التعامل معه من ناحية امتلاكه لترخيص رسمي أو رخصة لمزاولة المهنة إذا كان يتبع لمكتب معين، مبينا أن الضمانات بين الفرد والطرف المسؤول عن تسديد القروض تتمثل في العقود الرسمية مع ضرورة قراءة بنود العقد قبل التوقيع عليه تأكيدا على حماية حقوق كلا الطرفين.

وحول إمكانية وضع حلول من شأنها أن تسهم في الحد من التعامل مع شبكات تسديد القروض غير النظامية، أفاد نايتة أنه من المفترض إيجاد آلية تتم عن طريق البنوك، بحيث يتم رفض سداد القروض من أي شخص غير صاحب القرض، إلا أنه قد يحدث تحايل على القوانين، مما يجعل الوعي في المجتمع أساسا لتفادي الدخول في مثل تلك المتاهات.

وهنا، علق لـ«الشرق الأوسط» أحمد العبد الله مدير خدمة العملاء في أحد البنوك قائلا: «إن أنظمة البنوك تمنع إغلاق أي قرض من قبل شخص آخر غير صاحب القرض نفسه، ما عدا في حالة وجود بطاقة فيزا والتي يمكن من خلالها القيام بتسديد ما تبقى من القرض وإغلاقه»، لافتا إلى أن ذلك يحدث بعد مخاطبة الإدارة الرئيسية للبنك عن طريق خطاب رسمي. وبالعودة إلى مدير عام شركة المعلومات الائتمانية «سمة»، فقد أكد على أن جميع الأفراد والشركات التي تعمل على تسديد القروض تدخل ضمن النصب والاحتيال، كونها غير مرخص لها نظاما، لافتا إلى أن الإقراض لا يتم إلا عن طريق جهات مصرح لها والمتضمنة البنوك الرسمية المرخصة من قبل مؤسسة النقد أو شركات التقسيط التي تمتلك تراخيص من قبل وزارة التجارة.

واعتبر هؤلاء الأشخاص العاملين في مجال تسديد القروض دون تراخيص رسمية «مخلوقا مشوها»، حيث إن معظمهم إما شريطيون (سماسرة) في السيارات أو الغنم أو الأثاث، إضافة إلى أنهم يستغلون تدافع الناس على التمويل بعد تعذر حصولهم عليه من قبل الجهات المسموح بها.

وأضاف: «لوحظت في السنوات الأخيرة كثافة الإعلانات عن الأشخاص القائمين على تسديد القروض في بعض الصحف المحلية، مما يدل على وجود أخطاء ترتكبها تلك الصحف، غير أنه من المفروض على نظام المطبوعات منع الإعلان عن جهة تقوم بنشاط غير مرخص له».

ولفت إلى أن الجهات الرسمية لم تقم بأي إجراء معلن ما عدا بعض الجهود الفردية من قبل إمارات المناطق أو الشرط الموجودة بها للحد من هذه القضية، والمتضمنة التعميم على البنوك بضرورة تنظيف الإعلانات الموجودة على الصرافات الآلية التابعة لها، إلا أن الأشخاص يعودون لإلصاق أرقامهم مرة أخرى.

وزاد: «من أمن العقوبة أساء الأدب، فهؤلاء الأفراد لم يشعروا بأي عقاب قد يحل بهم جراء ممارساتهم غير القانونية، الأمر الذي يجعل نشاطهم أشبه بالسوق السوداء المظلمة كونهم لا يتعاملون بأسمائهم الصريحة».

وأبان أن شركة «سمة» قامت برصد طريقة تعامل تلك الشبكة مع المقترضين، حيث إن الشخص منهم لا يقابل المقترض إلا بعد مواعدته في مكان معين، في حين قد يهرب من مقابلته بدون سبب لمجرد أنه قد يشك في هيئته، وأحيانا يقفون عند بوابات البنوك ليعرضوا خدماتهم على العملاء هناك.

واستطرد قائلا: «ثمة حالات استثنائية تتمثل في التنسيق مع أحد موظفي البنك بطريقة قذرة مقابل إعطائه عمولة متفقا عليها، والذي بدوره يقوم بأخذ بطاقتي الأحوال المدنية والصراف الآلي لاحتجازه حتى يضمن إيداع المبلغ في حسابه بعد استخراج قرض جديد للمقترض واستقطاع ما تم دفعه لإغلاق القرض القديم مع الفوائد المتفق عليها ومن ثم تتم إعادة البطاقتين إلى صاحبهما).

وشدد مدير عام شركة «سمة» على أن هذه العملية عارية تماما من أي منطق أو عقل، معتبرا إياها من العمليات التي تفوق الربا، ولا سيما أنها تقوم على استغلال عواطف الناس وحاجاتهم.

وقال: «جميع تلك التعاملات من شركات غير مرخص لها أو أشخاص تعتبر عمليات فردية، والتي تعاظم دورها بعد إيجاد شركة «سمة» كونها حدت من الاستهتار بالاقتراض بشكل قوي، الأمر الذي دفع بهم إلى إيجاد سوق قوي في ظل بدء تنافس شركات التقسيط أيضا في الإقراض».

وطالب نبيل المبارك بضرورة وجود حلول مطروحة تتناسب مع كافة المحاور السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في السعودية، مؤكدا في الوقت نفسه على عدم وجود أي خصوصية، وذلك من منطلق أهمية تطبيق النظام بشكل مبدئي يعطي ملامح ذات موازنة.

وفيما يتعلق بتحرك الشركة مع الجهات المعنية من أجل الوصول إلى أنظمة أو آليات تحد من تفاقم عمليات النصب والاحتيال في مجال تسديد القروض بشكل غير نظامي، ذكر مدير عام شركة «سمة» أنه تم الرفع بمذكرات رسمية لا يمكن الإفصاح عنها باعتبارها سرية، والتي تم على إثرها تحرك بعض الجهات بشكل بسيط، إلا أن التعامل مع هؤلاء الأشخاص يشبه في مجمله التعامل مع «الأشباح» -بحسب قوله.

أبو سعود، أحد الأشخاص العاملين في سوق تسديد القروض للمقترضين، عادة ما يستهل حديثه مع المتصل بسؤاله عن البنك الذي تم الاقتراض منه والمبلغ المتبقي له، ومن ثم يبدأ في وضع آلية عمله المتضمنة تسديد ما تبقى من قيمة القرض والرفع بطلب لقرض جديد ليتم استقطاع المبلغ القديم الذي قام بتسديده مع الفوائد التي تتراوح ما بين 3 و4 آلاف ريال.

وعند سؤاله عن الضمانات التي تضمن حق كلا الطرفين، أجاب: «إصدار شيكات بالمبلغ المتبقي والفوائد المتفق عليها والتي تظل معي حتى وقت استلام المقترض لقرضه الجديد ومن ثم يتم سحب المبلغ منه».

بينما يعمل أبو محمد بطريقة مختلفة تحت مسمى «التمويل بطرق شرعية» والمتمثلة في إعطاء المقترض سلعة بقيمة تعادل ما تبقى من قرضه ليبيعها ويغلق القرض ومن ثم يعطيه الفوائد التي تتراوح ما بين 35 إلى 50 في المائة من قيمة السلعة.

ولا يتعامل أبو محمد إلا مع الموظفين الحكوميين فقط، عدا عن وجود عقد بينه وبين المقترض والمتضمن ضرورة إيداع المبلغ في حسابه بأحد البنوك المعروفة والذي يزعم بوجود اتفاقية بينه وبين ذلك البنك حول استقطاع المبلغ تلقائيا من حساب العميل كي لا يتخلف عن الدفع إلا بخطاب رسمي من قبله يخبر فيه البنك بإيقاف الاستقطاع من حساب العميل.

المهندس عبد الله الزهراني كان ضحية لعملية نصب قام بها مكتب أحد المحامين المعروفين في مدينة الرياض، تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمه، والذي استخدم مجموعة من الوسطاء لتمويل المقترضين المتقدمين إلى مكتبه بشكل غير مباشر.

وقال المهندس عبد الله الزهراني لـ«الشرق الأوسط»: «يعمل هذا المحامي كوسيط لتمويل المتقدمين والذي يتجاوز عددهم 800 شخص عن طريق عقود مبدأية من خلال أفراد يعرفهم أو مؤسسات وشركات محلية تموله».

وأشار إلى أن المحامي قام بتوقيع عقود مع الناس بحيث يتسلم منهم مبالغ مقدمة على حسب القروض التي يرغبون بها، ووعدهم بتوفير تلك القروض خلال 60 يوما من تاريخ توقيع العقود، غير أن هذه المهلة انتهت ولم يتسلم أي منهم قرضه.

وأضاف: «طلبت منه قرضا بمبلغ 400 ألف ريال ودفعت له مقدما بنحو 12.5 ألف ريال، إلا أنني أمضيت ما يقارب 4 أشهر حتى الآن ولم أحصل على القرض»، لافتا إلى أن المحامي تعذر لهم بعدم وجود ممولين له، الأمر الذي دفع به إلى إعادة جدولة المتقدمين مرة أخرى وتحديد تواريخ جديدة لاستلامهم القروض.

وأكد أن ذلك المحامي ما زال يوقع عقودا جديدة مع مقترضين جدد في ظل عدم وجود ممولين له، والتي على إثرها يتسلم منهم المبالغ المقدمة، مشيرا إلى أن تعامل الموجودين في مكتب المحامي بدأ في التغير ليصل إلى درجة السوء بعد أن ضمنوا هذه المبالغ المدفوعة لهم. وحاولت «الشرق الأوسط» التحدث مع المحامي المعروف عن طريق الاتصال بمكتبه، إلا أنه لم يتم الرد حتى وقت النشر.

تركي الحارثي، أحد الأفراد الذين فكروا في الحصول على قرض من إحدى شركات التقسيط غير النظامية، أكد أن سبب لجوئه إلى مثل تلك الجهات جاء نتيجة سماعه عن هذه الشركة من قبل أصدقائه كونها تعمل على تمويله بمبلغ يستطيع تسديده لمدة عشر سنوات بأقساط مريحة.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أرى أن ذلك مفيد بالنسبة لي مقارنة بإجراءات الجهات التمويلية الرسمية، حيث إنني حينما تواصلت مع الشركة التي طلبت مني بعض الأوراق الرسمية المتعلقة بوظيفتي وتعريف الراتب وصورة من إيجار المنزل وخريطة موقعه وفاتورة الكهرباء منحوني مبلغا لا يمكن للبنوك إعطائي إياه)، لافتا إلى أن الشركة لم تطلب منه كشفا لحسابه البنكي، مما يدل على عدم تعاملها بشكل رسمي مع الجهات المعنية.

ولكنه استدرك في القول: «حينما زرت الشركة فوجئت بأنها تقع في فيلا سكنية، عدا عن تأكدي من هيئة المكان من أن صاحب الشركة ليس باستطاعته إعطائي حتى ربع المبلغ المتفق عليه، إضافة إلى أنني اكتشفت شرط دفع مبلغ مقدم للممول، بينما أستلم المبلغ بعد مرور 3 أشهر، وهذا ما جعلني أتأكد من وجود عملية نصب واحتيال من قبل هذه الشركة».

من جهته، أرجع الدكتور خالد الحارثي الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مركز «آرك» للدراسات أسباب ظهور عمليات تسديد القروض بطرق غير قانونية إلى تحفظ وتشدد القطاع المصرفي السعودي في عملية الإقراض بشكل عام، لافتا إلى أن العمليات غير النظامية تعتبر من الأمور المسيئة والمغررة بالأفراد المحتاجين والتي تجعلهم صيدا سهلا لشبكة هذه الجهات المحتالة.

وتحدث لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «منذ أحداث الأزمة المالية العالمية أصبح هناك تحفظ وتشدد لدى القطاع المصرفي السعودي في عمليات الإقراض، إلا أنه اتضح بشكل أكبر منذ بدايات عام 2009 وإن كانت قد ظهرت مؤخرا بعض المرونة غير أنها تختص بالشركات ذات الملاءة المالية العالية».

ولفت إلى أن محفظة الإقراض في القطاع المصرفي للعام الحالي باتت تشهد تزايدا، الأمر الذي يدل على انخفاض تدريجي وبمعدل بسيط في درجات التحفظ لدى القطاع المصرفي، إلا أن تلك الفائدة لم تنعكس على الأفراد - بحسب قوله.

وأضاف: «تعتبر السياسة النقدية السعودية بشكل عام متحفظة، والتي زادت من تحفظها بعد خروج المملكة من إشكالية الأزمة المالية العالمية بسلام وذلك بهدف الحفاظ على الملاءة المالية العالية الموجودة لدى الشركات، وهو ما انعكس سلبا على تمويل الأفراد».

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار المعيشة بشكل عام والناتج عن التضخم المستورد في السعودية أظهر ازدياد الحاجة لدى الأفراد للتمويل في ظل عجز القطاع المصرفي الذي يحمل مسؤولية هذا الجانب على عاتقه، موضحا أن تلك الأسباب دفعت ببعض الأفراد إلى استغلال المنافذ للتغرير بمن هم في حاجة للتمويل.

وذكر الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مركز «آرك» للدراسات أن الكثير من الأفراد لا يغطي دخلهم التزاماتهم المعيشية، غير أنهم لا يستطيعون الحصول على تمويل من قبل الجهات التمويلية الرسمية نتيجة صعوبة الاشتراطات واستحالة تطبيقها».

وأكد على أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ظهور فرص غير نظامية تعطي نتائج سلبية جراء عدم التزام الشركات أو الأشخاص العاملين في مجال تسديد القروض بطرق غير نظامية في ظل غياب الحماية القانونية لعملية التمويل التي يتم الحصول عليها بواسطة تلك الجهات غير الرسمية، مما يسبب ضياع حقوق المقترضين بسهولة دون وجود حق لديهم من أجل المطالبة بها.

وبالنسبة لطرق علاج تلك الإشكاليات، أفاد الحارثي بأن عملية الإصلاح تكمن في فتح منافذ التمويل لبعض الأشخاص من أجل العمل في مجال تسديد القروض ضمن ضوابط معينة وفي نطاق ضيق بهدف تعجيل الدورة الاقتصادية من جانب والقضاء على حالات النصب التي تشوه الاقتصاد وعمليات التعامل التجاري في السعودية من جانب آخر.

وطالب بضرورة فتح منافذ التمويل من قبل القطاع المصرفي كونه ملزما بتوفير قنوات تمويلية للأفراد بما يتناسب مع مدخولاتهم وقدرتهم على تغطيتها، مضيفا: «لا يوجد غطاء قانوني لعمليات النصب والاحتيال التي يشهدها مجال تسديد القروض حتى الآن».

إلى ذلك، حذر الملازم أول نواف البوق، المتحدث الأمني في شرطة جدة المكلف بالتعامل مع مثل تلك الجهات التمويلية غير القانونية، من الوقوع في فخ النصب والاحتيال من قبلها، مشيرا إلى ضرورة مراقبة الإعلانات التي يتم نشرها عن طريق الصحف لهذه الجهات التمويلية كونها تتعامل بطرق غير نظامية.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وضعت الشرطة رقما مجانيا موحدا لاستقبال استفسارات الأفراد حول مثل تلك الجهات وطرق التعامل معها»، مؤكدا استعداد الشرطة للتواصل مع الأشخاص على مدار الوقت وتقديم المشورة لهم قبل التورط في مثل هذه العمليات.