على ذمة موقع وزارة التجارة.. 70% من شركات المساهمة «غير نظامية»!

أزمة عدم تحديث البيانات الإلكترونية تعصف بالوزارة.. وقانوني يراها معلومات «غير موثقة»

الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة التجارة.. وتظهر على اليسار خانة «الخدمات الإلكترونية» بصفتها خدمة جديدة في الموقع
TT

فيما يمكن وصفه بـ«الكارثة»، تفصح البيانات الواردة في الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة التجارة والصناعة السعودية، عن أن نحو 70% من أصل 198 شركة مساهمة (إسمنت – بنوك – خدمات – زراعة - صناعة) سجلها التجاري منتهٍ، أي أنها شركات وضعها غير نظامي قانونيا، أما النسبة المتبقية منها فلم يحدد تاريخ سجلها، وذلك ضمن ما يسمى «الخدمات الإلكترونية» للوزارة، وهو ما وصفه مختصون بالأمر «غير المنطقي»، رابطين ذلك بأزمة ضعف تحديث البيانات التي تواجهها العديد من المواقع الحكومية.

من جهته، أوضح المحامي الدكتور وائل بافقيه، لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل شركة تجدد سجلاتها قبل انتهاء السجل بفترة كافية، وهذا من شروط متابعة الشركة والسماح لها بمزاولة النشاط، وعندما ينتهي سجلها ولا يتم تجديده فهنا تعتبر الشركة غير مرخص لها بمزالة العمل التجاري».

وأشار الدكتور بافقيه إلى دور وزارة التجارة بصفتها الجهة المسؤولة عن إصدار التراخيص والسجل، قائلا: «وزارة التجارة - وفقا للنظام - مراقبة على الشركات المساهمة، لكني أظن أنهم لا يحدثون البيانات!»، ولم يعف بافقيه جهات أخرى أيضا من مسؤوليتها في مراقبة ضوابط هذه الشركات ومستنداتها الرسمية.

ويضيف: «لو كانت هناك قضية مع مؤسسة أو شركة صغيرة وترغب بالبحث عن عنوانها من موقع وزارة التجارة، فستذهب للواقع الفعلي ولن تجده!». وأفاد بأن المحاكم كذلك لا تعترف بـ«البرينت» المأخوذ من موقع وزارة التجارة على أنه يضم عنوان المدعى عليه، قائلا: «لا يعتمدونه؛ لأنهم يعلمون أنه معلومة غير صادقة وغير موثقة». وتابع حديثه بالقول: «وزارة التجارة لا تحدث بياناتها، وهناك سجلات كثيرة وهمية لمؤسسات فردية موجودة بوزارة التجارة ولا أحد يعلم عنها شيئا».

من جانبه، تحدث المتخصص في شؤون الإنترنت الدكتور سعود كاتب، لـ«الشرق الأوسط»، عن المواقع الإلكترونية للوزارات والتي تـرصد لها ميزانية سنوية ويديرها موظفون متخصصون، بالقول: «مشروع الحكومة الإلكترونية واستخدام الإنترنت بكل ما يتعلق بالخدمات الحكومية، موضوع بمنتهى الأهمية؛ لأنه يخفف على المواطن ويخفف الضغط على الجهات الحكومية أيضا، لكن تبقى عملية عدم تحديث البيانات هي المشكلة الأساسية!». وتابع كاتب حديثه، متسائلا: «إذا كان الموقع قد تم تكوينه ووضعت فيه البيانات، فكيف يتم هجر الموقع بعد ذلك؟ ما المشكلة في عملية تحديث البيانات؟! المسألة ليست مكلفة ماديا، وتستحق العناء المبذول وستعود بالفائدة على الجهة الحكومية وعلى المواطن». ووصف ذلك قائلا: «أعتبره تقصيرا كبيرا جدا، غير مبرر». وفي اتصال هاتفي بالـ«الشرق الأوسط»، أكد مسؤول في إحدى الشركات الخدمية المشمولة في قائمة الوزارة (تحتفظ الجريدة باسمها) عدم صحة المعلومات الواردة في موقع الوزارة، قائلا: «نحن لدينا سجلان تجاريان: واحد بالرياض وينتهي في 30/5/1432هـ، والآخر في جدة وينتهي في 30/5/1433هـ». بينما اعتبر مصدر في شركة زراعية مشمولة كذلك في القائمة أن ما ورد في الخدمات الإلكترونية لموقع الوزارة «غير منطقي»، محملا ضعف عملية التحديث الإلكتروني للبيانات مسؤولية ذلك. أمام ذلك، راسلت «الشرق الأوسط» وزارة التجارة والصناعة قبل أكثر من 10 أيام، عبر البريد الإلكتروني للوزارة، بهدف الاستفسار عن ذلك وأخذ معلومات دقيقة حول جميع الخدمات الإلكترونية المقدمة ومدى دورية تحديث البيانات الواردة في موقع الوزارة، لكن لم يتم الرد، ثم اتصلت «الشرق الأوسط» بمسؤول العلاقات العامة بالوزارة أحمد جمال، مطلع هذا الأسبوع، والذي طلب إعادة إرسال الأسئلة، بينما أفاد فايز الأسمري، من إدارة العلاقات العامة، بأنه تمت إحالة الأسئلة إلى مستشار تقنية المعلومات في الوزارة المهندس فهد الجلاجل، ولم يتم الرد حتى تاريخه.

من جهته، أوضح مسؤول في وزارة التجارة (فضل عدم ذكر اسمه)، هاتفيا لـ«الشرق الأوسط»، أن شركات المساهمة تحدث بياناتها وتجدد سجلاتها بصورة منتظمة، مضيفا: لذلك فهي تبلغ الوزارة بأي إجراء تتخذه، مثل اختلاف أعضاء مجلس الإدارة واستقالة أحدهم (لطلب شطب اسمه)، أو تعيين عضو جديد في مجلس الإدارة (لطلب إضافته)، قائلا: «لا نواجه أية مشكلات مع شركات المساهمة»، مع التحفظ على إلقاء المسؤولية على موقع الوزارة الذي يفيد بعكس ذلك.

وأفاد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن شركات المساهمة تقع ضمن مسؤولية الإدارة العامة للشركات وهي غير مطالبة بتقديم القوائم المالية إلى جانب الشركات المحدودة (بعكس شركات التضامن وشركات التوصية)، أما بالنسبة للمؤسسات الفردية فأفاد بأن متابعتها مسؤولية إدارة السجل التجاري بالوزارة. وأوضح أنه يتم طلب تسجيل الشركة أو المؤسسة وفق ضوابط معينة، مع إشارته إلى عدم إمكانية التأكد من ممارسة الجهة للنشاط التجاري. وأضاف «لدينا في النظام إذا مر 3 أشهر بعد انتهاء مدة السجل ولم يجدد، يعتبر منتهيا، وهذا دليل عدم ممارسه النشاط».

وتبدو المفارقة أن إحدى الشركات كان قد تم إدراجها مؤخرا في سوق المال، في حين يفيد موقع وزارة التجارة الإلكتروني بأن سجلها التجاري منتهٍ منذ 13 عاما! بينما يضع موقع الوزارة ملاحظات عامة على شركة أخرى، بالنص التالي: «ملاحظة: عدم التجديد أو التعديل أو استخراج الفرع إلا بعد إحضار شهادة سارية المفعول من التأمينات.. عدم التعديل في مجلس الإدارة». يأتي ذلك بعد نحو شهر من حصول وزارة التجارة والصناعة على المركز الأول في التميز للخدمات الحكومية الإلكترونية المتاحة عبر البوابة الوطنية للتعاملات الإلكترونية «سعودي»، ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية؛ حيث تعتبر هذه هي المرة الثانية على التوالي التي تحصل وزارة التجارة والصناعة على المركز الأول في الخدمات الإلكترونية، بينما كانت قد دشنت مؤخرا مجموعة من الخدمات الإلكترونية على موقعها الإلكتروني.

وعن قيمة المعلومة الإلكترونية، يتساءل المحامي الدكتور وائل بافقيه: «من يستند على وزارة التجارة في بحثه عن أية معلومة؟!». ويضيف: «عندما يكون لدي عقد مع شركة مساهمة، سأطلب تزويدي بصورة لآخر سجل تجاري وسأتأكد من تاريخ انتهائه، ولن أدخل إلى موقع الوزارة للتأكد».. وبسؤاله عن قيمة معلومات الجهات الحكومية بالنسبة للمستثمر الأجنبي، أوضح أن الشركات الأجنبية إما أن يكون لديها محامون في السعودية يطلبون المستندات ويراجعونها للتأكد من صحتها، وإما أن تطلب الشركة صورة من المستندات لمراجعتها من قبل الإدارة القانونية في الشركة.

وهنا يعود المتخصص في شؤون الإنترنت الدكتور سعود كاتب، ليؤكد أن للإعلام دورا مهما في متابعة المواقع الإلكترونية للجهات الحكومية بصفتها مشروعات قائمة بحد ذاتها، عبر ما وصفه بـ«دخول الصحافيين إلى مواقع الوزارات ومتابعة المكتمل منها وغير المكتمل وحجم الأخطاء الواردة في بعضها»، مشيرا إلى ضرورة أن تكون هذه المواقع الرسمية بمثابة الدليل الموثوق، الذي يخدم المستفيد المحلي والأجنبي على السواء.

جدير بالذكر أن السعودية تولي اهتماما كبيرا للتحول للتعاملات الإلكترونية الحكومية، وذلك لما تقدمه مفاهيم التعاملات الإلكترونية الحكومية من فوائد كبيرة للاقتصاد الوطني؛ حيث صدر الأمر السامي رقم 7/ب/33181 بتاريخ 10/7/1424هـ، المتضمن وضع خطة لتقديم الخدمات والمعاملات الحكومية إلكترونيا من قبل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وقامت وزارة الاتصالات بإنشاء برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية عام 1426هـ بمشاركة كل من: وزارة المالية، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.