أمانة جدة لـ «الشرق الأوسط»: إزالة كل العقوم والأحواش على مجاري السيول

وكيل الأمين للمشاريع لـ«الشرق الأوسط»: الاثنين المقبل توقيع عقود إنشاء سدود قوز ومثوب وربط غليل بالقنوات المفتوحة

جانب من الآلات المشاركة في التجربة الفرضية استعدادا لموسم الأمطار (تصوير: خضر الزهراني)
TT

عاشت جدة أمس تجربة فرضية أشبه بالحقيقة لكارثة الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أو ما يطلق عليه أهل جدة «الأربعاء الأسود» وسط وجود مكثف ومشاركة فعالة من 22 جهة حكومية وتفاعل كبير من الأوساط الجداوية وسكان شرق المدينة الذين أشعروا بالخطر «فرضيا» هذه المرة، فدوت صفارات الإنذار وتم إخلاء 9 مدارس وفصل التيار الكهربائي لخمس دقائق في الفرضية. كما شهدت الشوارع والشاحنات المحيطة حركة دؤوبة لفرق الإنقاذ والبحث والآلات الثقيلة والخفيفة من الجهات ذات الصلة.

العميد عبد الله جداوي، مدير الدفاع المدني بمحافظة جدة، أوضح أن الفرضية شاركت بها 22 جهة حكومية وأن إدارته شاركت بنحو 500 آلة، منها 4 طائرات عمودية وآلات ثقيلة وقوارب إنقاذ، إضافة إلى صفارات الإنذار.

مشيدا في الوقت ذاته بتعاون الجهات المعنية، وقال في هذا الصدد: «قامت إدارة التربية والتعليم في المنطقة بإخلاء 9 مدارس، إضافة إلى إبلاغ الأهالي، وكل الجهات في الموقع بالفرضية. وتم التعامل مع الفرضية على أكمل وجه». مشيرا إلى أن 600 فرد و80 ضابطا شاركوا من إدارته في العمليات، وقال: «بدأت الفرضية عند الساعة الثامنة بورود تنبيه من الرئاسة العامة للأرصاد بهطول أمطار على المنطقة، ثم ورد بلاغ آخر (تنبيه) عند الساعة العاشرة صباحا باحتمالية هطول أمطار غزيرة على محافظة جدة، وعند الساعة الثانية عشرة ورد بلاغ بصيغة (تحذير) يفيد بتأكد الظاهرة (هطول أمطار غزيرة) تنتج عنها سيول منقولة عبر الأودية المارة بالأجزاء الشرقية (جنوب شرقي جدة)».

وأضاف شارحا: وعند الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين من بعد الظهر بدأ هطول أمطار غزيرة على الأجزاء الشرقية من محافظة جدة وتركزت على معظم روافد وادي قوس، خاصة في منطقة الحرازات وأعلى حي الصواعد.. ونتيجة لهطول الأمطار بشدة وغزارة في منطقة محدودة تنتج عن ذلك سيول منقولة عبر وادي قوس يتركز تأثيرها في نهاية الوادي، وتحديدا عند حي الصواعد ومدخل حي المساعد، وعلى امتداد شارع جاك من جهة الشرق، ونتج عن ذلك جرف عدد من المنازل والمنشآت والمركبات الواقعة في مسار السيل وفقدان وإصابة ووفاة عدد من المواطنين والمقيمين وانقطاع الطرق والاتصالات والمواصلات وتلقي الكثير من طلبات الاستغاثة، مما يتطلب معه تدخل جميع الجهات المعنية بمواجهة حالات الطوارئ وإعلان حالة الاستنفار القصوى والتدخل بكل الإمكانات البشرية والآلية لمواجهة الموقف واتخاذ كامل التدابير اللازمة للسيطرة على الموقف للحد بأقصى ما يمكن من تأثير السيول المباشر ومعالجة الآثار الناتجة عن ذلك بأسرع ما يمكن، لتعود الحياة في المناطق المتضررة إلى وضعها الطبيعي.

وبين الجداوي أنه تم خلال التجربة تنفيذ عمليات إخلاء ومسح واستطلاع جوي وتحريك فرق الإنقاذ والإطفاء والإسعاف للمواقع المفترض تضررها وعمليات إنقاذ واستقبال للمتضررين وإسكانهم وتقديم الإغاثة لهم وفتح الطرق ومعالجة الأضرار.

اللواء عادل الزمزمي، مدير الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة، من جانبه أكد نجاح التجربة بمشاركة الجهات، وأشار إلى أن الهدف منها أن التجربة جاءت لاختبار جاهزية الدفاع المدني والقطاعات الحكومية الأخرى، لمواجهة أي طارئ، ووضع واختبار التدابير المتخذة في حال تعرضت جدة لأمطار مماثلة لما تعرضت له العام الماضي، وذلك بمتابعة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، الذي وجه بهذه التجربة الفرضية، مشيرا إلى أن الهدف من الفرضية اختبار القدرات وتلافي الأخطاء والسلبيات وإيجاد مكامن القصور والخلل، إن وجدت، وأعلن في الوقت ذاته وجود فرق من إمارة المنطقة لتقييم الفرضية.

وطمأن الزمزمي سكان جدة بأن الوضع في مناطق شرق جدة هذا العام أفضل من العام الماضي، بعد فتح مجاري السيول، وإزالة العقوم المانعة لتدفق المياه، وأشار إلى توفير إمكانات وآلات جديدة للتعامل مع الأحداث، إضافة إلى إيجاد وإنشاء أقسام دفاع مدني جديدة في عدد من المواقع، التي صنفت العام الماضي على أنها مواقع خطر، وتم إعداد خريطة لذلك.

وكشف المهندس علوي سميط، وكيل أمين جدة للمشاريع، لـ«الشرق الأوسط»: أنه سيتم الاثنين المقبل بإشراف الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، التوقيع النهائي على عقود إنشاء ثلاثة سدود في وادي قوز، والمتضمن ثلاثة سدود فرعية، إضافة إلى إنشاء سدي في وادي مثوب، وعقد آخر لإيصال شبكة القنوات المفتوحة في وادي غليل بالشبكات المفتوحة، وأعلن في الوقت ذاته إزالة الأمانة لـ150 من العقوم الواقعة على مجاري السيول، وإزالة كل الأحواش الواقعة في طريق السدود. وإعداد محاضر الإخلاء لكل المنازل في تلك المواقع.

وأعلن المهندس سميط الانتهاء من كراسات مشاريع تصريف المياه الجوفية في حي الأجاويد 1 و2، مشيرا إلى مشاريع أخرى في أحياء العدل والحرمين. وقال: طلبنا مائة مليون ريال، كاعتماد في الميزانية المقبلة لهذه المشاريع. مؤكدا في الوقت ذاته لـ«الشرق الأوسط» أن الأمانة انتهت من تنظيف كل قنوات تصريف مياه الأمطار، استعدادا لموسم الأمطار، وأضاف أنه تم تحديد مواقع لإسناد المعدات خلال موسم المطر. وتتضمن خطة عمل الأمانة، بحسب الوكيل، تصريف ورفع مياه الأمطار بمحافظة جدة للعام الحالي، وبحسب سميط تم حصر جميع مواقع تجمع مياه الأمطار في البلديات الفرعية، وتحديد 4 مواقع كإسناد للمعدات والآلات لدعم البلديات الفرعية، وتحديد الحد الأدنى من المعدات والآلات لكل بلدية فرعية للعمل على رفع الأمطار، والتأكد من جاهزية المعدات الخاصة بالأمانة ومقاوليها، متمثلة في مشاريع النظافة، والحدائق والتشجير، وصيانة المعدات، والإدارة العامة للمياه.

وعن الفرضية، أكد سميط مشاركة نحو 250 آلة تابعة للأمانة والشركات المتعاقدة معها في مشاريع تصريف الأمطار. وأضاف: كانت هناك اجتماعات لتنسيق العمل، استعدادا للفرضية، وتم استدعاء كل المعنيين بمشاريع الأمطار من أفراد وفنيين للمشاركة في الفرضية.

وأعلن مدير عام التربية والتعليم بمحافظة جدة عبد الله بن أحمد الثقفي، نجاح تجربة الإخلاء لما يقارب 2200 طالب في ثلاث مدارس بحي قويزة (شرق جدة)، واستغرقت التجربة الفرضية التي جرت في العاشرة من صباح أمس الأربعاء 12 دقيقة، تم خلالها إخلاء مباني المدارس الثلاث وتأمين نقل أغلب الطلاب لموقع آمن اعتبر مركزا للإيواء، وأضاف الثقفي أن هذه التجربة التي تأتي بمشاركة كل القطاعات الحكومية والأهلية والأجهزة الأمنية التي تشكل أهمية قصوى لأنها تعزز جوانب الأمن والسلامة والوقاية من الكوارث، مضيفا أن إدارته شكلت فريقا ميدانيا يقوده مدير مكتب التربية والتعليم بشرق جدة لرصد كل العوائق والملاحظات التي تخرج بها هذه التجربة لتلافيها في تجارب أخرى، واستطرد قائلا: نعلم أن الكوارث، وقانا الله منها، تحدث فجأة، لذا فإننا نسعى للوصول إلى درجة عالية من التنظيم وحفظ الأدوار وإيجاد حد أدنى من تفهم الطلاب لعمليات الإخلاء وتجاوبهم السريع معها وكانت ثلاث من مدارس جدة قد شهدت إعلان خروج طلابها في العاشرة من صباح أمس في تجربة فرضية هي الأولى من نوعها في الحي الذي شهد سيولا جارفة العام الماضي، وقال الثقفي: بدأت التجربة بإعلان حالة الطوارئ والنداء بضرورة إخلاء المباني والتوجه لمنطقة إيواء قريبة، وعلى الفور تفاعل معلمو ومديرو المدارس في إخلاء مبانيهم، بينما هيأت إدارة تعليم جدة عددا كبيرا من باصات النقل التي استقلها الطلاب، مشيرا إلى أنه ستطبق مدارس قويزة مزيدا من التجارب الداخلية بها، اعتبارا من الأسبوع المقبل.

وأكد من جانبه الدكتور سامي باداود، مدير الشؤون الصحية في محافظة جدة، لـ«الشرق الأوسط» اعتماد المديرية خطة حقيقية للتعامل مع أي حدث متوقع بما يشمل توفير كل الأدوية والمستلزمات والعيادات المؤقتة وبنوك الدم في مواقع الخطر، وأشار إلى مشاركة المديرية بإعلان حالة الطوارئ في كل المستشفيات وتوفير 50 طبيبا و6 استشاريين و3 فرق متحركة للمشاركة في الفرضية. إضافة إلى سيارات الإسعاف.

من جهتها شاركت الشركة السعودية للكهرباء، بحسب عبد العزيز المطوع، مدير إدارة كهرباء جدة، بفريق متكامل من الإداريين والمقاولين والفنيين والمعدات، وتم فصل التيار مؤقتا عن نحو 4945 مشتركا في المنطقة، وتم إنشاء مراكز متنقلة لإعادة التيار وشاركت كل الآلات الخاصة بالشركة في الفرضية.

إلى ذلك أكد المهندس تركي النجار مدير التشغيل وصيانة المياه في شركة المياه الوطنية، إيقاف أعمال ضخ المياه بشكل نهائي عن المناطق المتضررة في موقع الحدث، وتم إرسال أربعة فرق لإصلاح التسربات، إضافة إلى إرسال 10 صهاريج مجانية لسحب المياه المتجمعة نتيجة هطول الأمطار والسيول في المناطق المتضررة لإيقاف الطفوحات وإصلاح التسربات، ومنذ بدء تحذير الأرصاد تم إيقاف الضخ وتمت الاستعانة بآلات من المقاولين التابعين لشركة المياه الوطنية وحدث خلال الفرضية تعطل بعض أعمال الضخ في الأحياء المتضررة وتم إصلاحها في حينه.

وعلى الجانب الآخر، قرر فريق العمل الذي شكله المجلس البلدي بجدة لدرء مخاطر الأمطار والسيول، القيام بجولة ميدانية خلال الأسبوع المقبل لمتابعة سير العمل والوقوف على المشاريع التي تقوم الأمانة بتنفيذها.. بهدف التأكد من استعدادات جميع الجهات في حال سقوط أي أمطار وتفادي تكرار كارثة العام الماضي. جاء ذلك خلال ورشة العمل التي استضافها بلدي جدة أمس الأربعاء، وتقام للأسبوع الثاني على التوالي، بحضور ممثلي جامعة الملك عبد العزيز والرئاسة العامة للأرصاد وهيئة المساحة والجيولوجيا، والنقل والطرق، إضافة إلى أمانة جدة، حيث استعرضت ما تم إنجازه في الأيام الماضية ووقفت على أولويات العمل في مختلف أحياء العروس.

وأكد المهندس حسن الزهراني نائب رئيس المجلس الذي أدار ورشة العمل، على أهمية الاتفاق على جدول زمني واضح لإنجاز المشاريع المقامة حاليا، مطالبا بأهمية تسريع وتيرة العمل، وأشار إلى أن بلدي جدة ينسق جهوده مع العمل الكبير الذي تقوم به كل الجهات ذات العلاقة، لكنه في الوقت نفسه يسعى من خلال الورشة التي يقيمها أسبوعيا إلى تسريع وتيرة العمل ومتابعة مشاريع الأمانة للتأكد من جاهزيتها لمواجهة أي مخاطر محتملة. مؤكدا أنه جرى الاتفاق على القيام بزيارة ميدانية لفريق العمل للتعرف على ما تم إنجازه على أرض الواقع والبحث عن حلول لأي معوقات موجودة في الميدان.

في المقابل، طالب بسام أخضر عضو المجلس، جميع الجهات المشاركة في الورشة بالاضطلاع بمسؤوليتها كاملة في ظل حالة الخوف التي انتابت البعض من تكرار كارثة «الأربعاء» التي يحاول الجميع التعافي منها حتى الآن، وأكد أن المجلس، بوصفه صوت المواطن في محافظة جدة، سيقوم بدوره على أكمل وجه لمتابعة سير هذه المشاريع والتأكد من صلاحيتها للتصدي لأي مخاطر، وكذلك كشف أي قصور أو معوقات أو مشكلات.

واستعرض ممثل أمانة جدة مشاريع تصريف مياه الأمطار ودرء مخاطر السيول الجاري تنفيذها حاليا، وأكد أن مشروع طريق مكة القديم الذي تصل تكلفته الإجمالية إلى سبعة عشر مليون ريال، تم الانتهاء منه بالكامل وسيكون جاهزا للعمل في الفترة المقبلة، وهو عبارة عن خط مواسير خرسانة مسلحة قطر 2500 مم بطول 1750 مترا طوليا. وأضاف: أنه تم إنجاز 73 في المائة من مشروع مياه الأمطار والمياه السطحية «أولوية5» وكذلك 81 في المائة من مشروع آخر «أولوية 9»، وهي المشاريع الثلاثة التي ستسهم في مواجهة أي أمطار محتملة، وأكد أن العمل جار على قدم وساق للانتهاء من كل المشاريع العاجلة، وقال ممثل هيئة الطرق إنه تم إزالة الآثار التي خلفتها سيول العام الماضي، وباتت هناك ثلاث قنوات تصريف رئيسية تعمل بكفاءة عالية لمواجهة أي مخاطر، في حين أن هناك تنسيقا كاملا مع أمانة جدة لإيجاد حلول للعبارات على طريق الحرمين، التي تسبب اختلاف نقاط المناسيب في ضعف كفاءتها.

وأشار ممثل هيئة المساحة الجيولوجية السعودية إلى أن الهيئة انتهت من الدراستين الخاصة بدرء مخاطر السيول بوادي قوس ووادي مثوب ووادي غليل، واشتملت الحلول على تقدير عدد 5 سدود حماية، ثلاثة منها في وادي قوس واثنان في وادي مثوب، إضافة إلى عدد من القنوات والعبارات لترتبط بأنظمة التصريف الحالية، وتم تسليم الدراسة إلى شركة جدة للتنمية والتطوير.

وخلصت ورشة العمل إلى ضرورة إيجاد حل عاجل للعبارات الموجودة في طريق الحرمين حتى تكون في كامل جاهزيتها خلال الأسبوعين المقبلين، على أن يقوم فريق العمل بزيارة ميدانية لبحث كل المعوقات الموجودة، مع التشديد على تضافر كل الجهود والتنسيق الكامل بين جميع الجهات لتفعيل مشاريع تصريف الأمطار والسيول.

ومن جانبه، انقسم سكان المنطقة ما بين مندهش للوضع لعدم علمهم بالفرضية وآخر مستمتع بما يراه من جهود كبيرة على أرض الواقع، فقال أحمد الزهراني: بصراحة جهود كبيرة لا أخفي مشاعر الخوف التي انتابتني بعد مشاهدة الكم الكبير من الآلات الضخمة التي أعادت للأذهان كارثة العام الماضي، إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى أنه بعد علمه بالتجربة انتابته مشاعر الطمأنينة من الجهد والعمل المبكر، استعدادا لأي طارئ، بينما خالفه علي المشجري القول، مؤكدا أن الوضع تجربة فرضية، والواقع هو الاختبار الحقيقي، منتقدا تأخر بعض الجهات الحكومية التي تسهم في تنفيذ بعض المشاريع الخدمية.

يذكر أن كارثة جدة وقعت في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي وخلفت ما يزيد على 123 قتيلا، وتسببت في الكثير من الأضرار لسكان جدة خاصة المناطق الشرقية منها، وتأتي هذه الفرضية قبيل موسم الأمطار في المحافظة، خلال شهري نوفمبر، وديسمبر (كانون الأول)، بحسب مسؤولي الأرصاد.