جامعات جديدة ومراكز بحثية تضج بالحيوية وتقود حركة التغيير والتحديث والتطوير

الملك عبد الله رائد التنمية الشاملة يوجه التعليم في بلاده نحو العصرنة * استراتيجية تعليمية تحقق الانتشار وتوسع فرص القبول وتضاعف عدد الجامعات 5 مرات * تغيير الصورة النمطية للجامعات وربطها بتحديات التنمية وقضايا المجتمع

الملك عبد الله وجه التعليم في بلاده إلى العصرنة («الشرق الأوسط»)
TT

شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إنجازات لافتة في مجال تنمية الموارد البشرية وتطوير قوة العمل السعودية وتأهيلها، وأخذت التنمية الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية بعدا استراتيجيا بعد أن تبنى الملك رؤية أكثر شمولية للتنمية الاستراتيجية المتوازنة والمستدامة مع فكر تنموي عصري مستنير، وطموح يضع الأسس لنهضة حقيقية تضع السعودية في صدارة الدول المتقدمة.

وتحقق للتعليم العالي الذي يعد إحدى أهم وسائل إعداد الموارد البشرية بصفتها الداعم الرئيسي لتقدم الأمم والشعوب، قفزات نوعية وكمية بارزة؛ إذ تضاعف عدد الجامعات نحو خمس مرات، وصاحب ذلك تغييرات جذرية كانت استجابة للدراسات التقويمية لواقع التعليم العالي، واعتمدت وزارة التعليم العالي في استراتيجيها الخاصة بإعادة الهيكلة على بعدين مهمين؛ البعد الأول تحقيق الانتشار على مستوى مناطق السعودية ومحافظاتها، وتوسيع فرص القبول والاستيعاب، والبعد الآخر مناسبة التخصصات لخطط التنمية الوطنية وتلبية سوق العمل.

وانطلق الملك عبد الله الذي يعد «رائد التعليم العالي» كما هو رائد لجميع القطاعات، من رؤيته الشمولية للتنمية الاستراتيجية المتوازنة من قناعته ونظرته إلى «التعليم كأهم الركائز الأساسية لتحقيق التنمية في بلادنا ورفع كفاءات شبابنا وإعدادهم للمستقبل».

وتحققت في قطاع التعليم العالي في عهد الملك عبد الله طفرة بفضل دعم سخي من القيادة السعودية، لعل شواهدها واضحة تمثلت في دعم الملك لإنشاء جامعات وكليات جامعية في مختلف أنحاء السعودية تتيح لأبناء الوطن وبناته فرص التعلم في مقر إقامتهم، وهو ما يعكس حرص القيادة وسعيها لتوطين التعليم العالي، وفي «برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي» الذي يهدف لتنويع مصادر المعرفة في إعداد الموارد البشرية ويشهد وثبة غير مسبوقة تتيح لعدد كبير من أبناء وبنات الوطن أن ينهلوا من معارف الأمم في الجامعات المرموقة في عدد من الدول المتقدمة ليعودوا أعضاء نافعين لأنفسهم ووطنهم وقيادتهم، وتمثل هذا الدعم لقطاع التعليم العالي في الاستثمار في الإنسان لتحقيق معدلات الكفاءات البشرية باعتباره محور التنمية الحقيقية، حيث يمثل التعليم العالي إحدى وسائل إعداد الموارد البشرية، إضافة إلى إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لكي تكون منارة عالمية للعطاء العلمي والتقني، ودعم بحوث متعددة تشمل حقولا متقدمة كتقنيات «النانو» في الجامعات السعودية، وإنشاء معهد الملك عبد الله لتقنية «النانو» في جامعة الملك سعود وترسيخ مفاهيم اقتصاد المعرفة المثلى، وإقرار حوافز إضافية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية وتشجعيهم لتحقيق جملة من الغايات لتعزيز التميز البحثي في الجامعات وتشجيع الانخراط في التخصصات النادرة، ودعم إنشاء كراسي البحث في الجامعات السعودية، ودعم وتطوير تطبيقات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في مؤسسات التعليم العالي.

ويبدو اهتمام القيادة السعودية بالاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية واضحا في الخطط والبرامج التي وضعت والإمكانات المادية والميزانيات الضخمة التي خصصت لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ من خلال آليات متعددة تشمل توطين التعليم الجامعي، وتطوير وإصلاح النظام التعليمي، وإعادة توجيه العملية التعليمية نحو التخصصات العلمية التطبيقية التي يحتاجها سوق العمل ومشروعات التنمية، وتطوير بنى التدريب وتحسين نوعيته، والتوسع في برامج الابتعاث الخارجي ودعم مراكز البحث العلمي وتطبيق أعلى معايير الجودة في التعليم والتدريب.

هنا محاولة لرصد وتوثيق بعض ملامح هذا المنجز الاستثنائي في واحد من أصعب مجالات التنمية وأكثرها تحديا وهو تنمية الموارد البشرية وتوطين التعليم العالي وتطويره؛ نوعا وجودة وآليات وتقنيات مشروعات التعليم العالي، وذلك من خلال تناول إصدار عن توطين التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أنجزه كل من أحمد بن عبد العزيز الرشيد وعبد الرحمن بن عبد العزيز المرشد.

* توجيه التعليم نحو علوم العصر

* من أبرز شواهد طفرة التعليم العالي في السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منظومة الجامعات الجديدة التي تغطي جميع مناطق المملكة، ويأتي هذا التوسع الكبير في البنى التحتية للتعليم الجامعي استجابة لمتطلبات التنمية المستقبلية ولأهداف استراتيجية لتنمية الموارد البشرية التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وجهود توطين التعليم العالي وتطويره وفق الرؤية الجديدة التي تدعو لإعادة توجيه النظام التعليمي كله نحو التخصصات العلمية التطبيقية، والعلوم العصرية المواكبة للتطور التقني السريع وأساليب العمل الحديثة.

وقد جاء هذا التوسع الأفقي في البنى الأساسية متزامنا مع زيادة كبيرة في أعداد الطلاب المتقدمين للقبول في الجامعات، وفي حين كان القائمون على أمر التعليم الجامعي يبحثون عن حلول لمشكلة الاستيعاب، جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بإقامة هذه المنظومة الجديدة من الجامعات الحكومية كحل جذري لمشكلات القبول الراهنة، والبعيدة المدى في إطار خطة التطوير الشاملة للتعليم. وقد روعي في خطة إنشاء الجامعات الجديدة عوامل كثيرة؛ أهمها مراعاة خصوصية كل منطقة من النواحي الديموغرافية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، كما روعي أن تقوم هذه الجامعات كمؤسسات أكاديمية متكاملة المرافق كمدن جامعية ضخمة تشمل إلى جانب المباني التعليمية والمرافق التابعة لها إسكان الطلاب والأساتذة ومرافق المناشط الاجتماعية والثقافية وغير ذلك من متطلبات المدن الجامعية الحديثة.

ومن أهم سمات هذه المنظومة من الجامعات التركيز الواضح على التخصصات العلمية في كلياتها حيث ارتفع عدد كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم التطبيقية والتمريض من 16 كلية قبل 3 أعوام إلى 49 كلية، كما زاد عدد كليات الهندسة والعلوم والحاسب الآلي من 16 كلية إلى 55 كلية وارتفع عدد كليات المجتمع من 4 كليات إلى 50 كلية، كما زاد عدد المستشفيات التعليمية الجامعية من 3 مستشفيات إلى 12 مستشفى وزاد عدد المحافظات المشمولة بمؤسسات التعليم العالي من 16 محافظة إلى 79، وترتب على هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الجامعات رفع الطاقة الاستيعابية لمخرجات التعليم العام في الجامعات والكليات الجامعية.

إن دور الجامعات الجديدة بمدنها الجامعية ومرافقها التي تضج بالحيوية يتجاوز حدود دورها التعليمي الأكاديمي، فالهدف من هذا الانتشار الجغرافي للجامعات على امتداد أراضي المملكة العربية السعودية هو أن تكون هذه الجامعات منارات علم وإشعاع حضاري وثقافي تقود حركة التغيير والتحديث والتطوير في ظل قيم المجتمع السعودي، وتعمل على تنمية المناطق التي توجد فيها من خلال البحث العلمي الذي يلبي متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتستثمر الموارد المحلية على الوجه الأمثل، كما أن هذه المدن الجامعية الضخمة ستتيح للطلبة والطالبات الدراسة الجامعية في التخصصات التي يرغبونها من دون تكبد السفر للمدن البعيدة، خاصة بالنسبة للطالبات.. إضافة لذلك، فإن وجود مؤسسة أكاديمية بحجم جامعة في منطقة ما يعني توفير عامل جذب للكفاءات والخبرات العلمية والمهنية، ويعني أن تنال هذه المنطقة حظها من الحضور العلمي والحراك الثقافي والتطور الاجتماعي، فالجامعة في مفهومها الجديد قوة دفع هائلة لتوطين العلم والمعرفة والخبرة وقيادة النشاطات والفعاليات العلمية والثقافية، وإطلاق المبادرات النابهة لخدمة المجتمع في مختلف المجالات بما يصب في النهاية في خانة التنمية الوطنية الشاملة.

إن هذا التوسع الكبير في إنشاء الجامعات هو عنصر أساسي وجوهري في استراتيجية توطين التعليم العالي، وإحدى الآليات الأساسية لتحقيق هذا الهدف؛ فالتعليم هو مفتاح التنمية والحراك الاجتماعي والتطور والازدهار وهو المحرك لعملية التطور الاجتماعي والتقدم الحضاري، وأحد أهداف نشر الجامعات على امتداد مساحة المملكة هو توجيه العملية التعليمية والبحث العلمي نحو خدمة وربط الجامعات بقضايا المجتمع الأساسية، وباحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار الجامعات مؤسسات لها دورها في دعم عملية صنع القرار وتحليل السياسات وإيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع على المستويات كافة، إضافة لدور الجامعات في بناء مجتمع المعرفة العصري المواكب للتطورات العلمية والتقنية العالمية والمنفتح على منجزات الحضارة الإنسانية؛ ليس كمستهلك وإنما كمبدع ومساهم في صنع هذه الحضارة، ويؤمل أن تحقق مخرجات الجامعات الجديدة المواءمة مع احتياجات التنمية حاضرا ومستقبلا، وأن تلبي متطلبات سوق العمل بما يضاعف حصة العمالة الوطنية في هذه السوق التي ما زالت تعتمد على العمالة الوافدة في التخصصات المهنية والطبية والهندسية.

ويبدو واضحا أن الاستراتيجية التي اتبعتها وزارة التعليم العالي في تصميم الهياكل البنيوية لمنظومة الجامعات الجديدة والتخصصات التي تم التركيز عليها تسير في هذا الاتجاه، ويؤمل أن تركز الجامعات الجديدة على استقراء التحديات المستقبلية مثل التطور الديمغرافي والأوضاع الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية، وتحديات توطين التنقية المتقدمة وتكثيف الاستثمار الرشيد في مجالات التعليم العالي، والبحث العلمي وتشجيع مبادرات بناء اقتصاد المعرفة والاهتمام بالتعليم التقني.

إن منظومة الجامعات السعودية الجديدة مصممة بحيث تأخذ في مناهجها وأساليبها التعليمية والتدريبية بأحدث النظم التعليمية، وهناك فرصة كبيرة بأن تحدث هذه الجامعات، عندما تكتمل مراحل إنشائها وتعمل بكامل طاقتها، نقلة حقيقية في نمط التعليم الجامعي في المملكة من حيث تحديث نظم الدراسة الجامعية والاستفادة القصوى من تقنيات التعليم والمعلومات الحديثة وبرامج تنمية المهارات، واستقطاب أفضل الكفاءات لهيئات التدريس وتحسين فعالية الجامعة في أدوارها الأكاديمية والاجتماعية المختلفة، وتحسين جودة ونوعية التعليم الجامعي.

ويتوقع المختصون زيادة في الطلب على التعليم العالي في المستقبل المنظور نتيجة لمعدلات النمو المرتفعة في شرائح صغار السن والشباب من حيث العامل الاقتصادي المتمثل في وجود علاقة طردية بين مستوى التحصيل العلمي، وتوافر فرص العمل المجزية إضافة إلى أن ازدياد الثقافة المعرفية في النشاط الاقتصادي (اقتصاد المعرفة) يدفع نحو رفع مستوى الحد الأدنى من التعليم الأساسي إلى المرحلة الثانوية وما بعدها إضافة للعامل الاجتماعي ممثلا في الرغبة في تحصيل العلم والمعرفة للارتقاء في السلم الاجتماعي.

إن تجربة التوطين المحلي للتعليم الجامعي في مناطق تتباين في بيئتها وظروفها الاقتصادية تمنح هوية متميزة لبعض المؤسسات الأكاديمية وتعزز ريادتها في مجالات علمية وبحثية محددة، والتجارب العالمية تؤكد ذلك، حيث توجد جامعات ومراكز بحثية في الولايات المتحدة وبريطانيا ارتبطت هويتها العلمية بمعطيات البيئة الاقتصادية والنشاطات السكانية فيها مثل المناطق التي تعتمد على الثروات الحيوانية ومنتجاتها.

وتلعب ثقافة المجتمع دورا مهما في هذا المجال، فالجامعة يجب أن تكون لها شخصية، وأن لا تكون نسخة مكررة من الجامعات الأخرى من دون التفريط في معايير الجودة، فالجامعات السعودية الجديدة قائمة على معايير جودة ونوعية عالية وهذه المعايير ستخدم النظام التعليمي والبحث العلمي في هذه الجامعات. وعلى الرغم من أن الحرص على معايير الجودة سيضع منظومة الجامعات السعودية الناشئة أمام تحديات كبيرة في المنافسة على الأساتذة الجيدين وأصحاب التخصصات النادرة، فإن القائمين على شؤون التعليم العالي يأملون في أن توفر مخرجات برنامج الابتعاث الخارجي الضخم رافدا مهما لتغذية الجامعات السعودية بأفضل الكفاءات في هيئات التدريس.

* توطين سريع ومكثف للتعليم

* توطين التعليم العالي دعامة أساسية من دعامات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل يمكن اعتباره الأساس الذي تقوم عليه استراتيجيات التنمية والنهضة في أي مجتمع.

إن الأهداف الأساسية لتوطين التعليم العالي تشمل مكتسبات كثيرة لبناء الكوادر البشرية المؤهلة، وفي السعودية يشكل هذا الهدف تحديا كبيرا نظرا لما تشهده المملكة اليوم من طفرة هائلة في المشروعات التنموية، كما أن مشروعات التنمية العملاقة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تتطلب الإسراع ببرنامج توطين سريع ومكثف للتعليم الذي يركز على التخصصات العلمية والتطبيقية.

وتوطين التعليم العالي يعني توطين التكنولوجيا العالمية أيضا، فالمؤسسات الجامعية والأكاديمية والشركات الوطنية التي أصبحت رقما مهما في القطاع الصناعي السعودي الواعد، والمشروعات الصناعية الضخمة في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات، وأساليب التشغيل الحديثة في مرافق الخدمات المختصة، كل هذه العناصر تسهم في توطين التقنية الحديثة والخبرات الفنية المختصة في بيئة العمل السعودية.

ومن الإيجابيات والمكتسبات الاقتصادية لتوطين التعليم العالي الحراك الاقتصادي والاستثماري جراء التوسع في بنى التعليم الجامعي والعالي والانتشار الجغرافي لهذه البنى بحيث يشمل المردود الاقتصادي والاجتماعي كل مناطق المملكة، ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يجري تنفيذها اليوم تتميز بالتنوع، وهذا النمو المضطرد يحتاج إلى رأسمال بشري يقود العملية التنموية، كما أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي لن يتحقق من دون توفر القوى العاملة المختصة والمؤهلة التي يمكنها القيام بمسؤوليات التخطيط والتنفيذ لبرامج التنمية المختلفة.

إن جهود توطين تعليم عال متطور في المملكة تهدف إلى تغيير الصورة النمطية القديمة للجامعات وربطها مباشرة بتحديات التنمية وقضايا المجتمع واهتماماته، والبحث في سبل النهوض بالبحث العلمي وإزالة معوقاته والعمل على ربط مخرجات التعليم العالي بقطاعات التنمية المختلفة من خلال شراكة فعالة بين الجامعات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص وإيجاد استراتيجيات فعالة تربط برامج الدراسات الجامعية والعليا بقطاعات التنمية والتخصصات التي يحتاجها سوق العمل.

لقد أثبتت التجارب العالمية أن الدول المتقدمة اقتصاديا وتقنيا لم تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم لمجرد توفر المال أو الخامات الطبيعية فحسب؛ وإنما حققت تقدمها بالاهتمام بالتعليم وتطبيق استراتيجيات تنمية وفرت لها قاعدة قوة عاملة عالية التأهيل والتدريب، وهذه الثروة البشرية هي رأس المال الحقيقي للنهضة العلمية والصناعية في الدول الصناعة الكبرى اليوم.

أما على صعيد المردود الاجتماعي لتوطين التعليم، فكما أشرنا من قبل، فإن دور الجامعات في حياة الشعوب لم يعد قاصرا على الأهداف التعليمية التقليدية، بل امتدت رسالة الجامعة لتشمل كل نواحي الحياة العلمية والتقنية والثقافية والفكرية، والدولة السعودية تتطلع لمنظومة الجامعات الجديدة التي انتشرت في عهد خادم الحرمين الشريفين في كل مناطق المملكة لتكون منابر إشعاع حضاري تسهم في حركة التطور الاجتماعي وفي توعية المجتمع وتشخيص ومعالجة القضايا التي يواجهها المجتمع في زمن تزداد تحدياته الاجتماعية تعقيدا، والهدف النهائي هو أن تكون الجامعة مؤسسة نشطة ومتفاعلة مع طموحات وهموم مجتمعها وأن تقيم علاقات تعاون مع مكونات هذا المجتمع وعناصره بما يسهم في دعم الجهد الكلي لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إن دور الجامعة الاجتماعي لا يقل أهمية عن دورها في التنمية الاقتصادية، فالجامعة الحديثة قادرة على قيادة المجتمع عبر مسار تطور سليم، وعلى قيادة عملية التوعية الاجتماعية التصدي للعوامل التي تؤدي إلى الجمود وحرمان المجتمع من استخدام طاقاته الكامنة من أجل تحقيق حياة أفضل، ويؤمل أن تكون الجامعات الجديدة بمدنها الجامعية ومستشفياتها التعليمية ومناشطها العلمية والثقافية والفكرية والرياضية إضافة حقيقية لنهضة وتطور المجتمع السعودي ورفع مستواه المعيشي، وهذا في حد ذاته مردود كبير ومهم لجهود توطين التعليم الجامعي والعالي في مناطق المملكة المختلفة ويأتي على رأس الإيجابيات الاقتصادية لتوطين التعليم العالي والحراك الاقتصادي والاستثماري الذي يمكن أن يؤثر في جميع مناطق المملكة جراء التوسع الجغرافي للجامعات، فمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج في هذه الفترة التي تشهد تحولا كبيرا في درجة التنويع الاقتصادي والنمو المطرد السريع إلى رأسمال بشري يقود عمليات التنمية، ذلك التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتحقق من دون توفر القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة التي تستطيع القيام بعمليات التخطيط والتنفيذ لبرامج التنمية، أي إن قطاعات التنمية تحتاج إلى المهندسين والتقنيين والفنيين والإداريين الذين لديهم الإعداد اللازم المطلوب من التعليم والتدريب والخبرة في مختلف مجالات التنمية، وتقوم رسالة الجامعات في العصر الحاضر بدور بالغ الأهمية في حياة الأمم والشعوب على اختلاف مراحل تطورها الاقتصادي والاجتماعي؛ إذ لم تعد مقتصرة على الأهداف التقليدية من حيث البحث عن المعرفة والقيام بالتدريس، بل امتدت الرسالة لتشمل كل نواحي الحياة العملية والتقنية والتكنولوجية، الأمر الذي جعل من أهم واجبات الجامعات المعاصرة هو أن تتفاعل مع المجتمع لبحث حاجاته وتوفير متطلباته، ولقد أثبتت نتائج الدراسات العلمية لدى الدول المتقدمة اقتصاديا أن ما وصلت إليه هذه الدول من تقدم وتطور لم يكن لمجرد توفر السيولة المادية والخامات الطبيعية فحسب، بل كان ذلك نتيجة لاهتمام الجامعات بتوفير القوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها مؤسسات التنمية الاقتصادية، خاصة المصانع والشركات ومؤسسات التقنية المختلفة.

* الابتعاث آلية للتوطين

* من بين أهم آليات برنامج توطين التعليم العالي يبرز «برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي» كمبادرة نوعية متفردة في جهود تنمية الموارد البشرية، وإعداد وتأهيل جيل من الأكاديميين والعلماء السعوديين المتميزين الذين أتاحت لهم مكرمة الملك عبد الله بن عبد العزيز فرصة الدراسات الجامعية والعليا في عدد من أشهر وأعرق جامعات العالم في أميركا وكندا وأوروبا وجنوب شرقي آسيا وأستراليا ونيوزيلندا.

ويقوم برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بابتعاث الطلاب والطالبات السعوديات إلى عدد من أفضل الجامعات العالمية للدراسة في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالات الطبية. وتحدد التخصصات وأعداد المبتعثين بناء على التغذية الراجعة من الوزارات والمؤسسات الوطنية بما يتوافق مع احتياجات المناطق والمحافظات والمدن الاقتصادية والصناعية وقطاعات سوق العمل المتخصصة، حيث يركز البرنامج على تأهيل الشباب السعودي من الجنسين للقيام بدوره في التنمية في مختلف التخصصات في القطاعين العام والخاص، وإعداد تأهيل الموارد البشرية السعودية لتصبح منافسا عالميا في سوق العمل وفي ميادين البحث العلمي، ورافدا أساسيا في دعم الجامعات والمؤسسات الأكاديمية السعودية بكوادر وكفاءات متميزة، وتفعيل روافد البحث العلمي من المؤسسات الأكاديمية ومؤسسات القطاع الخاص.

ويندرج ضمن أهداف برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أهداف استراتيجية لا تقل أهمية عن الأهداف التي أشرنا إليها من قبل؛ منها رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر الوطنية، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل، وتبادل الخبرات العملية والتربوية والثقافية من مختلف دول العالم، وتوطين المفاهيم والأساليب الجديدة للتعليم وتقنياته في المملكة، والعمل على إيجاد مستوى عال وعالمي من المعايير الأكاديمية والمهنية في البيئة التعليمية السعودية وفي مواقع العمل المختلفة، ومضاعفة أعداد الطلاب المبتعثين للدراسات الجامعية والعليا في التخصصات العلمية التطبيقية وفي جامعات عالمية مشهود لها بالتقدم في هذه المجالات، مما سينعكس إيجابا على أنماط وضوابط ومعايير التعليم العالي في المملكة عندما يعود هؤلاء المبعوثون إلى الوطن مزودين بالخبرة والمعرفة اللازمة.

ويركز برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي على مجموعة من التخصصات التي تحتاجها التنمية في المملكة حاضرا ومستقبلا وتشمل: الطب وطب والأسنان والزمالات الطبية، والصيدلة، والتمريض، والعلوم الصحية: الأشعة، المختبرات الطبية، التقنية الطبية والعلاج الطبيعي، والهندسة المدنية، المعمارية، الكهربائية، الميكانيكية، الصناعية، الكيميائية، البيئية، الاتصالات والآلات والمعدات الثقيلة، والحاسب الآلي: هندسة الحاسب، علوم الحاسب، الشبكات.. الخ، والعلوم الأساسية: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، وتخصصات أخرى: القانون، المحاسبة، التجارة الإلكترونية، التمويل، التأمين والتسويق.

ومنذ انطلاقة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي تم ابتعاث أكثر 50 ألف طالب وطالبة، ويأمل القائمون على التعليم العالي في المملكة أن تسهم مخرجات هذا البرنامج الضخم في رفد الكادر الأكاديمي السعودي بأعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا في التخصصات النادرة، ونقل خبرات ونظم تعليمية متطورة من مؤسسات أكاديمية عالمية عريقة إلى النظام التعليمي في المملكة بما ينعكس إيجابيا على نوعية التعليم الجامعي في المملكة ويدعم التوجه نحو مسارات تعليم عصري يلاءم ما تحتاجه البلاد من الأيدي العاملة والكفاءات العلمية المؤهلة.

وقد تم تنفيذ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وفق خطة منهجية مدروسة، وتخطيط سليم راعى تحقيق أفضل الظروف التي تهيئ للمبتعثين من الجنسين أفضل ظروف الاستقرار النفسي والأسري لتحقيق أفضل النتائج على صعيد التحصيل العلمي والأكاديمي والاستفادة من إمكانات ومصادر البحث العلمي وكذا المشاركة في الفعاليات الأكاديمية التي تضاعف حصيلة الدارس العلمية أو تزيد من معرفته في مجال تخصصه.

إن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يعد بكل المقاييس استثمارا استثنائيا في تنمية الموارد البشرية في حجمه ونوعيته وأهدافه، وهو بحق هدية كبيرة للشباب السعودي من قائد طالما أكد أنه يضع مواطنيه في حدقتي عينيه وعمل جاهدا لتذليل كل الصعوبات التي تواجه الشاب والفتاة السعوديين في مجال التعليم والتأهيل، وبتوجيهاته الكريمة أصبح قطاع التعليم صاحب الحصة الأكبر في ميزانيات الدولة وخططها التنموية، وقد كفل برنامج خادم الحرمين الشريفين فرصا عادلة ومتساوية لكل المواطنين للاستفادة من هذه المنحة والحصول على أعلى الشهادات من أرقى وأفضل الجامعات على نفقة الدولة.

وقد وجه الملك عبد الله الجهات المعنية بضرورة مراعاة ظروف المبعوثين في دول الابتعاث فتمت زيادة مخصصات المبتعثين بما يكفل لهم حياة كريمة وميسرة حتى يتفرغوا للتحصيل العلمي والبحثي، وكلفت الملحقيات الثقافية في دول الابتعاث بمتابعة شؤون المبتعثين والعمل على معالجة أي مشكلات تواجههم، وتوفير أفضل مناخ حتى ينجزوا مهمتهم على الوجه الأكمل ويعودوا إلى الوطن وينضموا إلى كتائب البناء في خنادق التنمية المختلفة.

* «وثيقة ملك» لتطوير التعليم

* تناولت «وثيقة الآراء» لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي قدمها إلى اللقاء التشاوري للمجلس الأعلى لمجلس التعاون (مايو 2002) قضايا التعليم العالي، وركزت الوثيقة على عدة محاور شملت: بناء القاعدة العلمية والتركيز على تطوير المناهج وتدريس العلوم والرياضيات والتوسع في التعليم الإلكتروني، والمواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل، وتطوير الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في مجال طرق التدريس وتقنية المعلومات وزيادة الإنفاق على البحث العلمي والتوسع في إنشاء الكليات والجامعات بما في ذلك الأهلية منها.

وقد انعكست رؤية الملك على مسيرة التعليم العالي في السعودية من خلال تطبيق ما ورد في تلك الوثيقة بزيادة التخصصات العلمية والهندسية وإعداد العلماء والباحثين، وذلك من خلال زيادة الاستيعاب في التخصصات الطبية والعلمية والهندسية، وقد تحقق هذا الهدف إلى حد كبير من خلال التوسع الأفقي والرأسي في بنى التعليم الجامعي الأساسية مع التركيز على التخصصات العلمية، وعلى الأخص العلوم والطب والصيدلة والتخصصات الهندسية وعلوم الحاسوب والإدارة الحديثة، وغير ذلك من التخصصات التي تحتاجها التنمية وأسواق العمل، والتوسع في إنشاء الكليات والجامعات بما في ذلك الجامعات الأهلية، وقد أصبح هذا الهدف واقعا بالزيادة الكبيرة في عدد الجامعات الحكومية السعودية من «8» جامعات إلى «21» جامعة إضافة لـ«7» جامعات أهلية و«18» كلية، بفضل الانتشار الجغرافي للمدن والمجمعات الجامعية الذي غطى مناطق المملكة وزيادة عدد المحافظات المشمولة بمؤسسات التعليم العالي من «16» إلى «79» محافظة بكل ما يعنيه ذلك من دعم لبرامج التنمية الاقتصادية والبشرية، وضمان توفير فرص التعليم الجامعي للطلاب والطالبات في مناطقهم بدلا من الهجرة إلى المدن الكبيرة، ومن خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمي وتوفير البنى التحتية اللازمة له ويشمل ذلك: زيادة ميزانية البحث العلمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وقد ترجمت وزارة التعليم العالي في المملكة هذه السياسة إلى واقع من خلال مراكز التميز البحثي التي أنشأتها في الجامعات السعودية، وتوفير الإمكانات المادية والبشرية والتحديث المستمر لأجهزة البحث العلمي لكي تتمكن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من تنفيذ خططها الخاصة بالبحث العلمي، واستحداث الوظائف ووضع الأنظمة، وتوفير الحوافز التي تشجع أعضاء هيئات التدريس على الاهتمام بالبحث العلمي، وقد تحقق هذا الهدف من خلال لائحة الحوافز والمكافآت التي أقرها المقام السامي عام 2008م لهيئات التدريس في الجامعات، ووضع آلية عملية لإيجاد شراكة فعلية بين مؤسسات التعليم العالي، والقطاع الخاص بهدف تفعيل مساهمات هذا القطاع في دعم جهود البحث العلمي وقد تحقق هذا الهدف إلى حد كبير من خلال برامج كراسي البحث العلمية في الجامعات التي تمولها مؤسسات القطاع الخاص، وإنشاء قاعدة معلومات عن الباحثين وتخصصاتهم في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي.

بالإضافة إلى تطبيق ما ورد في الوثيقة من خلال تحقيق التوافق بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات التنمية، وتقليص التخصصات النظرية والتوسع في التخصصات الطبية وقد باتت هذه الاستراتيجية نهجا أساسيا في خطط تطوير التعليم الجامعي وفي مناهج الجامعات الجديدة، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إعادة هيكلة تخصصات التعليم العالي بما يتفق مع متطلبات التنمية وسوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة أعداد المبتعثين لدراسة التخصصات العلمية والتطبيقية والتقنية، ويعتبر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي نموذجا حيا لهذا الجهد، وإعادة تأهيل الخريجين الذين لم تستوعبهم سوق العمل بما يتلاءم مع احتياجات الوظائف من المعارف والمهارات. كما شددت الوثيقة على ضرورة اشترك القطاع الخاص في وضع الخطط والسياسات التعليمية والتدريبية من خلال تفعيل واستشارة القطاع الخاص لإبداء رأيه ومقترحاته بشأن البرامج الأكاديمية والبحثية والتدريبية في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والتوسع في مؤسسات التعليم العالي الأهلي، بالإضافة إلى التأكيد على تبني استخدام التعليم الإلكتروني والاستغلال الأمثل لاستخدامات الحاسب الآلي في العمليات التعليمية، حيث شهد عام 1427هـ الخطوة الأولى نحو استخدام التقنية في التعلم الإلكتروني حين أبرمت وزارة التعليم العالي مع شركة «ميتيور» الماليزية عقد تنفيذ المرحلة التأسيسية الأولى للمركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد.

وكان الهدف من تأسيس المركز أن يكون نواة مركزية للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد لمؤسسات التعليم الجامعي، وتوحيد جهود المؤسسات الساعية لتبني تقنيات هذا النوع من التعليم وتسهيل إيصال العملية التعليمية لأبناء الوطن، إضافة إلى معالجة النقص في أعضاء هيئة التدريس. وتتركز أهداف المركز في نشر تطبيقات التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد في مؤسسات التعليم الجامعي بما يتوافق مع معايير الجودة، والإسهام في توسيع الطاقة الاستيعابية بمؤسسات التعليم الجامعي من خلال تطبيقات التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد، وتعميم الوعي التقني وثقافة التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد إسهاما في بناء مجتمع معلوماتي، والإسهام في تقويم مشروعات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد وبرامجهما، ودعم الأبحاث والدراسات في مجالات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، ووضع معايير الجودة النوعية لتصميم المواد التعليمية الرقمية وإنتاجها ونشرها، وتقديم الاستشارات للجهات ذات العلاقة في مجال التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وبناء البرمجيات وتأميمها لخدمة العملية التعليمية في القطاعين العام والخاص، وتشجيع المشروعات المتميزة في مجالات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد في مؤسسات التعليم الجامعي، وعقد اللقاءات وتنظيم المؤتمرات وورش العمل التي تسهم في تطوير التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، والتعاون الدولي مع المنظمات والهيئات العالمية والجهات ذات العلاقة بمجالات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد.

كما نصت الوثيقة على تطبيق ووضع الأنظمة وتوفير الحوافز التي تشجع أعضاء هيئة التدريس على التركيز والاهتمام بالبحث العلمي، حيث صدر قرار مجلس الوزراء القاضي بالموافقة على صرف البدلات والمكافآت والمزايا الإضافية التي تمنح للخاضعين لسلم أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات السعودية، التي تشمل «التخصصات النادرة، والجامعات الناشئة، ومكافأة التميز البحثي حيث تصرف مكافأة تميز شهرية لأعضاء هيئة التدريس السعوديين والمحاضرين، والمعيدين الحاصلين على جوائز محلية وإقليمية وعالمية في مجالات البحث العلمي وكذلك الحاصلين على براءات اختراع.

ويأتي تطبيق مبادرة «تجسير» التي تبنتها وزارة التعليم العالي من خلال المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد بهدف تأسيس نظام تعليمي متكامل يعتمد على الاستفادة من التقنيات الحديثة، حيث دخلت الجامعات السعودية منظومة التعلم الإلكتروني لدعم تطبيقات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد فيها ضمن اتفاقيات التعاون على الشراكة بين الجامعات والمركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد.

ويقوم المركز بمقتضى الاتفاقيات بتقديم الدعم الفني والاستشاري لتمكين الجامعات من استخدام نمط التعلم الإلكتروني، وتسهيل التحول إلى هذا النوع من التعليم، ووضع قواعد أساسية لبيئة متكاملة لتطبيقاته، ومن بينها الاستفادة من نظام «جسور» الذي يسهل عملية الإدارة التعليمية الإلكترونية، وكذلك من خلال تدريب الطاقات البشرية في الجامعات فنيا، وتأهيلها لاستخدام النظام.

ويسعى هذا المشروع إلى تحويل المقررات التقليدية في الجامعات إلى مقررات إلكترونية من خلال مشروع «المستودع الوطني للوحدات التعليمية» على أن يتولى المركز تدريب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات على تطبيق هذا النوع من التعليم.

كما يهدف المشروع إلى تغيير الأسلوب التقليدي في التعليم الجامعي، من خلال استخدام التقنية والتواصل عبرها، وإيجاد وحدات تعليمية إلكترونية من تأليف أعضاء هيئة التدريس بمشاركة الوزارة، وتخضع هذه المواد التعليمية الإلكترونية لحقوق الملكية الفكرية، وكذلك تطوير الأداء الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في مجال طرق التدريس وتقنية المعلومات والاستفادة من المراكز المتخصصة الموجودة في بعض جامعات دول مجلس التعاون.

وقد تم التوقيع مع الجامعات لتنفيذ هذا البرنامج، وستشمل المواد التي ستكون في مقدمة الوحدات التعليمية المدرجة التخصصات الهندسية والطبية والبحثية والحاسب الآلي والتخصصات الاجتماعية والإنسانية.

ولتحقيق هذا الهدف جاء مشروع تنمية الإبداع والتميز لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ويستهدف هذا المشروع تنمية قدرات الإبداع والتميز لدى أعضاء هيئات التدريس في جامعات المملكة من خلال عقد الدورات والبرامج التدريبية.

ومن أبرز البرامج التي يجري تنفيذها حاليا برنامج التأهيل التكنولوجي في المجال التعليمي لأعضاء هيئات التدريس في الجامعات، وأساليب تقويم الطلاب، والتعليم بالتفكير وقت إدارة الاجتماعات، والفعالية الشخصية لعضو الهيئة التدريسية، ومهارات البحث عن مصادر المعلومات وإجراء الدراسات المسحية عبر الإنترنت، والمدرس كمدرب ومستشار.

وفي إطار سعيها لتوطين التعلم الإلكتروني والتعرف على التجارب العالمية المستقبلية، نظمت وزارة التعليم العالي من خلال المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد «المؤتمر الدولي الأول للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد» تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، وبرزت أهمية المؤتمر في كونه يولي أهمية واضحة للاقتصاد المعرفي وربطه بالتعلم الإلكتروني واستعراض خبرات وتجارب سابقة، وقد أوصى المؤتمر بوضع خطة استراتيجية وطنية لتطبيق وتوطين ونشر التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد بمؤسسات التعليم العالي في السعودية.

* ضبط المخرجات والتحقق من الجودة

* تسارعت مشروعات توطين التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والتوسع الكبير فيها جنبا إلى جنب ضمانات الجودة المقدمة في مؤسسات التعليم العالي، حيث تعد عمليات ضمان الجودة في المؤسسات التعليمية من أهم مقومات نجاح المؤسسة التعليمية في تأدية رسالتها وتحقيق أهدافها.

وقد تعاملت وزارة التعليم العالي مع قضية الجودة من بعدين مهمين، هما رفع الكفاءة الداخلية للجامعات عن طريق ضمان جودة مدخلات التعليم الجامعي، وتم ذلك بإنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي.

أما البعد الآخر فهو رفع الكفاءة الخارجية للجامعات عن طريق ضبط المخرجات والتحقق من جودتها، وتم ذلك بإنشاء «الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي» لتكون الجهة المسؤولة عن شؤون الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي فوق الثانوي.

فقد أسهم المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي على الرغم من قصر المدة التي مرت على إنشائه في تطوير معايير القبول في الجامعات المختلفة وساعد على تحسين مدخلاتها، وقد حاز المركز سمعة جيدة محليا وخارجيا، مما جعل المؤسسات العسكرية والكليات الأهلية تعتمده مقياسا أساسيا للقبول فيها، كما أن عددا من الجامعات الخليجية اعتمدت اختباراته كمتطلب للالتحاق بها.

ويشارك في مجلس إدارة الهيئة مجموعة من الخبراء وممثلين للهيئات المهنية وممثلين للقطاع الخاص من الغرف التجارية مما يفرز تنوع المشاركة في رفع مستوى الجودة.

وجاء قرار إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي متضمنا أن يكون من متطلبات القبول بالجامعات إجراء اختبارات تكون نتيجتها معيارا يستخدم إلى جانب معيار الثانوية العامة، ويمكن أن يجرى هذا الاختبار وفقا لاختبارات لقياس قدرات الطلبة ومهاراتهم واتجاهاتهم واختبارات لقياس التحصيل العلمي، وتكون هذه الاختبارات موحدة للتخصصات التي تدخل تحت نوعية واحدة ويسمح بتكرار اختبار القبول أكثر من مرة في العام الواحد وإنشاء مركز مستقل إداريا وماليا يسمى «المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي».

ويتم تحصيل مقابل مالي يتناسب مع تكاليف عقد هذه الاختبارات لتغطية نفقات تشغيل المركز وتطويره والقيام بالبحوث اللازمة لذلك.

وتتمثل رسالة المركز في السعي لتحقيق العدالة وتساوي الفرص في التعليم العالي، والمساهمة في رفع كفاءة مؤسساته بناء على أسس علمية سليمة.

ويتم تفعيل هذه الرسالة من خلال إعداد وإجراء اختبارات القبول في مختلف مؤسسات التعليم العالي والعمل على تطوير وسائل القياس التربوي في مستويات التعليم العالي كافة وقياس المؤشرات التربوية والتحصيلية من أجل رفع كفاءة مؤسسات التعليم العالي، وكذلك استقطاب الخبرات في مختلف مجالات اهتمام المركز وتقديم الخدمات الاستشارية لمراكز القياس في مختلف المؤسسات التعليمية وإجراء الدراسات والبحوث المتخصصة في مجال القياس التربوي والعمل على نشر ثقافة «القياس والتقويم» وتعميقها على المستويين التعليمي والاجتماعي.

ومن أهداف اختبارات القياس الموحدة المفاضلة بين المتقدمين للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، من حيث أهليتهم العلمية، وذلك بسبب الزيادة المطردة في أعداد الراغبين في الالتحاق بهذا المستوى من التعليم بنسب تفوق الخطط الاستيعابية، والحد من نسب التسرب من التعليم العالي، الناتجة عن ضعف الأهلية العلمية لبعض الملتحقين به، وكذلك الحد من نسب الرسوب في المقررات الدراسية والتأخر، نتيجة لذلك، عن التخرج في نطاق الفترة المحددة مما يؤدي تلقائيا إلى استمرار حجز مقاعد كان ينبغي أن تتاح لمتقدمين جدد، ويرتبط بما سبق تقليل عدد الطلاب المتحولين من تخصص لآخر داخل المؤسسة التعليمية الواحدة أو بين المؤسسات، وذلك بفعل تعثرهم المستمر في التخصص نتيجة لعدم مناسبته لأهليتهم العلمية إلى جانب الرفع من مستوى كفاءة مؤسسات التعليم العالي هذه الكفاءة التي يحد منها على نحو عميق تخصيص تلك المؤسسات كثيرا من الجهد والوقت لمعالجة أمور الطلبة المتعثرين على حساب العمل على رفع كفاءة المؤسسة ومواكبة المستجدات.

أما المحور الثاني في ضمان جودة مدخلات التعليم العالي، فيتمثل في «الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي» وهي السلطة المسؤولة عن شؤون الاعتماد الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي فوق الثانوي جميعا، ما عدا التعليم العسكري، ومهام الاعتماد للمؤسسات والبرامج القائمة والجديدة بما في ذلك البرامج ذات الصبغة التدريبية، كما تشمل هذه المهام أيضا وضع قواعد الاعتماد وتنسيق عمليات الاعتماد مع الجهات العالمية، ونشر المعلومات المتعلقة بالاعتماد، غير أنها تضطلع بمهام أخرى تقع خارج نطاق ضمان الجودة، ومنها وضع القواعد والمعايير الإطارية المتعلقة بمزاولة العمل الأكاديمي مثل التدريس والتدريب. وتنص اللائحة الداخلية للهيئة على أنها تقوم بنشاطات إضافية مثل دعم البحوث وإصدار الدوريات وإجراء الدراسات وتبادل الإنتاج والخبرات في مجالات اختصاصية الهيئة.

وتعتبر هذه الهيئة اليوم في مرحلة انتقالية، والمرحلة المقبلة هي التطبيق الشامل لنظام التقويم والاعتماد الأكاديمي، وخلال هذه المرحل الانتقالية تقوم الهيئة بعدة أنشطة منها نشر ثقافة الجودة بالتعاون مع الجامعات ووحدات الجودة فيها من خلال الزيارات والبرامج التدريبية والمؤتمرات، والطلب من مؤسسات التعليم العالي إجراء ما تسميه التقييم الذاتي الأولى، وقد وضعت لهذا الغرض وثيقة مختصرة باللغة العربية كدليل مرجعي في عملية التقييم هذه، وكذلك الطلب من بعض الجامعات القيام بالتقييم التطويري، ويقصد به استخدام الوثائق الموضوعة سابقا مع التوسع في البرامج من برنامجين «في التقييم الذاتي الأولى» إلى 10 برامج تتضمن حضور جهة خارجية.

* البحث العلمي ومراكز التميز

* يعد البحث العلمي أحد أهم مؤشرات تطور التعليم والنهضة التنموية، كما أنه أحد المعايير المهمة في تصنيف المؤسسات التعليمية والأكاديمية وهو الذي يجسد حصاد الجهد التعليمي والأكاديمي ومردوده الاقتصادي والاجتماعي، كما أن البحث العلمي هو الاختبار الحقيقي لمدى مواءمة ومواكبة مخرجات التعليم الجامعي لاحتياجات التنمية، ومدى تفاعل الجامعة والمجتمع واستجابتهما لمتطلباته والتحديات التي يواجهها في كل مجالات الحياة.

وقد حظي البحث العلمي في المملكة العربية السعودية باهتمام كبير في استراتيجيات تطوير التعليم وتنمية الموارد البشرية التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وأصبحت هناك سياسة واضحة وميزانيات محددة ودعم مادي ومعنوي كبير في الجامعات السعودية بهدف تشجيع البحث العلمي، وتحفيز هيئات التدريس في الجامعات للمشاركة في جهود البحث العلمي وتفعيلها، وشملت هذه الحوافز مكافآت شخصية لأساتذة الجامعات في إطار لائحة جديدة للحوافز والمكافآت.

يهدف مشروع مبادرة «مراكز التميز البحثي» إلى تشجيع الجامعات على الاهتمام بنشاط البحث العلمي وتطويره، وقد قامت وزارة التعليم العالي خلال المرحلة الأولى لمشروع مراكز التميز البحثي بدعم إنشاء «12» مركزا بحثيا في الجامعات والمراكز هي:

مركز التميز البحثي في المواد الهندسية بجامعة الملك سعود، ومركز التميز البحثي في الجينوم الطبي بجامعة الملك عبد العزيز، ومركز التميز البحثي في تكرير البترول والكيماويات بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومركز التميز البحثي في النخيل والتمور بجامعة الملك فيصل، ومركز التميز البحثي في التقنية الحيوية بجامعة الملك سعود، ومركز التميز البحثي في الدراسات البيئية بجامعة الملك عبد العزيز، ومركز التميز البحثي في الطاقة المتجددة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومركز التميز البحثي في أبحاث الحج والعمرة بجامعة أم القرى، ومركز التميز البحثي للتآكل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومركز التميز البحثي لفقه القضايا المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومركز التميز البحثي لتطوير تعليم العلوم والرياضيات بجامعة الملك سعود، ومركز التميز البحثي لتقنية تحلية المياه بجامعة الملك عبد العزيز. وأعلنت وزارة التعليم العالي عن مبادرة جديدة لدعم البحث العلمي، خاصة في الجامعات الناشئة، حيث صدرت موافقة وزير التعليم العالي بالإعلان عن مبادرة «مراكز الأبحاث الواعدة» وتهدف هذه المبادرة بشكل عام إلى تقوية بنية وقاعدة البحث العلمي والمساهمة في دعم وتطوير الإمكانات البحثية والأنشطة المهنية في التخصص، وتعزيز قاعدة البحث العلمي في الجامعات الناشئة لتتواكب في مسيرتها مع الجامعات الأخرى. وتختلف «مبادرة مراكز الأبحاث الواعدة» في متطلباتها ومواصفاتها عن مبادرة «مراكز التميز البحثي» التي أطلقتها الوزارة وتدعمها منذ أربع سنوات؛ إذ تركز الأولى على دعم المبادرات الناشئة التي تحتاج إلى دعم ورعاية في بدايتها وتقتصر على مجالات بحثية دقيقة وتركز على الجامعات الناشئة، في حين تهتم مراكز التميز البحثي بالمجالات الاستراتيجية والقضايا بشكل عام ومن مؤسسات التعليم العالي كافة. وتعد كراسي البحث مبادرات علمية متميزة ومؤطرة زمنيا (أربع سنوات قابلة للتجديد) يكلف بها أحد العلماء المتميزين في مجال علمي محدد للقيام ببحوث معمقة وتطبيقية رائدة على نحو تستفيد منه القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتزيد من فاعليتها وقدرتها على المنافسة، كما تعد كراسي البحث في الجامعات وسيلة مهمة من وسائل استكمال منظومات البحث العلمي في مجالات علمية مهمة والارتقاء بها، وتحسين قدرتها على الابتكار ووضع مخرجاتها في خدمة المجتمع على نحو يزيد من إيقاع التنمية الوطنية وترتقي من خلاله الإمكانات الوطنية ومكانة المجتمعات.

واستثمرت وزارة التعليم العالي دعم القيادة السعودية وعملت على ترجمة التوجيهات السامية لتوطين التعليم الجامعي، وتوفير مؤسساته في المناطق والمحافظات، وتشير خطة توزيع منظومة الجامعات الحكومية الجديدة بوضوح إلى رؤية خادم الحرمين الشريفين للتنمية المتوازنة، فقد زار الملك عبد الله بن عبد العزيز كل مناطق المملكة ووقف على احتياجاتها التنموية قبل أن يعطي إشارة البدء في تنفيذ هذا البرنامج الضخم للتوسع في مؤسسات التعليم الجامعي التي تحقق متطلبات خطط التنمية وتلبي احتياجات سوق العمل.

وتشكل المدن الجامعية الجديدة في جازان والباحة وتبوك وحائل والجوف ونجران والحدود الشمالية نقلة نوعية من حيث الشكل والمضمون؛ فإلى جانب خدمتها للعملية التعليمية وتوفير أجواء مثالية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب، فقد روعي في تصميم هذه المدن توفير مساحات استثمارية لتفعيل مشاركة الجامعة مع القطاع الخاص وزيادة موارد الجامعات المالية وكذلك توفير فراغات كافية للتوسع المستقبلي بحيث يكون بناء الجامعة على مراحل مع استيعاب حاجات المستقبل.

ومن أهداف هذا الانتشار الجغرافي للجامعات في مناطق المملكة هو أن تسهم هذه الجامعات في تفعيل وتطوير الحراك الثقافي وتنمية المناطق وتهيئة الأجواء الأكاديمية للطلاب في مناطق إقامتهم.