سعوديتان تحاربان البطالة بمشروع رياضي في الشرقية.. ومطعم نواعم في عسير

هربا من كابوس البطالة وتطبيق أفكار جديدة في قطاع الاستثمار

جانب من مشروع فاطمة الرياضي ويظهر أحد أبنائها خلف طاولة الاستقبال
TT

دخلت سيدتان سعوديتان معترك محاربة البطالة بمشروعين مختلفين في كل من المنطقة الشرقية، ومنطقة عسير، كسرا لأنماط الاستثمار التقليدي، وتشجيعا للسعوديات لاقتحام آفاق جديدة في الاستثمار.

لم تجد السعودية فاطمة الشهري وسيلة لتخرج أبناءها الستة من «كابوس» البطالة، سوى التوجه إلى صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لدعم مشاريع السيدات، الذي تكفل بتمويلها بمبلغ 200 ألف ريال، لتقوم بإنشاء أول مشروع رياضي يموله الصندوق، وهو عبارة عن صالة «بلياردو» تمتلكها فاطمة بمدينة الدمام، وتضم أبناءها الذين ضاعت سنوات عمرهم في متاهة البحث عن وظيفة، حيث يتناوبون الآن على مهام إدارة الصالة الرياضية، ومن المتوقع أن يفتتح صندوق الأمير سلطان هذا المشروع رسميا خلال الأسبوع المقبل.

فاطمة، هي ربة منزل لم يكن العمل أو امتلاك المشاريع الخاصة أحد أحلامها، حتى أفاقت على صدمة تخرّج أبنائها الستة إما من المرحلة الثانوية أو الجامعة؛ دون أن يجدوا فرص عمل مناسبة، وهي فترة وصفت نفسها فيها بـ«التائهة والعاجزة عن مساعدتهم»، حتى جاءتها فكرة المشروع، الذي تأسس قبل أشهر قليلة، ويشرف على إدارته حاليا ثلاثة من أبنائها، أعمارهم على التوالي: 25 عاما؛ 23 عاما؛ 21 عاما، والذين أجروا بأنفسهم دراسة الجدوى وإنهاء المتطلبات كافة.

تقول فاطمة: «في مرحلة التأسيس، الكل كان يستغرب من اختياري (كسيدة) لهذا المشروع، ثم أخبرهم أني اخترته ليناسب اهتمام الشباب من أبنائي الذين سيعملون فيه»، وبعد إخراجها لهم من كابوس البطالة، تضيف «الآن؛ أصبح كل منهم يبذل جهدا ويفخر به»، مؤكدة أن المشروع دفع أحد أبنائها إلى التفكير في الدراسة والتقديم إلى إحدى الجامعات، بينما صقلت مهام العمل من شخصية وخبرات البقية، حسب قولها.

وكعادة معظم المشاريع غير التقليدية التي تواجهها عدة معوقات في السنة الأولى، تعتبر فاطمة أن مشروعها مكلف وما زال يتطلب الكثير من التجهيزات، قائلة: «في الصالة 5 طاولات بلياردو تكلفة الواحدة نحو 8 آلاف ريال، بالإضافة إلى أجهزة البلاي ستيشن والمكيفات والشاشات وإيجار المبنى.. للحقيقة، لم أتوقع كل هذه التكلفة!»، وحول الإقبال على الصالة الرياضية، تقول: «أكملنا خمسة أشهر فقط، والإقبال جيد نوعا ما، لأنه لا توجد صالة مماثلة في الحي ولا حتى في الأحياء المجاورة».

ولم تقف عزيمة فاطمة عند هذا الحد، حيث تنسق حاليا لـ«عمل دوري مع صالات البلياردو الأخرى». وإلى جانب زاوية «الكوفي شوب» الموجودة داخل الصالة؛ تنوي فاطمة عمل ركن خاصة للقهوة العربية، وهي بصمة أنثوية قد تبعد مشروعها عن دائرة الصالات الرياضية الأخرى ذات الروح الخشنة، بينما تنفي فاطمة رغبتها في عمل صالة نسائية، قائلة: «المشروع تحت يد أبنائي، لذا لن أستفيد من عمل صالة للنساء».

عن هذه التجربة، تقول المدير التنفيذي لصندوق الأمير سلطان هناء الزهير: «هذا المشروع هو الأول من نوعه، ومختلف عن بقية مشاريعنا»، وتضيف: «واجهت هذه المرأة صعوبات شديدة، فهي مقاتلة حتى النخاع»، وتحدثت الزهير عن ما وصفته بـ«الرسالة الرئيسية التي وصلت إلى المجتمع»، في كونها تكمن في الأبناء الذين لا يخجلون من القول إن أمهم هي من وظفتهم، بحسب قولها.

من جهة ثانية، تناولت الزهير؛ خطوة صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لدعم مشاريع السيدات؛ مؤخرا؛ في توقيع اتفاقية تعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالسعودية، التي جاءت لتكون بداية تعاون مثمر بين الطرفين، بما يضم المجالات التي يمكن من خلالها تنمية وتطوير الكوادر الوطنية السعودية وخاصة النسائية، وذلك عن طريق التعاون في تقديم عدد من البرامج التنموية والتدريبية المتخصصة.

إذ توضح المدير التنفيذي لصندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاقية ستركز على عمل برامج لتطوير ورفع أداء وكفاءة المنتسبين إلى برامج الصندوق؛ وعمل تقييم شامل لما تم تقديمه للمرأة السعودية، مضيفة إلى ذلك التعاون في إجراء الدراسات والأبحاث، في حين أكدت أن الاتفاقية تشمل أيضا كلا من: مركز الأمير محمد بن فهد لإعداد القيادات الشابة ومركز الأميرة جواهر بنت نايف لأبحاث وتطوير المرأة.

ووفقا لبيان صحافي تسلمته «الشرق الأوسط»، ستعمل هذه الاتفاقية على تعزيز دور كل من الطرفين في تنمية وتطوير وضع السيدات بالمنطقة، وتقديم كل ما فيه الفائدة والمنفعة لهن. حيث يرى الطرفان أن دور كل منهما مكمل للآخر، فبالعمل معا والتأكيد على ضرورة الاهتمام بالسيدات بشكل خاص، من خلال التركيز على تنميتهن في جميع المجالات التي يمكن أن يكون لها فيها دور فعال، سواء كانت مجالات اقتصادية، ثقافية أو اجتماعية.

يذكر أن صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز يسعى إلى التعاون وبناء شراكات مع مؤسسات محلية وعالمية، لتقديم كل ما هو أفضل للمرأة السعودية والنهوض بها اقتصاديا وثقافيا، وتفعيل دوره التنموي بشكل أكبر. وحيث إن لبرنامج الأمم المتحدة دورا كبيرا ومهما في تطوير الكوادر البشرية بطريقة مدروسة ووفق معايير عالمية، لذا يتوقع الصندوق أن يكون لهذه الاتفاقية دور كبير في تنمية وتمكين سيدات المنطقة.

وفي عسير، استطاعت سيدة سعودية إنجاح مشروع مطعم نسائي، يستقطب 300 عائلة في اليوم الواحد ونحو 500 شاب خلال أيام الأسبوع وترتفع النسبة في نهاية الأسبوع تجذبها القائمة المنوعة من الأطعمة الشعبية والخليجية المصنوعة بأياد نسائية، إلى جانب النظافة التي تنعدم عند أغلبية المطاعم الأخرى والتي تديرها العمالة الوافدة.

وتبين عائشة حسن عسيري، صاحبة أول مطعم نسائي في منطقة عسير لـ«الشرق الأوسط» أن زبائنها من العزاب يفوق زبائنها من العائلات بعدد 500 شخص خلال أيام الأسبوع فقط، وذلك فضلا عن إجازة نهاية الأسبوع إلى جانب الطلبات الخارجية، وهذا وبحسب قولها يضعها هي وطاقمها النسائي داخل المطعم من شيفات ومباشرات سعوديات تحت ضغط التقدم والنجاح وتحمل المسؤولية.

وحول مشروعها ونظرة المجتمع إليه، تؤكد عسيري أنها تحاول إشباع ميولها ورغبتها الملحة في الطبخ وقهر البطالة والانتظار خلف طابور لا ينتهي للبحث عن وظائف شاغرة، مشيرة إلى أن كل من حولها وخاصة زوجها هو من شجعها على هذه الخطوة، مشددة على دور الرجل في حياة المرأة العاملة، ومدى تفهمه وتأييده لها بإيجابية تصنع منها سيدة ناجحة قادرة على تحدي صعاب العادات والتقاليد والأنظمة الراكدة التي هي بحاجة إلى إرادة قوية لتحريك ذلك الركود.

وأضافت عائشة أن المطعم يتميز بندرته وتميز فكرته، حيث يعد حاضنا لكل مبدعة ترى أنها تملك مقومات عالية في مهارات الطبخ والتقديم، وكل ما يخص ذلك المجال من فنيات وصبر، وتقول: «كنت شديدة الحرص على توظيف كادر نسائي من سيدات سعوديات لأسباب عدة، منها أنه لن يتقن مذاق المأكولات والأطباق السعودية سوى المرأة السعودية نفسها، إلى جانب المحاولة في انتشالها من البطالة وممارسة ما تراه هي أنها مبدعة فيه، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك قبل هذا الوقت، فإننا هنا نفتح المجال لكل سيدة وفتاة ترى وتؤمن بقدرتها لتحل بيننا كأسرة واحدة تحت مظلة مطعم نواعم».

وعن آلية التوظيف لديهم تقول السيدة عائشة إنه يتم سؤال السيدة المتقدمة للوظيفة عن ما تتقنه في الطبخ وأي الأصناف التي تبدع فيها وما هو جديد الأطباق التي يمكن أن يميز وجودها بين الشيفات الأخريات في المطبخ، فنحن - بحسب قولها - ما زلنا نستقبل عددا كبيرا من طلبات التوظيف، مرجعة السبب إلى ضغط العمل والطلبات على المطعم خاصة نهاية الأسبوع، وهذا لحب الرجل السعودي والعائلات السعودية لطبخ «البيت» كما هو معروف، لذا نحن نرى كل هذا الإقبال الذي يؤكد صحة الخطى التي نسير عليها ومدى قوة الفكرة. إلى ذلك، التقت «الشرق الوسط» الشيف السعودية رفيعة عسيري، التي أكدت أنها وبجانبها خمس من بناتها يعملن معها في طبخ جميع المأكولات والأطباق العربية والخليجية والسعودية بالدرجة الأولى، كما أنها أشارت إلى أن هناك سيدات سعوديات يعملن عاملات نظافة داخل المطعم، يساعدهن في كسب عيشهن، وعن عدد ساعات العمل تقول الشيف رفيعة: «يبدأ عملي من الساعة 9 صباحا حتى الواحدة ليلا ويتناوب بناتي على العمل الصباحي والمسائي، نظرا لضغط العمل الشديد».

من ناحيته، يبين المهندس عبد الرزاق عبد الله العلياني، الناطق الرسمي ببلدية عسير، أن القرارات والبنود الوزارية لا تمانع من استخراج تصاريح لمشاريع نسائية، وأنه لا فرق بين آلية استخراج تصاريح بأسماء رجالية أو نسائية.

واستدرك: «لكن هذا لا يخفي أهمية الالتزام بشروط مزاولة المهنة التي تخضع لشروط متمثلة في السلامة التي يشرف عليها الدفاع المدني، إلى جانب الضوابط الدينية، وهي بإشراف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». ونوه العلياني إلى أن استخراج رخص للعمل من المنزل مرفوض من قبل الوزارة لأسباب معينة تلزم صاحبة الترخيص التقيد بها.

وفي ظل تذمر بعض سيدات الأعمال من الفترة الزمنية الطويلة لاستخراج تصريح باسم نسائي إلى جانب «الشروط المعقدة» كما سماها البعض، أفاد المهندس العلياني بأن الإجراءات المتبعة حول تلك التراخيص تبقى ضمن الأنظمة المطروحة من قبل الوزارة، نافيا أن تكون هناك تعقيدات أو فرق في آلية التعاطي مع الرجل والمرأة، في ما يخص استخراج مثل تلك التراخيص وإن كان هناك نظام محدد يفرض حسب نوعية المشروع والمستثمر لهذا المشروع، مشيرا إلى أن الأمر السامي الذي يقضي بدعم مجالات وفرص عمل المرأة والذي تلتزمه جميع الوزارات، يعطي المرأة أحقية إنشاء مشروعها الخاص دون عوائق، والبلدية - بحسب قوله - تعتبر أحد أهم الداعمين لعملية الاستثمارات النسائية وخاصة في منطقة عسير.